خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام منتدى مئوية IBM

٢٠ أيلول ٢٠١١

بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،

أصدقائي،
أشكرك سام، ويسرني أن أكون هنا بينما تحتفل IBM بمئويتها الأولى لتبدأ قرنا جديدا نرجو أن تحقق فيه المزيد من الإنجاز والابتكار والنمو.

ومن دواعي سرورنا في الأردن أن نشارك في هذا الاحتفال. ففي أوائل السبعينيات، كان أول مركز كمبيوتر أردني، والذي يعد من أكثر المراكز تطورا في المنطقة، يعتمد كليا على أجهزة IBM، ومن غيرها في ذلك الوقت؟

واليوم توجد في بلدي صناعة تكنولوجيا معلومات واتصالات يبلغ حجمها 2.2 مليار دولار، وهي أحد قادة هذا القطاع في المنطقة، يدعمها متخصصون متميزون في مجال تكنولوجيا المعلومات. ولا تزال IBM معنا – شريكة لأكبر الشركات الأردنية وتعمل مع جامعاتنا في مجال البحث والتطوير المتقدم، وتدعم النموذج الذي تفردت به الأردن في مجال التعلم المبكر. ولذا، نحن اليوم ممتنون لشراكتكم ونرجو أن تستمر في السنوات المقبلة.

إن شراكة الأردن مع IBM دليل يثبت قوة الواقع الدولي في العصر الحديث، فالتكنولوجيا والابتكار والأعمال الحديثة تجاوزت الحدود ووسعت الآفاق. ولقد أصبح التواصل حقيقة ثابتة، ومن مصلحتنا جميعا العمل يدا بيد.

والسبب وراء ذلك أنه برغم كل ما تستطيع التكنولوجيا أن تقدمه، فهناك أشياء تعجز عنها، فهي لا تستطيع أن تقوم بالخيارات نيابة عنا فيما نحن بصدد معالجة المشاكل الصعبة وتقبل الحاجة إلى التغيير وبناء الإرادة لتحقيق أهدافنا.

إن القيام بهذه الخيارات هو في صميم القيادة، على مختلف مستوياتها، سواء كنا نتحدث عن شركة مثل IBM أو عائلة أو مجتمع أو بلد أو المجتمع الدولي الذي نتشارك فيه جميعا.

أصدقائي،
في المنطقة التي جئت منها يوجد ثلاثة من كل أربعة أشخاص تحت سن الرابعة والثلاثين. وهؤلاء يتمتعون بإمكانيات هائلة للإنجاز وتسلم زمام القيادة. وقد بلغ أولئك سن الرشد في زمن يحمل تحديات جسام. وقد تأثرت بلادنا، كغيرها من البلدان، بما شهده العالم من أزمات في الغذاء والطاقة والتمويل، ووصلت معدلات البطالة في الإقليم إلى مستوى الأزمة. ولا يزال الصراع الإقليمي يستنزف الموارد ويشتت الانتباه.

وتستطيع بلداننا أن تتغلب على هذه التحديات، لكن علينا أن نقوم بالخيارات الصعبة التي يتطلبها ذلك. فحتى قبل حلول الربيع العربي، كان التغيير خياري كما هو خيار العديدين.

وقبل أكثر من عقد، شرع الأردن في تنفيذ مهمة الإصلاح الهيكلي الشاملة الصعبة، فاستثمرنا في التعليم والبنية التحتية على المستوى الوطني، وسعينا للإصلاح التنظيمي بهدف تحقيق النمو الذي تقوده شراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد وقعنا اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وتركيا وسنغافورة والبلاد العربية قاطبة. وتشهد علاقاتنا المتنامية مع دول مجلس التعاون الخليجي على المكانة المتميزة للأردن وما يتمتع به من أمان وإمكانية للنمو.

ولا زلنا نسعى إلى إحداث تحسينات في كل المجالات، بدءاً بالتدريب المدرسي على مهارات مرتبطة باحتياجات سوق العمل، إلى مزيد من الاستثمار في البنية التحتية والحد من الإجراءات البيروقراطية المعيقة. وكنا نعمل في نفس الوقت على فتح الأبواب لإطلاق مواهب الأردنيين صغارا وكبارا.

