مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الحياة اللندنية

٢٤ حزيران ٢٠٠٣

الحياة: هل تعتقدون أن "خريطة الطريق" ستنفذ؟

جلالة الملك: "خريطة الطريق" ستنفذ، قد تمشي بصعوبة إلا أنها "راح تمشي" ، إذ لا بديل لها. للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة هناك رئيس أميركي يقول نريد دولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات، ونريد التزامات من الفلسطينيين والتزامات من الإسرائيليين. وهناك إجماع عالمي لم نره منذ 30 سنة على دعم قضية فلسطين مع التزام من رئيس أميركي "دغري" ليس عنده يمين أو يسار. وإذا حدث "لعب" من الإسرائيليين فهو سيضغط عليهم، وعندما كنا في العقبة قلت للرئيس بوش أن ارييل شارون "صعب شوية" ، وقال انه أقوى وقادر على أن ينهي المشكلة. وليست عند الرئيس مشكلة مع اليهود الأميركيين (هذا رداً على مقاطعة من 'الحياة" ) فبعضهم يؤيد موقفه، ثم انهم لن يصوتوا للجمهوريين في الانتخابات مهما حدث فغالبيتهم العظمى من الديموقراطيين... يظل السؤال موقف إسرائيل وهل هناك شفافية. اعتقد أن الأميركيين يعرفون الوضع وسيلزمون شارون بالحل. كان اجتماع باول مع "أبو مازن" وحكومته ممتازاً، وهو قال لي انه عاد جندياً يدرس الخريطة مع "أبو مازن"، ويحددان اين يوضع هذا الجندي أو ذلك الشرطي.

الحياة: تعارض "حماس" حتى الاتفاق المعروض عليها لوقف النار. هل الاتفاق الفلسطيني - الفلسطيني ممكن؟

جلالة الملك: هناك تشويش، وهو أحيانا يخرب الأمور. لكن الاتفاق يجب أن يتم، و "حماس" ستواجه مشاكل إذا لم يتحقق. فإسرائيل لديها قائمة (للاغتيالات) وستضرب القيادات. الأمر ليس بهذه السهولة، وقادة "حماس" في الخارج يقولون يجب أن نمضي في الجهاد، لكن قادة الداخل عليهم ضغط رهيب، وهم يبحثون، كما اعتقد، عن آلية للتوصل إلى اتفاق.

الحياة: دخلنا عليكم وكبار المسؤولين المشاركين خارجين من اجتماع معكم حول منطقة التجارة الحرة. كيف تقوّمون الوضع؟

جلالة الملك:الاجتماع كان إيجابيا جداً، وإقامة منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة تحتاج إلى جهد كبير من الدول العربية. نحن في بلدنا غيّرنا القوانين وطورنا الموقف الاجتماعي والاقتصادي داخل البلد. والتعاون بين الدول العربية مكسب لها جميعاً، لأنها ليست كلها على علاقة طيبة بالولايات المتحدة. الوزير التونسي نوري جويني تحدث بشكل ممتاز، وسمعنا تخوفاً من هنا وهناك. لكن الإدارة الأميركية متحمسة للمشروع وتريد إعطاء الشباب في المنطقة، حيث "50" في المئة من السكان دون سن الثامنة عشرة، فرصة للعمل والتقدم.

الحياة: عشر سنين أليست مدة طويلة لإقامة منطقة التجارة الحرة؟

جلالة الملك:يمكن عقد اتفاقات ثنائية ثم اتفاق جماعي. بعض الدول مثل البحرين لا مشكلة معها. المغرب خلال سنة، لكن هناك دولاً أخرى تحتاج سنوات قبل أن تنجح في تغيير نمط اقتصادها. الوضع في الخليج أسهل منه في غيره.

الحياة:نعود إلى "خريطة الطريق". هناك مسؤولون عرب كثيرون، بينهم أردنيون، أكدوا انهم رأوا في شرم الشيخ والعقبة جورج بوش غير الذي يعرفون. فهل تعتقد أن الرئيس الأميركي قادر على تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل؟

جلالة الملك:بالطبع... جدد الرئيس بوش خلال لقاء العقبة التزامه الشخصي تحقيق السلام في الشرق الأوسط واقامة دولة فلسطينية مستقلة... أميركا اليوم تريد تجفيف كل المنابع التي تؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، وبما أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع وأساس عدم الاستقرار، تريد أميركا نزع هذا الفتيل الذي يشتعل بين فترة وأخرى. اعتقد ان الرئيس بوش ملتزم بالتوصل الى السلام، خصوصاً ان هناك الكثير من الإشارات الايجابية التي تؤكد ان اميركا جدية هذه المرة في تحقيق السلام.

