مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الحياة اللندنية

١ شباط ٢٠٠٢

الحياة: إلى أي حد تتخوفون من تداعيات أحداث فلسطين وإنعكاساتها على الأردن والمنطقة؟ وما هي إجراءاتكم الإحترازية في هذا الصدد؟

جلالة الملك: ما يجري في فلسطين خطير جداً ويقلقنا إلى أبعد الحدود، وخطورة الأمور تكمن في أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد يكونا فقدا البوصله ولا يعرفان في أي إتجاه يسيران، ولا شك أن لما يجري في فلسطين آثار خطيره على المنطقة برمتها، وأي تطورات سلبية على الشعب الفلسطيني الأعزل المحاصر تؤثر على الإنسان العربي أينما كان. نعمل بكل أمكانياتنا لمنع وقوع الكارثه، ونتمنى أن يصغي الجميع إلى لغة الحوار بدلاً من سياسة القتل والتدمير، التي لن تجلب إلا اليأس والإحباط والمزيد من الدمار... لا خوف على الأردن إطلاقاً، وشعبنا واع يدرك التحديات ويستطيع التعامل معها، تعلمنا من دروس الماضي الشيء الكثير، وفي حال ساءت الأمور لا قدر الله في الأراضي الفلسطينية وإنهارت عملية السلام فلدى شعبنا القدرة على مواجهة كل الظروف.

الحياة:هل تحقق شيء من خلال إتصالاتكم مع واشنطن، وهل تخلت الولايات المتحدة عن الرئيس الفلسطيني؟ ما رأيكم في الموقف الأميركي من الإرهاب الذي يمارسه أرييل شارون؟

جلالة الملك: قضية فلسطين وشعبها تأخذ الحيز الأكبر في كل لقاءاتنا واتصالاتنا، سواء مع القادة العرب أو مع الأصدقاء في العالم، وخلال الأيام القليلة الماضية، تحركنا في أكثر من إتجاه مع قادة الدول العربية ومع الجهات الدولية المؤثرة، وآخرها لقاؤنا مع الرئيس بوش لتوضيح خطورة الموقف والحؤول دون تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة، ولكن دعني أوضح أكثر، فللأسف كلما اقتربنا من الحل يطرأ جديد يعيدنا إلى المربع الأول، ثم نبدأ المسيرة مرة أخرى، ورغم ذلك فإننا مصممون على الوصول إلى الحل الذي يعيد الأمن والإستقرار للمنطقة، لن نمل ولن نستسلم لأصحاب الأجندات الخاصة التي لا تريد للسلام أن يعم المنطقة. أما عن رأينا في الموقف الأميركي، فهذا السؤال يوجه للإدارة الأميركية التي نأمل أن تلعب دوراً أكبر، نحن حذرنا من خطورة نزع الشرعيه عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ونؤكد أن الجهة الوحيدة التي يمكن التعامل معها بالشأن الفلسطيني بالدرجه الأولى هي السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بقيادتها المنتخبه الرئيس ياسر عرفات، وفي بعض الأحيان نسمع آراء وطروحات حول دور أردني في الضفة الغربية، هذا الكلام غير صحيح إطلاقاً ونرفض الخوض به بتاتاً.

الحياة: ما المطلوب لوقف دائرة العنف واستئناف المفاوضات؟ هل هناك أية مبادرات من جانبكم؟

جلالة الملك: لم نحمل مبادرات محددة، لكننا أكدنا للرئيس بوش أهمية الدور الأميركي وبضرورة قيام أميركا بجهود مكثفة لوقف العنف، وإعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات، وممارسة الضغط على إسرائيل للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، على أساس قراري مجلس الأمن (242 و 338) وفي مقابل ذلك، فإننا ندرك أيضاً ضرورة الإعتراف بحق إسرائيل في العيش ضمن حدود آمنه معترف بها.

ونأمل أن يتم التحضير لبدء المفاوضات بين الجانبين، والولايات المتحدة هي الطرف الأقدر على المساعدة في التوصل إلى الهدوء، والبدء بتنفيذ وقف إطلاق النار، ولا شك أن تقرير ميتشل وتفاهمات تينت تشكلان قواعد أساسية لأي تحرك بهذا الإتجاه.

الحياة:هل هناك مراجعة أردنية للعلاقة مع إسرائيل في ظل التطورات الأخيرة؟ وهل تجري حكومتكم أية إتصالات مع الحكومة الإسرائيلية لمحاولة وقف التدهور ووقف ممارستها العنف ضد الفلسطينيين، أو للتعامل مع إفرازات التصعيد الإسرائيلي في المنطقة؟

جلالة الملك: نحن مع الإجماع العربي، ولكن أود القول أيضاً أن الفلسطينيين بحاجة ماسه للمساعدة، وإذا توقفت العلاقات مع إسرائيل فإن الأمور تزداد تعقيداً، فكيف يمكن تقديم المساعدة للفلسطينيين، وبناء المستشفيات الميدانية في الضفة الغربية، دون أن يكون لنا علاقة مع إسرائيل، ثم كيف يستطيع المسؤولون الفلسطينيون التحرك إلى العالم دون وجود النافذه الأردنية، لسنا هنا في موقف انفعال أو عواطف، بل نريد أن نشد من أزر إخوتنا الفلسطينيين، ونساهم في التخفيف من الحصار المفروض عليهم.

