خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الخامس عشر

٥ تشرين أول ٢٠٠٨

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين،

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فباسم الله وعلى بركة الله، نفتتح الدورة العادية الثانية، لمجلس الأمة الخامس عشر، استمرارا لمسيرتنا الديموقراطية، وتعزيزا لدورها في توسيع المشاركة الشعبية وتفعيلها، في التشريع والرقابة، من خلالكم أنتم أعيان الوطن ونواب الأمة، وأنتم النخبة المختارة من الشعب الأردني الأصيل، الذي يسعى للمستقبل الأفضل، واستكمال بناء دولة المؤسسات، التي ورثت رسالة الثورة العربية الكبرى، وأحفاد قادتها الذين نذروا أنفسهم، من أجل رفعة هذا الوطن وكرامة شعبه الوفي، لمبادئ تلك الثورة ورسالتها النبيلة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن الجانب الإقتصادي ما زال يتصدر أولوياتنا، خاصة في بعده الإجتماعي، وذلك بسبب التحديات الإقتصادية، التي نتجت عن موجة الغلاء العالمية. وبالرغم من كل المعيقات والتحديات الإقتصادية وغيرها، فإن الأردن وبحمد الله، يسير في الطريق الصحيح، باتجاه نهضة شاملة، هي جوهر رؤيتنا، وهدفها الأسمى. وعلى ذلك، تلتزم الحكومة بتنفيذ جملة من السياسات، في المحاور ذات الأولوية، بالتعاون مع السلطتين التشريعية والقضائية، كما تلتزم الحكومة بتقديم تقارير دورية للسلطة التشريعية، توضح سير العمل، في البرامج التي نفذتها، وإطلاع الجميع على التطورات والمستجدات، واعتماد هذه التقارير، كمؤشر موضوعي، على مستوى الأداء والإنجاز.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

يتصدر الأولويات الوطنية، في المدى المتوسط الإصلاح الإقتصادي، واستكمال بناء إقتصاد وطني قوي، ينعكس بشكل إيجابي، على مستوى معيشة الأردنيين. وترتكز رؤيتنا في هذا المجال، على إلتزام الحكومة بتقديم الخدمات الأساسية، بأفضل المستويات للمواطنين، والتدخل بالشكل الذي يلبي إحتياجاتهم وأولوياتهم، والعمل لتوحيد مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، في العاصمة والريف والبادية والمخيمات، وضمان توزيع جغرافي عادل، لعوائد التنمية. ونؤكد على عزم الحكومة، على تطوير علاقة وزارة العمل، بصندوق المعونة الوطنية، بحيث يتم إشراك أبناء الأسر المستفيدة، في برامج التدريب المهني، التي تؤهلهم لدخول سوق العمل، والمساهمة في النشاط الإقتصادي.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

ستقوم الحكومة بتنفيذ منظومة للأمان الإجتماعي، تضمن وصول الدعم المالي، إلى من يحتاجه ويستحقه، لتمكينهم وحمايتهم اقتصاديا. وستعمل الحكومة أيضا، على توسيع مظلة التأمين الصحي الشامل، بالتعاون مع القطاع الخاص، وإعداد خارطة للخدمات الصحية في المملكة، لتكون مرجعا لدراسة وتحديد الأولويات والإحتياجات الصحية المستقبلية. في العام الماضي، ومن بيت الأمة هذا، وجهت الحكومة، بأن يكون عام 2008 عاما للإسكان، وهكذا جاءت مبادرة "سكن كريم لعيش كريم"، وهي الآن تحت التنفيذ، وحكومتي ملتزمة بتمكين مائة ألف مواطن، من إمتلاك السكن الملائم، خلال السنوات الخمس القادمة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن الوصول إلى الإزدهار الإقتصادي الذي نريد، يتطلب تنفيذا فوريا، لمجموعة من الإجراءات، التي تضمن الإستقرار المالي، وتعزيز البيئة الإستثمارية. ومن هذه الإجراءات، ضبط مستويات التضخم، لحماية المواطن من زيادة تكاليف المعيشة، وتفعيل سياسات مصرفية، تضمن سلامة الأجهزة المصرفية وسمعتها، وترتقي بوسائل الرقابة على حقوق المودعين والمتعاملين. ومن أهم الإجراءات المطلوبة من الحكومة في هذا المجال ربط مستويات الرواتب بمعدلات التضخم، وذلك من خلال زيادة علاوة تحسين المعيشة حماية للعاملين والمتقاعدين، وترسيخا للعدالة على أساس الجدارة. ولتنفيذ هذه الخطوة فقد وجهت الحكومة لزيادة الرواتب إبتداء من مطلع العام القادم، وتثبيت هذه الزيادة في موازنة عام 2009، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور، بما يوفر عيشا كريما لشريحة كبيرة من المواطنين، وستقدم حكومتي لمجلسكم الكريم، قانون ضريبة جديد، يحفز القطاعات الواعدة ويساهم في تعزيز البيئة الإستثمارية.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

