خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في كونجرس تشيلي الوطني

٢١ تشرين أول ٢٠٠٨

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السيناتور روميرو،

أيها الأصدقاء،

الشكر لكم. كما يشرفني أن تتاح لي هذه الفرصة للتحدّث أمامكم اليوم. إنني أدرك بدرجة كبيرة أنه وبالحديث إليكم، ومن خلالكم، إنما أتحدث إلى الشعب التشيلي العظيم حيث وضع بلدكم نفسه على طريق المستقبل، وهو ذلك الطريقٍ الذي تنيره رؤية قوامها الفرص المتاحة والسلام، والعدالة الاجتماعية. فما حققتموه قد أبهر العالم.

إننا نجتمع اليوم في وقت تعصف بنا فيه تقلبّات عالمية حادة - تنطلق من اقتصاديات العالم الصناعي المتقدم. ولكن بالنسبة للبلدان النامية، فإن أيامنا مليئة بالإمكانات الهائلة أيضاً. فلأول مرة في التاريخ، توجّه البلدان النامية خُطَى المسيرة الاقتصادية... بنمو لم يسبق له مثيل في التجارة ورأس المال والمُخرجات الاقتصادية الهائلة. والمزيد من الناس في أرجاء العالم يتم احتواؤهم في العملية السياسية، وهم يتمتعون بحرية التصويت والمشاركة. وهناك إقرار جديد بأن بلداننا لديها حلول تقدمها وأفكار لها وزنها.

وهذه الحقائق تضع العالم النامي في موقف قوي لتحقيق الأهداف التي نشترك فيها لاستبدال الفجوة الهائلة في الثروة في العالم باقتصاد عالمي يفوز بنتائجه الجميع... ولتحرير شعوبنا من الفقر وصعوبة العيش... ولتأمين بلادنا من الأخطار، سواء أكانت أخطار الإرهاب أو الأمراض أو الكوارث البيئية... وبالنسبة لي، فإن الأولوية التي تأتي في مقدمة الأولويات هي أن يتوفر لجيل الشباب لدينا الفرص التي يستحقونها كي ينجزوا ويزدهروا ويعيشوا حياة تحقق آمالهم وطموحاتهم.

إن هذه احتياجات عالمية، وتلبيتها تحتاج جهداً عالمياً. ولأمريكا الجنوبية - وتشيلي - إسهام مركزي في هذا. ففي العصر الحديث، قامت هذه المنطقة بتأكيد هويتها، كبقعة تعيش على ثراها ثقافات غنيّة، وتشهد نمواً اقتصادياً سريعاً، ولديها إرادة سياسة للسير قُدُماً. فهنا في تشيلي، شهد العالم مصالحة وطنية أحدثت تحوّلاً في البلاد... وأُنموذجاً اقتصادياً مؤثراً ملفتاً للنظر. وفي منطقتكم، وفي أرجاء العالم، قادت بلدكم عهداً جديداً من التعاون للتشارك في القوّة، والتصدّي للتحديات، وتوفير... لا بل إيجاد فرص جديدة.

أصدقائي،

إنني هنا لأقول إن الأردن يسعى لأن يكون شريكاً لكم، في الحاضر والمستقبل. فبلدانا ومنطقتانا تشتركان في روابط تجارية حيوية هامة، وفي علاقات دبلوماسية، وفي تبادلات ثقافية، وفي الكثير غيرها. وقد كانت الجالية العربية التشيلية جزءاً رئيسياً هاماً من تاريخ بلدكم ومسيرة نموه. وأنا فخور بأن المواطنين من أصول أردنية أسهموا في تقدّم هذا البلد العظيم. واليوم، غدت الجالية الفلسطينية في بلدكم الأكبر خارج منطقة الشرق الأوسط.

إن الكثير من أبناء وبنات الشعب التشيلي يشتركون في موروث آخر، وهو ذلك الموروث الروحي في منطقة الشرق الأوسط - وأقصد هنا مهد الديانات الإبراهيمية. وستجدون اليوم مواقع تاريخية مقدّسة في الأردن، تحظى باحترام وتقدير المسيحيين والمسلمين معاً. وشعبنا، كشعبكم، يتطلع إلى عالم يعمّه السلام. ويعتز الأردن بأنه موطن رسالة عمّان بما تحمله من دعوة الإسلام إلى التسامح والاعتدال واحترام كرامة الإنسان على امتداد العالم.

