خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في المؤتمر الصيفي السنوي لـ ميديف

٢٧ آب ٢٠٠٨

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدة الرئيسة،

السيدات والسادة،

أصدقائي،

إنه لمن دواعي السرور أن أكون بينكم اليوم. كما أنه لشرف كبير لي، السيدة الرئيسة، أَن تتاح الفرصة لأكون أول رئيس دولة يُدعى للحديث أمام هذا الجمع الهام. أصدقائي،

اسمحوا لي أن أعرب لكم، نيابة عن جميع الأردنيين، عن أعمق مشاعر الشكر على حرارة الترحيب التي لمسناها لديكم. ولتأذنوا لي، مشكورين، أن أتابع حديثي إليكم بالإنجليزية.

أصدقائي،

يقع موضوع مؤتمركم لهذا العام تحت عنوان "النظرة الأكبر والأشمل" ومفادها أن نرى ما هو أبعد من حدود الافتراضات والوقائع التقليدية. وأن نفكر بجرأة حيال التحديات الاقتصادية التي تواجهنا اليوم والفرص المتاحة أمامنا. ومن ثم أنَ ننهضُ للعمل من خلال توسيع الآفاق، وخلق إمكانات جديدة من أجل بناء مستقبل مزدهر.

وهنا أود أن أشير أنه لا تحظى مجموعة بدور مهم أكبر في تشكيل ذلك المستقبل من الدور الذي تتمتع به مجموعة المؤسسات الفرنسية التي تمثلونها. وأود أن أبين أيضا أن أحد بنود مؤتمركم اليوم بعد الظهيرة يشتمل على فتح جلسة لمناقشة بعض عمالقة الاقتصاد العالمي، ولا بد من القول هنا أن القائمين على المشروعات، في الشركات الكبيرة والصغيرة، هم العمالقة الحقيقيون وهم المبدعون، والمنتجون، والعاملون على تعظيم الفرص المتاحة ، لا لفرنسا وحدها، ولا لأوروبا وحدها، ولكن لدائرة البحر الأبيض المتوسط بمجملها، والتي يشكل بَلدانا جزءاً منها.

إنكم أَنتم مَن قاد الثورة الاقتصادية العالمية من خلال الصناعات، والتقنيات، والآليات التي لم تكن قد وُجِدت قبل عشرين عاماً.

كما إنكم أنتم مَن يقف وراء دَفع التجارة والاستثمار إلى الأمام، وهما أمران حيويان لتحقيق التقدم وجني الأرباح، وخلق الوظائف.

وأَنتم من يستطيع كذلك أن يوجد الحلول للعديد من التحديات الكبرى التي تواجه العالم والمتمثلة في الطاقة المستدامة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة والوصول إلى اقتصاد عالمي رفيق بالبيئة وحلول لشُح المياه، ووضع نهاية لمظاهر التباين وعدم المساواة على المستوى الاقتصادي.

ويتجلى بوضوح هنا أن هذه الأمور الملحة وغيرها لا تقلق رجال الأعمال وحدهم، فالحقيقة الماثلة هي أن الاقتصاديات الصحية التي تسعون في القطاع الخاص إلى إيجادها، تسير يداً بيد مع الأهداف المتوخاة من أساليب الحكم الرشيد والمجتمع المدني والمتمثلة في تحقيق الازدهار والأمن والسلام. ولهذا فأهدافنا تتجاوز جميع الحدود ويجب أن تكون جهودنا شاملة بذات القَدر، وأنا أتحدث هنا عن القوة الهائلة للشراكة والتي تعني الجمع بين قوى ومواهب المشروعات الخاصة والخدمة العامة والمؤسسات المدنية.

والسؤال الذي لا بد من طرحه هو: ما الذي يمكننا عمله لتسهيل تحقيق النجاح؟ ولدعم النشاط الاقتصادي الذي يبني الفرص؟ ولتأسيس البُنية التحتية للإبداع والإنجاز؟ ولإزالة العوائق أمام تعزيز التعاون؟

فخلال العشر سنوات الماضية، وضَع الأردن بالفعل استراتيجية وطنية لتحقيق هذه الأهداف. فنحن لن نسمح لحالة عدم الاستقرار الإقليمي والأزمات التي تشهدها المنطقة بتشكيل مستقبلنا. لقد رفع الأردنيون صوتهم عالياً واضحاً من أجل الاعتدال والسلام، كما ساعدنا في قيادة مسيرة الإصلاح الإقليمي والاندماج الاقتصادي. وقد عملت مع العديد من الآخرين من أجل تعزيز حوار الثقافات العالمي. وفي وطني، قام الأردن باتخاذ القرارات الصعبة: من أجل تحقيق الإصلاحات الهيكلية وتعزيز أساليب الحكم الرشيد ودعم السياسات المالية والنقدية السليمة والتحرر الاقتصادي.