الحياة:وهل يستطيع بوش إنجاز ما عجز عنه كل رئيس أميركي سبقه منذ السبعينات، ومع وجود مجموعة كبيرة من الصقور المؤيدين لإسرائيل في إدارته؟

جلالة الملك:آمل ذلك... المسألة لا تكمن فقط بالتزام الإدارة الأميركية، بل بالتزام الأطراف المعنية. ملّ الفلسطينيون والإسرائيليون حياة العنف والقتل وسنوات كثيرة من الإحباط واليأس، وهم الآن يريدون إنهاء هذه الحقبة من الصراع. في المقابل، أميركا التي صدمتها أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وتداعياتها، بدأت تدرك أنها معنية بالبحث عن حل لمشاكل الشرق الأوسط، وفي مقدمتها المشكلة الفلسطينية. وفي النهاية إذا وضعت أميركا ثقلها خلف جهود السلام فإن النتيجة بالتأكيد ستكون إيجابية بصرف النظر عمن يحكم في البيت الأبيض.

الحياة:الرئيس بوش يثق بكم ويصغي إلى نصحكم، ولكن هل تعتقدون إن شرط الأمن الكامل ممكن، أم انه شرط تعجيزي يصلح كعذر اذا فشلت "خريطة الطريق"؟

جلالة الملك:موضوع الأمن مهم جداً ولا بد من تهيئة الأرضية والمناخ الملائم لاستئناف المفاوضات، من خلال توفير الأمن للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبالدرجة الأولى للفلسطينيين. وعلمت إن الفلسطينيين أبلغوا الجانب الإسرائيلي في الاجتماع الأمني الأخير استعدادهم لنشر قوات فلسطينية في المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي لتأمين الأمن للجانبين، واعتقد أن هذه خطوة مهمة في بناء الثقة بينهما. المسألة اذا تحتاج بداية لبناء الثقة، فإذا توافرت الأرضية الملائمة، فإن كل المواضيع الاخرى بما فيها شرط الأمن سيتحقق. اجتماع اللجنة الرباعية في البحر الميت شكل انطلاقة مهمة لتطبيق خطة "خريطة الطريق".

الحياة:هل يستطيع "أبو مازن" إقناع الفصائل الفلسطينية بهدنة مع إسرائيل؟ هل هناك دور للأردن في هذه المفاوضات؟

جلالة الملك:نعم يمكنه القيام بذلك، ولكن قبل هذا على إسرائيل أن تبدأ بخطوات جدية مثل وقف الاغتيالات وإلغاء العقوبات الجماعية ووقف تدمير المنازل. نحن في الأردن ليس لنا دور في موضوع الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، لكننا نشجعه وندعم كل موقف يؤدي الى تلاحم الشعب الفلسطيني وبناء موقف فلسطيني موحد ازاء كل الأمور التي تتعلق به.

الحياة: هل تشعرون بأن شارون يريد سلاماً مقبولاً، أم انه ينتظر أن يدمر الفلسطينيون عملية السلام مرة أخرى؟

جلالة الملك:سياسة القلعة الحصينة أثبتت فشلها بالنسبة إلى إسرائيل، فالاحتلال لم يوفر لها الأمن ولم يجلب لها الازدهار والرفاه، بل العكس... الاقتصاد الإسرائيلي يواجه اليوم أسوأ كارثة منذ عقود، والرعب والخوف اللذان يشهدهما المجتمع الإسرائيلي لم يمر بهما منذ عقود خلت. هناك حقيقة لا بد ان ندركها جميعاً، هي ان الجميع مل الحروب وسياسة العنف. حتى شارون الذي رفض كل محاولات السلام سابقاً اعترف اخيراً بأن الوجود الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية هو احتلال... هذه خطوة مهمة ولو انها جاءت متأخرة. لكن الجميع يدرك الآن ان لا سلام ولا أمن ولا استقرار ولا رفاه من دون زوال الاحتلال.

