مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الحياة اللندنية

٢٥ آذار ٢٠٠٤

الحياة: جلالة الملك، ما هي دوافع زيارتكم لإسرائيل ولقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون؟

جلالة الملك: ذهبت إلى إسرائيل؛ لأنني قلق جداً من الأوضاع المتردية في الأراضي الفلسطينية، ومن المعاناة المستمرة للفلسطينيين. وقد تحدثت مع شارون في العديد من الأمور أبرزها مستقبل عملية السلام، والانسحاب الأحادي من غزة، الذي أكدت لشارون بأنه يجب أن يكون خطوة ومقدمة لانسحاب شامل من أراضي الضفة الغربية، وليس خطة تكتيكية يراد منها نقل المستوطنين من غزة وتوطينهم في الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين منها، طبعاً نحن قلقون على مستقبل الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه وعلى أرضه، ولهذا نعمل بأقصى جهودنا من أجل الإبقاء على "خريطة الطريق" حية ، وأن يكون أي انسحاب إسرائيلي جزءا من عملية سلام شاملة كما نصت على ذلك "خريطة الطريق".

وخلال هذه الزيارة، أردت أن أحصل على إجابات عن الكثير من استفسارنا إلى أين تريد الحكومة الإسرائيلية أن تمضي بإجراءاتها وممارساتها، فنحن نتألم يومياً من استمرار معاناة الفلسطينيين، ومصالحنا تتأثر كذلك. إسرائيل ما زالت مستمرة في سياسة التصعيد وبناء الجدار العازل الذي يقلقنا كثيراً، لأنه في حالة إتمام بنائه سيمزق أوصال الأراضي الفلسطينية ويجعل الحياة صعبة جداً، يجب أن ندرك خطورة ما يجري وأن نتحرك لإنقاذ الموقف.

الوضع كما ترى متوتر جدا، وكل الجهود الدولية والاتصالات من قبل جميع الأطراف لم تؤد إلى استتباب الأمن وإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات، لذا كان علينا أن نتحرك في كل اتجاه، فنحن أيضاً في سنة الانتخابات الأميركية، التي عادة ما تُركن فيها قضايا المنطقة جانباً، ونأمل أن لا تتدهور الأمور أكثر من ذلك وأن يدرك الجميع أن لا مستقبل للمنطقة إلا بالحوار والعودة إلى المفاوضات.

الحياة: كيف ترى الأوضاع في المنطقة، خصوصاً بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين؟ وهل ما زال جلالتكم مؤمناً بتحقيق السلام، وبأن إسرائيل يمكن أن تنسحب من الأراضي المحتلة؟

جلالة الملك: لقد صدمتنا عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين، فهي جريمة بكل المقاييس، ويجب أن تشكل لدى المجتمع الدولي وقفة مراجعة لوضع حد لكل الممارسات التعسفية التي تقوم بها إسرائيل.

الحياة: هل شكلت لكم عملية اغتيال الشيخ ياسين إحراجاً؟

جلالة الملك: نعم، كانت هذه الجريمة محرجة لنا، فقد حصلت بعد لقائي بشارون بيومين. لقد تحدثت معه في كل القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية وخرجت بانطباع بأن شارون سيتعاون للمضي قدماً في عملية السلام، لكنه للأسف أحرجنا ونفذ هذه العملية التي دانها العالم أجمع، كما أنني أتساءل عن توقيت عملية الاغتيال التي تأتي قبل أسبوع من انعقاد القمة العربية، وأعتقد بأن الإسرائيليين لا يريدون لهذه القمة أن تنجح ولا يريدون للعرب إعادة طرح مبادرة السلام العربية، لأنهم لا يريدون السلام ويريدون أن يحرجوا العرب جميعاً أمام العالم، ليقال أن العرب هم الذين لا يريدون السلام.

