الملك والملكة يحضران مأدية عشاء رسمية في قصر نورتاينده في لاهاي
حضر جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله مأدبة العشاء الرسمية التي أقامها جلالة الملك ويليام الكسندر، ملك مملكة هولندا وجلالة الملكة ماكسيما، في قصر نورتاينده في لاهاي اليوم الثلاثاء، تكريما لجلالتيهما والوفد المرافق، بحضور عدد من كبار المسؤولين الهولنديين.
وأكد جلالته، في كلمة خلال مأدبة العشاء، عمق علاقات الصداقة التي تجمع بين البلدين والشعبين الأردني والهولندي.
وتاليا نص كلمة جلالته:
" بسم الله الرحمن الرحيم
صاحبا الجلالة،
أصحاب السمو،
لقد سعدنا حقا، أنا والملكة رانيا بوجودنا معكم هنا مجدداً، وأشكركم على ترحيبكم الحار.وباسمنا جميعاً، أعبر لكم عن تقديرنا العميق للطفكم معنا منذ لحظة وصولنا هنا.
عندما أستذكر الصداقة العميقة التي تجمع شعبينا الأردني والهولندي، والعلاقات التاريخية بين الأسرتين الملكيتين – والتي أشرتم لها جلالتكم – فإنني أشعر بأن زيارة هولندا مجددا هي كزيارة بيت صديق قديم.
وفي الواقع، فنحن الآن بالفعل في بيت صديق قديم، وهو هذا القصر البهي. صاحبا الجلالة، صاحبة السمو (الأميرة بياتريكس)، إن لقاءنا في هذه الليلة، يعيد إلى الأذهان ذكريات جميلة من زياراتنا السابقة قبل عدة سنوات.
عندما وصلنا في الأمس، شهدنا بدايات الربيع الخلاب في بلادكم، فهو يأتي بعد فترة انجماد غير مسبوقة قبل بضعة أسابيع. وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية أخبار تجمد قنواتكم المائية.
إلا أن وسائل الإعلام تناقلت أيضاً أخبار إنجازات هولندا ورياضييها في الأولمبياد الشتوية في بيونغ تشانغ، فقد سمعت أن ساحات التزلج على الجليد في الأولمبياد قد ازدانت باللون البرتقالي ]رمز هولندا[.
لكم وللفائزين بالميداليات وزملائهم ومن شجعهم تهانينا الحارة.
نحن نعرف ونقدر ما تفعله بلادكم لتساعد الشباب على تحقيق أحلامهم في الرياضة الدولية وفي كل مسعى. وهذه ليست إلا إحدى المجالات التي تضرب فيها هولندا مثلاً يحتذى. فنحن نتابع بإعجاب جهودكم في المجال الثقافي، وإنجازاتكم الاقتصادية، وقطاعكم التعليمي الرائد، وتوظيفكم للعمل الدبلوماسي في سبيل السلم والازدهار العالميين.
وتدرك هولندا جيدا أمراً على جميع الدول الأخرى أن تدركه، وهو أننا جميعاً ننتمي إلى العالم المترابط من حولنا. وعلينا أن ننخرط فيه بطريقة إيجابية.
أصدقائي،
يواجه عالمنا بلا شك تحديات هائلة، ولكن تاريخ هولندا يقدم لشعوب العالم عبراً قيمة مفادها أنه بالإمكان تخطي التحديات عندما يساعد الجار جاره في إيجاد حلول مستدامة توفر الأسس اللازمة لمستقبل أفضل.
وهذا هو نهج الأردن أيضاً. واستنادا لهذا النهج، مد الشعب الأردني يد العون والعطاء إلى اللاجئين، ليحمل عبء أزمة اللجوء. واستنادا لهذا النهج أيضاً، يحرص الأردن على تحقيق التنمية المستدامة، والسلام، والتناغم بين الأديان.
ولطالما كانت هولندا شريكا فاعلا لنا في كل هذه الجهود، فلبلادكم دور سبّاق في تطوير التعليم والإبداع والريادة، وفي توفير الفرص عبر الاستثمار والتجارة، وفي مساعدة اللاجئين والمجتمعات المستضيفة التي تضحي بالكثير الكثير من أجل النهوض بمسؤولية استضافتهم.
اسمحوا لي أن أؤكد أن الأردن فخور بشراكته مع هولندا أيضاً في التحالف لمحاربة داعش وفي العمل معكم لمواجهة خطر الإرهاب الذي يهدد العالم أجمع. والأردن وهولندا يدركان الحاجة إلى نهج شمولي يتصدى للأزمات وللظروف التي تجعل الناس عرضة للتطرف؛ وهو نهج ينادي بدعم كل الذين يبذلون الجهود لتحقيق الهدف المنشود، فبترسيخنا للتعاون ولقيم العيش المشترك والازدهار والاعتدال والأمل، نبني مستقبلاً أفضل للجميع.
أصدقائي،
لطالما لعبت هولندا دوراً قيادياً في الوقوف في وجه الظلم وقدمت للعالم مثالاً في التسامح وإرساء الشراكات. ونحن في الأردن نشكركم على ذلك ونقف معكم بكل فخر".
بدوره، أعرب جلالة الملك ويليام الكسندر، ملك مملكة هولندا، في كلمته، عن ترحيبه بجلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله في هولندا، مؤكدا حرص بلاده على تعزيز التعاون مع الأردن في مختلف المجالات.