لقد قمت بتوجيه الحكومة، لإعتماد أسلوب للتخطيط الوظيفي، في مؤسسات القطاع العام يقوم على مبادئ الجدارة في الترقية، وتعيين الكفاءات والمواهب، والتقييم والتدريب المستمر ... كما قمت بتوجيه الحكومة، باتخاذ الخطوات الضرورية، لتشجيع وجذب الإستثمارات، وخاصة الاستثمارات العربية الخليجية، لما لمسناه من هذه الدول الشقيقة، من الرغبة في الإستثمار في الأردن. وستستمر الحكومة بتوفير كافة متطلبات البنية التحتية، في المناطق التنموية والإقتصادية الخاصة، في كل من العقبة والمفرق واربد ومعان، وفي مناطق أخرى في المملكة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن تحقيق الأمن الغذائي الوطني، هو من أهم الأولويات، ومن هنا، نحرص على رعاية المزارعين، ومربي الثروة الحيوانية، وكذلك بتوجيه دعم الأعلاف لمستحقيه، وبالتوازي ستعمل الحكومة بشكل حثيث على إخراج مشروع المراعي الطبيعية، إلى حيز التنفيذ، ضمن البرنامج الشامل لتطوير البادية الأردنية، وحكومتي مستمرة في دعم الخبز لجميع شرائح المجتمع.

إن الأمن الغذائي، يتكامل مع الأمن المائي وتوفير الطاقة، ولذلك فقد كلفنا الحكومة، بالإسراع في تنفيذ استراتيجية، تهدف الى توفير نصيب مائي عادل للمواطن، وزيادة القدرات التخزينية، وتطوير المصادر المائية الموجودة، وبناء المزيد من السدود، ومشروعات الحصاد المائي. أما في مجال الطاقة، فإن الإرتفاعات والتقلبات المتلاحقة في أسعار النفط، تفرض علينا العمل بسرعة، للبحث عن مصادر متجددة وبديلة، والإسراع في تنفيذ برنامج الطاقة النووية للأغراض السلمية. وستحدد الحكومة الإطار الزمني، لتنفيذ مشروعات الطاقة النووية، والصخر الزيتي والرياح، وتحدد متى سينتهي العمل في هذه المشاريع، وتنعكس الفائدة منها على جميع الأردنيين.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن تحقيق أي تقدم، مرتبط بوجود بيئة قانونية وقضائية، تضمن سيادة القانون ونزاهة القضاء، وإنطلاقا من قناعتنا بمبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ استقلال القضاة، فإن الحكومة، ستبادر بوضع التشريعات اللازمة، لتسريع إجراءات التقاضي.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن رؤيتنا للتنمية الإقتصادية والإجتماعية، تسير جنبا إلى جنب، مع رؤيتنا في التنمية السياسية، التي تهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة في عملية صنع القرار وتنفيذه، وتعزيز مبادئ المشاركة والمساءلة وتكافؤ الفرص. كما أن المشاركة في صنع القرار وتنفيذه، وخاصة في المحافظات، تستدعي التفكير في أسلوب إدارة محلية، يميل إلى اللامركزية، ويضمن سرعة وكفاءة التنفيذ. وكنا قد شكلنا لجنة ملكية متخصصة، لوضع أفضل تصور، لإدارة الحكم المحلي في مناطق المملكة، على أساس إحتياجات وأولويات أقاليمها. وهنا لابد من التأكيد، على أن تفعيل مفهوم الحكم المحلي، هو من أفضل السبل، لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وتعزيز التنمية السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وبناء على هذه القناعة، فقد أصبح من الضروري اليوم، أن تبادر الحكومة، وبالتعاون مع مجلسكم الكريم، إلى إعادة دراسة توصيات لجنة الأقاليم، ووضع تشريع يستند لهذه التوصيات، يهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية، من تحديد إحتياجاتها التنموية وبرامجها ومتابعة تنفيذها.

