خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجلسة الافتتاحية للدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم،
السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
رؤساء الوفود الكرام،
أعضاء الجمعية العامة،
اسمحوا لي أن أتوجه لكم بعميق الشكر والتقدير للمشاركة في هذا الجمع المميز، ويسعدني أن أتقدم باسم الأردن بخالص التهاني لسعادة السيد فوك يريميتش. أود أن أؤكد لكم تعاون الأردن الكامل. واسمح لي سعادة الأمين العام بان كي مون أن أعبر لكم عن شكر الأردن وتقديره للجهود الحثيثة التي تقومون بها.
إنني أحيي اليوم أصواتكم وأصوات قادة العالم من مختلف الديانات، ممن وقفوا إلى جانب مليارات المسلمين في كافة أنحاء العالم رافضين محاولات التحريض على الفتنة بين أتباع مختلف الديانات. إن الإسلام يعلمنا أن نحترم الناس جميعا، وأن ندعو إلى التسامح والتراحم. إنني كهاشمي، أنتسب إلى النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أدين كل فعل يسيء إلى إسم الرسول الكريم أو يستغل إسمه أو إسم الإسلام أو أي دين آخر زورا لتبرير العنف كتلك الأفعال التي شهدناها مؤخرا. إن هذا أمر لا مجال فيه للخلاف، فواجبنا جميعا، من أتباع الأديان في كل مكان، أن ننشط في الدعوة إلى التفاهم، وأن ننخرط في حوار عالمي أكثر فاعلية وتأثيرا.
أصدقائي،
أقتبس كلمات من ميثاق الأمم المتحدة: "دعونا نوحد قوانا". هذه الكلمات الثلاث ليست مجرد حلم قديم، بل تشكل حاجة ملحة في وقتنا الحالي. فنحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى هيئة أمم متحدة والى جمعية عامة ممكنة وقوية.
وفي منطقتي، هناك العديد من المهام التي تنتظر التنفيذ، منها توفير فرص جديدة أفضل لشعوبنا، خصوصا قطاع الشباب، ودرء الأخطار الناشئة عن عدم الاستقرار والصراعات في المنطقة، وأن نلبي المطلب العالمي المتمثل في حماية حقوق الإنسان ورغبة الشعوب في العيش بحرية وكرامة وعدالة وسلام. وللمجتمع الدولي مصلحة في غاية الأهمية في دعم الدول التي تتكبد مخاطر في سبيل تحقيق السلام وتنفيذ الإصلاح.
وفي الأردن يعد تراثنا القائم على الاحترام المتبادل والاعتدال نبراسا نهتدي به، فرحلتنا مع الربيع العربي تمثل فرصة للمضي قدما في تسريح الإصلاح النابع من الداخل وتحقيق أهدافنا الوطنية.
لقد تحدثت في العام الماضي من على هذا المنبر عن الإصلاحات التي كانت أفكارا في وقتها. ومنذ ذلك الحين، أدخلنا تعديلات دستورية جديدة وشاملة، وقمنا بسن قوانين حديثة أدت بمجملها إلى نشوء منظومة من المؤسسات والمبادئ الداعمة لمسار الإصلاح والديمقراطية في بلدنا. وبحلول العام القادم سيكون لدينا برلمان جديد، وسيبدأ عندها صيفنا الأردني.
أصدقائي،
أود أن أتطرق للوضع المأساوي في سوريا. لا بد من الوقف الفوري للعنف هناك والبدء في عملية انتقال سياسي. وليس هناك بديل عن الحل السياسي الذي يوقف سفك الدماء ويعيد الأمن والاستقرار ويحفظ وحدة أراضي سوريا وكرامة شعبها ووحدته. وللأمم المتحدة دور مهم في المساعدة على الالتزام بالحل السياسي. وفي هذا السياق، فإن الأردن سيبذل ما بوسعه لدعم جهود
مندوب أمين عام الأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية المعين حديثا السيد الأخضر الإبراهيمي.
إن العلاقات بين الشعبين الأردني والسوري تاريخية وعميقة. ومنذ أن اندلعت الأزمة الحالية، لجأ إلى الأردن أكثر من 200 ألف سوري، مما أضاف ضغوطا كبيرة على مواردنا المحدودة أصلا، وعلى اقتصادنا. ومع ذلك، فقد فتحنا لهم أذرعنا كما فعلنا مرات عديدة في السابق مع غيرهم ممن كانوا في حاجتنا. وفي الوقت الذي نستمر فيه في تحمل هذه المسؤولية، نؤكد أن الدعم الدولي ضروري وملح. وفي هذا الصدد، فإننا نعرب عن إمتنانا لتجاوب الحكومات والهيئات الدولية والمنظمات التابعة للأمم المتحدة. لكن واقع الحال المؤسف يتطلب المزيد من العون مع تنامي حجم المخيمات التي تزدحم بالعائلات المستضعفة، وقرب حلول شتاء الصحراء القارص. وعليه، فإنني أدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتعاون للحيلولة دون وقوع مأساة إنسانية.
