الرايات الهاشمية
تحمل الرايةُ في جميع الثقافات معاني السموّ والاستقلال، وتلخّص تاريخ الأمّة المرتبطة بها وتعبّر عن الموروث الذي تفخر به. والرايات الأردنية العربية الهاشمية هي راياتُ مجدٍ، ونتاجُ تاريخٍ مضيء، منذ عهد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وصولاً إلى علَم المملكة الأردنية الهاشمية وعلَم جلالة الملك المعظم والراية الهاشمية.
راية الرسول صلّى الله عليه وسلم (570-632م)
كان لرسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم رايتان، بيضاء وسوداء، وتكرّر ذكرُهما ووصفُهما، حيث ذكر صاحب "السيرة الحلبية" عند حديثه عن غزوة بدر أنه كان قبالة النبي رايتان سوداء وبيضاء، إحداهما يحملها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتسمّى "العقاب"، وهي راية الرسول صلّى الله عليه وسلم، والثانية البيضاء يحملها الأنصار.
وذكرَ ابن اسحق أن النبي عليه الصلاة والسلام دفع لواءً أبيض إلى مصعب بن هاشم بن عبد مناف، وذكرَ أبو هريرة أن الراية البيضاء عليها عبارة "لا إله إلّا الله محمد رسول الله".
وفي السنة الأولى للهجرة عندما تحركت سرية للمسلمين لاعتراض قافلة لقريش، دفع النبي صلى الله عليه وسلم براية بيضاء عقدها لأبي مرشد، وكانت هذه أولَ راية تُعقَد في الإسلام.
وفي فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، كانت الراية البيضاء تدخل أبواب مكة، إلى جانب رايات العرب الأخرى.
وتكرر استخدام الرايتين البيضاء والسوداء في عهد الخلافة الراشدة (632-661م)، ورفعتها جيوشُ الفتح في جميع معاركها، وعُرف المثنى بن حارثة برايته السوداء، وخالد بن الوليد برايته الخضراء، وسعد بن أبي وقاص برايته الحمراء، ورفع أسامة بن زيد الراية البيضاء.
الراية الأموية (661-750م)
تولّى معاوية بن أبي سفيان حكْمَ الدولة الأموية سنة 661م، بعد أن آلت إليه من الحسن بن عليّ، رضي الله عنهما، بعد حادثة التحكيم في أرض أذرح الأردنية سنة 36 للهجرة، واتخذ الأمويون الراية البيضاء استبشاراً بفتح مكة وانتصار الرسول عليه الصلاة والسلام فيه.
الراية العبّاسية (750-1258م)
خاض العبّاسيون معركة الزاب الكبير ضد الأمويين سنة 750م، فتحقق لهم النصر، وابتدأت دولتهم بعد أن زحف عليّ بن عبدالله بن العباس من أرض الحميمة الأردنية نحو بغداد. واتخذ العبّاسيون الأسْوَدَ لوناً لرايتهم تيمّناً بعمامة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبراية العقاب السوداء، وحداداً على من استُشهد من آل البيت.
الراية الفاطمية (909-1171م)
أسس عبيدالله المهدي الفاطمي الدولةَ الفاطمية في المغربَين الأدنى والأوسط بعد أن دحر دولة الأغالبة في شمال إفريقيا سنة 909م، وامتدت دولته إلى طرابلس (الغرب) وبرقة وتونس، وتولّى المعزُّ لدين الله الفاطمي الحكمَ فسيطر على مصر، وبنى قائدُه جوهر الصقلِّي مدينة القاهرة.
اتخذ الفاطميون الأخضرَ لوناً لرايتهم تيمّناً بُجبَّة الرسول عليه السلام الخضراء التي تدثّر بها عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ليلةَ نام في فِراش النبي حين دخل المشركون يريدون قتل الرسول عليه السلام، وما إن كشفوا الجبّة الخضراء حتى رأوا "عليّ" كرم الله وجهه، فارتدّوا إلى نحورهم.
الراية الهاشمية (1515-1520)
رفع الهاشميون اللون الأحمر الداكن (العنّابي) علَماً لهم منذ عهد الشريف "أبو نمّي" في الفترة 1515-1520م، أي في عصر السلطان العثماني سليم الأول.
ويذكر خير الدين الزركلي في كتابه "ما رأيت وما سمعت" أن الحسين بن عليّ كان في وداع ابنه الأمير عبدالله عندما توجّه إلى معان عام 1920، وكانت الراية الحمراء الخاصة بالأشراف تتقدم الأمير وجنوده.
ويقول السيد البكري في صهاريج اللؤلؤ أن "الراية الحمراء كانت لأهل الحجاز".
وحين انطلقت الثورة العربية الكبرى، أبلغ الشريفُ الحسين بن عليّ الحلفاءَ أن راية الثورة هي الحمراء إلى أن يتم اعتماد علَم رسمي تُبلَّغ مواصفاته لجميع الدول.