ويعد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثالا على هذه القدرات، حيث كانت الشركات الأردنية العاملة في هذا القطاع، بما تتمتع به من رؤية وقدرة على الاستشراف، من أوائل من أدركوا إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الإقليمية. وقد أحسنت في هذا السياق استغلال مزايا الموقع الجغرافي الاستراتيجي للأردن الذي يقع في قلب إقليم يسكنه 350 مليون مستهلك ويملك مراكز نقل وبنية اتصالات تحتية تيسر الولوج إلى الأسواق العالمية. ويتمتع الأردن بتدفق ثابت من المهنيين المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات من جامعاتنا الأردنية وبأعلى نسبة من الناطقين باللغتين العربية والإنجليزية في المنطقة. والخلاصة أن هذا القطاع الذي يشكل العاملون فيه واحد بالمئة من مجموع القوة العاملة الأردنية يساهم بنسبة  14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أصدقائي،
لقد شهد هذا العام الربيع العربي الذي يحمل رسالة مفادها أن الناس يريدون المزيد من الحرية والنجاح والكرامة. وفي الأردن نصغي جيدا، ذلك أننا نعلم أن الإصلاح نصف المكتمل هو إصلاح قابل للنقض وأننا إن أردنا ديمومة التغيير، فيجب أن يكون شاملا: اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. ويجب أن يشترك الجميع في هذه العملية وأن يرى الناس نتائج ملموسة على الأرض.

هذا هو هدفنا. فنحن نعمل حاليا على تغييرات دستورية وتشريعية واسعة من شأنها أن تعزز الفصل بين السلطات وأن تحمي الحقوق والحريات المدنية. وتهدف هذه الإجراءات، إلى جانب خطوات أخرى، إلى ترسيخ العناصر الجوهرية للحكومة البرلمانية، وهي ازدهار ثقافة وطنية من العمل الحزبي السياسي وتجذر قيم الديمقراطية المتمثلة في مبادئ المسائلة والشفافية وسيادة القانون وغيرها.

لم يسمح الأردن للتوترات الإقليمية أن تحرفنا عن التزامنا بأهدافنا الاقتصادية والسياسية الوطنية، بل إننا مضينا في جهودنا الهادفة إلى تحقيق السلام الذي يحتاجه إقليمنا ذو الموقع الإستراتيجي.

ويبقى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مصدر الانقسام وعدم الاستقرار الدولي. ولا داعي أن أقول لكم إن الوضع قد وصل اليوم إلى نقطة حرجة، فالناس في المنطقة يرفضون الوضع الراهن المتمثل في استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات وتحدي القانون الدولي، فيما يُدفع بالفلسطينيين إلى الصفوف الخلفية في انتظار التغيير.

وللعالم كله مصلحة في الدفع باتجاه الأساس الوحيد الذي يبنى عليه السلام الدائم، وهو اتفاقية تقوم على حل الدولتين، إحداهما دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة والأخرى دولة إسرائيل الآمنة والمقبولة. وهذا يعني إجراء مفاوضات شاملة، وحل قضايا الوضع النهائي الرئيسية، وهي الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات، والتحرك بسرعة للتوصل إلى اتفاق نهائي.

لقد أدرك الرئيس أوباما هذه الحقيقة الإستراتيجية الملحة عندما وضع معايير الحل في أيار الماضي. ويجب على أصدقاء السلام أن يستمروا في الضغط حتى نخترق الطريق المسدود نحو بداية جديدة.

أصدقائي،
سوف نواجه خيارات صعبة، لكن ثمار النجاح عظيمة: السلام والازدهار وآفاق رحبة لا حدود لها. لذلك يجب أن يكون النجاح خيارنا.

واسمحوا لي أن اقتبس بضعة كلمات عن سام بالميسانو: "فترة الجمود والانقطاع هي بالنسبة لمن يملكون الشجاعة والرؤية فترة الفرص".

وعليه، فقد استوعبنا في الأردن اللحظة الراهنة كفرصة للتحرك في شوط طويل إلى الأمام، بسرعة وبدون تأخير. ولهذا فهي لحظة رائعة.

وشكرا جزيلا.