خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة العربية العادية الحادية والعشرين

٣٠ آذار ٢٠٠٩

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمين

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
الأخ الأمين العام لجامعة الدول العربية،
الإخوة الحضور،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فيأتي انعقاد هذه القمة، وأمتنا العربية تواجه العديد من التحديات التي يفرضها ما يشهده العالم ومنطقة الشرق الأوسط، من مستجدات وتحولات، تهدد الأمن العربي، وتدفع بالمنطقة إلى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار، مما يستدعي بناء رؤية استراتيجية موحدة، للتعامل مع هذه المستجدات الحالية والمستقبلية، على نحو يضمن حماية مصالحنا وقدراتنا، على التأثير الفاعل في الأحداث.

والقاعدة الأولى التي ينبغي أن تقوم عليها رؤيتنا الإستراتيجية المستقبلية، هي استكمال تنقية الأجواء العربية، وتجاوز الخلافات فيما بيننا، وتوحيد المواقف والجهود، وتعزيز مبدأ التضامن العربي. وهنا أذكر بالثناء والتقدير، جهود خادم الحرمين الشريفين المخلصة والمستمرة، من أجل تحقيق المصالحة العربية، وتوحيد الصف العربي. إن التضامن العربي ليس شعارا يرفع، وإنما هو فعل وعمل، يقوم على العلاقات المؤسسية، وليس على الإساءة إلى بعضنا البعض.

إن القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسية للأمة العربية، ولا يمكن للسلام والاستقرار، أن يتحقق لشعوب هذه المنطقة، إلا بعد إيجاد تسوية عادلة وشاملة لهذه القضية، على أساس قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، التي تؤكد على أن أي حل للصراع العربي الإسرائيلي، لابد أن يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولا بد لهذا الحل، من أن يضمن أيضا انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها الجولان السوري ومزارع شبعا.

ولابد هنا من التأكيد على ضرورة الاتفاق على خطة عمل عربية، لحماية القدس من محاولات تغيير هويتها العربية وتفريغها من أهلها. وعلى هذا الأساس، فلا بد من التمسك بمبادرة السلام العربية، التي تم قبولها دوليا، واحدة من المرجعيات الأساسية، لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والتأكيد على رفض أي محاولة لتغيير المرجعيات الدولية، التي تم الاتفاق عليها لتسوية القضية الفلسطينية. ولا بد أيضا، من توجيه رسالة واضحة إلى العالم وإلى إسرائيل، تؤكد أن الأمن الإسرائيلي، مرتبط بتحقيق السلام بينها وبين الدول العربية، وهو أمر لا يمكن الوصول إليه، إلا إذا قبلت إسرائيل بالمبادرة العربية، والتزمت بما جاء فيها.

أصحاب الجلالة والسيادة والسمو،

إن استمرار التدخل الخارجي في الشؤون الفلسطينية، هو السبب الرئيسي لاستمرار الانقسام الفلسطيني، مما سيؤدي في النهاية، إلى تراجع التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، وخدمة المخططات الإسرائيلية، لتكريس انفصال غزة جغرافيا وسياسيا عن الضفة الغربية. ولذلك، فإننا ندعو إلى التصدي بقوة للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وتقديم كل الدعم للجهود التي تقوم بها مصر الشقيقة، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وتحقيق المصالحة الوطنية، بين الفصائل الفلسطينية، وفقا لقرارات الجامعة العربية، وبما يضمن وحدة القرار الفلسطيني، ويمكّن القيادة الفلسطينية، من الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة. وعلى ذلك، فلا بد من دعم السلطة الوطنية الفلسطينية، ودعوة المجتمع الدولي، إلى تقديم كافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني، لتمكين هذا الشعب على أرضه سياسيا واقتصاديا.

ونؤكد في هذه القمة، على ضرورة دعوة المجتمع الدولي والإدارة الأميركية، إلى الضغط على إسرائيل، لوقف سياسات العدوان والحصار والإغلاق والاستيطان والتهجير، التي تمارسها على الشعب الفلسطيني، لإثبات رغبتها في السلام، والدخول في مفاوضات جادة، للوصول إلى هذا السلام، الذي يضمن لهـا الأمن، ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى أساس حل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي.

أصحاب الجلالة والسيادة والسمو،

لقد تعددت أشكال التدخل الخارجي، في الشؤون الداخلية والقضايا المحورية العربية. ولذلك، فإننا مدعوون في هذه المرحلة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى نبذ خلافاتنا، وتوحيد مواقفنا وجهودنا، للتصدي لهذه التدخلات الإقليمية والدولية، في الشؤون الداخلية لبعض البلدان العربية.

ومن هنا، فإننا نؤكد دعمنا الكامل للعملية السياسية في العراق الشقيق، وتعزيز المصالحة الوطنية، التي تقوم على إشراك جميع مكونات الشعب العراقي في هذه العملية، لترسيخ الوحدة الوطنية، والحفاظ على وحدة العراق وسيادته، بعيدا عن التدخل في شؤونه الداخلية، من أي جهة كانت.

ولابد لنا أيضا، من الوقوف بكل حزم وقوة، إلى جانب أي دولة عربية، في وجه أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، أو التشكيك بعروبتها وسيادتها واستقلالها، أو الاعتداء على أراضيها، وفي وجه أي محاولة، للعبث بأمن منطقة الخليج العربي واستقرارها.

أما بالنسبة للسودان الشقيق، فلا بد لنا من التحرك والتعامل بمنتهى الوعي والمسؤولية، مع أزمة دارفور، ومحكمة الجنايات الدولية، لضمان أمن السودان، ووحدته واستقراره وسيادته.

ولابد لي في ختام هذه الكلمة، من أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على استضافة هذه القمة، وإلى أخي سيادة الرئيس بشار الأسد، على جهوده الخيرّة خلال رئاسته للقمة العربية. كما أتوجه بالشكر أيضا إلى الجامعة العربية، وأمينها العام وكوادرها، على جهودهم الطيبة في الإعداد لهذه القمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،