راية الثورة العربية الكبرى (1916)
بعد عامٍ من انطلاق الثورة العربية الكبرى، جرى استعراضٌ برعاية الأمير فيصل بن الحسين في منطقة الوجه على ساحل البحر الأحمر، تمّ فيه رفع راية الثورة العربية الكبرى الجديدة للمرة الأولى، وقام الأمير فيصل بتسليمها للقائد رشيد المدفعي مع أداء القسَم بأن تبقى الراية مرفوعة في الأعلى.
ونشرت جريدة "القبلة" في عددها رقم 82 بياناً أوضحت فيه مواصفات راية الثورة العربية الكبرى، وجاء فيه أن العلم الجديد يتألف من مثلث أحمر اللون عنّابي، تلتصق به ثلاثة ألوان أفقية متوازية، هي الأسود من فوق، ثم الأخضر، ثم الأبيض.
وجاءت هذه الراية لتلخّص مجدَ العرب وتلتقي مع المجد الهاشمي.
راية المملكة العربية السورية (1918–1920)
فيما كانت قوات الثورة العربية الكبرى تزحف نحو دمشق لإعلاء راية الدولة العربية المستقلة، ارتفعت راية الثورة في حماة وحلب واللاذقية وبيروت ودمشق وجبل لبنان، وأعلن الأمير محمد سعيد الجزائري مؤازرته للثورة العربية الكبرى من دمشق، وقيام الدولة العربية، وقد رفع العلم على دار البلدية والحكومة يوم الأول من تشرين الأول 1918.
وما إن دخل الأمير فيصل دمشق حتى بدأ ببناء مؤسسات الدولة وإجراء الانتخابات في بلاد الشام، فالتأم المؤتمر السوري العام يوم 8 آذار 1920، وقرر في اليوم نفسه أن يكون علَم الدولة السورية هو راية الثورة العربية الكبرى مضافاً إليها النجمة السباعية وسط المثلث الأحمر، انطلاقاً من أن سوريا هي الدولة العربية المستقلة الأولى التي تنبثق عن مشروع النهضة العربية. أما النجمة السباعية فهي تمثل مناطق سوريا السبع: ولاية دمشق، ولاية بيروت، شرق الأردن، فلسطين، ولاية جبل لبنان، ولاية حلب، وسنجق القدس.
راية المملكة العراقية (1921–1958)
كان العراقيون يرغبون في دولة ملَكية مستقلة منذ إعلان المملكة العربية السورية في 8 آذار 1920، وكانت البيعةُ للأمير عبدالله بن الحسين ملكاً على العراق في اليوم نفسه، لكن الظروف الخارجية حالت دون انتقال الأمير عبدالله إلى العراق حينها. وبعد أحداث ميسلون، وما أعقبها من تطورات سياسية، نودي بالملك فيصل ملكاً على العراق في 23 آب 1921.
وبعد اكتمال مؤسسات الدولة أصدر الملك فيصل الأول في عام 1924 مرسوماً يقضي بتشكيل المجلس التأسيسي للدستور، وقرر المجلس الاحتفاظ بعلَم الثورة العربية الكبرى علَماً للمملكة العراقية، على أن يكون المثلث الأحمر في صورة شبه منحرف، ويوضع فيه نجمتان سباعيتان، مع نقل اللون الأبيض إلى الوسط.
والنجمتان السباعيتان هما للدلالة على أن العراق هو الدولة الثانية التي تنبثق عن عهد الدولة العربية الهاشمية في الحجاز، وتمثل رؤوسهما الأربعة عشر مقاطعات العراق الأربع عشرة.
راية المملكة الأردنية الهاشمية
بدأ اعتماد العلَم الأردني بصورته الحالية منذ عام 1922، وهو مستمَدّ في شكله وألوانه من راية الثورة العربية الكبرى، التي انطلقت من بطحاء مكة عام 1916، وباقتراح من ضباط الجيش العربي الأردني جرى تغيير في ترتيب الألوان بوضع اللون الأبيض في الوسط لتمييزه من بُعد.
وتشير ألوانُ العلَم والكوكب السباعي، إلى ما يلي:
- اللون الأسود (من الأعلى): راية "العقاب"، وهي راية الرسول عليه الصلاة والسلام، وراية الدولة العباسية.
- اللون الأبيض (في الوسط): راية الدولة الأموية.
- اللون الأخضر (في الأسفل): راية الدولة الفاطمية (شعار آل البيت).
- اللون الأحمر (المثلث): راية الهاشميين منذ عهد الشريف "أبو نمّي".
- الكوكب الأبيض السباعي (النجمة السباعية): تشير الرؤوس السبعة إلى السبع المثاني في فاتحة كتاب الله العزيز التي تتألف من 7 آيات. كما تدل على شعارات: التوحيد بالله، وسموّ الإنسانية، والشعور بالإحساس القومي، والتواضع، والعدالة الاجتماعية، والدعاء للنهج المستقيم، وإدراك المنى والأهداف.