الحياة:سمعت ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز يقول يوماً انه لو اتفقت أربع دول عربية لاستطاع العرب حماية حقوقهم. ما سر تفاقم الخلافات العربية - العربية؟ وهل يبذل الأردن جهداً لبناء موقف عربي موحد من عملية السلام أو العراق؟

جلالة الملك:لا اتفق معك على أن الخلافات العربية - العربية تفاقمت... فكل الدول العربية لها موقف واحد من عملية السلام. الجميع يدرك ضرورة دعم جهود السلام الحالية، فلا خلافات بالنسبة إلى موضوع "خريطة الطريق"، وكما تعلم، طالبت سورية ولبنان بخريطة طريق للمسارين السوري واللبناني، ما يؤكد أن الجميع يدعم خطة "خريطة الطريق". أما بالنسبة إلى العراق فكل الدول العربية لا تقبل احتلاله، وتدعو إلى انسحاب سريع لقوات التحالف وتشكيل حكومة وطنية عراقية بأقصى سرعة لتتولى شؤون الشعب العراقي وزمام الأمور في العراق... والأردن دائماً يعمل من اجل بناء موقف عربي موحد تجاه القضيتين العراقية والفلسطينية لأننا نؤمن بأنه من دون موقف عربي واضح ومحدد وموحد لا يمكن أن نتوصل إلى موقف إيجابي في شأن هاتين المسألتين.

الحياة:ما رأيكم في ما يحدث في العراق الآن؟ كلنا طلب ذهاب صدام حسين، ولكن هل تشعرون مثلنا بأن الأميركيين خططوا للحرب، ولم يخططوا للسلام؟

جلالة الملك:ذكرت في مقابلات سبقت الحرب على العراق أن المهم في الأمر ليس أن تكسب الحرب بل أن تكسب السلام.

الحياة:هل أنتم قلقون على مستقبل العراق؟ هل تحاولون التوسط أو التدخل لدى الأميركيين أو مباشرة مع أطراف عراقية؟ هل تؤيدون عودة الملكية إلى العراق؟

جلالة الملك:أنا قلق من المعاناة التي يمر بها الشعب العراقي نتيجة الفوضى وعدم الاستقرار، لكنني مؤمن بأن هذا الشعب عريق وواعٍ، وإذا منح الحرية في تقرير مصيره وشكل الحكم يستطيع تحقيق مستقبل افضل. وبالنسبة إلى موضوع عودة الملكية، فنحن نقبل ما يقبله الشعب العراقي الشقيق.

الحياة:هل جاءت نتائج الانتخابات النيابية في الأردن كما توقعتم؟ هل تجدون فيها أسبابا للتفاؤل أو خيبة الأمل؟

جلالة الملك:نعم، كانت النتائج بحسب التوقعات وأنا متفائل بالمستقبل. فبناء المستقبل لا تصنعه الحكومات بل الشعوب، ومجلس النواب الجديد يمثل كل أطياف المجتمع الأردني وسنعمل معاً لتطوير مستقبل الأردن لنا وللأجيال المقبلة.

الحياة:سمعت في عواصم عربية انه لو جرت انتخابات ديموقراطية مائة في المائة في أي بلد عربي لفاز الإسلاميون. هل توافقون على هذا الرأي؟ وهل هو صحيح بالنسبة إلى الأردن؟

جلالة الملك:دعني أحدثك فقط عن الأردن حيث سارت العملية الانتخابية بكل يسر وسهولة، وترشح من قبل الحركة الإسلامية 30 مرشحاً فاز أكثر من نصفهم بعضوية المجلس، واعتقد أن هذا الأمر يعبر تعبيراً دقيقاً عن الواقع الأردني. ان الحركة الاسلامية في الأردن جزء اساسي من نسيجه الاجتماعي، وهي ساهمت في الحفاظ على أمن الأردن واستقراره، وهي حركة منظمة وواقعية، تدرك حدودها وحجمها... وما لها وما عليها. صناديق الاقتراع هي التي تكشف قوة هذا الحزب أو ذاك التيار، وهو بالفعل ما عكسته الانتخابات النيابية اخيراً في جو من الحرية والنزاهة والديموقراطية شهد له الجميع.

