خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في التجمّع العالمي الثاني لدراسات الشرق الأوسط

١٢ حزيران ٢٠٠٦

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

سمو الأمير الحسن بن طلال،

المشاركون الأفاضل،

يسعدني أن أرحب بهذه النخبة المتميزة من العلماء والباحثين المشاركين في هذا التجمّع العالمي الثاني لدراسات الشرق الأوسط. إنها المرة الأولى التي نقوم فيها في الأردن، وفي البلدان العربية كافة، باستضافة هذا التجمع، ونحن نشعر بالفخر والاعتزاز بصورة خاصة كونه أكبر تجمّع من نوعه يعقد في منطقة الشرق الأوسط.

لقد جئتم لمناقشة العديد من القضايا الهامة ذات العلاقة بهذه المنطقة وما يتجاوزها. إن الفرص والمُحدّدات التي يُشكلّها التاريخ، والجغرافيا، والسياسات السائدة، كلها مناحٍ ستقضون الأيام القليلة القادمة وأنتم تتأملون فيها. وستوفر النتائج التي ستتوصلون إليها وتوصياتكم، دون شك، مشورة ومعلومات هامة لأولئك الذين يعيشون في هذه المنطقة، من الذين عقدوا العزم على مواصلة العمل لتحقيق السلام، والتسامح، والتنمية. ونحن في الأردن نقود هذا الجمع الساعي من أجل تحقيق السلام. ونعمل مع شركاء آخرين لنضمن أن الدروس المستفادة من الماضي هي خطة أولية لبناء مستقبل أفضل، من أجل شعبنا، ومن أجل الإنسانية جمعاء أيضاً.

أصدقائي،

وقبل ذلك كلّه، فقد وفدتم إلى هذه الأرض المباركة سعياً وراء المعرفة. إن هذا الهدف الأنبل حظي دائما بالأولوية القصوى لدينا. والمعرفة بالفعل هي المضمون الذي تشتمل عليه أول سورة أوحي بها في القرآن الكريم:

{إقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربّك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم} (العلق: 1- 5).

كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (الزمر:9).

وورد في آية أخرى في الكتاب العزيز:

{وقل ربِّ زدني علماً} (طه: 114).

إن أرفع أنواع المعرفة بالطبع، هي المعرفة بالله، معرفة صفاته وسننه، ومعرفة العلوم الدينية. ولكننا أيضاً نسعى للحصول على معرفة العقل، معرفة المنطق والعلم، فهذه المعرفة هي التي شكلت العلامة المميزة للحضارة الإسلامية، بما قدمته من إسهامات أساسية هامة للعالم في مختلف الفروع والحقول، بما فيها: الرياضيات، والجبر، والفلك، والطب، والقانون، والتاريخ، وعلم الأحياء، والكيمياء، والصيدلة، والبصريات، والزراعة، وفن العمارة، والدراسات الدينية، والفلسفة، والموسيقى، وعلم الاجتماع.

المشاركون الأفاضل،

في هذه المجالات وفي غيرها، تساعد المعرفة الخبيرة مجتمعاتنا على اتّخاذ قرارات ناجحة تستند إلى المعلومات، حول السياسات والموارد. وهذه المعرفة تعد أساسية ومصدر للقوة. وربما كان هذا أحد الأسباب الذي جعل من التعليم والبحث العلمي أولويتين استراتيجيتين للأردن والبلدان الشرق أوسطية الأخرى. وفي الواقع، فإننا في الأردن نعتبر بناء المعرفة جزءًا أساسياً هاماً من أجندة الإصلاح الوطنية لدينا. ومبادراتنا تشمل توفير الدعم للتميّز في مجال التعليم... والربط بين الشبكات في الإطار الإكاديمي... وإقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص لزيادة إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا والموارد الأخرى. وقد توجهت أنظارنا إلى المجتمع الأكاديمي الأردني نفسه ليقود هذه المسيرة. كما أننا فتحنا أبواب الأردن أمام مجتمع الفكر العالمي. ولم نقتصر على الترحيب بالتجمّع العالمي الثاني لدراسات الشرق الأوسط فقط. فبعد عشرة أيام، سيجتمع الحائزون على جائزة نوبل من مختلف أرجاء العالم، للمرة الثانية في البتراء، للعمل معاً من أجل إحداث تغير إيجابي.

