خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح سلسلة المحاضرات التي تنظمها كلية هاريس لدراسات السياسة العامة في جامعة شيكاغو باسم جلالته حول القيادة واساليبها

٩ حزيران ٢٠٠٥

الرئيس راندل ، شكراً لك،

السيد كراون، العميد ماير، أعضاء الجامعة،

شكراً لكم على ترحيبكم الحار، ويسرّني أن أعود إلى شيكاغو، وأن أحظى بفرصة زيارة هذه الجامعة العظيمة. لقد سعد الباحثون والطلاب الأردنيون بالتبادل العلمي معكم على مدى عدة عقود... وهناك هيئة تدريسية أردنية متميزة وطلاب أردنيون موهوبون يقدّمون إسهاماتهم هنا في شيكاغو حالياً. وآمل أن يحمل المستقبل معه علاقة أوثق. فنحن بحاجة إلى أن نبقي الأبواب مفتوحة بين شعوبنا، وخاصة جيل الشباب منهم. وعندما تُعْلي هذه الجامعة صوتها دعماً للتفاهم، فإن صداه يتردد في العالم العربي. والشكر لك ثانيةً، أيها الرئيس راندل.

أصدقائي،

إنه لشرف لي أن يرتبط إسمي بهذه السلسلة من المحاضرات. وأعتقد أن هذا وقت أساسي للحوار حول السياسة العامة - لا مجرّد الحديث عن الأهداف والقِيَم، بل عن كيفية وضع التغيير الإيجابي موضع التنفيذ.

إن عالمنا مُهيّأ لإحداث تقدّم حقيقي، ولكن حتى نقوم بذلك علينا أن نربط أهداف سياساتنا بآليات عملية. وهذا يعني، على المستوى العالمي، أن نوفر للناس بدائل مقنعة للتطّرف والعنف. ويعني إيجاد عملية رابحة لا مجال فيها للخسارة: عمليةٌ جميع الأطراف فيها رابحة... بسبب توافر الفرص الواسعة، والسلام، والعدل. ويعني، قبل ذلك كلّه، أن نظلّ مثابرين دون كلل. فالتغيير ليس سهلاً خاصة عندما يكون خاتمة لعقود من الفُرْقة، أو خاتمة لأوضاع راهنة استمرت على مدى العمر. إن العملية لن تحظى بالتعزيز الذاتي إلا عندما يرى الناس فوائد حقيقية. وحتى يحين ذلك، يتحتم على الذين يؤمنون بالمستقبل منا أن يعملوا بجدّ أكبر لتحقيق النتائج المرجوة. لأن البديل لذلك ببساطة غير مقبول أبداً لأنه سيكون عالماً مُغْلقاً، يُظلّله العداء والحرمان.

وبالنسبة لي ، هذه هي "القيادة" التي وردت في عنوان هذه المحاضرة. وهي لا تقتصر على قلّة من الناس. بل تشملكم أنتم في كلية هاريس، الذين تسخّرون المعرفة من أجل الصالح العام. وتشمل العديد من الناس في بلدي ومنطقتنا الذين يعملون من أجل السلام والإصلاح. كما تشمل الجهود العالمية التي نشكّل جميعاً جزءًا منها - لتحقيق أقصى ما يحمله لنا هذا القرن، ونرفع شأن البلايين الذين ما زالوا يرزحون تحت نير الفقر والنزاع.

وهذا الأمر لا تتجلّى أهميته في أي مكان أكثر مما تتجلّى في منتطقتنا. وأودّ في هذا الصباح أن أتحدث عمّا نأمل في الوصول إليه، و عمّا نقوم به. ولابدأ بالتحدث في كلمات قليلة عن الإصلاح الإقليمي.

وجّه الغرب، في السنوات القليلة الماضية، الكثير من الانتباه للإصلاح في الشرق الأوسط. ولكن لا بدَّ أن تعرفوا إن الاهتمام من داخل المنطقة يعود إلى زمن أبعد من ذلك بكثير. فالعرب - من مختلف شرائح المجتمع - يعرفون أن على منطقتنا أن تقوم بالمزيد لتلبية حاجات شعوبنا وتوقعاتهم. وبالنسبة لنا، فإن الوصول إلى شبابنا يحمل أهمية خاصة - ذلك أنهم يشكّلون أكثر من نصف السكّان.

