كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في اجتماع الحائزين على جائزة نوبل

١٨ أيار ٢٠٠٥

إيلي،

الأصدقاء الأفاضل،

شكراً جزيلاً لكم. ويسعدني ويشرّفني أن أرحّب بكم جميعاً في الأردن.

في القرن التاسع افتتحت في العالم العربي مؤسسة متميزة هي "بيت الحكمة". وقد يعرفها بعضكم، إذ كانت المصدر العالمي للدراسات والأفكار الجديدة، وبنك المعلومات، في عصرها. وساعدت على إيجاد مجتمع متميز من الباحثين، الباحثين عن الحقيقة، والباحثين عن التقدم. وقد تواصلوا مع العالم بأجمعه من أجل المعرفة، وكانوا الرواد في طرح أفكار جديدة - في الطب، والعلوم، والتنمية البشرية، وغيرها من الموضوعات. ويخبرنا المؤرخون أن عملهم ساعد على تقدّم الظروف الإنسانية لقرون عديدة تالية.

أصدقائي،

في هذا الصباح. أتلفت حولي في هذه القاعة فأرى بيتاً للحكمة - بيتاً عالمياً للحكمة للقرن الحادي والعشرين وما بعده.

وأنا أشكركم على قبولكم المشاركة في هذا التجمّع، وعلى حضوركم إلى الأردن، في هذه المرحلة المفصلية الدقيقة. فالعملية التي تبدأ هنا - وهي عملية تشتركون جميعاً في صياغتها، وبفضل جهودكم ستساعد في تشكيل صورة عالمنا.

ومن المؤكد أنه لم تكن هناك فترة اتخذ فيها التواصل تلك الأهمية البالغة التي اتخذها في فترتنا هذه؛ وهذا الوصف لأهمية التواصل ينطبق بنفس الدرجة على أهمية السَعْي للتوصل إلى فهم جديد؛ وعلى أهمية العمل معاً من أجل واقع جديد أفضل.

وليس هناك مَنْ يمكنه أن يسهم في هذا كله أكثر منكم، أنتم الذين لم تحد أية معوّقات أو عوائق من إمكاناتكم البشرية - أنتم الذين كنتم روّاد مسارات جديدة إلى المستقبل. إن الإنسانية اليوم تقف عند مفترق طرق أساسي بالغ الأهمية. فعالمنا يمكن أن يكون عالماً منفتحاً واسع الآفاق، مليئاً بالفرص الجديدة. أو يمكن أن يكون عالماً مغلقاً مبتلى بالأزمات المُسْتَوْطِنة، والفرص الضائعة.

إن الاتجاه الذي نسلكه بالغ التأثير بالنسبة لجزء هام من سكّان العالم: وهم شبابنا. فأكثر من نصف السكان في الشرق الأوسط في الثامنة عشرة أو دونها. ولا يذكرون أيّ فترة عاشوها دون وجود نزاع إقليمي. وهم يرون فجوة عالمية عميقة بين الأغنياء والفقراء، ويرون أمراضاً غدت تاريخاً ماضياً لدى الدول المتقدمة، ما زالت تشلّ تقدّم شعوب العالم النامي. ويرون عدم المساواة بين الجنسين، التي تحول دون الاستفادة من مواهب نصف العالم. كما يرون الأذى والأمل اللذين تجلبهما العولمة.

أصدقائي ، إن هؤلاء الشبّان هم مواطنو الغد، معلمو الغد، الفائزون في الغد بجائزة نوبل. وهم لن يتقبلوا كلماتٍ ووعوداً جوفاء. إنهم يريدون أن يُحْدثوا فَرْقاً، وأن يشاركوا في قطف ثمار المعرفة الحديثة، وأن يساعدوا في إيجاد مستقبل إيجابي كريم - مستقبل يعيشون فيه، مع الناس جميعاً، بحرية واحترام.

