الملك يفتتح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر ويلقي خطاب العرش السامي
افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الاثنين، أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر.
وألقى جلالة الملك خطاب العرش السامي، وفيما يلي نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين،
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أمس، كانت ذكرى ميلاد الحسين الباني، رحمة الله عليه، وأدعوكم للوقوف لقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة.
أما بعد،
فباسم الله وعلى بركة الله نفتتح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر، ونحن أمام محطة جديدة في مسيرة التحديث الشامل، لتحقيق المستقبل الذي يستحقه شعبنا الكريم ووطننا العزيز.
وبعون الله وتوفيقه، سيبقى أردن الخير مثالا مشرقا في التقدم والتضحية والإنجاز والتغلب على التحديات مهما كبرت، فهذا الوطن حر عزيز بأبنائه وبناته.
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
لقد أثبتت التجارب من حولنا أن الانتقال ضمن برامج واضحة، هو الطريق الآمن لتحقيق التحديث المطلوب، حفاظا على المكتسبات وحماية للاستقرار، ونحن عازمون على السير في هذا الاتجاه بمسؤولية ودون تردد أو تأخير، لتعزيز مصادر قوة الدولة، مجتمعا ومؤسسات.
وخلال الأشهر الماضية، شهدنا جهودا كبيرة لتحديث المنظومة السياسية، وهي جهود مقدرة ومشكورة للجنة التي كلفناها بهذه المهمة، ضمن إطار أشمل لتحديث اقتصادي وإداري تعمل الحكومة على إنجازه. وفي الوقت ذاته، لا بد من التأكيد هنا على أهمية ضمان سيادة القانون على الجميع دون تمييز أو محاباة.
وعليه، فإن أمامكم مسؤولية مناقشة وإقرار قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية والتعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة لمجلسكم الكريم، بهدف الوصول إلى بيئة حاضنة للحياة الحزبية، لتشكيل برلمانات المستقبل، بحيث يكون للشباب والمرأة دور بارز فيها.
إن عملية التحديث هذه، لا تقتصر على حزمة من القوانين والتشريعات وحسب، بل هي عملية تطور اجتماعي وثقافي في الأساس. وحتى نضمن التقدم نحو البرلمانات الحزبية، فأمامنا عمل كثير لتطوير أحزاب تستند إلى برامج قابلة للتطبيق والتقييم، وتخدم مصالح المواطنين، وتحقق مشاركة فاعلة ومنتجة على جميع المستويات الوطنية والمحلية.
وعلى القوى السياسية والأحزاب أن تنهض بدورها ومسؤولياتها لتحقيق ذلك، فالتشريعات المقترحة لها أصل دستوري، وهي تشمل ضمانات للعمل الحزبي الذي لن نسمح بإعاقته أو التدخل فيه من أي جهة كانت.
وفي إطار التحديث، علينا أن نحرص على صون مؤسسات الدولة السيادية والدينية والتعليمية والرقابية، من التجاذبات الحزبية، لتبقى درعا للوطن والمواطنين، دون تسييس أو تحزيب، وفي حماية الدستور ونصوصه.
أما فيما يتعلق بمساري التحديث الاقتصادي والإصلاح الإداري، فالهدف منهما تحقيق التعافي من الظروف التي فرضتها أزمة كورونا وبناء أسس راسخة لشراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، لإقامة استثمارات توفر فرص العمل وتحفز النمو والاستفادة من القطاعات الواعدة والطاقات البشرية المؤهلة.
يا أعيان الأمة ونوابها،
حان الوقت للارتقاء بوطننا إلى مراتب متقدمة، تجعل كل الأردنيين يزدادون فخرا بانتمائهم لهذا الوطن العظيم. فهذه الدولة الحرة التي أكملت مئة عام من عمرها المديد ويحميها دستور عصري ومتقدم، ستبقى عصية على عبث العابثين وأطماع الطامعين.
ولقد كان بلدنا على الدوام، قصة بناء وكفاح، سطرها الأردنيون بتضحياتهم. والانتقاص من هذه الإنجازات أو التقليل من شأنها إساءة بالغة لا يقبلها أحد.
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
إن قوة الأردن عمادها الأمن والاستقرار، فوطننا يحميه جيش عربي مصطفوي وأجهزة أمنية محترفة، ولهم منا باسم كل الأردنيين، تحية الاعتزاز والتقدير والاحترام، للعاملين منهم والمتقاعدين.
فهذا هو الجيش العربي الذي ظل وفيا لاسمه وشعاره، وسطر أروع صور البطولة دفاعا عن فلسطين. وما زالت دماء شهدائه تعطر ترابها وترسم منارات تضحية وشجاعة على أسوار القدس، التي تعيش في ضمير الهاشميين ووجدانهم منذ مئات السنين.
وقد قدم الأردن للقضية الفلسطينية ما لم يقدمه أحد غيره، وهذا واجبنا، وسيظل الأردن إلى جانب أشقائه الفلسطينيين حتى يستعيدوا حقوقهم الكاملة، ويقيموا دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.
أما الوصاية الهاشمية، فهي أمانة أتشرف بحملها، لحماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وهذا التزام منا بمبادئنا وتاريخنا وإرثنا الهاشمي، وتجسيد لإرادتنا الحرة وقرارنا الوطني، الذي لا نسمح لأحد أن يتدخل فيه أو يساومنا عليه.
حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
ختاما، أؤكد مرة أخرى على ضرورة التعاون بين جميع السلطات، وفي إطار الفصل المرن الذي حدده الدستور بينها، للمضي قدما في مسارات التحديث والتطوير. وكلي ثقة بأنكم تدركون مسؤوليتكم في هذه اللحظة التاريخية المهمة، للعمل بجد وإخلاص واتخاذ قرارات توافقية جريئة ومدروسة، أساسها المصلحة الوطنية.
وفقنا الله جميعا لما هو خير لهذا البلد العزيز وشعبنا الأردني الكريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ولدى وصول جلالة الملك إلى باحة مجلس الأمة، يرافقه سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، أطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة تحية لجلالته، وعزفت موسيقات القوات المسلحة السلام الملكي.
وكان في استقبال جلالته لدى وصوله رؤساء السلطات، وعدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين.
والتزاما بتعليمات السلامة العامة، جراء الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، تم اختصار المراسم الرسمية.