وبالنسبة لنا، فإن القطاع الخاص أساسي في كل هذا. فإيجاد الوظائف التي يحتاجها شعبنا تتطلب دعم النمو الاقتصادي المستدام الذي تقوده التجارة. وقد بدأ الطريق والأردن مثقل بموروث اقتصادي من الماضي. ففي السنوات الأخيرة، عمل الأردن على خصخصة نحو تسعة أعشار المؤسسات المملوكة للحكومة. كما قمنا أيضاً بخفض الدَيــن الخارجي بصورة كبيرة. فقبل خمس سنوات، كان الدَيـن الخارجي لبلدنا يعادل أكثر من ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي. أما في الربع الأول من هذا العام، انخفض إلى أقل من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. واسمحوا لي أن أعبر عن امتناني لدعم فرنسا لنا في عملية شراء الديون التي قمنا بها مؤخراً مع نادي باريس.

إن هذه الخطوات تعزز الظروف لجذب استثمارات القطاع الخاص، وتحرر الموارد لاستثمارات قطاع عام سليمة في مجالات البنية التحتية والتنمية. كما أننا نعمل أيضا على توسيع فرص التجارة من خلال مناطق اقتصادية وتنموية خاصة في العقبة وفي جميع أنحاء البلاد. ولدينا شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة توفر إمكانية الوصول إلى المستهلكين في أرجاء العالم. ومن أهم شركائنا العالميين أوروبا. ونحن نتطلع إلى تعميق هذه العلاقة في إطار العملية المعروفة بالاتحاد من أجل المتوسط.

وهناك المزيد للحديث عنه حول السياسة التنظيمية والتشريعات حيث عملت الإستراتيجية الوطنية للأردن على تشجيع القيام بمشروعات واستثمارات جديدة. والهدف من ذلك أن تتولى الحكومة القيام بما يفترض بالحكومة أن تقوم به: وهو التنظيم من أجل الصالح العام، لا أن تقوم بإدارة المشروعات الخاصة؛ ولا أن تحدد النمو الاقتصادي وتقيده. فالقوانين التي تمكن المعنيين من العمل والتحرك بيُسر، إضافة إلى سياسات الشفافية عملت على خلق ظروف إيجابية للاستثمار. ففي مجال المصارف، على سبيل المثال، ستجدون أن متطلبات الإفصاح في الأردن متماشية مع أفضل الممارسات في العالم في هذا الشأن.

والسؤال هنا هو ما مصلحة الأردن في كل هذا؟ وتكمن الإجابة في كلمة واحدة: الشباب. فأكثر من نصف الأردنيين هم في الثامنة عشرة أو أصغر سناً. وهم من أكثر شباب العالم وَعياً، وأكثرهم طموحاً. ونحن مصممون على مساعدتهم كي يحققوا النجاح ويبنوا حياة ملؤها الإيجابية والإنتاجية ليكونوا جزءا من التقدم العالمي. ولنصل لهذا المستقبل، فعلينا أن نهيئ وظائف جيدة لشبابنا. ونحن نعمل على تهيئة الشباب لهذه الوظائف. لقد بذل الأردن جهودا في الاستثمار في التعليم والتدريب على المهارات التي يتطلبها الدخول للسوق. وقد كان الإبداع والشراكة أساسيين في مسيرتنا هذه. فقد عملت الشركات الأردنية للتكنولوجيا مع الرواد العالميين في هذه الصناعة للمساعدة في إيجاد منهاج دراسي جديد لمدارسنا. ومن دواعي الفخر أن غدت هذه المبادرة أنموذجاً عالمياً يُحتَذى.