إيماني لا يحيد أبداً بأن الطريق الوحيد لضمان الأمن للجميع هو العودة إلى السلام، وعلى إسرائيل أن تعي جيداً أنه لا يمكن توفير الأمن لشعبها بمواصلة الاغتيالات والاحتلال، وإذا أرادت أن تجلب الأمن والسلام في المنطقة فعليها الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والانسحاب أيضاً من كل الأراضي العربية.

الحياة: هل تخشون إعادة إحياء "الخيار الأردني" في ظل ما تمارسه حكومة شارون من خطط سواء الانسحاب من غزة أو مواصلة بناء الجدار العازل؟ كيف تتعاملون مع هذا الاحتمال؟ خصوصاً أن شارون حذر الأردنيين من أنهم سيخسرون من جراء موقفهم في المحكمة الدولية من قضية الجدار؟

جلالة الملك: لا نخشى ذلك، لأننا مؤمنون بوعي الشعبين الفلسطيني والأردني. الشعب الفلسطيني الذي عانى أكثر من أي شعب على الكرة الأرضية أثبت صموداً عظيماً على أرضه،ولا يمكن أن يقبل بوطن غير فلسطين، نحن على قناعة أن خيار الوطن البديل انتهى ولا أحد يقبله لا الفلسطينيون ولا الأردنيون.

الحياة: هل تعتقدون بأن "خريطة الطريق" ماتت؟ وماذا عن المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت قبل سنتين؟

جلالة الملك: كل جهودنا منصبة الآن مع الأطراف الدولية على الإبقاء على "خريطة الطريق" حية. خلال الشهر القادم سأزور الولايات المتحدة للوقوف على ما يمكن أن تقوم به لدعم "خريطة الطريق"، برغم قناعتنا بأن الأميركيين منشغلون بالانتخابات، لكننا سنبذل جهودنا في هذا المجال. ما جرى في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين، يدفعنا إلى العمل أكثر من أجل بعث الحياة في "خريطة الطريق"، لأنها المبادرة التي تضمن قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وتضمن الأمن والاستقرار والسلام للجميع.

الحياة: أين أصبحت مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي؟ وما هي العقبات التي تعترضها؟ وإلى أي مدى تؤثر فيها أوضاع داخلية وإقليمية؟

جلالة الملك: مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي ماضية قدماً، لقد قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال، ونرى أننا نسير بالاتجاه الصحيح في موضوع الإصلاحات الاقتصادية، بدأنا قبل أربع سنوات بسياسة انفتاح اقتصادي على العالم ومنحنا القطاع الخاص فرصة للشراكة الكاملة مع القطاع العام، وبعد انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية عملنا على تغيير الكثير من التشريعات والقوانين لتوائم الانفتاح الاقتصادي على العالم، وتوقيع اتفاقات تجارة حرة مع الدول الأوروبية وأميركا ومع الدول العربية، وقد جنى الأردن فائدة كبيرة من هذه السياسة من خلال زيادة الصادرات الأردنية وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض الدين. هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى: فقد حققنا نجاحاً في موضوع خصخصة بعض القطاعات، مثل قطاع الاتصالات والنقل. وكانت نتائج ذلك إيجابية في تحسين الخدمات المقدمة إلى المواطنين، نحن نتطلع إلى النجاح وتقديم نموذج ناجح يفيد شعوب المنطقة كلها ويساعده على تحسين مستوى حياتها، وهذا في المحصلة هو الهدف الأول للإصلاح الأول.

الحياة: يبدو أن هناك "صراعاً" بين البرلمان والحكومة. إلى أي حد يعوق هذا "الصراع" مسيرة الإصلاح، ويعرقل بعض القوانين؟

جلالة الملك: لا أعتقد بأن هناك صراعاً، بالمعنى الحرفي للكلمة بين البرلمان والحكومة، لكن هناك قضايا محل خلاف بين الجانبين، غالباً ما تجد طريقها إلى الحل في النهاية، وعموماً ان ما يجري هو في خدمة المسيرة الديموقراطية، و لكن لا بد من الاعتراف بأن هناك موضوعات تتعلق بالإصلاح والانفتاح الإعلامي جرى تعطيلها من قبل البرلمان، وتعمل الحكومة حالياً بالتنسيق مع الكتل البرلمانية لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، الإصلاح يتطلب الكثير من النقاش والحوار وتقديم الحجج والإقناع لضمان إيجاد تفاهم مشترك ومتقارب على قضايا الإصلاح، وإدراك أهميتها بالنسبة إلى المواطنين، وبالنسبة إلى دور الأردن في المنطقة والعالم، ونحن نعمل الآن على إيجاد أرضية لهذا الحوار والتفاهم.

