خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الأردني الرابع عشر

١ كانون أول ٢٠٠٤

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين

حضرات الأعيان

حضرات النواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فباسم الله وعلى بركة الله نفتتح الدورة الثانية لمجلس الأمة الرابع عشر سائلين المولى عز وجل أن يعيننا جميعا على حمل أمانة المسؤولية ومواصلة المسيرة واستكمال بناء الدولة العصرية الحديثة، وتحقيق التنمية الشاملة من خلال الإصلاح والتحديث والتطوير، وإعداد وتأهيل الإنسان الأردني، وتمكينه من المشاركة الفعالة في تشكيل حاضره ومستقبله، منطلقا من قناعته بأن الأردن أولا وأن الأردن دائما وأن الإرادة والعزيمة أقوى من كل التحديات وأن من حق الأردن علينا جميعا أن نجعل منه الوطن النموذج والقدوة والمثل في المنطقة.

وإن انعقاد مجلسكم الكريم اليوم لهو تكريس للنهج الديموقراطي الذي اخترناه لأنفسنا والتزمنا به طريقا إلى مجتمع الحرية والتعددية والعدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون على الجميع.

حضرات الأعيان

حضرات النواب

إنها مناسبة طيبة نقف فيها وقفة مراجعة وتقييم لمسيرة خمس سنوات مضت وقد حققنا وأنجزنا والحمد لله الكثير مما كنا نتطلع إلى إنجازه، وبالرغم من الأوضاع غير المستقرة في المنطقة من حولنا، فالمؤشرات تدل على ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والصادرات، والاستثمار، وانتعاش السوق المالي، وتخفيض المديونية، وزيادة الاحتياطي من العملات. وهذا يؤكد على أننا نسير على الطريق الصحيح، ومع هذا فإن المطلوب منا الآن هو تكثيف الجهود والإسراع في تنفيذ ما وضعناه من خطط وبرامج لتحقيق التنمية المنشودة، فهذه الخطط والبرامج نابعة من رؤيتنا لمصلحتنا الوطنية، ومن ضمير وتطلعات شعبنا الذي نذرت حياتي لخدمته. وهي تجسيد لإرادتنا الحرة وليس ردة فعل أو استجابة لظروف خارج هذه الإرادة. وإن التشكيك بجدوى هذه الخطط والبرامج أو بأردنيتها دون طرح بديل واقعي لها هو من باب المزايدة أو التغطية على أجندات غير وطنية.

وقد آليت على نفسي منذ اليوم الأول الذي تسلمت فيه أمانة المسؤولية،أن أكون بين أبناء وبنات شعبنا الخير المعطاء، وأن أذهب إليهم كلما سمحت لي الظروف في كل مواقعهم حتى أستمع إليهم مباشرة، وأتعرف على أوضاعهم، ومشاكلهم، وهمومهم، وتطلعاتهم، وأن أحمل في ضميري ووجداني هذه الهموم وهذه التطلعات أينما كنت وحيثما توجهت.

وها أنا أضع أمامكم بعض ما سمعته من أولئك الناس الطيبين الصادقين مواطن حزبي قال لي " طول حياتنا ونحن نعاني من الركود الاقتصادي"، ومواطن آخر يقول الفقر والبطالة سيف على رقابنا، ومواطن آخر يقول " سمعنا كثير عن التنمية لكن ما شفنا منها إشي".

ومن خلال هذه اللقاءات المباشرة مع الناس، تكونت لدي قناعة بأن ما أنجزناه خلال هذه السنوات وبالرغم من أهميته لم تصل ثماره بعد إلى كافة شرائح المجتمع، وبأن هناك شكوكا لدى المواطن في قدرة الدولة على تحقيق الوعود وتنفيذ الخطط والبرامج التي نتحدث عنها، وأنا أعرف أن الأوضاع الصعبة وغير المستقرة التي تمر بها المنطقة من حولنا تؤثر بشكل سلبي على أوضاعنا، ولكن يجب أن لا نتخذ من هذه الأوضاع مشجبا نعلق عليه نتائج التقصير أو الأخطاء التي قد تحدث هنا أو هناك بل يجب أن تكون دافعا إلى تكثيف الجهود ومضاعفة العمل والإسراع في الإنجاز حتى نتمكن من تجاوز الآثار السلبية والمستقبلية لهذه الأوضاع ونكون السند والداعم الأقوى لقضايا أمتنا وأشقائنا وخاصة في فلسطين والعراق.

حضرات الأعيان

حضرات النواب

إننا أمام مرحلة جديدة في مسيرة الإصلاح والتحديث والتنمية، ولا بد لنا في هذه المرحلة من تحديد الأولويات وتركيز جهودنا عليها لاستكمال النقلة النوعية المنشودة.

