خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال أعمال الطاولة المستديرة لآسيا التي ينظمها المنتدى الاقتصادي العالمي

٢٨ نيسان ٢٠٠٥

شكراً لك، بروفيسور، والشكر لكم جميعاً على حفاوتكم وترحيبكم الدافئ. ويسرني أن أكون في سنغافورة مرة ثانية، كما يسعدني أن تتاح لي هذه الفرصة لأنضم إلى جَمْعكم الهام.

إن فكرة الطاولة المستديرة، كهذه الطاولة، تهدف إلى جمع المشاركين فيها في دائرة الأفكار. أيها الأصدقاء، أننا بحاجة إليكم وإلى أفكاركم، للانطلاق إلى الأمام في هذا القرن. أما الحقيقة الماثلة فهي أنه ليس هناك زوايا لكوننا هذا أو مركز قوة وحيد فالأحداث في كل قارة يمكن لها أن تترك آثارها على العالم؛ والقادة في كل منطقة يحدّدون الاتجاهات؛ والناس في كلّ مكان كانوا وسيظلون نواة التقدّم. ولم يتبدَّ صدق هذا كلّه في أيّ مكان أكثر مما تبدّى هنا في آسيا.

تأملوا سنغافورة نفسها، التي صنّفت في الشهر الماضي الاقتصاد رقم واحد في جاهزيته في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ليس إلا مجرد مثال واحد على الطريقة التي تعمل بها آسيا على تحويل ذاتها والعالم. والعديد من الموجودين في هذه القاعة أسهموا في الأداء والوعد الاقتصاديين الرائعين لهذا الإقليم.

وهناك حقيقة واضحة بشكل ساطع تتمثل في الدور الأساسي للمجتمع المدني والقطاع الخاص. فلا يمكن للتقدّم أن يتحقق دون مشاركتكم. والبلدان التي تتقدم هي تلك التي ُتوجد شراكة بين الحكومة والناس. ومرة بعد مرّة، رأينا النمو والتنمية يتجذران حيث يعمّ الاستقرار وينتشر العدل، ويزدهران حيث تتوافر الفرص، ويتسع أفقهما بوجود الانفتاح والشراكة.

أصدقائي، هذه هي الأهداف التي يرنو إلى تحقيقها الناس الذين يتطلعون إلى السير قّدّماً في أرجاء الشرق الأوسط. واليوم، يعمل المفكرون وأصحاب الإنجازات العرب، من أصحاب الفكر المتجدد الريادي، من أجل مستقبل أفضل من خلال الحكم الرشيد، والقيم الإيجابية، وإيجاد مناخ من النمو والفرص المتاحة.

وواضح أن النمو والتنمية طويلي المدى يحتاجان إلى استقرار إقليمي. وقد استكملت أشواط عظيمة في هذا المضمار في العراق حيث يدعم الأردن خيارات الشعب العراقي، وسنواصل المساعدة في عملية إعادة إعمار العراق. كما أننا ملتزمون بحل عادل منصف للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. والمبادرة العربية تقوم على وجود دولتين تعيشان في سلام، جنباً إلى جنب، وفقاً للشرعية الدولية: دولة فلسطينية قابلة للحياة، ذات حدود متصلة، يتحكم شعبها في مصيره، تقوم إلى جانب إسرائيل آمنة، تعيش بسلام وتحظى بالقبول لدى جيرانها.

علينا أن لا نفوّت هذه الفرصة فخارطة الطريق التي تدعو إلى وجود دولتين أعادَ المجتمعُ الدولي والأطراف المعنيّة تأكيدها وقبولها. وأحثكم على دعم هذا الجهد الرئيسي البالغ الأهمية لإحلال السلام.

لكن صنع السلام ليس إلا خطوة واحدة نحو مستقبل إقليمي قِوامه الازدهار والأمل. ومن أجل هذا، يدرك الشعب العربي أننا بحاجة إلى الإصلاح - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً- لإعادة تحريك آليات النمو والتنمية وتنشيطها.

إن وجود قطاع خاص حيوي هو المفتاح لهذا. فهو آلية أساسية لا غنى عنها للنمو- إذ يعمل على توليد أفكار جديدة إضافة إلى توسيع الإنتاجية. ولكنه لا يعمل وحده. فللقطاع العام دور أساسي هام في بناء مجتمع غنيّ بالفرص المتاحة. إحداها توفير بيئة تمكّن من إحداث النمو الاقتصادي، وأنظمة منصفة متساوقة، وثقة في سيادة القانون، وحكم شفاف واضح. وأخرى تتمثل في نظام تربوي قوي، ومناهج مدرسية حديثة، وتدريب يلبّي حاجة سوق العمل، وإزالة للعوائق القائمة أمام التميّز والإنجاز لمنح الطلبة ما يحتاجونه من فرص لبناء مستقبلهم.