الحياة: أعلنت "جبهة العمل الإسلامي" أنها تتطلع إلى تشكيل حكومة، شرط توافر الظروف السياسية ومبدأ تداول السلطة. فماذا يقول جلالتكم؟

جلالة الملك: الشيء المهم، هو أن لدينا خطة واضحة وشاملة للإصلاح، يؤمن بها شعبنا ويتطلع إلى تحقيقها. ونحن جادون في عملية الإصلاح ومؤمنون بها ومصممون على تحقيقها، لأننا نرى فيها مستقبل الأردن، البلد العربي المسلم النموذج في الديموقراطية والانفتاح والاعتدال.

كنت أقول دائماً، أن اكتمال بناء الحياة السياسية، يكمن في تشكيل أحزاب قوية تستمد وجودها من القضايا الأردنية ومن هموم الإنسان الأردني، أحزاب تهتم بأمور الشباب والمرأة وحقوق الإنسان وتحترم الرأي والرأي الآخر. أنا أركز على الشباب الذين يشكلون الغالبية من شعبنا، فهم خلال لقاءاتي معهم يتطلعون إلى الانفتاح على العالم والاستفادة من الفرص المتاحة في التعليم والعمل والتكنولوجيا ويفكرون في المستقبل، وما نسعى إليه هو أن تكون لدى أحزابنا برامج وطنية تعالج قضايا الشباب وآمالهم وتطلعاتهم.

وبالنسبة إلى موضوع تداول السلطة، فما زلت عند رأيي أنه لا بد من اكتمال عناصر التنمية السياسية الشاملة. ليكون للغالبية الحزبية عندها رأي في تشكيلة الحكومات، هذا ما نأمل بتحقيقه في المستقبل وما نسعى إليه حالياً.

الحياة: قياساً على التجارب السائدة في علاقة الأنظمة بالحركات الأصولية، كيف تصفون هذه العلاقة في الأردن، في ظل الموقع المؤثر للإسلاميين في البرلمان؟

جلالة الملك: الحركة الإسلامية في الأردن تعمل في إطار الدستور، وهي ممثلة في البرلمان من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي،وممارسة الحركة الإسلامية الحياة السياسية في الأردن بشكل مباشر، ساهمت في عدم ظهور حركات إسلامية متطرفة. ما يربطنا بالحركة الإسلامية الممثلة في جبهة العمل الإسلامي علاقات يحكمها الدستور والقوانين ولم نعان في الأردن من حركات تعمل تحت الأرض.

طبعاً، هناك بعض الأفراد ينتسبون إلى منظمات متطرفة قُبض عليهم، لأنهم كانوا يسعون إلى ارتكاب أعمال عنف تخل بالأمن والاستقرار.

الحياة: ألغيتم وزارة الإعلام وأنشأتم المجلس الأعلى للإعلام، لماذا هذا الهجوم على المجلس في البرلمان، وإعاقة عمله وما طرح من قوانين؟

جلالة الملك: هذا السؤال موجه إلى البرلمان. لكنني أود أن أقول أن جزءاً من المسؤولية يقع على كاهل الصحافة ووسائل الإعلام، والمجلس الأعلى للإعلام أيضاً لأنهم جميعاً لم يعملوا بشكل كاف على توضيح دور المجلس وعلى بلورة فهم واضح وناضج لرؤيتنا بالنسبة إلى الإعلام التي تفسح المجال أمام المزيد من الحرية للإعلام ووقف تدخل الحكومة في الشأن الإعلامي. هذا بالإضافة إلى أن هناك مسؤولية على الحكومة في توضيح ذلك. في المقابل لا بد أيضاً من التساؤل عن سبب هذا التناقض في مواقف بعض القوى في البرلمان، فبعضها يطالب بالمزيد من الديموقراطية والإصلاح والحريات، وحين تحين الفرصة لذلك وتضع الحكومة التشريعات الملائمة لهذه المطالب نجد موقفاً مضاداً من قبل البرلمان.