الحياة: ماذا تتوقعون من القمة العربية المقبلة؟

جلالة الملك: أي لقاء عربي وعلى أي مستوى، لن يكون إلا في صالح الأمة، آمنّا دوماً بمؤسسة القمة العربية، ونرى فيها المنبر الأقوى لتحقيق الوفاق العربي، وسنسعى بكل إمكانياتنا لإنجاح القمم العربية، ونأمل من قمة بيروت أن تبني على ما تحقق في قمة عمان من إنجاز، وتخرج بقرارات تنسجم وتطلعات شعوبنا، خاصةً بالنسبة لقضيتي الشعب الفلسطيني والعراق، نريد تغليب صوت العقل على العواطف، وندرك أن التحدي الإقتصادي الذي تواجهه الأمة يجب أن يأخذ حيزاً في كل لقاءاتنا، لأننا نعتقد أن التكامل الإقتصادي العربي الذي أهمل لفترة طويلة هو أكبر نقاط ضعف أمتنا.

الحياة: هل أنتم راضون عن مسار الحرب على الإرهاب حتى الآن؟ ما هو دور الأردن في هذه الحملة؟ وهل تطلب الولايات المتحدة منكم معلومات أو مساعدات محددة؟

جلالة الملك: أعلنا تأييدنا للحرب على الإرهاب منذ البدايه، لأننا جزء من المجتمع الإنساني، والإرهاب أياً كان مصدره ضد الحضارة والإنسانية، لكن ليس لنا دور في الحملة الأميركية القائمة الآن ضد طالبان وتنظيم القاعدة، والدور الأردني اقتصر على تقديم المساعدات الطبية لمحتاجيها في منطقة مزار الشريف بأفغانستان، حيث لدينا مستشفى عسكري قدم العلاج لعشرات الالاف من الشعب الأفغاني المنكوب، ولدينا بعض الجنود لحماية وتنظيم قوافل الإغاثة، أما بالنسبة لحديثك حول تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة، فقد زودتنا الولايات المتحدة بمعلومات حول الإرهاب ونحن بدورنا زودناها بمعلومات يما يخدم مصالحنا.

الحياة: حذرتم من كارثة إذا توسعت الحرب لتشمل بلداناً عربية، ما هي في نظركم البلدان العربية المهدده بهذه الحرب؟ وماذا سيكون موقفكم إذا شملت الحملة بلداناً عربية، خصوصاً العراق؟

جلالة الملك: ما زلنا نؤكد على رأينا، بأن توسيع الحرب لتشمل دولاً عربية سيكون له نتائج خطيرة، ولم نطلع على ما يدور في ذهن الإدارة الأميركية بشأن الدول التي يمكن أن تصبح مهدده بالضرب، ونرفض ضرب أي دولة عربية سواء العراق أو غيرها، ونتمسك بالدعوة إلى الحوار بالطرق السلمية لأن الحروب لن تحل مشاكل المنطقة.

الحياة: تستمر الحملة على العرب والمسلمين، وعلى عدد من الدول العربية خصوصاً السعودية ومصر، في الإعلام الأميركي والأوروبي . كيف تنظرون إلى هذه الحملات؟

جلالة الملك: للأسف فإن تأثير أحداث 11 سبتمبر كانت نتائجها على العرب والمسلمين أكثر من أي جهة ثانية، لأن هناك عدم وضوح لدى الغرب بعلاقة الإسلام والعروبة بالإرهاب، وحاولنا قدر الإمكان أن نوضح الصورة وننأى بالإسلام العظيم عن ظاهرة الإرهاب التي حاول العديد من قادة الرأي والصحافة في الغرب إلصاقها به.

المطلوب منا كعرب ومسلمين، أن نغير الصورة لدى الغرب من خلال حملات مكثفة توضح موقفنا من الإرهاب، وتبين سماحة الإسلام وبراءته من الذين يحاولون التستر خلفه لتحقيق مآربهم وأهدافهم وأفكارهم الهدامه.

اطلعت على الحملة الصحفية الظالمة ضد السعودية ومصر، ويبدو أن هناك دوائر بعينها تقف وراء هذه الحملة، للإساءة لبلدين لهما ثقلهما في العالم العربي، والمطلوب الآن دحض هذه الإفتراءات عبر حملة تكشف زيف هذه الإدعاءات.