وقد كان هاجسي الأول على الدوام هو تحسين نوعية الحياة لكل مواطن ومواطنة في هذا البلد، ولذلك فلا بد من مكافحة الفقر والبطالة وتنفيذ الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية التي تضع حلولا جذرية ودائمة لهذه المشكلة من خلال إعادة النظر في برامج التعليم والتدريب، وتوفير مصادر تمويل إضافية وفرص عمل جديدة وتعزيز احترام الإنسان لقيمة العمل بعيدا عن ثقافة العيب وإيلاء عناية خاصة لتنمية المحافظات، والنهوض بقطاع الزراعة الذي يوفر فرص عمل للعديد من الأسر والأفراد.

وتحسين مستوى حياة المواطن يتطلب الاهتمام بالرعاية الصحية، وهي حق لكل مواطن ومواطنة. فالإنسان السليم المطمئن على صحته وصحة أبنائه وأسرته هو الإنسان القادر على العمل والإنتاج. وقد شرعت الحكومة بتوسيع مظلة التأمين الصحي ليشمل جميع المواطنين، وإيلاء عناية خاصة لبرامج الأمومة والطفولة.

أما تنمية الموارد البشرية فهي من أولوياتنا في المرحلة المقبلة، ذلك أن ثروة الأردن الكبرى والحقيقية هي الإنسان الأردني ولهذا فستعمل حكومتي على الاستثمار في هذا الإنسان ضمن شمولية الاقتصاد المعرفي من حيث الحوسبة وتأهيل المعلمين وتطوير المناهج والارتقاء بمستوى البحث العلمي والتعليم الجامعي.

حضرات الأعيان

حضرات النواب

إن الاستثمار عنصر رئيسي في عملية التنمية، ولذلك فلا بد من تشجيع الاستثمار وتعظيم مساهمته في عملية التنمية من خلال العمل على تنفيذ الإصلاحات التي تساعد على جذب الاستثمارات من الخارج، وتشجيع المستثمر الأردني بالإضافة إلى حملات الترويج التي تعرف العالم من حولنا بما لدينا من فرص وإمكانيات.

أما السياحة والإعلام والثقافة فهي على علاقة حميمة مع الاستثمار وعلى ذلك فلا بد من وضع إستراتيجية لكل قطاع من هذه القطاعات بحيث يصبح كل واحد منها رافدا من روافد اقتصادنا الوطني.

أما الإصلاح الإداري فإننا ندعو إلى تغيير جذري وإصلاحي في سائر جوانب الإدارة ومؤسسات الدولة يعتمد على الكفاءة والمساءلة، وتأهيل العنصر البشري الذي هو أساس العملية الإدارية.

وأما جهازنا القضائي الذي نعتز به فسيجد منا كل الاهتمام من حيث الحفاظ على استقلاليته ورفده بالمزيد من الكفاءات التي تزيد من قدرته على الإنجاز.

حضرات الأعيان

حضرات النواب

لقد أطلقنا دعوتنا من قبل إلى تنشيط الحياة السياسية والحزبية، وركزنا على أهمية دور الشباب ودور المرأة في حياتنا السياسية، ودعونا إلى حوار وطني دائم وشامل يعزز مفهوم التعددية واحترام الرأي الآخر، وهذه بالنسبة لنا أولوية لا رجعة عنها، لكنها يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع التنمية الإدارية، آخذين بعين الاعتبار أن التقدم والانفتاح الاقتصادي يشكل رافدا للتنمية السياسية، ولا بد من التذكير هنا بأن الأولوية التي تتقدم على كل الأولويات هي أمن الأردن واستقراره، فبدون الأمن والاستقرار لا يمكن أن تكون هناك تنمية.

وسيادة القانون على الجميع هي الضمانة لتحقيق العدالة والمساواة، وهذه مناسبة أتوجه فيها بتحية المحبة والاعتزاز والتقدير لأبنائنا وبناتنا في قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية فهم درع الوطن، والعيون الساهرة على أمنه واستقراره، وسنعمل على إعادة تشكيل هذه القوات بما يتناسب مع رؤيتنا لتحديثها ورفع مستوى كفاءتها والإبقاء على مستوى حجمها وتعدادها حتى تظل كما كانت على الدوام مثالا في الكفاءة والتميز والانتماء.

حضرات الأعيان

حضرات النواب

إن طموحات الأردنيين والأردنيات كبيرة، وهي على قدر عزائمهم وقد حملونا وإياكم مسؤولية قيادة المسيرة وتحقيق هذه الطموحات والأهداف النبيلة، فلنكن جميعا على مستوى هذه المسؤولية الجليلة، وهذا يستدعي تكاتف الجهود وأعلى درجات التعاون والتكامل بين جميع السلطات وخاصة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، بحيث تكون العلاقة بينهما قائمة على الثقة والتعاون الكامل بعيدا عن كل الأغراض الشخصية أو الحزبية أو الجهوية الضيقة، وأن يكون جوهر هذه العلاقة ملتزما بالمصلحة الوطنية العليا وبعيدا عن تسجيل المواقف أو تبادل الاتهامات.

وليكن الجميع على ثقة تامة وقناعة راسخة، بأننا نسير يدا بيد وبخطى واثقة على الطريق الصحيح، وأن تحقيق أهدافنا سيكون على قدر أهل الأردن، أهل العزم والإرادة، وأن الغد سيكون مشرقا بعون الله.

والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،