أصدقائي،
وفي خضم تعاملنا مع هذه التحديات، يجب ألا يحيد انتباهنا عن جوهر الأزمة في المنطقة. فعلى مدار خمسة وستين عاما تقريبا، ظل الفلسطينيون مستثنون من الوعد الذي نشأت الأمم المتحدة من أجله. فالجميع ينعم بالحماية التي توفرها الأمم المتحدة تحت مظلة القانون الدولي وحقوق الإنسان... إلا الشعب الفلسطيني ... ليس بعد. والجميع ينعم بالكرامة في العيش بحرية وأمن ... إلا الشعب الفلسطيني ... ليس بعد. والجميع يحظى بحق تقرير المصير... إلا الشعب الفلسطيني ... ليس بعد ... وقد وصل الأمر إلى حد نقول عنده: كفى!
فالربيع العربي ينادي بالكرامة للجميع، ووضع حد لسياسة الاستثناء. فليس هناك شيء يسبب قهرا أكبر من أن نقول لشعب بأسره أنكم مستثنون من العدل الدولي. ولا يمكن للصيف العربي أن يؤتي ثماره إلا عندما يصل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى نهاية عادلة، وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل آمنة في المنطقة بأسرها.
لقد نجحنا في وقت سابق من هذا العام في جمع كلا الطرفين على طاولة المفاوضات في محادثات استكشافية في عمّان. إلا أن التقدم الإيجابي توقف، فيما يستمر بناء المستوطنات من غير وجه حق وتستمر الإجراءات الأحادية، مما يشكل تهديدا مباشرا للمساعي الهادفة إلى الوصول إلى حل سلمي عبر التفاوض.
ومن المخاوف الملحة أيضا ما تتعرض له القدس والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها من تهديد. فالمسجد الأقصى والحرم الشريف مشمولان بالرعاية الهاشمية حسب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، وهي أراض محمية بموجب القانون الدولي كونها أراض محتلة. وبالنسبة للمسلمين البالغ عددهم 1.7 مليار نسمة، والذين يشكلون ربع سكان العالم، فإن أهمية الحرم القدسي، ثالث الحرمين الشريفين، لا تقل لديهم عن أهمية الكعبة المشرفة. ومن هنا اسمحوا لي أن أقول بكل وضوح إن أي اعتداء أو تقسيم لموقع المسجد الأقصى لا ينظر إليه على أنه مجرد خرق لالتزامات إسرائيل، بل هو اعتداء ديني خطير. وعلى المجتمع الدولي في هذا الصدد إرسال رسالة واضحة بأن مثل هذا الإعتداء — أو أية محاولة لمحو الهوية العربية أو الإسلامية أو المسيحية للقدس— أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه.
الأمر المطلوب الآن هو أن تلقي دولنا بثقلها مجتمعة، إذ ليس بإمكان أطراف الصراع ولا العالم أن يتحملوا المزيد من الأعمال العدائية وانعدام الأمن. وقد تتوفر فرصة نادرة في وقت لاحق من هذا العام بعد الانتخابات الأمريكية لتحقيق أكثر ما يحتاجه الطرفان، وهو دولتان، فلسطينية وإسرائيلة، تعيشان بسلام وأمن وتملكان حرية التطلع للأمام، على أساس تسوية عادلة وشاملة ونهائية. لقد كانت هذه دائما وستبقى أولوية الأردن الأولى.
واسمحوا لي أن أؤكد على ما قلته هنا من قبل، وهو أن العالم العربي ينشد السلام، السلام الحقيقي. ويسعى إلى أمن وعلاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية واستثمارية، حيث تسود حياة طبيعية جديدة ويعيش الناس آمنين في بيوتهم وتتمكن المجتمعات من البناء والتتقدم، مما يؤدي إلى ازدهار المنطقة بأسرها. وقد عرضنا ذلك منذ عام 2002، أي قبل ما يزيد عن عشرة أعوام، في سياق مبادرة السلام العربية، والتي سعت من خلالها 57 دولة عربية وإسلامية إلى التواصل مع إسرائيل بشكل جماعي.
لقد حان الوقت لإسرائيل أن تعي جيدا، وأن تنظر إلى المستقبل الذي نتشارك به، وأن تصل إلى السلام العادل والدائم مع الفلسطينيين.
أصدقائي،
قبل سبعين عاما تقريبا، إختارت بلدان من كل قارة أن تجتمع معا على أمل الوصول إلى عالم يوحده السلام واحترام البشرية. وبعد حرب عالمية مريرة مدمرة، جاء إنشاء الأمم المتحدة كخطوة شجاعة في الإتجاه الصحيح.
واليوم وبعد ثلاثة أجيال تقريبا، تعلمنا أن مجرد إتخاذ الخيارات الصحيحة ليس بالأمر الكافي لوحده، بل يجب علينا أن نتبع ذلك بالعمل الجاد كشعوب متحدة. وعلينا أن نتخذ الخطوات الصحيحة والشجاعة الآن وليس غدا.
وشكرا.