وقد توّجه التركيز إلى ثلاث حاجات أساسية: إيجاد اقتصادات غنيّة بالفرص، يمكنها خلق وظائف جيدة لمجموعاتنا السكانية المتنامية... وإقامة حاكمية شفّافة ممثلة للشعوب، لتمكين مواطنينا بحيث يغدون معنيين برسم مستقبلهم وأصحاب مصلحة فيه... وتحقيق السلام لإنهاء عدم الاستقرار والعنف اللذين أضرّا بمنتطقتنا وبالعالم.

إن معظم العرب متفقون بأن علينا أن نسير قُدُماً. فتقارير التنمية البشرية العربية، التي شكّلت معالم بارزة في تشخيص الحال، اشتملت نقداً ذاتياً صريحاً لـِ "فجوات الحرية" التي أخرّت مسيرة منطقتنا. وقد دعمنا في الأردن، في عام 2003، إعلان العقبة الذي عرض إجراءات لإصلاح السياسات في مجالات تعتبر أساسية للتنمية. وفي العام الماضي، أصدرت الدول العربية إعلان صنعاء حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعبّر مؤتمر الإسكندرية عن وفاقٍ إقليمي حول الإصلاح. فيما ركز إعلان تونس على التزام الحكومات العربية بالإصلاحات التي تنبع من البيئة المحلية، وبحقوق الإنسان.

ومثل هذه البيانات الوفاقية ذات اهمية أساسية. ولكن الاهتمام المستجدّ بالإجراءات العملية لجعل أهدافنا حقيقة واقعة له نفس الدرجة من الأهمية. ففي الشهر الماضي، تمَّ الإعلان عن مبادرة رئيسية، هي رؤية عام 2010 للعالم العربي، في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في الأردن. والمبادرة تقدّم أهدافاً محددة في مجالات رئيسية - تحرير الاقتصاد لتحقيق النمو وايجاد فرص العمل .. والإصلاحات التربوية للوصول إلى الجيل القادم وتعليمه... ومبادرات في مجال الحاكمية الصالحة، تدعم حقوق الإنسان، والحرّيات الصحفية، والمشاركة السياسية. وفي هذه المجالات، وغيرها، توفر الرؤية لعام 2010 خطوات محدّدة يتوجب على الحكومات والمجتمع وضعها موضع التنفيذ. وهي خطة عملية يمكن قياس إنجازاتها، ومراقبتها، وتقييمها.

ومن خلال هذه الجهود وغيرها، قام القطاع الخاص العربي والمجتمع المدني- بما في ذلك الوسط الأكاديمي - بدور أساسي هام. وهذا أمر بالغ الأهمية للإصلاح الحقيقي. فالتغيّرات التي تتضمنها العملية شاملة وهيكلية. والنجاح يتطلّب إشراك الناس من مختلف شرائح المجتمع - المربّين، وقادة المجتمع المحلي، وأصحاب المشروعات، وغيرهم كثير. فنحن بحاجة إلى أصواتهم في بداية العملية وعلى مدى مجمل مسيرتها.

هل سيكتب للإصلاح الإقليمي النجاح؟ نحن بالتأكيد أقرب إليه ممّا كنّا في أي وقت مضى. فالانتخابات جزء من الحياة السياسية لأعداد متزايدة من العرب؛ ومشاركة النساء في الحكومة تتنامى؛ وهناك جيل جديد يجرى تفعيله ويتمتع بالوعي على نطاق عالمي.

كما أن الإصلاح يتعزّز أيضاً بأصوات جديدة تؤكد التزام الإسلام بالسلام، والتعددية، وحكم القانون. وقد فصلّت رسالة عمّان، في العام الماضي، قيم الإسلام الأساسية المعتدلة. وأكدت حق المسلمين بأن يكونوا شركاء بصورة كاملة في التقدّم العالمي. كما قام علماء دين بازون على نشر فحوى هذه الرسالة في أرجاء العالم، وستكون موضوعاً لمؤتمر دولي يعقد في عمّان في شهر تموز (يوليو) القادم.

ويجب أن يكون واضحاً أن الأردن قام بدور قيادي في جهود الإصلاح. ومثل هذا الالتزام يبدأ في الوطن. فقد سّرعنا منذ عام 1999 عملية بدأت في مرحلة سابقة لفتح اقتصادنا، وإيجاد حياة سياسية ديمقراطية مستقرة. والهدف هو حرّيةٌ مستمرة ومتواصلة؛ وهيكلية وطنية يمكنها أن تخدم سلامة شعبنا ومصالحه على المدى البعيد. ويجب أن تكون نظاماً يخدم شعبنا في خضمّ وقائع هذا القرن وحقائقه - سواء أكان ذلك يعني التفجّر الإقليمي، أو التطرّف العالمي، أو الاقتصاد العالمي السريع التغيّر، أو التحدّيات التي لم نعرف ماهيتها بعد.