الحياة: هل أنتم على استعداد لإعادة النظر في أكثر من 200 قانون موقت أصدرتها الحكومة السابقة في غياب البرلمان؟ وما هو سبب تغيير الحكومة السابقة بعد أسابيع قليلة من حصولها على ثقة البرلمان الجديد بغالبية كبيرة؟

جلالة الملك: أبداً، وجود هذه القوانين مهم جداً لعملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن أن تقبل الحكومة بالتراجع عن هذه القوانين لأنها مهمة جداً لتطوير الأردن والنهوض بالاقتصاد والتعليم وتنمية الأردن الشاملة. وقد بدأ مجلس النواب بمناقشة العديد من هذه القوانين وإقرارها.

أما الحكومة السابقة، فقد أدت ما عليها من التزامات ونفذت ما تم تكليفها به بشكل إيجابي. ولكن كان هناك توجه إلى التغيير، وجدنا من الملائم أن يقوده شخص آخر يمتلك إرادة التغيير، وقد وقع الاختيار على فيصل الفايز الذي عمل بمعيتي في الديوان الملكي الهاشمي، وأنا مرتاح إلى أدائه وتعامله مع البرلمان ومع الفعاليات الأخرى من المجتمع.

الحياة: إلى أي مدى تشكل القضية الفلسطينية عنصر استقطاب داخل الأردن بسبب موقعه الجغرافي وتركيبته السكانية؟ وهل تتخوفون من أن يؤدي الإصلاح السياسي في المملكة إلى خلل في المعادلة الديموغرافية الحالية لمصلحة المواطنين من أصل فلسطيني والذين يشكلون فريقاً كبيراً من المواطنين؟

جلالة الملك: قضية فلسطين ليست عنصر استقطاب بقدر ما هي هم يومي يعيشه الشعب الأردني، ولكن لا بد من الاعتراف أن عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية عطل ولايزال عملية الإصلاح في مختلف أقطار الشرق الأوسط، ولهذا فقد ركزنا على أهمية أن يكون حل القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من عملية الإصلاح الشاملة في المنطقة.

وعلى أي حال، فإننا في الأردن لم ننتظر حتى يتم التوصل إلى حل لهذه القضية، فعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مستمرة، وستكشف الحكومة في غضون الأيام القادمة خطة شاملة لتحقيق التنمية السياسية في الأردن.

الحياة: الاقتصاد الأردني كان أكبر الخاسرين من حرب العراق، كيف ستعوضون هذه الخسارة؟ وماذا عن مستحقات التجار ورجال الأعمال الأردنيين لدى الحكومة العراقية السابقة؟

جلالة الملك: بالفعل، كان الاقتصاد الأردني أكثر اقتصاد في المنطقة تأثرا بالحرب على العراق، لأننا كنا نحصل على نصف حاجاتنا النفطية مجاناً من العراق. في العام الماضي تخطينا أزمة النفط بسبب مساعدات حصلنا عليها من السعودية والإمارات والكويت، كما حصلنا على مساعدات أخرى من الولايات المتحدة خففت من حدة الأزمة.

مشكلة النفط في الأردن مشكلة حقيقية، بقيت الحكومات المتعاقبة تؤجل استحقاقاتها، لكن الحكومة الحالية، من خلال سعيها لإزالة الاختلالات في الاقتصاد الأردني ومن بينها تخفيف دعم الحكومة لأسعار النفط، وجدت أن لا بد من رفع الأسعار لخفض العجز في الموازنة، وهذا جزء من التعويض عن الخسائر جراء وقف تدفق النفط العراقي، ونحن ما زلنا نأمل من أشقائنا في دول الخليج مساعدتنا في موضوع النفط.