أما على صعيد توسيع المشاركة السياسية، على المستوى الوطني الشامل، فإن هذا الطموح، يستدعي حث بعض الفئات، على المشاركة والإنتخاب، خاصة الشباب والمرأة، وتشجيعهم على دخول ميادين العمل العام وتولي قيادته. إن المكانة التي نطمح أن يحتلها الأردن عربيا وعالميا، على صعيد الحريات والإنفتاح السياسي، تتطلب عملا وجهدا رسميا، من جميع الجهات، لترسيخ ثقافة الديموقراطية، واعتماد الحوار وسيلة للتواصل الحضاري، وتعظيم المشاركة الشعبية، في بيئة تسودها قيم التسامح، وحرية الفكر ورعاية الإبداع، وهذا يتطلب من الإعلام الوطني، بمؤسساته وأفراده، مساهمة أساسية وفاعلة، فهم عيون الناس على الحقيقة، وإحدى ركائز مجتمعنا الديموقراطي. وهنا ندعو جميع المعنيين في هذا المجال، إلى التمسك بمبادئ المهنية والموضوعية، للحفاظ على التوازن الضروري، بين الحريات الصحفية والحقوق الشخصية. ولابد من أن يقابل الإرتقاء في مستوى النقد، والجرأة والطرح والتعليق، إرتقاء في سبل البحث والتحليل، فالصحافة مهنة رفيعة، هدفها الحفاظ على المصلحة العامة، وخير المجتمع وتشكيل الرأي العام، بعيدا عن التضليل، وتحويل الرأي الشخصي إلى حقيقة عامة.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

إن الضمانة الرئيسية، لاستمرار مسيرة التنمية والإزدهار، وبناء مستقبل هذا الوطن، هي الحفاظ على الأمن والإستقرار، وسيادة القانون الذي يحمي الحقوق والحريات. وقد كانت على الدوام، قواتنا المسلحة والجيش العربي، والإجهزة الأمنية، درع الوطن وسياجه المنيع، والعيون الساهرة، على أمن الوطن والمواطن، وحماية مسيرته ومنجزاته. وبالإضافة إلى هذه المسؤوليات الوطنية الجسيمة، التي نهضت بها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بمنتهى الكفاءة والإقتدار، فإنها اليوم وبحمد الله، تبادر للقيام بدور تنموي محوري، وهو محاربة البطالة من خلال "الشركة الوطنية للتشغيل"، التي ستعمل على تحصين آلاف الأردنيين من البطالة، عن طريق تدريبهم وتشغيلهم، في مختلف المهن الفنية. ومن هنا، من بيت الديموقراطية الأردنية، نتوجه جميعا بتحية الفخر والإعتزاز، إلى النشامى حماة الحرية والإستقلال، ضباط وأفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مؤكدين على التزامنا بدعم ورعاية هذه القوات وهذه الأجهزة، وتزويدها بكل ما تحتاج إليه، من أحدث الأسلحة والمعدات، وأعلى مستويات التدريب والتأهيل، والعمل المستمر من أجل توفير الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم.

أما على الصعيد العربي، فإن موقفنا المبدئي الثابت، هو أن عمقنا العربي، هو محيطنا الحيوي الأول، وقد كنا وما زلنا، حريصين على التواصل والتنسيق مع أشقائنا العرب، وتعميق علاقاتنا معهم، ودورنا في العمل العربي المشترك، معروف للجميع. ونحن حريصون كل الحرص، على إستثمار علاقاتنا الدولية وتوظيفها، لخدمة قضايا الأمة الاسلامية والعربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والحفاظ على مصالح الأردن الاقتصادية والسياسية. ونحن نؤمن أن إيجاد توافق وإجماع عربي مؤسسي، هو أفضل السبل لدعم أشقائنا الفلسطينيين، في نضالهم الوطني. ومن باب الحرص على تمكين الأشقاء الفلسطينيين، من الوصول إلى حقوقهم، وإقامة دولتهم المستقلة وذات السيادة، على ترابهم الوطني، فإننا مستمرون بدعمهم بكل السبل، حتى ينتهي الإحتلال الإسرائيلي، وتقوم الدولة الفلسطينية المنشودة.

ونحن حريصون أيضا، على دعم الشعب العراقي الشقيق، والوقوف الى جانبه، حتى يعود العراق الى مكانته الطبيعية، في محيطه العربي والاسلامي، وينعم أهله بالأمن والإستقرار، والتقدم والإزدهار. أما الأشقاء العراقيون المقيمون بيننا، فهم أشقاؤنا وهم ضيوفنا، ومن الواجب رعايتهم كإخوة لنا، يمرون بظروف صعبة، إلى أن يتمكنوا من العودة إلى وطنهم وأرضهم.

حضرات الأعيان،

حضرات النواب،

نرجو من الله عز وجل، أن يكون عنوان هذه الدورة، العمل الجاد والعطاء المخلص، وأن تسود روح التعاون، وتقديم المصلحة العامة، بين السلطات الثلاث، إمتثالا لقوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" صدق الله العظيم. ونسأله تعالى أن يلهمكم التوفيق والحكمة، وأن يحفظ الأردن آمنا مستقرا مزدهرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.