الحياة:الانتخابات انتهت بسلام وبمشاركة عالية، ويفترض ان تستقيل الحكومة، ويحل مجلس الأعيان، لتشكيل مجلس جديد. هل سنرى عملاً في مجال التنمية السياسية التي تحدثتم عنها؟ وهل تجدون صعوبة في العثور على رئيس وزراء جديد يملك المواصفات التي تبحثون عنها؟

جلالة الملك:الانتخابات بداية وصفحة جديدة لتطوير الأردن وتحقيق التنمية السياسية. قطعنا شوطاً في ذلك، وأمامنا الكثير لنعمله لتحقيق التنمية السياسية الشاملة... ولكن قبل ذلك، نريد أحزاباً قوية، أحزاباً لها برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية تعطي الأردن أولوية في كل ما تطرحه. وإذا تمكنا من بناء ثلاثة أو أربعة أحزاب أردنية قوية، ونكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح نحو تحقيق التنمية السياسية الشاملة. وبالنسبة إلى مسألة تشكيل حكومة جديدة، أو البحث عن رئيس وزراء جديد، سيُنظر في الأمر في حينه.

الحياة:حدثت بعد الانتخابات تظاهرات وترددت شكاوى. كيف تفسرون ذلك؟

جلالة الملك:هناك مناطق وعشائر، والواحد يغضب إذا خسر أوفاز أخوه أو جاره. سمعت انه حدثت مخالفات في الكرك ورجال الأمن العام امسكوا المخالفين وأحالوهم على المحكمة. عندما يكون الفرق في منطقة 31 صوتاً أو مائة صوت لا بد أن يكون احتجاج. وهناك لجنة الطعون التي ستدرس كل الاعتراضات والشكاوى، مع ثقتي بأن 99 في المائة من الانتخابات صحيح. وبعض الذين احتجوا قالوا أن لجنة من النواب الذين استفادوا من الانتخابات لا تفيد ولن تطلع بنتيجة، لذلك طلبت من وزارة الداخلية أن تدرس الوضع وتراجع الأرقام وإذا كان هناك "لعب"، تقرر. مرة اخرى، وبالنسبة الى التعديل الوزاري، انا رجل عسكري وأحب ان يسير كل شيء خطوة خطوة، أولاً هدفي افتتاح البرلمان في تشرين الأول ثم يكون لكل حادث حديث.

الحياة:هناك مشاكل اقتصادية مزمنة في الأردن، لكن اقتصاده تحسن كثيراً، وربما كان الأفضل أداء في الشرق الأوسط السنة الماضية. هل تعتقدون أن هذا التحسن سيستمر، أو انه من انعكاسات الحرب على العراق، والمساعدات الخارجية، خصوصاً الأميركية؟ هل تتوقعون ان تستمر المساعدات بحجمها الحالي، أو تنقص أو تزيد، وكيف سينعكس ذلك على أداء الاقتصاد؟

جلالة الملك:شهد الاقتصاد الأردني خلال السنوات القليلة الماضية مزيداً من التطور، وتمكنا من تجاوز الاختلالات التي أعاقت نموه. بدأ هذا الاقتصاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة يتعافى، وحققنا نمواً تجاوز خمسة في المائة... هذا مؤشر إيجابي إلى أننا نسير على الطريق، لكن المشكلة أن الناس لا تشعر بتحسن الاقتصاد ومعها كل الحق في ذلك. في ما يتعلق بموضوع المساعدات بدأنا نركز على الاعتماد على انفسنا، لكن هذا لن يأتي بين ليلة وضحاها، وسنبقى نعتمد على المساعدات مؤقتاً حتى يتخلص اقتصادنا من كل الاختلالات. نحاول الآن زيادة المشاريع التي توفر فرص العمل وتزيد نسبة الصادرات. الاقتصاد، أي اقتصاد في العالم، مرتبط بالاستقرار، واقتصادنا واجه أزمتين واحدة في الغرب واخرى في الشرق، ولا شك في ان تأثيرهما كان قويا، اذ فقدنا مصدراً مهماً لوارداتنا من النفط الذي كنا نحصل عليه من العراق بأسعار تفضيلية. كما ان الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية حرم الأردن والمنطقة بشكل عام من أهم مصدر للدخل. وللمناسبة أود ان أشكر للسعودية والإمارات والكويت تزويدها الأردن بالنفط، ما خفف كثيراً الوطأة التي كانت ستحدث بفقدان النفط العراقي.