بالنسبة إلى حقوق التجار الأردنيين، فهناك حالياً مشاورات ولقاءات بين الحكومة ومسؤولين عراقيين حول هذه المسألة بما يحفظ حقوق الجميع. وخلال لقائي وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، اتفقنا على أن يأتي مسؤولون عراقيون إلى الأردن للبحث في كل الأمور بين البلدين ولإزالة أي عراقيل أمام تنشيط التبادل التجاري بيننا. عموماً الأمور تسير بشكل ممتاز فقد زادت خلال العام الحالي صادراتنا إلى العراق ونحن متفائلون بزيادتها أكثر.

الحياة: كان همكم منذ توليكم العرش تخفيف عبء الديون الخارجية وتغطية العجز المتراكم في موازنة الدولة. ماذا حققتم في هذا المجال؟

جلالة الملك: حققنا الكثير في هذا المجال، لكن نتائج ذلك قد لا يشعر بها المواطن حالياً. قبل سنوات قليلة كان النمو في تراجع، في العام الماضي حققنا نسبة نمو بلغت ( 3،2%) وكانت في العام الذي سبقه) 4،9%( ونسعى إلى الوصول بنسبة نمو تبلغ )6%( حتى يلمس المواطن التحسن في أوضاعه المعيشية.

في موضوع المديونية الخارجية، تمكنا من خفضها خفضاً كبيراً إذ وصلت إلى( 76،9%) من الناتج الإجمالي، بعدما كانت قبل خمس سنوات( 95%). أما في موضوع عجز الموازنة، فقد كانت العام الماضي) 3،2( من الناتج الإجمالي. والمهم في الأمر أن نسبة الصادرات الأردنية زادت بنسبة كبيرة، فقد وصلت في العام الماضي إلى ثلاثة مليارات في وقت لم تتجاوز فيه المليار و83 مليوناً في العام 1999. كما أن احتياطات البنك المركزي وصلت حالياً إلى أربعة مليارات ونصف المليار. هذه كلها مؤشرات إيجابية تبين أننا على الطريق الصحيح وما زلنا نسعى ونتطلع إلى تحقيق المزيد.

الحياة: تجنبتم التعليق المباشر على المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير، وقلتم أن لديكم خطة وطنية للتنمية السياسية. ما رأيكم في المشروع الأميركي وفي الورقة الألمانية ـ الفرنسية في هذا المجال؟

جلالة الملك: عندما طرحت المبادرة الأميركية للإصلاح كان رأينا الواضح، ومن خلال تجربة الإصلاح التي قطعنا شوطاً فيها، هو أن الإصلاح شأن داخلي وأن التدخل لفرض الإصلاح أو تقديم وصفات إصلاحية من الخارج لن تجد طريقها إلى النجاح ... والشيء الإيجابي أن بعض تصريحات المسؤولين الأميركيين تشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت تدرك صحة هذا الرأي إذا أصبحت تشاطرنا الرأي أن عملية الإصلاح يجب أن تنبع من الداخل. وهو أيضا ما ورد في الورقة الألمانية- الفرنسية عن هذا الموضوع.

الحياة: تحدث وزير خارجيتكم في واشنطن عن وجوب تلازم مسار الإصلاح الداخلي في الدول العربية مع مسار التسوية السلمية. هل تتبنى الدول العربية موقفكم بدلاً من التمسك بضرورة تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي شرطاً مسبقاً للإصلاح؟ وماذا عن مبدأ خصوصية كل دولة على حدة؟

