خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح أعمال المؤتمر الإسلامي الدولي

٤ تموز ٢٠٠٥

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمْد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيّها الإخوة العلماء الأفاضل،

أيّها الإخوة الحضور الكرام،

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

فإنّه ليسرّني غاية السّرور أنْ أرحب بكم أجمل التّرحيب، وأنتم تجتمعون اليوم في عمّان، للبحث في مختلف القضايا والتّحديات التي تواجه الأمّة الإسلاميّة. فأهلاً ومرحباً بكم ضيوفاً وعلماء لهم كلّ الاحترام والتّقدير.

أيّها الإخوة الأعزّاءْ،

لقد أرسى الإسلام عبر العصور أحسن القواعد للعلاقات الإنسانيّة بين الأفراد والأمم والشّعوب، بغض النّظر عن الاختلاف في العقيدة أو اللّون أو الجنس، على قاعدة من التّسامح والحوار مع الآخرين، لما فيه الخير للإنسان في كل مكان وفي كل زمان. لكنّ المشكلة اليوم هي ما تتعرّض له الأمّة الإسلاميّة من حملات التّشويه والإساءة والتّجني على الدّور الذي يمكن أنْ تنهض به هذه الأمّة في هذا العصر.

وبداية، دعونا نعترف بأنّنا نحن المسلمين قد قصّرنا في حق ديننا وفي حق أنفسنا. وقد أسهم بعض من المسلمين أو ممّن يرفعون شعارات إسلاميّة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والإساءة إليهم، بقصد أو بغير قصد.

فالفرْقة بين أبناء الأمّة، وأعمال العنف والإرهاب التي تمارسها بعض الجماعات والمنظّمات، وما يجري في العراق والباكستان وغيرها من بلاد المسلمين من تبادل تُهم التّكفير وقتل المسلمين باسم الإسلام، كلّها أمور مخالفة لجوهر الإسلام، والإسلام منها بريء، وهذه فتنة وفساد في الأرض، لأنها تعطي المبررات لغير المسلمين للحكم على الإسلام من هذا المنظور، والتدخّل في شؤون المسلمين واستغلالهم.

وقد رأينا أنّ من واجبنا كمسلمين، عامرة قلوبنا بمحبّة الله ورسوله، أن نكون في طليعة من يتصدّون لهذه الحملات الظّالمة، التي يتعرّض لها الإسلام. وأنْ نكون في طليعة الدّاعين إلى نبْذ الخلاف بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم وموقفهم. ومن هنا جاءت رسالة عمّان، التي أعلنّاها في شهر رمضان الفضيل في العام الماضي، من مسجد الهاشمييّن في عمّان.

ثمّ دعونا إلى عقد هذا المؤتمر، الذي يجتمع فيه ممثلون لأتباع المذاهب الإسلاميّة الثّمانية، من مختلف البلدان والأقطار، للبحث في العديد من القضايا والتّحديات التي تواجه الأمّة، ووضع الحلول الجذريّة لكل هذه التّحديات.

وأولى هذه القضايا وأهمّها، هي توحيد موقف أتباع المذاهب الإسلاميّة الثمانية: السّنيّة الأربعة، والجعفري والأباضي والزّيدي والظّاهريّ، على مبدأ اعتراف أتباع كل مذهب من هذه المذاهب بصحّة إسلام أتباع المذاهب الأخرى، وعدم جواز تكفير أي مسلم من أتباعها، فاختلاف العلماء رحمة، ولنقتدي بقول الإمام الشّافعي:

"مذهبنا صواب ويحتمل الخطأ، ومذهب خلافنا خطأ ويحتمل الصّواب".

