خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال المأدبة الرسمية في قصر نورداينده، لاهاي

٣٠ تشرين أول ٢٠٠٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحبة الجلالة،
أصدقائي،

يسعدني غاية السعادة أن أكون معكم هذا المساء في هذا الجوّ الرائع. ورانيا وأنا، وجميع أعضاء وفدنا، يتوجهون بالشكر لكم على استقبالنا بهذه الحفاوة الصادقة والضيافة الكريمة.

صاحبة الجلالة، إنه أكثر من شرف أن أكون معكم هذا المساء. فالصداقة بين أسرتينا دائمة على الزمن. وقد كنا معاً في أوقات الفرح كما كنّا معاً في أوقات الحزن. وعرف فيك والدي، الملك الحسين، كما عرفتُ فيك أنا، الصديقة الحقيقية، الأصيلة، الحكيمة. ولقد كان والدي يثمن إلى حدّ كبير، مثلما أثمّن أنا، القيم التي تشترك فيها أسرتانا: حبّنا لبلدينا وشعبينا... واستشعارنا بالواجب الذي علينا القيام به.. وإيماننا بالمستقبل، المستقبل الذي يشكّل آفاقاً لا حدود لها لجميع بني البشر.

لقد قام والدي بزيارات عديدة لبلدكم التاريخي الرائع. وكثيراً ما تحدّث عن احترامه لجلالتك ولشعبك، وما يكنّه لكم من إعجاب. وهذا المساء أقف هنا لأعربَ عن صداقة الأردن وتقديره المستمرين.

إن الصورة التي نراها في الدور العالمي لهولندا (الأراضي المنخفضة) هي صورة القيادة الأخلاقية والعمل الملموس. ونحن نقدّر عمل هولندا من أجل السلام والعدالة العالمية. فقد قامت القوّات الهولندية بدور أساسي رئيسي في قوة التحالف التي تقوم بدعم الوحدة العراقية، وأمن العراق وإعادة بنائه. كما أن بلدكم تحدثّ بصوت عالٍ واضحٍ قويّ لإنهاء العدوان على لبنان هذا الصيف. وأهم من ذلك كله، فإن الشعب الهولندي عمل بصورة متواصلة على دعم إحلال السلام في الشرق الأوسط وفقاً للشرعية، بما في ذلك إقامة دولة فلسطين المستقلّة القابلة للحياة، التي تبرز الحاجة إليها بصورة ملحّة. ولالتزامكم هذا، ولما تقومون به، يتوجه الشعب العربي إلى هولندا بالشكر والعرفان.

إن هولندا أبدت أيضاً نشاطاً ملحوظاً فيما يتصل بقضية حقوق الإنسان. وهذه قضيتنا أيضاً، نحن الأردنيين. فنحن نبني مجتمعاً مدنياً مفتوحاً يستند إلى حقوق الإنسان، وحكم القانون، والتسامح، والشمول لا الاستِبْعاد. ولترجمة هذه الرؤية إلى حقيقة واقعة، تمت صياغة أجندة وطنية للأردن، للإصلاح والتنمية، تكوّنت مُدْخلاتها من آراء المواطنين البارزين في مختلف أنحاء البلاد.

وهذه العملية ماضية للأمام، ولن نعود إلى الخلف أبداً. وكما يعلم الكثيرون منكم، كنا نتطلع، رانيا وأنا، إلى زيارتكم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ولكننا أجلنا الزيارة بسبب المأساة الوطنية التي حلّت ببلدنا، نتيجة التفجيرات الإرهابية في عمّان.

صاحبة الجلالة، بعد تفجيرات عمّان، قمتم أنتم وحكومتكم... والعديد العديد من مواطنيكم.... بتوجيه رسائل تعاطف ودعم. وكان هذا تعبيراً عظيماً عمّا نشترك فيه من إنسانية، وتعاطف، ورحمة واهتمام. ونيابةً عن جميع الأردنيين، نعرب لكم عن الشكر والتقدير.

أصدقائي،

إن الترحيب الحار الذي غمرتم به وفدنا كان رمزاً لشراكتنا. وأنا أقدّر هذه الفرصة لأزوركم وأناقش الأمور التي يُعْنى بها كلانا بصورة عميقة - السلام والتنمية.... والحوار بين الأديان والاحترام... وتعزيز التعاون وتمتين أواصره.

واسمحوا لي أن أقول إنَّ الملكة بياتريكس ضربت مثلاً عالمياً في تجسيد الروابط بيننا. وعملها يشكل برهان قوي على الكيفية التي يتسنّى من خلالها للحوار بين الأديان والالتزام باحترام الآخرين أن يُسْهما في التفاهم والتناغم والانسجام.

وآمل، في مُقبل الأيام، أن يأتي أصدقاؤنا الهولنديون إلى الأردن، ويواصلوا الشراكة التي نعمل على وضع أسسها الراسخة هنا. وأنني أدعوكم إلى التقاء أبناء شعبنا، وخاصة شبابنا... وتلمُّس طاقاتهم، وما تفيض به نفوسهم من كرم، وما يعمُرُ قلوبهم من دفءٍ ومحبّة.

صاحبة الجلالة،

لقد شرَّفْتِ بلدنا عندما قمت بزيارة دولةٍ رسمية للأردن عام 1994. ونيابة عن رانيا وجميع أفراد أسرتي، ونيابة عن شعب الأردن، أودّ أن أقدّم لجلالتك دعوة خاصة... لتزورينا ثانية.... وتتيحي لنا أن نقابل بالمثل ما حظينا به لديك من ضيافة أصيلة كريمة...

سيداتي وسادتي،

أتوجه إليكم جميعاً كي تشاركوني في الدعوة بالصحة والسعادة الدائمين اللتين نتمناهما لجلالتها... وللصداقة بين بلدينا... والتمنيات للشعبين الهولندي والأردني بمستقبلٍ ملؤه الازدهار والسلام.