وقال "أرست عائلاتانا الأسس للصداقة الوثيقة التي تجمعنا. ولقد كان لوالدكم جلالة الملك الحسين، رحمه الله، تقديرا عاليا لدى والدتي. ونستذكره دائما بدفء كبير وشعور بالامتنان. وبعد مرور حوالي 20 سنة على رحيله، ما تزال ذكراه العزيزة علينا راسخة في قلوبنا".
وأضاف "أننا نعتبر أنفسنا محظوظين جدا، كونكم مستمرون يا صاحب الجلالة في تقدير العلاقة الخاصة التي تجمع الأردن مع هولندا ومع عائلتنا. إنكم والملكة ملتزمون بتعزيز رابط الصداقة هذا، ولذلك فإن زيارتكم تسهم في إبراز المودة المتبادلة بيننا وعمق صداقتنا".
وقال جلالة الملك ويليام الكسندر إن الأردن يشكل منارة للاستقرار في إقليم مليء بالنزاعات. وبنعمة من الله أصبح الأردن ملاذا وسط إقليم مضطرب.
وتابع "إنكم تقومون بجهد محوري في دعم الإقليم. فحيث تتصاعد التوترات حد الغليان، نراكم تبذلون الجهود لتخفيف حدتها. إنكم تمثلون صوت العقل، كما أنكم تنظرون بعين الرعاية لكل أبناء بلدكم، وتمدون أيديكم لكل من يرغب بالعمل من أجل السلام والتقدم. وتمدون أيديكم أيضاً لكل من هو محتاج. فأكثر من مليون لاجئ سوري ومليونين ونصف المليون لاجئ وجدوا في بلدكم الملاذ الآمن الذي نشدوه".
وبين، في هذا الصدد، أن أثر ذلك على الحياة اليومية للشعب الأردني هائل وكبير. فهم مضطرون لمشاركتهم كل ما لديهم: الطعام، والمسكن، والمياه والكهرباء، والمدارس وفرص العمل. وهذا يتطلب تضحيات هائلة نتج عنها ضغوطات كبيرة على الشعب الأردني على امتداد عدة سنوات.
وأكد جلالة الملك ويليام الكسندر أن المجتمع الدولي سيبقى على الدوام ممتنا للأردن في هذا المجال. فقد يكون الشعب الأردني متواضعا في العدد، إلا أنه عظيم في عطائه وإنسانيته. وحق لكم أن تفخروا بذلك.
وقال مخاطبا جلالة الملك، إنه وقبل ثلاث سنوات عبرتم في خطابكم أمام البرلمان الأوروبي عن مبادئكم بما يلي: "إن حياة الناس تزدهر حيث يزدهر الاحترام المتبادل، وتقوم الحضارة الإنسانية على هذا المبدأ، والمستقبل الأفضل يتحقق به."
وأضاف "لقد جعلتم محاربة الكراهية والعنف أولويتكم الأولى، ليس في بلدكم فقط، بل على امتداد منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق المجاورة. فمن خلال دوركم الرائد في إيجاد "اجتماعات العقبة" تسعون لجمع قادة العالم والتقريب بينهم من أجل السلام. وتستحق رسالتكم لنشر التفاهم والتسامح أن يصغي لها الجميع وأن يدعموها".
ولفت إلى أن السلام لا يتطلب الدعم المعنوي فقط، بل يحتاج لإجراءات ملموسة أيضا، فعدم توفر آفاق اقتصادية واجتماعية، من شأنه تهديد استقرار المجتمعات، بغض النظر عن النوايا الحسنة للشعوب.
وأضاف "لهذا السبب يجب أن نعمل معا لتعزيز النمو والتنمية، وهذا هو هدف زيارتكم. إن الأردن بحاجة إلى توفير الوظائف. وعندما تكون بيئة الأعمال جيدة والنظام التعليمي يقوم بإعداد الطلبة لسوق العمل، فإنه يسهل الحصول على عمل. وأنتم تعملون بجد لتحقيق هذا، ونحن في هولندا مستعدون لمشاركة معرفتنا وخبراتنا معكم".
وفي الإطار نفسه، قال جلالة الملك ويليام الكسندر "إن الشيء نفسه ينطبق على قطاعات أخرى مثل الخدمات اللوجستية والزراعة، فالأردن بحاجة لكل قطرة ماء، والخبراء الهولنديين مستعدون للعمل معكم لتحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد الطبيعية من خلال تطبيق الحلول الأكثر ذكاء واستدامة".
وقال "صاحب الجلالة، كمعظم الناس في بلدكم، فإنكم ومن الصغر تسمعون وتلقون التحية العربية السلام عليكم، لكن بالنسبة لجلالتكم ولجلالة الملكة رانيا فإن هذه الكلمات ليست مجرد مجاملات، بل تعد دافعا شخصيا ومهمة تسعون لتحقيقها سواء داخل بلدكم أو خارجه".
وأضاف "أن زيارتكم لبلدنا توفر لنا الفرصة لنعبر لكم عن مدى تقديرنا لجهودكم ولروابط الصداقة التي تجمعنا".
وحضر مأدبة العشاء الرسمية وزير الخارجية وشؤون المعتربين، ومستشار جلالة الملك، مدير مكتب جلالته، ووزير الصناعة والتجارة والتموين، والسفير الأردني في هولندا.
وكانت جرت لجلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله مراسم استقبال رسمية في قصر نورتاينده في مدينة لاهاي الهولندية، حيث كان في مقدمة مستقبليهما جلالة الملك ويليام الكسندر، ملك مملكة هولندا وجلالة الملكة ماكسيما.
وعزفت الموسيقى السلامين الملكي الأردني والوطني الهولندي، كما استعرض جلالته وجلالة الملك ويليام الكسندر حرس الشرف الذي اصطف لتحيتهما.