جلالة الملك: الاحتلال والديموقراطية مصطلحان متناقضان لا يمكن أن يلتقيا. ولذلك فإننا نرى أن عملية الإصلاح الشاملة والكاملة لا يمكن أن تنجح باستمرار احتلال إسرائيل لشعب بأكمله، هذه مسألة مهمة يجب أن يدركها الجميع. وإذا كان المجتمع الدولي وأميركا جادين في تحقيق الإصلاح وتعميم الديموقراطية في الشرق الأوسط، فعليهما أن يجففا كل المنابع التي تغذي الإحباط والعنف، والقضية الفلسطينية جوهر الإصلاح، ولا بد من إيجاد حل لها مواز تماماً لعملية الإصلاح التي نسعى إلى تحقيقها، هذا ليس رأيي بل رأي كل من تحدثت معه من القادة العرب ومن الأصدقاء في العالم، في هذا الأمر.

الموضوع الثاني: هو أننا ندرك أن لكل دولة خصوصية يجب احترامها والاعتراف بها، فلا يمكن أن نجمل كل دول المنطقة بسلة واحدة، فالإصلاح في الأردن على سبيل المثال، ليس كالإصلاح في أفغانستان، وهذا الأمر ينطبق على معظم دول الشرق الأوسط الأخرى، فسرعة الإصلاح ومساره يجب أن ينسجما مع ظروف كل دولة ومع متطلبات شعبها وآماله.

الحياة: يبدو أن الولايات المتحدة تعول على أصدقائها في المنطقة، مثل الأردن ومصر والمغرب والبحرين، للمبادرة بخطوات إصلاحية قبل الدول الأخرى في المنطقة. كيف تنظرون إلى هذه الإستراتيجية؟

جلالة الملك: هي ليست إستراتيجية بقدر ما هي اعتراف من قبل الولايات المتحدة، بأن هذه الدول قامت بخطوات فاعلة باتجاه الإصلاح. ولكن، كما قلنا، يجب احترام خصوصية المجتمعات العربية.

دعني، ما دام أنك طرحت هذا السؤال أن أوضح نقطة طالما ترددت على ألسنة بعض المشككين. بعضهم يقول الملك عبدالله يروج للأميركان في موضوع الإصلاح. أنا أقول يا إخوان دعونا من هذا الكلام، فأنا أقرأ الخريطة السياسية جيداً، ولدي الجرأة لأقول أن الإصلاح قادم، وبدلاً من أن يفرض علينا من الخارج فلنستشرف المستقبل ونبدأ بالإصلاح الذاتي، ونضع العناوين والأجندة التي تتلاءم مع عقيدتنا وموروثنا الاجتماعي. العالم ممثلاً بالدول الثماني الكبرى سيجتمع في حزيران (يونيو) المقبل، وسيكون موضوع إصلاح الشرق الأوسط على جدول أعماله، فلماذا لا نبادر نحن العرب ونضع أجندة الإصلاح التي تناسب شعوبنا وتحفظ مصالحهم وتحقق آمالهم؟

وعندما أصرح بشكل واضح وأنادي بالإصلاح، فإنني أسعى إلى حض بقية الاخوة العرب لنلتقي جميعاً ونبادر فنتخذ موقفاً موحدا، ونقول للعالم هذه مبادرتنا للإصلاح ونحن جادون في تطبيقها على دولنا من دون إملاءات أو تدخلات من الخارج. إنني أشعر بصدق، بأن مسؤوليتي تجاه شعبي وكل الشعوب العربية تدفعني إلى المناداة بالإصلاح الذاتي. عملية الإصلاح في الأردن بدأت ومستمرة وهي على طريق النجاح بإذن الله، كان بإمكاني أن أصمت وألا أتحدث في موضوع الإصلاح العربي، لكن هذا أمانة كبيرة في أعناقنا ومسؤولية كبيرة يمليها علي ضميري.