إن المواطنين بحاجة إلى أن يغدو معنيين بالمستقبل الإيجابي وأصحاب مصلحة فيه. وهذا يتطلب مؤسسات سياسية شاملة فعّالة. فالانتخابات ليست إلا جزءًا من التغيّر الديمقراطي. ويجب أن يكون هناك أيضاً قوانين ومؤسسات تعمل على تشجيع الأحزاب السياسية القابلة للحياة التي توفر للمواطنين آلية للمشاركة بصورة فعّالة...حرّيات صحفية من أجل مواطنين يمتلكون ناصية المعرفة بما يجري حولهم... وآليات لمنع الفساد...و وسائل حماية لحقوق الإنسان... وجهاز قضائي مستقل، وغير ذلك كثير.

وعلينا أيضاً أن ننأى بأنفسنا عن الماضي. وهكذا، وعلى سبيل المثال، فإننا نعمل على فك الارتباط بين الدولة وسيطرتها على مؤسسات الإعلام الوطنية... ووضع قوانين لفتح قنوات البث العامة أمام محطات التلفزة والإذاعة الخاصة.

كما أننا نعمل على تشجيع القيادة الاقتصادية من جانب القطاع الخاص. فالاقتصاد الذي يستطيع أن يوفر فرص العمل والوظائف الأفضل، يُعطي كل واحد حصةً في العملية. ولهذا أكدنا منذ البداية، بصورة ملحوظة، على بناء الفرص. وقد استهدفنا جذب الاستثمار الذي ينمي الصادرات، ونسقنا جهود الحكومة التنموية وضبطنا مسارها. وبحثنا عن " أفضل الممارسات" لدى البلدان في أرجاء العالم، من البلدان الآسيوية مثل سنغافورة وماليزيا، إلى إيرلندا- وهي بلد صغير آخر تمكّن من التعامل بنجاح مع تحدّي النمو.

وربما كان الأهم من ذلك كلّه، أننا قمنا باستثمار رئيسي في التعليم. فقد وسّع الأردن إمكانية الوصول إلى التعليم النوعي، ورفعنا معايير المنهاج المدرسي، وأحدثنا زيادة في تدريب المعلمين، ووزعنا أجهزة الكومبيوتر في غرف الصفوف في أرجاء البلاد، وبدأنا بتعليم اللغة الإنجليزية في مرحلة مبكرة. وتساعد هذه الخطوات شبابنا على دخول حلبة المنافسة على المستوى العالمي. وهذا يسهم في عملية التقدم إلى الأمام وفي أن تكون هناك طبقة متوسطة متنامية - وهما عنصران رئيسيان للاستقرار السياسي والتقّدم الاقتصادي.

كما أننا بحاجة إلى تقوية المجتمع المدني. فقبل أن تكون هناك أحزاب سياسية، كانت النقابات المهنية تقوم بدور سياسي. ونعمل الآن على تطوير نظام نَشِط للأحزاب السياسية - ومع توجّه هذا النظام لبلوغ مرحلة النضوج، لا بدَّ للنقابات المهنية من أن تعيد التركيز على دورها المهني الأساسي. فهذه نقابات أقيمت وفق القانون في الخمسينات من القرن العشرين لحماية وتحسين المعايير والمستويات المهنية للأطباء، والمهندسين، والمحاسبين، والمهنيين الآخرين. وبخلاف مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، فإن العضوية فيها إجبارية - فإذا ما أردت ممارسة مهنتك، عليك الانضمام للنقابة ودفع الرسوم المستحقة. ومثل هذا النظام لا يمكن له أن يفرض - بشكل مُبرّر- موقفاً سياسياً حزبياً واحداً على جميع الأعضاء. ومن الأهمية بمكان لهؤلاء الأعضاء، وللجمهور، أن تكون هذه المؤسسات شفافة، خاضعة للمساءلة، تركّز جهودها على الأداء.