إن بناء مجتمعات تحظى بالقوة وتستند في حركتها إلى المعلومات الصحيحة ليس إلا واحدة من الوسائل التي يمكن للمجتمع الأكاديمي أن يؤثر من خلالها في مستقبل هذه المنطقة. أما الدور الثاني، والذي لا يقل أهمية عن الدور الأول، فهو دور العاملين في مجال الاتصال. فبينكم أساتذة جامعات وكاتبو مقالات... وخبراء تتطلع إليهم الصحافة العالمية ليزوّدوها بنظرتهم الثاقبة حول ما يدور من أحداث هامة. وبعضكم يشغل عضوية مجالس إدارة المنظمات غير الحكومية. وآخرون منكم يطلب منهم أن يقدموا شهاداتهم أمام البرلمانات، ومشورتهم للحكومات. وليس هناك مَنْ هو في وضع أفضل منكم لتصحيح المعلومات الخاطئة والصور النمطية حول العالم العربي... ليس هناك مَنْ هو في وضع أفضل منكم لينقل بصورة أفضل حقيقة مجتمعاتنا المتنوعة المعقدة... وليس هناك مَنْ يمكنه أن يقوم بأفضل مما تستطيعون القيام به في تركيز انتباه العالم على الاهتمامات التي تعتبر بالغة الأهمية لمستقبلنا.

أصدقائي،

وفي الجانب الديني، سعى الأردن للترويج للمعرفة الحقيقية عن الإسلام، ومعرفة الإسلام الحقيقي. وقد كان هذا هو جوهر رسالة عمّان التي أُطلقت في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2004، والمؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في عمّان في تموز / يوليو 2005. ويتلخص محتواهما في نقاط ثلاث: (1) الاعتراف بصورة واضحة بجميع المذاهب الثمانية في الإسلام، وتعريف مَنْ هو المسلم، (2) والتوقّف الفعلي عن التكفير بين المسلمين، (3) وتحديد الشروط الموضوعية والذاتية لإصدار الفتاوى، بحيث يتم اجتثاث التصريحات والبيانات الجاهلة غير المسؤولة التي تصدر باسم الإسلام. إن هذه النقاط الثلاث التي اشتملت عليها رسالة عمّان صادق عليها بالإجماع جميع أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرّمة في كانون الثاني / ديسمبر 2005. وقد أعطى هذا الإجماع التاريخي صوتاً جديداً في جميع أرجاء العالم للإسلام الحنيف المعتدل، الإسلام الذي تطلعنا إليه دائماً؛ وهو الإسلام الذي يتشرف بالانتساب إليه ما يزيد على 95% من مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم 1,3 بليون.

سيداتي وسادتي،

إن المعرفة الحقيقية والتفهّم الحقيقي للإسلام وللأديان والثقافات الأخرى هما المفتاح للسلام والسعادة العالميين. والمعرفة الحقيقية والتفهّم الحقيقي للعلوم وفروع المعرفة الأخرى هما المفتاح لازدهار العالم وتنميته.

ومن هنا علينا أن نركز، بصورة كاشفة كضوء الليزر، على الحقيقة والمعرفة. وعلينا أن نجعل السعي للوصول إلى الحقيقة والمعرفة نهجاً حقيقيا لنا. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

{نرفع درجات من نشاء، وفوق كل ذي علم عليم} (يوسف :76).

وفي الختام، أود أن أعرب عن عميق الشكر والتقدير لسمو الأمير الحسن بن طلال على تنظيم هذا المؤتمر. فسمو الأمير عمل على الدوام دون كلل على بناء الجسور، وعلى تشجيع المعرفة، من أجل الأردن خاصة، ومن أجل العالم بأجمعه. وعقد هذا المؤتمر هنا ليس إلا واحدة من الثمرات العديدة لجهوده العظيمة.

أشكركم جميعاً شكراً جزيلاً،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.