وحدّد الدستور الأردني مواصفات الراية الأردنية، حيث نصت المادة الرابعة على: "تكون الراية على الشكل والمقاييس التالية: طولها ضعف عرضها، وتقسَم أفقياً إلى ثلاث قطع متساوية متوازية: العليا منها سوداء، والوسطى بيضاء، والسفلى خضراء، ويوضَع عليه من ناحية السارية مثلثٌ قائم أحمر قاعدته مساوية لعرض الراية وارتفاعه مساوٍ لنصف طولها، وفي هذا المثلث كوكب أبيض سباعي الأشعة مساحته مما يمكن أن تستوعبه دائرة قطْرُها واحد من أربعة عشر من طول الراية، وهو موضوعٌ من حيث يكون وسطُه عند نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث، وبحيث يكون المحور المارّ من أحد الرؤوس موازياً لقاعدة هذا المثلث".
علَم جلالة الملك في الأردن
نُشر في الجريدة الرسمية (العدد رقم 217، 1 كانون الأول 1929) تعليمات علَم صاحب السمو الملكي الأمير المعظم (علَم جلالة الملك المعظم فيما بعد؛ في 25 أيار 1946)، وجاء في نَصّ التعليمات ما يلي:
"يكون علَمُ (لواء) سموّ الأمير المعظم بالشكل والقياس الآتي:
يكون طولُه ضعفَ عرضه، وتوضَع في وسطه راية شرق الأردن، كما يحدّد شكلها في القانون الأساسي مصغرة لثلث حجم لواء سمو الأمير، وتكون راية شرق الأردن الوطنية ضمن إهليلج أبيض يلامسها 24 شعاعة على الداير.
يكون قياس الأربعة أشعة التي في الزوايا معادلاً لسُبع طول العلَم من الأعلى والأسفل، ويكون قياسها عند نهايتها معادلاً لسُبع عرض العلَم. وتكون الحدود العليا للأشعة العليا والحدود السفلى للأشعة السفلى مكوِّنة لخط الاتصال مع زوايا الراية الوسطى.
يكون (خمسة) أشعة بين كلٍّ من الزوايا، ويكون قياس قواعدها الخارجية معادلاً لسُبع طول العلَم من الأعلى والأسفل ومعادلة عند نهايتها لسُبع عرض العلَم.
يكون قياس القواعد الداخلية للأربعة أشعة التي في الزوايا معادلاً لثلاثة أجزاء من 14 جزءاً من عرض العلَم الأوسط وقياس قواعد الخمسة أشعة التي على طرفي العلم معادلاً لسبع عرض العلَم الأوسط.
يكون قياس قواعد الخمسة أشعة العليا والخمسة السفلى التي بين أشعة الزوايا معادلاً لخمس طول الراية الوسطى.
تكون ألوان الأشعة ابتداء من شعاع الزاوية العليا عند طرف سارية العلَم أسود فأبيض فأخضر فأبيض فأحمر، وتتعدد على هذا النمط".
الراية الهاشمية
كان الشريف "أبو نُمّي" أولَ من رفع راية الهاشميين بلونها وشكلها الأحمر الداكن، وكان ذلك في عام 1515، كما رفعها الأمير عبدالله عندما توجّه إلى معان عام 1920، لتتقدم الأميرَ وجنوده، وهي أيضاً راية الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي، إلى أن تم اعتماد علَم رسمي للثورة.
مكونات الراية الهاشمية ودلالاتها:
- الشهادتان (لا إله إلا الله محمد رسول الله): دلالة على التوحيد والرحمة.
- البسملة داخل النجمة السباعية: البسملة هي التي يُبدأ بها كل شيء، أما النجمة السباعية فتشير إلى السبع المثاني؛ آيات سورة الفاتحة في القرآن الكريم، كما إنها رمز السموات السبع، ورمز الملَكية الهاشمية.
- الحمد لله رب العالمين: تعبير عن الثناء والشكر لله تعالى، وتُقال عند الانتهاء من أيّ عمل.
- اللون الأحمر الداكن: لون الراية الهاشمية الذي يرمز الى الفداء والتضحية.
وقد اختير خط الثُّلث، وهو من أجمل الخطوط العربية الإسلامية، لِتُخَطّ به مضامين الراية.
وفي 9 حزيران 2015، سلّم جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرايةَ الهاشمية لمستشار جلالة الملك للشؤون العسكرية، رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن، وذلك خلال مراسم عسكرية مهيبة في ساحة قصر الحسينية بعمّان، لتنضمّ هذه الراية إلى رايات وأعلام القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي.
إنّ تسليم الراية الهاشمية للجيش العربي، يشكّل رسالة للأمة وللأجيال وللإنسانية جمعاء، ديناً وهوية، جوهرُها السلام والمحبة والتسامح والعدل والخلق الرفيع والعيش المشترك.