وحتى تاريخه، حققت الإصلاحات الوطنية في الأردن نتائج إيجابية، قابلة للقياس. وتصنّف الدراسات العالمية بلدنا في المقام الأول في المنطقة فيما يتصل بالاصلاح التربوي - وفي المقام الأول أيضاً في إجراءات خفض الفقر. وقد تمَّ خفض الدين الخارجي بمستويات قياسية، وارتفعت الصادرات بصورة ملفتة للنظر، وازداد النمو الاقتصادي على مدى سنوات عدّة. وفي الواقع، بلغت نسبة النموّ الاقتصادي 5, 7 في المائة في العام الماضي.

إن هذه ليست إلا بعض عناصر نهج شاملٍ بدرجة كبيرة. هل يمكننا أن نتوقع أن تكون عملية الإصلاح سهلة مُيسّرة؟ عليّ أن أقول لكم، لا - ليست سهلة ميسرة إذا كانت حقيقية. ونحن نجابه تحدّيين رئيسيين.

أحدهما يتمثّل في المقاومة التي يبديها أولئك الذين يخشون المجهول والتغيير. فهم ينظرون إلى نجاح السياسات اليوم - النمو القوي للاقتصاد - ويقولون: إن أمورنا على ما يرام. فلنحافظ على العربة ولا نتسبّب في قلْبها وتعطيل مسارها. وكي يحبطوا العملية، تلمسّوا أعذاراً يستندون إليها كي لا ينهضوا إلى العمل، أو حاولوا وصم الإصلاح على أنه مفروض من الخارج.

ورسالتي لهذه المجموعة غاية في البساطة. فليس هناك بلد في العالم يستطيع فيه الوضع الراهن الذي نشهده اليوم جَلْب الازدهار الذي يحمله القرن الحادي والعشرون. وعلى الأردن أن يندفع إلى الأمام، وأن يفتح المنافذ لفرص جديدة، وأن يقوم بالإصلاح، إذا ما أردنا أن تزدهر أحوالنا وننعم بالأمن. لقد أظهرت البلدان الناجحة في أرجاء العالم إن الإصلاح ليس لعبة تقوم على الحصول على الكلّ أو لا شيء. وهي ليست عملية يربح فيها البعض على حساب الآخرين. فإذا ما عظمنا حجم المكاسب، فإن الإصلاح سيعمل على إيجاد رابحين من مختلف شرائح المجتمع. وهذا أمر أساسي لجميع الأردنيين.. وأنا مصمّم على متابعة هذا النهج.

وهذا يقودني إلى التحدّي الثاني، المتمثل في جمهور المتشككين. فلا شك في أن الأغلبية الساحقة من الأردنيين تريد وتحتاج ما يعدُ به الإصلاح. ولكن المشككين يتساءلون فيما إذا كان هذا الإصلاح سيحدث فعلاً. وبعضهم يسخر من الموضوع ويشكّك فيه، بينما يتخذ الكثيرون موقفاً قوامُهُ لننتظر ونَرَ. وهم يتساءلون فيما إذا كان التزام القيادة الضروري لإدامة الإصلاح متوافراً. وينتابهم القلق عندما يبدو التقدّم بطيئاً.

ولهذه المجموعة أقول إنني مُصْغٍ إليكم. وأتفهّم موقفكم. وأعرف أن الجواب الوحيد المُقْنع بصدق هو التقدم - والنجاح. ولهذا أحرص الحرص كلّه على إيجاد برامج وخطوات محددة - أفعالٍ شفافة يمكن لنا مراقبتها وقياسها وتقييمها. ولا يمكننا أن نتوقع أن لا تكون هناك مقاومة. إلا إننا يمكن أن نكون مستعدين. فبالإشراف الجيد، يمكننا التدخل عندما نرى أن المبادرات تتباطأ، للبحث عن سبب التباطأ أو تحديد مَنْ كان وراء حدوثه، ومن ثمَّ وضع الأمور في مسارها الصحيح. ويمكن لكل واحد منكم أن يقوم بدور إيجابي في الحفاظ على زخم التحرّك.

إن الإصلاح عملية مستمرة - ولا يمكنها أن تتوقّف. وقد جاءت حكومة جديدة، في ربيع هذا العام، لتسريع خطى جهودنا. كما أن لدى الأردن لجنة جديدة للأجندة الوطنية شاملة لكل الأطياف. وهي مشكّلة من قادة من جميع قطاعات المجتمع، ومختلف الأحزاب السياسية، والقطاع الخاص. وتعمل اللجنة على تطوير أهداف وأوليات وطنية محدّدة، ستكون بين أيدينا لتوجيه الحكومة على مدى السنوات العشر القادمة.