الحياة: مرت علاقتكم بشيء من الفتور مع سورية، كيف هي الآن؟

جلالة الملك: لا أعتقد أن علاقتنا مع سورية مرت بفتور أبداً، اتصالاتنا مستمرة ونواصل التنسيق والتشاور في مختلف القضايا التي تهم البلدين.

الحياة: منحتم السيد علي أبو الراغب فرصة أخرى بإعادة تشكيل حكومته. هل ينم ذلك عن عدم استقرار سياسي وإقتصادي يبرر التغييرات الحكومية المتتالية؟

جلالة الملك: التغيير الحكومي ليس له علاقة بالإستقرار السياسي والاقتصادي، الحمد لله الأردن بلد مستقر، وإقتصاده في نمو مستمر والمؤشرات في هذا الإتجاه إيجابية للغاية. لكن هناك العديد من الأمور مرتبطة بإحداث تغيير من حين لآخر، ونحن نكلف الوزراء والمسؤولين ببرامج محددة ونمنحهم مهلة للتنفيذ، وإذا رأينا أن من تم تكليفهم لم ينفذوا البرامج المطلوبة منهم فإننا نملك دائماً البدائل، لدينا برنامج تحول إقتصادي كبير، ونثق برئيس الوزراء وحكومته في القدرة على تنفيذ هذا البرنامج وسنؤمن كل الدعم لإنجاح الخطوات التي تقوم بها الحكومة من أجل تطوير الإقتصاد، وتحقيق معدلات نمو تحسن مستوى حياة المواطنيين.

الحياة: ألغيتم وزارة الإعلام وأنشأتم مجلساً أعلى للإعلام بعد صدور قانون العقوبات المعدل الذي تضمن مسائل تمس بالحريات الصحفية، كيف تنظرون إلى قطاع الإعلام الذي يتعرض بين فترة وأخرى لمحاولات الحد من حرية عمله بما في ذلك اعتقال الصحفيين؟

جلالة الملك: الأردن من أكثر الدول في المنطقة انفتاحاً على العالم، وبعد إنشاء المجلس الأعلى للإعلام، نأمل أن يتخذ خطوات سريعة وعملية في رسم السياسات الإعلامية التي تخدم توجهاتنا نحو الانفتاح السياسي والإعلامي، لن نضيق على الحريات الصحفية وسندعم أي توجه إعلامي صادق لقيام صحافة حره مسؤولة تحرص على مصالح الوطن والمواطنين.

لا أخفيك أنه حصلت بعض التجاوزات التي دفعت الحكومة لاتخاذ خطوات تهدف إلى حماية حقوق الناس من شطط بعض الصحف والصحفيين الذين أساءوا لحقوق المواطنين، وتجاوزوا على هيبة الدولة ومسوا مصالح وطنهم.

الحياة: تطرق كتاب تكليف الحكومة إلى مسألة الإصلاح السياسي، التي ظلت تراوح مكانها خلال الفترة الماضية، ما هي الخطوات العملية التي ستتخذها حكومتكم في هذا الصدد؟ وهل لعبت المخاوف من صعود المعارضة أو تأثيرات الإنتفاضة الفلسطينية دوراً في تأجيل الإنتخابات؟

جلالة الملك:عمليتا الإصلاح السياسي والإقتصادي تسيران في الأردن جنباً إلى جنب، لأننا نرى أنه بدون تنمية الحياة السياسية فلن يتحقق التطور الإقتصادي الذي نسعى إليه، ولذلك فإن هذا العام سيشهد إتخاذ خطوات هامه على طريق تنمية الحياة السياسية.

صحيح أنه تم تأجيل الإنتخابات العام الماضي، ولم يكن السبب الخشية من نتائجها، بل كانت هناك بعض الأسباب التقنية والتنظيمية سواء فيما يتعلق بتقسيم الدوائر الإنتخابية أو الإعداد السليم للانتخابات، من حيث تبسيط الإجراءات للحصول على البطاقات للناخبين، وهذا العام كما أسلفت سيشهد انطلاقة هامة في الحياة السياسية في الأردن، حيث سيكون عام الانتخابات البرلمانية التي نحرص على مشاركة كافة المواطنين والأحزاب والفعاليات السياسية فيها، ولا نخشى صعود المعارضة للبرلمان، بل نعتقد أنه إذا نجحت المعارضة في الوصول إلى البرلمان فإن ذلك سيسهم في تنشيط الحياة السياسية في الأردن، وإذا أحجمت عن المشاركة فهي الخاسرة في النهاية.

الحياة: ركزتم أخيراً على موضوع الوحدة الوطنية، أين ترون موطن الخلل في هذه المسأله؟

جلالة الملك: لم تشهد وحدتنا الوطنية خللاً، لكن هناك بعض الممارسات والتجاوزات من فئة قليله جداً تحاول المس بنسيجنا الوطني، وهي فئات معروفه للجميع، لا نخشى على وحدتنا، وهي كما قلت خط أحمر لن نسمح لأي كان ولأي جهه العبث به.