خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربي الثالث عشر

٢٦ آذار ٢٠٠١

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام

على سيدنا محمد النبي العربي الأمين

أصحاب الفخامة والسيادة والسمو، رؤساء وأمراء الدول العربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فإنه ليسرني غاية السرور، أن أرحب بكم في بلدكم الاردن، أجمل الترحيب، وأن أعرب عن عميق إعتزازي، وشعب المملكة الاردنية الهاشمية بكم، إخوة أعزاء، وقادة نكن لهم كل الإحترام والتقدير، وباستضافة هذه القمة، وهي القمة العربية الثالثة التي حظي الأردن بشرف استضافتها

. كما يسرني ان ارحب ايضا، بالسيد كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة، والسيد عبد الواحد بلقزيز الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، والسيد سالم احمد سالم الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية.

إن الأردن لا يعتز بشيء أكثر من اعتزازه بانتمائه لأمته العربية، وحرصه على النهوض بواجبه تجاه قضاياها العادلة، وتوحيد كلمتها، وحشد طاقاتها من أجل المستقبل، الذي يليق بتاريخها، ودورها الحضاري والإنساني العظيم.

أصحاب الفخامة والسيادة والسمو،

لقد كانت القمم العربية السابقة في معظمها، تعقد للإتفاق على مواقف موحدة، تجاه القضايا التي استدعت انعقادها، وبالتالي فقد كانت تلك القمم محكومة بظروف خاصة، تجعلها أقرب إلى رد الفعل منها إلى الفعل، المستند إلى الرؤية الشمولية، والريادة وأخذ زمام المبادرة.

أما قمتنا هذه، وهي التطبيق الفعلي لقرار قمة القاهرة الأخيرة، التي كان لجهود فخامة الرئيس محمد حسني مبارك الدور الكبير في إنجاحها، والذي نص على ضرورة انعقاد القمة العربية بشكل دوري في كل عام، فهي تؤسس لمنهج جديد في مسيرة العمل العربي المشترك، يستند إلى استمرار التواصل والتشاور والتنسيق، بغض النظر عن الخلافات الآنية العابرة، والظروف التي قد تمر بها هذه المنطقة، وقد يشكل هذا المنهج الحد الأدنى، من طموحات الأمة، وتوقعات المواطن العربي، الذي يتطلع إلى تفعيل النظام العربي بكامله، وتفعيل مبدأ العمل العربي المشترك، على أساس من التضامن والتكامل، وتعظيم القواسم المشتركة، ونقاط الإتفاق، ومعالجة القضايا الخلافية، من منطلق وضع المصلحة العربية العليا، فوق كل المصالح والإعتبارات.

إن مواجهة التطورات العالمية المتسارعة من حولنا، والتي تشتمل على العديد من التحديات والتجمعات الإقتصادية، التي تسعى لتوجيه وتوظيف العولمة لمصالحها، تستدعي أن نعمل معا، وأن نكون مجموعة متكاملة، وقادرة على مواكبة تلك التطورات، والتفاعل معها، بثقة ووعي، وقدرة أكبر على مواجهة الآثار السلبية لهذه التطورات على شعوبنا ودولنا.

أصحاب الفخامة والسيادة والسمو،

لقد عانت أمتنا العربية عبر العقود الماضية، وبخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، من الخلافات والصراعات، وغياب التضامن العربي، وتراجع مفهوم العمل العربي المشترك، فاستهان بها القاصي والداني، واستقوى عليها الضعيف قبل القوي، وأصبح المواطن العربي يشعر بالإحباط والمرارة، وانعدام الثقة بالنفس والمستقبل، وقد آن لنا أن نطوي صفحة الماضي، وأن نتجاوز ما بيننا من خلافات، وأن نفتح صفحة جديدة في العمل العربي المشترك، بقلوب صافية، وضمائر نقية، تجسد ما بيننا من أخوة، وروابط مقدسة ومصالح مشتركة، فالتحديات التي تواجهها أمتنا كبيرة، ولا بد لنا من مواجهة هذه التحديات، والإرتقاء إلى مستوى الطموحات والآمال التي تسعى شعوبنا لتحقيقها.

ولقد عانى الشعب الفلسطيني طيلة أكثر من نصف قرن أشد المعاناة، وناضل في سبيل الدفاع عن حقوقه وأرضه المحتلة، بكل الوسائل الممكنة، وروى بدم شـهدائه كل بقعة من أرضه الطهور، وها هو اليوم يقترب من تحقيق حلمه بتحرير أرضه، واستعادة حقوقه المشروعة، ولا بد لنا من الوقوف إلى جانب هذا الشعب العربي المناضل، وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة، التي تمكنه من الوصول إلى حقوقه كاملة، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس.

ولا بد لنا أيضا من الوقوف إلى جانب الأشقاء في سوريا من أجل تحرير أراضيهم المحتلة كاملة، وحتى خط الرابع من حزيران عام 1967، وإلى جانب الأشقاء في لبنان، لاستكمال تحرير أراضيهم المحتلة، وصولا إلى تحقيق السلام الشامل والدائم والعادل، الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة.

أما العراق الشقيق فقد طالت معاناته، وتجاوزت كل التصورات، وقد آن الأوان لوضع حد لهذه المعاناة، ورفع الحصار عن هذا البلد العربي، الذي كان على الدوام في طليعة الامة، في الدفاع عن قضاياها وحقوقها، وهو الذي ما توانى في أي يوم من الأيام، عن التضحية، أو تلبية نداء الواجب والأخوة.

أصحاب الفخامة والسيادة والسمو،

إن التحديات التي تواجهها أمتنا، والتحولات التاريخية، التي يشهدها العالم من حولنا، تجعل من العسير، إن لم يكن من المستحيل، على أي قطر من أقطارنا، أن يتصدى لها منفرداً، وإن ما بين أقطارنا وشعوبنا، من عوامل الوحدة، والقواسم والمصالح المشتركة، ما يجعلنا أكثر تجانساً، وأقرب إلى تحقيق طموحات شعوبنا، في الوحدة والتضامن والتكامل، من أي تجمع إقليمي أو إقتصادي آخر.

فلتكن قمتنا هذه، بداية عهد جديد، في العمل العربي المشترك، وانطلاقة حقيقية، باتجاه التضامن والتكامل، في سائر المجالات السياسية والإقتصادية، والأمن القومي، وليكن عملنا منذ هذه اللحظة مبنياً على المؤسسية، والرؤية الشمولية، وليس مجرد رد فعل، أو حماس عاطفي، ينتهي بانتهاء أسبابه ودواعيه.

وفي الختام، أكرر الترحيب بكم، وأتمنى لكم طيب الإقامة في بلدكم الأردن، وأسأل المولى عزّ وجل، أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير أمتنا، وأن يجعل النجاح حليفنا، في قمتنا هذه وفي كل لقاءآتنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،