كما أننا نعمل على إحداث اللامركزية في عملية صنع القرار التنموي. فبالإضافة إلى البرلمان الوطني المنتخب، نعمل على إيجاد أقاليم تنموية في أرجاء البلاد، لكلّ منها مجلس محلّي منتخب بصورة مباشرة. وسيكون للناس صوتهم وحصتهم في القرارات التنموية التي تؤثر عليهم.

وقد أحرزنا تقدّماً فيما يتصل بمركز حقوق الإنسان لدينا. وهناك قيادات جديدة في المؤسسات الأمنية في البلاد، مفوّضة بحماية حقوق الإنسان وإدخال درجة أكبر من المساءلة والشفافية في أعمالها.

إن هذه بعض الخطوات التي قمنا بها، ولا شكَّ أنه ستكون هناك خطوات أخرى. وسنواصل مراقبة التقدّم، وسنواصل السعي للحصول على أفضل الأفكار والممارسات. وسنواصل إيصال الرسالة التي مؤادها: إن الإصلاح جهد رابح لا مجال فيه للخسارة. والطريق الوحيد للخسارة هو أن نسمح - كأمّة - للآخرين بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

إن مستقبل بلدي - ومستقبل العالم العربي بمجمله، لا يقفان وحيدين. فنحن بحاجة إلى الدعم من أصدقاء الإصلاح. ونحن بحاجة للدعم من أصدقاء السلام.

كما أن علينا أن نتقدّم فيما يتصل بالسلام الإقليمي. وقد حثّ الأردن دون انقطاع على ضرورة وجود عملية يمكن قياسها، ذات أهداف نهائية واضحة، مع وجود معالم على طول الطريق تحدّد مدى التقدم الذي أُحرز. وهناك فرص هامة بارزة اليوم. فقد شهد هذا العام الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يعيدون تأكيد التزامهم بالعملية السلمية. ويعمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفريقه على إقامة دولة فلسطينية ستخدم شعبها وتكون شريكاً على طاولة مباحثات السلام. وهم بحاجة إلى دعم دولي.

وقد عمل الأردن مؤخرا، مع الطرفين للوصول إلى اتفاقية جديدة حول القناة التي تصل البحر الأحمر بالبحر الميت - والتي سمّيت بقناة السلام. إن هذه المبادرة ستحمي البيئة، وتعزّز الأمن المائي والأمن المتصل بالطاقة، للجميع. وعلينا أن نعمل لإخراج هذا المشروع وغيره من المشروعات العملية من مرحلة التخطيط إلى مرحلة المباشرة بالعمل.

إن عدم الاستقرار الإقليمي يظلّ عائقاً رئيسياً أمام مستقبل الشرق الأوسط. فقد كان لـه انعكاساته السلبية العالمية. والإخفاق في حلّ القضايا هو، ببساطة، ليس من خياراتنا. فقد حان الوقت لحلٍّ دائم عادل للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي: دولتان تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن. وعلينا أن ندعم العراق الموحّد، المستقر، الذي يعاد بناء اقتصاده، ويتمتع بمجتمع مدني لا يستبعد أحد من أطيافه.

أصدقائي،

قبل فترة وجيزة، كان لي شرف المشاركة في استضافة اجتماع للحائزين على جائزة نوبل، وآخرين، من أرجاء العالم. واجتمع في مدينة البتراء الأثرية في الأردن عدد من الفائزين بجائزة السلام، والآداب، والعلوم... وحتى أحد الفائزين من جامعة شيكاغو بجائزة الاقتصاد! وقد أعملوا عقولهم الخلاّقة، معاً، للبحث في القضايا الأساسية التي يواجهها عصرنا. وكنت أحثّهم على أن يفكّروا بانطلاق خارج إطار تخصصاتهم - لمساعدتنا على أن نجتاز الحدود الفاصلة بين الثقافات، وعلى تغيير المفاهيم، وعلى إحداث التغيير وجعله حقيقة.

إن الحوار ما زال في بدايته. وهو حوار عالمي يشملكم أنتم أيضاً. ويجب أن لا يتخّذ أيّ منا موقفاً قوامه: لننتظر ونَرَ تجاه المستقبل. فلكل واحد إسهام يقدّمه. وآمل في السنوات القادمة، أن تقوم هذه السلسلة من المحاضرات بدور في هذا الشأن.

وأشكركم جزيل الشكر.