ويعود الأمر لنا لنزودهم بالأدوات التي يحتاجونها. وعلينا أن نؤمّن لهم الآن انطلاقةً تتمثل في توفير جرعة من النجاح تساعد الناس على أن يروا أنَّ بإمكانهم تحقيقه فعلا. وذلك بإيجاد جوِّ فيه المزيد من الحرية والفرص، كي يتاح للناس أن يطلقوا ما يتمتعون به من قدرات. وأن نبني السلام حتى يستطيع الناس أن يسيروا قُدما بثقة، وأن نوسّع دائرة التعاون العالمي حتى نتمكن - من خلال العمل معاً - من تحقيق وَعْد هذا العصر.

إن الذين يعملون من أجل التغيير لا يواجهون هذه المهام وحدهم، إذ ينضم إلينا في هذه المهمة المستشرفون للمستقبل في كل مكان. وقد شهدت منطقتنا موجة من الإصلاح، هدفت إلى تحقيق الديمقراطية والتنمية. وهذه الخطوات أساسية ذات أهمية بالغة في تلبية توقعات شعبنا، وخاصة الشبّان منهم، فيما يتصل بالحرية وتوافر الفرص.

كما أن أصدقاء السلام في الشرق الأوسط يعملون بنشاط أيضاً. وأمامهم اليوم فرصة غير مسبوقة لتحقيق النجاح. ويشترك الناس لدى الطرفين في الأهداف الأساسية: العدالة للفلسطينيين، والأمن للإسرائيليين. دولتان، تعيشان جنباً إلى جنب، وفقاً للشرعية الدولية. والتحدّي الماثل الآن هو مساعدة الناس على التمسّك بهذه الرؤية - وأن يؤمنوا بمستقبل السلام ، بالرغم من قوى العنف.

ويناضل الناس أيضاً، في أرجاء العالم، لمواجهة الكراهية والفُرْقة. وترفض الغالبية العظمى، في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب، أسباب التطرف والدعوة إليه. وهم يعلمون أنه مُعاد بدرجة كبيرة للسلام، ومُعاد للتقدّم، ومُعادٍ للديمقراطية. ولكننا بحاجة إلى أن نقوم بالمزيد، على جميع الأصعدة، لتعزيز القيم الأساسية للإنسانية. لقد أطلقنا هنا في الأردن، في تشرين الثاني الماضى رسالة عمّان. وهي تعيد التأكيد على القيم الأساسية النبيلة للإسلام: السلام، والتسامح، ووحدة الجنس البشري. ويدعو الإسلام المؤمنين إلى التواصل مع الآخرين باحترام، وأن يشاركوا في تقدّم العالم الحديث. وقد قرئت رسالة عمّان وتلقاها المسلمون بالترحاب في كلّ القارات.

أصدقائي،

إن قوة الأفكار تعتبر واحداً من أعظم مصادر الطاقة لدى البشرية. وهي القوة الدافعة التي تقف خلف مؤتمر البتراء هذا. فكلّ واحد منكم يمكنه أن يعمل على تقدّم هذا العالم من خلال القيام بالمزيد مما تقومون به فعلاً وبشكل متميز: أن تفكرّوا ضمن فضاء أرحب. ونحن بحاجة إليكم للمساعدة في تحويل المفاهيم، وتطوير الحلول، والتوصية بخطوات عملية محددة، والعمل على إحداث التغيير. ونحن بحاجة إليكم كي تتحدثوا إلى شباننا، وأن تشجعوهم على تحقيق الإمكانات العظيمة التي يمتلكونها. ونحن بحاجة إليكم للمساعدة في تأطير وتفعيل عملية جديدة لتحقيق السلام والأمن العالميين.

هل يمكنكم إحداث الفرْق؟ يخبرنا القرآن الكريم بكل وضوح أنّ مَنْ أحيا نفساً واحدة، فكأنما أحيا الناس جميعاً. إن هذا المنحى الإنساني متجذر في وجدان أهل الكتاب كافة. وفي واقع الأمر، فإنه يشكل جزء لا يتجزأ من جميع التعاليم العظيمة في شتى أنحاء العالم.

وهكذا فإنني أؤمن بأنه إذا ما استطعم بعملكم هذا أن تنقذوا شخصا واحدا، فإن ذلك سيكون البداية التي ننشدها - بداية للسلام والتقدم ووحدة بني البشر- بيت حكمة عالمي يمكن للجميع أن ينتموا إليه.

والشكر لكم جزيلاً.