الحياة: مسؤولون عرب والأمين العام للجامعة العربية يعتبرون أن قمة تونس المقبلة تاريخية ومفصلية. هل ترون هذا الرأي؟ أم أنها ستكون كغيرها، في ضوء خلافات وزراء الخارجية على القضايا الرئيسية لإصلاح الجامعة وترحيل "الألغام" إلى قمة الجزائر السنة المقبلة؟

جلالة الملك: نتمنى أن تكون بالفعل قمة تاريخية، وأن تكون المشاركة فيها على مستوى عال، لأن شعوبنا تستحق أن نعمل من أجل مستقبلها ووحدتها وتضامنها، وأن نعمل لتحقيق المستقبل المشرق للشباب. هذه القمة مهمة؛ لأنها أول قمة تجمع القادة العرب بعد احتلال العراق وبعد الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وبعد الإساءات الكثيرة التي تعرض لها المسلمون نتيجة أعمال الإرهاب التي يقوم بها متطرفون إسلاميون، ولم تجلب سوى الكوارث على الإسلام والمسلمين حتى أصبحنا جميعاً متهمين، ونكاد أن نفقد أصدقاءنا في أوروبا نتيجة هذه الأعمال. يجب أن نقول كلمتنا حيال تلك الموضوعات، ونغلب مصالحنا الذاتية، ونبتعد عن المزاودات والشعارات والكلام الخطابي الذي ثبت أنه لم يجد ولم يجلب لأمتنا سوى المصائب.

أنا لا أؤمن أبداً بعدم مواجهة المشاكل وتأجيلها أو ترحيلها، وإذا كانت لدينا فرصة لمناقشة القضايا التي تواجهنا، فلماذا لا نناقشها الآن قبل الغد؟

الحياة: ألا يقلقكم الوضع الأمني في العراق؟ وهل تخشون تدهور الأوضاع إلى صراعات طائفية؟

جلالة الملك: نعم نحن قلقون من جراء تصاعد وتيرة العنف في العراق. وهناك بعض القوى التي لا تريد لهذا البلد أن ينهض مجدداً. الذين يتعرضون للقتل هم من الشعب العراقي ومن أفراد الشرطة الذين جازفوا بحياتهم لحماية شعبهم.

القلق ساورنا من وقوع حرب أهلية، لكن الشعب العراقي أثبت أنه شعب موحد برغم كل محاولات الفتن التي حاول بعضهم إشعالها، في الماضي كنا حذرنا من أن يصبح العراق موطىء قدم للجماعات الإرهابية، والآن بعدما بات العراق منطلقاً لبعض المنظمات الإرهابية، لا بد من وقفه عربية وعالمية واحدة لمساندة الشعب العراقي، عبر دعم قيام جيش عراقي وشرطة تحمي أمن العراق، وهي المسؤولية التي نقوم بها حالياً في الأردن حيث بدأنا بتدريب أفراد من الشرطة والجيش العراقي، وسنعمل على تدريب 32 ألف عنصر منهم على مدى سنتين، كما نقوم بتدريب وتأهيل كوادر عراقية أخرى، لأننا نؤمن بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء العراق وتأهيله ليصبح وطناً حراً مستقلاً بعيداً عن أي تدخل أجنبي.

الحياة: ما رأيكم في الدستور الموقت؟ خصوصاً اعتماد الفيدرالية التي حذرتم من إنها قد تقسم العراق؟

جلالة الملك: نأمل بأن يكون الدستور المؤقت خطوة على طريق تحرر العراق واستقلاله،ورهاننا على أن لا يؤدي اعتماد الدستور على الفيدرالية إلى التقسيم، وعلى وعي الشعب العراقي وإدراكه أن مستقبله هو بالتكاتف والوحدة.

الحياة:هل يكتفي الأردن بمساعدة العراق في مجال تأهيل كوادر في مجالات مختلفة أم أن هناك دوراً سياسياً. وفي أي اتجاه؟

جلالة الملك: نعمل بكل الاتجاهات، سواء في تدريب الكوادر العراقية الأمنية أو المدنية، كما نعمل بالاتجاه السياسي من خلال تبني المواقف السياسية التي تدعم توجه العراقيين نحو الاستقلال والتحرر، وذلك من خلال لقاءاتنا مع مختلف قادة الدول والقوى الدولية، الأردن دائماً كان وسيبقى فاعلاً في حل القضايا العربية ومساهماً في كل ما يؤدي إلى التوافق والتقارب.