لقد كان الأردن في الطليعة. فإصلاحاتنا تقوم على فكرة مجتمع مدني حديث منفتح متجذّر في القيم العربية- الإسلامية الحقيقية: السلام، والتسامح، وسيادة القانون، والسعي نحو التميّز. وقد شكلنا لجنة من قادة مختلف شرائح المجتمع- تتمثل من الأحزاب والإعلام والقطاع الخاص وغيرها من القطاعات تعمل الآن على تطوير أجندة وطنية شاملة للإصلاح. والمبادئ والأفكار التي ستصدر عنها ستعطي الحكومة إطاراً متساوقاً لسنوات عديدة قادمة.

إن تجربتنا في الأردن تشهد على أهمية الإصلاح النابع من بيئتنا المحلية. فأي جهد على مستوى المجتمع بأكمله حتى يُكتب لـه النجاح، عليه أن يتجاوب بصورة مباشرة مع أولويات ذلك المجتمع واهتماماته. ولا يمكن لأي عمل مفروض من الخارج أن يولّد القبول الجماهيري المطلوب.

إلى أين يتجه الإصلاح في الشرق الأوسط من هنا؟ إن الإجابة ستأتي بصورة أساسية - كما هو الحال في الأردن - من الشعب العربي نفسه. ويعمل قادة المنطقة من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية على تحديد رؤية جديدة للعالم العربي في العام 2010. وسيتم إطلاق خطة العمل التي يعدونها- والمشتملة على إصلاحات مُحدّدة مرتبطة بجدول زمني للتنفيذ - في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت. وقد تمّ فعلاً وضع عناصر من مشروع "رؤية لعام 2010 للإصلاح" أمام أنظار الجمهور في قياس للرأي العام على مستوى الإقليم.

إن الإصلاح بين أيدينا، لكننا نتطلع إلى الأصدقاء للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم. وقد وجدنا في النموذج الآسيوي قيمة حقيقية. ويتبادر إلى ذهني بصورة محددة نجاح آسيا في إيجاد منبر للنمو. ويمكننا أن نتعلم من إنجازات سنغافورة في تسخير الموارد البشرية الثمينة والاستفادة منها إلى أقصى حدّ، وضبط وتبسيط الإجراءات الحكومية من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ ومن التوازن الذي أقامته ماليزيا بين التحديث واحترام قيم الإسلام وتراثه؛ ومن تصميم كوريا الجنوبية على النهوض من كبوة الحرب وبناء اقتصادها والنظام الديمقراطي فيها.

ولهذا جئت إلى هنا ثانية لألقاكم، أنتم قادة القطاع الخاص الذين نجحتم في تحقيق أحلام آسيا، وفي إقامة شراكة مع قطاع خاص عربي يتسم بصورة متزايدة بالنشاط والمسؤولية.

أنني أعتقد إننا ما زلنا في بداية حقبة جديدة من التعاون بين آسيا والشرق الأوسط. وأتطلع بأمل كبير إلى ما يتوافر من إمكانيات لنا لحوار وشراكة بين آسيا والشرق الأوسط وما يمكن أن نحققه من هذا الحوار والشراكة. وفي الشهر القادم، آمل أن يشارك بعضكم في المنتدى الاقتصادي العالمي الثالث في البحر الميت، الذي سيجمع القادة وصانعي الرأي العالميين والإقليميين. هذا بالإضافة إلى أن منتدى الحوار الشرق-أوسطي الآسيوي سيعقد اجتماعه الافتتاحي المهم في يونيو/ حزيران القادم.

أصدقائي،

ليس هناك مشكلات معزولة في عالمنا المعقّد، وليس هناك حلول معزولة. ولهذا نقدّر في الشرق الأوسط، وفي الأردن بصورة خاصة، علاقاتنا الوثيقة بأصدقائنا الآسيويين. ولهذا أيضاً يتوجّب علينا جميعاً الاستمرار في العمل معاً لصياغة مستقبلنا المشترك؛ وللتأكد من أن وعده بالخير يصل إلى كل فرد.

وفي مقدورنا أن نعمل على إيجاد حقبة جديدة من السلام والتقدّم، حقبة تعود بالخير علينا جميعاً. وإذا ما عملنا معاً، فسيكون النجاح حليفنا.

والشكر أجزله لكم.