كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني الترحيبية خلال زيارة قداسة البابا فرنسيس
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، النبي العربي الهاشمي الأمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
صاحب القداسة،
أهلا وسهلا بكم في الأردن، أرض السلام والتآخي الإسلامي المسيحي، ومنطلق الأنبياء والصالحين.
يقول الله عز وجل:
بسم الله الرحمن الرحيم
ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين (آل عمران 113 - 114)
صدق الله العظيم.
صاحب القداسة،
أرحب بكم باسم جميع الأردنيين.
إنه لشرف خاص أن تبدأ رحلتكم للحج إلى الأراضي المقدسة هنا في الأردن: أرض الإيمان، وأرض الأخوة.
هنا، قبل خمسين عاما، استقبل والدي المغفور له جلالة الملك الحسين البابا بولص السادس - في أول زيارة بابوية رسمية لبلد مسلم.
وهنا، منذ أربعة عشر عاما، كان لي شرف الترحيب بالقديس يوحنا بولص الثاني؛ وقبل خمس سنوات، تشرفت باستقبال البابا بندكتوس السادس عشر.
وهنا أيضاً، يعمل المسلمون والمسيحيون اليوم على بناء مستقبل مشترك على أرضية واحدة من الاحترام المتبادل والسلام والإخلاص لله.
صاحب القداسة، يجب أن تبدأ الخطوات القادمة للبشرية جمعاء على هذه الأرضية المشتركة.
إننا نواجه في عصرنا هذا تحديات عالمية كبيرة، وفي مقدمتها الثمن المؤلم للصراع الطائفي والديني. ولكن الله تعالى قد مكننا من وسيلة دفاع ناجعة. فحيثما ينشر أصحاب بعض العقائد الجهل والتشكيك بنوايا الآخرين، تتوحد أصواتنا لتحقيق التفاهم ونشر حسن النوايا. وحيثما تتحطم حياة البشر بمعاول الظلم والعنف، نوحد نحن جهودنا لجلب الشفاء وبث روح الأمل.
والواقع أن العالم مليء بأصحاب النوايا الحسنة الذين يسعون لصون كرامة الإنسان وتعزيز التعايش السلمي. واسمحوا لي أن أشير إلى قيادة قداستكم لهذه الجهود والمساعي، بكل امتنان وتقدير. لقد التزمتم بالحوار، وخاصة مع الإسلام. والمسلمون في كل مكان يقدّرون ما يصدر عنكم من رسائل الاحترام لهم، وسعيكم لكسب صداقتهم. فبالإضافة إلى كونكم خليفة القديس بطرس، فقد غدوتم، يا صاحب القداسة، تعبرون عن ضمير العالم أجمع.
ومنذ أن اعتليتم منصب البابوية وأنتم تذكّروننا، بالقول وبالفعل، أن اسم الحبر الأعظم يجسد حقيقة معنى "باني الجسور". والأردنيون أيضا بناة للجسور، وتشمل مساعينا في هذا السياق إجراءات ملموسة وحقيقية نقوم بها منذ سنوات عديدة.
قبل عشر سنوات، كان لي شرف إصدار رسالة عمان، لإعادة التأكيد على دعوة الإسلام إلى الوئام العالمي والرحمة والعدالة، والرفض المطلق للادعاءات الباطلة لأولئك الذين ينشرون الكراهية ويزرعون بذور الفرقة.
والأردن أيضا موطن مبادرة أطلقناها عام 2007، وهي "كلمة سواء"، والتي تعبر عن اثنتين من الوصايا العظيمة للإسلام والمسيحية على حد سواء: محبة الله ومحبة الجار. وأتباع هذين الدينين – والذين يشكلون أكثر من نصف البشرية – هم جيران في كل مكان. وقد أطلقت "كلمة سواء" حوارا جديدا بيننا، حيث عقد اجتماعان للمنتدى الكاثوليكي الإسلامي، أحدهما في الفاتيكان والثاني في الأردن. وسيعقد المنتدى الثالث في روما في تشرين الثاني المقبل، إن شاء الله.
صاحب القداسة،
وبما أنني السليل الحادي والأربعين للنبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، فقد سعيت إلى الحفاظ على الروح الحقيقية للإسلام، إسلام السلام. وواجبي كهاشمي يشمل حماية الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في الأردن والقدس. ومن موقعي كوصي عليها، فإنني ملتزم بالحفاظ على المدينة المقدسة مكان عبادة للجميع، وأن أبقي عليها، بإذن الله، بيتا آمنا لكل الطوائف عبر الأجيال.
وفي العام الماضي، استضاف الأردن مؤتمرا إقليميا تاريخيا حول التحديات التي تواجه المسيحيين العرب. واسمحوا لي أن أؤكد على أن الطوائف المسيحية العربية هي جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط.
هنا في الأردن، يوجد تراث مسيحي عريق منسجم مع التراث والهوية الإسلامية لبلدنا. ونحن نعتز بهذا الإرث.
وإننا يا صاحب القداسة سعداء بأنكم، على خطى أسلافكم، سوف تقومون بزيارة حج إلى موقع عمّاد السيد المسيح (عليه السلام)، في بيت عنيا عبر الأردن.
صاحب القداسة،
يرتكز السلام العالمي على التفاهم والتعايش بين جميع الناس على اختلاف عقائدهم. وتحقيقا لهذه الغاية، بادرنا في عام 2010، بطرح مبادرة سنوية جديدة وهي "أسبوع الوئام العالمي بين الأديان" في الأمم المتحدة. وتكريما للإنجازات في هذا المجال، أنشأنا جائزة سنوية، منحت هذا العام إلى شباب ومنظمات تعمل في الهند والفلبين وأوغندا ومصر.
صاحب القداسة،
أتمنى أن نواصل العمل معا في الأيام المقبلة لتعزيز الوفاق ومواجهة التحديات، فعندكم من حب البشرية والحكمة ما يمكن أن يساهم بشكل خاص في تخفيف أزمة اللاجئين السوريين والعبء على البلدان المضيفة المجاورة مثل الأردن. ويجب أن نساعد سوريا على استعادة مستقبلها، ووضع نهاية لإراقة الدماء، وإيجاد حل سياسي سلمي هناك.
كما أن هناك حاجة أيضا لخطوات تتخذونها ودعم تقدمونه لمساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين على إيجاد حل لصراعهم الطويل. إن الوضع الراهن الموسوم "بحرمان الفلسطينيين من العدل" والخوف من الآخر ومن التغيير يحمل وصفة للدمار المتبادل، وليس الاحترام المتبادل المنشود. ومعا يمكننا مساعدة القادة في كلا الجانبين على اتخاذ الخطوات الشجاعة اللازمة لتحقيق السلام والعدل وتعزيز التعايش.
صاحب القداسة،
تبدأون رحلة حجكم إلى الأرض المقدسة بالصداقة والاحترام الصادق لجميع الأردنيين. نرجو أن تثمر جهودكم ويحل السلام، وطوبى لمن يصنعون السلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.