الحياة: تبرز بين حين وآخر تكهنات باحتمال قيام الأمير الحسن بن طلال بدور في ترتيب البيت الداخلي العراقي، هل تدعمون مثل هذا الدور؟ وما هو موقع الأمير الحسن إلى جانب العائلة المالكة في دعم توجهاتكم السياسية؟

جلالة الملك: مستقبل العراق للعراقيين هذا ما أؤمن به، لم نتدخل في موضوع ما يشاع بين حين وآخر عن احتمال قيام عمي الأمير الحسن بأي دور في العراق، بعض العراقيين يأتي إلينا ويتحدث معنا عن عودة الملكية إلى العراق، لكن هذا شأن عراقي بحت والعراقيون شعب عريق وقادر على تقرير مصيره ومستقبله، ونحن سنحافظ على علاقاتنا التاريخية والأخوية الحميمة مع الشعب العراقي وسنعمل على دعمها وتعزيزها دائماً.

الحياة: هل تنوون القيام بزيارة رسمية للعراق لبناء الجسور مع العراقيين عشية انتقال السيادة إليهم أم تنتظرون إنهاء الاحتلال الأميركي مع نهاية حزيران المقبل؟

جلالة الملك: لم أفكر في زيارة العراق حالياً، ولكن في المستقبل وبعد انتهاء الاحتلال لا بد من أن تكون بيننا زيارات متبادلة، إن شاء الله يزول الاحتلال ويعود إلى العراق دوره الطليعي وتكون لنا زيارات في المستقبل القريب.

الحياة: استضاف الأردن عدداً من أفراد أسرة الرئيس العراقي السابق لأسباب إنسانية ومنعهم من الخوض في الشؤون السياسية؟ هل يملك هؤلاء حرية مغادرة المملكة؟ وهل أنتم على استعداد للبحث في طلب محتمل من بغداد لإعادتهم إلى العراق؟

جلالة الملك: نحن لم نستضف أي مسؤول سياسي من النظام السابق. استضيفت بنات صدام حسين لأسباب إنسانية بحتة، وأبدين رغبتهن في البقاء في الأردن ولهن حرية الحركة إذا ما أردن مغادرته.

الحياة: هل ذاب كل الجليد بين عمان ودمشق بعد القمة الأخيرة بين جلالتكم والرئيس بشار الأسد؟ وأين تلتقون مع سورية، وأين تختلفون معها؟ وما رأيكم في سياسة الضغط التي تمارسها واشنطن عليها؟

جلالة الملك: زرت دمشق أخيراً، ومن جهتنا، ليس هناك أي موقف تجاه سورية، لقائي مع الرئيس بشار جيد، فقد تباحثنا في كل القضايا الثنائية والإقليمية. ونأمل بأن لا يتصاعد الضغط على سورية، فنحن أقرب الناس إلى هذا البلد وأمنه واستقراره يعنياننا، وثقتنا بحكمة الرئيس بشار باحتواء الضغوط التي تمارس على سورية، وما زلنا نؤكد أن الحوار والتفاهم هما الطريق الوحيد لحل القضايا العالقة بين دمشق وواشنطن.

الحياة: كيف تصفون العلاقة مع إيران في ظل عودة المحافظين إلى الإمساك بكل مواقع السلطة والقرار؟

جلالة الملك: العلاقة مع إيران جيدة خصوصاً بعدما التقيت الرئيس خاتمي والمرشد علي خامنئي، أنا أرى أن إيران دولة محورية في المنطقة ويجب الاستماع إلى رأيها، وإذا جاءت صناديق الاقتراع بالمحافظين إلى السلطة في إيران فعلينا أن نحترم قرار الشعب الإيراني، وما يهمنا أن تبقى علاقات إيران مع العالم العربي وثيقة. ونأمل أيضاً أن تحل مشاكل إيران مع الغرب بالطرق السلمية.