كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر معهد بروكنجز "الشرق الأوسط والإدارة الأمريكية الجديدة"
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر معهد بروكنجز "الشرق الأوسط والإدارة الأمريكية الجديدة"
(مترجم عن الإنجليزية)
(عبر تقنية الاتصال المرئي)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصدقاء الأعزاء،
أشكركم على دعوتي للتحدث اليوم، ويسرني الانضمام إليكم مجددا في معهد بروكنجز، افتراضيا هذه المرة، حيث يضطلع مركز سياسات الشرق الأوسط الخاص بكم بدور أساسي في تعميق فهم صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية لمنطقتنا.
إن الولايات المتحدة بالطبع ليست غريبة عن الشرق الأوسط، ولها دور قيادي محوري في تعزيز أمن واستقرار المنطقة. ومن المشجع أن نرى التزام الرئيس بايدن المتجدد بانخراط أمريكا على الساحة الدولية.
في هذه الأوقات الصعبة تزداد الحاجة لصوت أمريكا المتزن وجهودها لاستعادة الزخم للنظام العالمي المبني على الشراكة، الذي يضع صحة ورفاه جميع الشعوب في عمق أولوياته. وستجد الولايات المتحدة في الأردن دوما شريكا ثابتا، فعلاقتنا هي صداقة والتزام مشتركان ممتدان عبر أكثر من سبعة عقود، بنيناها بفخر معا على مر السنين.
إن التحدي الأكثر إلحاحا هو فيروس كورونا، الوباء الذي حصد أرواح ما يزيد عن 2 مليون شخص حول العالم. ولكن قد يكون بإمكاننا تجنب المزيد من المأساة وأعداد الوفيات المرتفعة من خلال ضمان التوزيع العادل للقاح في جميع أنحاء العالم. لا يمكننا التخلي عن أحد، والأردن يقوم بدوره في هذا الصدد، فنحن دائما على قدر المسؤولية، حيث شملنا اللاجئين في خطة الاستجابة لفيروس كورونا وخطة توزيع اللقاحات، فأول لاجئ تلقى اللقاح في العالم مجانا، كان في الأردن.
وعلى الرغم من غياب قصص اللاجئين عن عناوين الأخبار اليومية، لا بد من تذكير العالم بأن أزمتهم لم تنته بعد. إن تقديم الدعم للوكالات الدولية التي تتصدر جهود الإغاثة، مثل منظمة الصحة العالمية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، متطلب أساسي لتمكينها من مساعدة المجتمعات المعرضة للخطر، لتجنب تبعات الجائحة بعيدة المدى على الصحة، والمعيشة، والتعليم، والأمن الغذائي.
إن مخاطر الأمس، وإن كانت مختبئة بعيدا عن الأنظار، لا تزال تهدد عالمنا اليوم. إن تكريس اهتمامنا ومواردنا لمكافحة الوباء، جاء على حساب تركيزنا على محاربة الإرهاب والتطرف، وقد نكون كسبنا المعركة، لكن الحرب لم تنته بعد، فغياب المساواة والأزمات المتزايدة التي تلوح في الأفق بسبب الجائحة ستغذي عمليات التجنيد التي تنفذها العصابات من أمثال داعش وبوكو حرام والشباب والقاعدة.
وبالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والإنسانية لجائحة "كورونا"، تواصل المنطقة التصدي لتداعيات الصراع والنزوح في دول مثل سوريا واليمن.
نتطلع، مرة أخرى، لدور الولايات المتحدة الأمريكية القيادي وتعاونها مع شركائها في الشرق الأوسط وحول العالم، للتصدي لهذه التهديدات.
أصدقائي،
كان لي شرف التحدث أمام معهدكم الموقر عند افتتاح مركزكم لسياسات الشرق الأوسط قبل 19 عاما، وتحدثت حينها عن الحاجة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو القضية المركزية في الشرق الأوسط. وأنا متأكد أن زملاءكم كتبوا عددا لا يحصى من المقالات حول هذا الموضوع بالتحديد، لذا يمكنكم تخيل حجم الإحباط الذي يعاني منه الذين ما زالوا يعيشون في خضمّ ذلك النزاع الذي طال أمده، غير قادرين على المضي قدما.
الاحتلال والسلام، بكل بساطة، نقيضان لا يجتمعان. وللشعب الفلسطيني الحق بقيام دولتهم المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
لا بديل عن حل الدولتين، والخطوات الأحادية المستمرة ستقتل فرص السلام.
الاحتلال.
الظلم.
اليأس.
التمييز العنصري.
هذه وصفة علمنا التاريخ ألا رابح فيها، فهي تنتج الخاسرين والمعاناة فقط.
هناك فرصة للبناء على التطورات التي شهدناها أخيرا. علينا إعادة إحياء الأمل في فرص نجاح السلام، كما علينا أن نمكن شبابنا من الاقتراب من مستقبل لطالما بدا لهم بعيد المنال. ويحمل الدور القيادي للولايات المتحدة هنا أهمية حيوية.
سيبقى الأردن مستعدا على الدوام للمساهمة في أي جهود لإعادة إطلاق مفاوضات السلام، كما سنظل ملتزمين بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، للحفاظ على هوية المدينة. فالحفاظ على القدس الشريف، مدينة للإيمان والسلام، مسؤولية نتشارك بها جميعا.
أصدقائي،
يحتفل الأردن هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيس الدولة. خلال المئة عام الماضية، تعلمنا كيفية التعامل مع العديد من الأزمات الإقليمية والدولية، واكتسبنا صمودا وثقة، يحثان خطانا اليوم نحو الأمام.
ولكننا تعلمنا أيضا أن استمرار غياب العدالة في منطقتنا سيقوض تقدمنا جميعا، فالازدهار في الشرق الأوسط لا يمكن أن يؤتي أكُله دون السلام، علاوة على المكاسب الإيجابية التي سيحققها ذلك للعالم بأسره.
حان وقت العمل على حل النزاعات بدلا من إدارتها، والتركيز على الهدف النهائي، بدلا من فقدان البوصلة في حيثيات العملية. نحن مدينون بهذا لعالمنا، فلنتعلم من أخطاء الماضي، ولنسلك الطريق الأسمى، طريق السلام.