أصدقائي،

إن الإصلاحات ومبادرات التنمية في الأردن قد حققت بالفعل نتائج كبيرة. وقد أضحى الواقع والوعد بما يحمله الأردن ويختزنه من إمكانات جلياً أمام المستثمرين الفرنسيين الذين يتصدرون سلم الاستثمارات في الأردن. فعلى مدى السنوات العشر الأخيرة، تضاعفت الاستثمارات الفرنسية في الأردن عشرة أضعاف. فقد بلغت قيمة الاستثمارات الفرنسية في الأردن ما يزيد عن مليار دولار أمريكي. وتقوم الشركات الفرنسية بدور نَشِط فعال في قطاعات رئيسية في مختلف مناحي الاقتصاد الأردني، فهناك شركة فرانس تيليكوم وشركة لافارج وشركة إيروبورت دو باريس وشركة سويز وغيرها الكثير. وأحد المجالات الحيوية للتعاون هو الطاقة. وفي وقت لاحق من هذا اليوم، سأشهد مع الرئيس ساركوزي توقيع بروتوكول جديد بين بلدينا لوضع التعاون في المجال النووي موضع التنفيذ. وسيوقع الأردن قريباً اتفاقية مع شركة أريفا لاستكشاف اليورانيوم.

أصدقائي،

من خلال هذه الفرص وغيرها الكثير، فإن الوقت قد حان للاستثمار في قطاعات السياحة، والمياه، والنقل، والأدوية والصناعات الأساسية وغيرها. وكلي أمل بأن تشاركنا شركات فرنسية أكثر لمواجهة التحديات وخلق الفائدة للجميع.

وستجدون أن الأردن شريك لديه الرغبة في العمل معكم. فقد ربطت بلادي مستقبلها بشرقٍ أوسطٍ يشارك بصورة تامة في تقدم العالم. وأعتقد أن نجاحنا سيساعد في بناء دائرة تزداد اتساعاً للتعاون والإنجاز والاستقرار.

إن التجرية الأردنية تعد مثالا واضحا على قوة الاستقرار والاعتدال. ولكن عند الحديث عن المنطقة بمجملها، فإن الأزمات المستمرة تشكل تهديدا كبيرا خاصة عندما يتم الحديث عن جوهر الصراع في المنطقة. فحتى تتحقق العدالة للفلسطينيين، فإن منطقتنا ذات القيمة الإستراتيجية العالية ستظل تعاني من الانقسام وستظل الثقة بين العالم الإسلامي والغرب هشةً وستجدُ قوى التطرف الفرصة لتأجيج نار أجندتها القائمة على النزاع.

وبما يخص مجال الأعمال مرة أخرى، فاسمحوا لي بالقول أن النجاح يتحقق من خلال العمل الإيجابي الذي يقوم على اغتنام الفرص في اللحظة المناسبة وتشكيل السوق. وبالطريقة ذاتها، فإن على أصدقاء منطقتنا أن يغتنموا الفرص لتغيير البيئة الإستراتيجية. وأنا أحثكم جميعا على دعم قوى الاعتدال في المنطقة، وأن تشاركونا في دعم قيم قوةَ القانون والعدالة وأن تؤكدوا على الإمكانية الهائلة التي تتوافر لشراكتنا.

أصدقائي،

اسمحوا لي أن أعبر عن تقديري لميديف على الدعوة وإتاحة الفرصة لي لأكون معكم اليوم. واسمحوا لي أن أرحب مسبقاً بوفد ميديف الذي سيزور الأردن في ديسمبر المقبل. كما أنني آمل أن تتمكنوا جميعا من إيجاد الوقت لزيارة بلدي.

إنني على يقين أن الوقت قد حان لنعيد تصور الجوار الذي يضمنا ليكون دائرة من الوعد المفعم بالحيوية، حيث يحل الاستقرار والأمل محل النزاع والخوف، وحيث تعمل منطقتانا معاً للمضي قُدُماً بالازدهار والسلام.

لذا، فليبدأ هذا الأمر الآن، ومن روح "النظرة الأكبر والأشمل"، ولنطلق العنان لأنظارنا عبر الحدود، ولنجدَ شراكة تتعاظم بقوتنا المشتركة، ولنرى حقبة جديدة من التعاون لتحقيق الازدهار العالمي وتعزيز الإرادة الطيبة.

وأنا على ثقة أننا سنصل إلى المكانة التي نتطلع إلى ارتقائها معا.

وشكرا لكم على حُسن استماعكم.