وقد أفتى كبار علماء المسلمين ومراجعهم الموثوقة، وفتاواهم بين أيديكم، بصحّة هذا المبدأ وجوازه، لأنّ أتباع المذاهب الثّمانيّة متّفقون على المبادئ الأساسيّة للإسلام، فكلّهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى واحدا أحدا، وبأنّ القرآن الكريم كلام الله المنزّل، وبسيدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام نبيّاً ورسولاً للبشريّة كافة. وكلّهم متّفقون على أركان الإسلام الخمسة: (الشّهادتيْن والصّلاة والزّكاه وصوم رمضان وحج البيت). وعلى أركان الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

أمّا الاختلاف فهو على بعض المسائل الفرعيّة، التي ظهرت بعد وفاة سيدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، لأسباب تتعلّق بالخلافة، وبعض أمور الدّنيا والسياسة. وقد تضمّنت فتاوى كبار علماء الأمّة الإسلاميّة صحّة التعبّد بأي من المذاهب الإسلاميّة الثّمانية.

وأفتى شيخ الأزهر، بأنّ الفكْر الصّوفيّ المعتدل مقبول ما دام يستند إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، والتمسّك بأركان الإسلام الخمسة والقرآن الكريم. ذلك أنّ الاعتراف بالمذاهب، هو اعتراف بمنهجيّة الإفتاء، وتحديد من هو المؤهّل لهذه المهمّة. ممّا يؤدي إن شاء الله إلى عدم تكفير بعضنا بعضا، وإغلاق الباب أمام الجاهلين الذين يمارسون أعمال القتل والإرهاب باسم الإسلام، والإسلام منها بريء.

أيّها الإخوة العلماء الأفاضل،

إنّكم تجتمعون اليوم، وعلى جدول أعمالكم العديد من القضايا والتّحديات التي تواجهها الأمّة الإسلاميّة. وأنتم بعون الله أهْل للتّصدي لهذه القضايا والتّحديات، وتحديد موقف الإسلام من كل واحدة منها. وإنّ ِمن أهم واجباتنا كمسلمين، أنْ نقدم الإسلام بصورته الحقيقيّة المشرقة. فالإسلام دين الوسطيّة والاعتدال والتّسامح والرّحمة، ومحاورة الآخرين بالعقل والحجّة، وليس دين العنف والإرهاب، أو التّعصّب والانغلاق. يقول الله سبحانه وتعالى:

(أدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمنْ ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النّحل 125).

وقد قدّم الإسلام أحسن الأحكام في حماية حقوق الإنسان، وصون حريته وكرامته الإنسانيّة، بغض النّظر عن دينه أو جنسه أو لونه. يقول الله تعالى:

(يا أيّها النّاس إنّا خلقْناكمْ من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنّ الله عليم خبير) (الحجرات 13).

وأكّد على أهميّة احترام حقوق الأقليات وغير المسلمين، الذين يعيشون داخل المجتمع المسلم. ووضع لنا المنهج الواضح في احترام العلاقات، والوفاء بالعهود بين المسلمين وغيرهم من الأمم والشّعوب.

يقول الله تعالى:

(وأوْفوا بالعهْد إنّ العهْد كان مسؤولا)(الإسْراء 34).

وإنّ الإسلام الذي يرفض التّعصّب والانغلاق يدعونا إلى العلم والمعرفة. يقول الله تعالى:

(هلْ يسْتوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون) (الزمر 9).

ويدعونا إلى الانفتاح على الآخرين، والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم في شتّى ميادين الحياة. يقول الله تعالى:

(فاسْألوا أهل الذكْر إنْ كنتم لا تعلمون) (النّحل 43).

أيّها الإخوة العلماء الأفاضل،

إنّني على ثقة تامّة بأنّكم مدركون لحجم التّحديات التي تواجه المسلمين اليوم، والهجمة الشّرسة التي يتعرّض لها الإسلام من خلال التّشويه والافتراء عليه، بسبب عدم فهم بعض المسلمين لجوهر دينهم، وجهل كثير من غير المسلمين بطبيعة هذا الدين وقيمه النّبيلة.

ومن هنا تأتي أهميّة دوركم ومسؤوليّتكم في توحيد الأمّة الإسلاميّة بكل مذاهبها، وتعريف الآخرين بحقيقة ديننا ورسالته العظيمة.

والله سبحانه وتعالى يوفقنا جميعا لخدمة ديننا وأمّتنا، وتوحيد صفوف المسلمين.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،