واليوم، نجد روابطا بين شعبينا، ومنها رابطة الأمل بما يحمله القرن الحادي والعشرون. وكبلدين ناميين، فإننا لا نسعى فقط إلى مستقبل إيجابي، بل إلى دور جديد أيضاً في تشكيل المستقبل للعالم بأسره. والأردن، بصورة خاصة، يشترك في غايات هامة مع تشيلي. فنحن، مثلكم، ملتزمون بأساليب الحكم الرشيدة والتغيير الاجتماعي - الاقتصادي الإيجابي. وفي الأردن، اتخذنا خطوات محددة للإصلاح الهيكلي والانضباط المالي والنمو الذي يقوده القطاع الخاص والاستثمار العام الموجه نحو التنمية. وفي منطقتنا، عملنا من أجل الإصلاح، بما في ذلك التكامل الاقتصادي. وعلى المستوى العالمي، كانت لنا وقفة من أجل الاعتدال والسلام والتقدّم. لقد كانت الأولوية الأولى بالنسبة لي إشراك ودعم جيل الشباب في الأردن - وهو أكبر جيل شاب في التاريخ. وهم يشبهون إلى حدٍ كبير أقرانهم هنا في تشيلي وفي أرجاء العالم فهم يتمتعون بدرجة عالية من الوعي... وهم مرتبطون بما حولهم... ولهم توجهاتهم نحو المستقبل... وهم كذلك يتطلعون للمشاركة فيما يحمله العالم من وعد. والجميع - من شباب أردني وتشيلي - يحتاجون منا إلى أن نمد لهم يد المساعدة لتحقيق النجاح.

وأملي أن يتمكن بلدانا، ومنطقتانا، من العمل معاً للتقدّم بقضايانا المشتركة. وهذا يعني التعاون على جميع المستويات - ما بين الحكومات، وما بين القطاع الخاص في البلدين والمنطقتين... وما بين مؤسسات المجتمع المدني. وآمل أن يشكل تعاوننا من خلال اتفاقية ميركوسور الأساس لشراكات فاعلة عبر الحدود.

أصدقائي،

لقد حان الوقت الآن للتواصل باحترام وشراكة، لاكتشاف الحلول وتوفير الفرص. وليس هناك مجال تتبدّى فيه أهمية هذا الأمر أكثر من المجال المتعلق بالتصّدي لتحدّيات الأمن والسلام العالميين. واليوم، مازال الصراع يشكل خطراً مستمراً في الشرق الأوسط. وجوهر هذا الخطر ومحوره الأساسي هو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يتم التوصّل إلى حل له. وحتى يحلّ السلام، وحتى تعمّ العدالة، لن تستطيع المنطقة بلوغ أقصى طاقاتها وإمكاناتها... وستجد قوى التطرّف المزيد مما يؤجج نار أجندتها القائمة على الصراع.

لقد غدا من الأمور الضرورية المُلحّة أن يتكاتف المجتمع الدولي لتأكيد التزامنا بالعدالة والقانون. ولا بدّ من وجود اتفاق شامل... تسوية تقوم على وجود دولتين... تضع نهاية للنزاع... وتحقق الأمن والقبول لإسرائيل... الأمن الدائم الذي لا يمكن للجدران والأسلحة أن تحققه... وأن يتم، في نهاية المطاف، تحقيق العدالة للفلسطينيين... من خلال دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة وذات سيادة.

أصدقائي،

لقد تشرفت بالتحدث إليكم اليوم. وآمل أن يكون هذا مجرّد بداية لحوار طويل مثمر بين الشعب الأردني والشعب التشيلي.

إنني أؤمن بالمستقبل. وأؤمن بما يستطيع شعبانا تحقيقه. فلدينا الموهبة. ولدينا المعرفة. ولدينا الشجاعة. وأعتقد أن لدينا الأصدقاء. فلنمضي قُدُماً معاً.

ولكم جزيل الشكر.