مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة العربية الفضائية

٣ آب ٢٠٠٤

العربية: جلالة الملك، خمسة عشر شهرا مضت على الحرب الامريكية على العراق وأصبح هناك واقعاً جديدا بعد سقوط النظام العراقي ورفضه قبل ذلك فرصة النجاة الأخيرة ممثلة بمبادرة الشيخ زايد في شرم الشيخ، وربما عجز القمة العربية عن تجنب الحرب على العراق.. لكن هذا اصبح تاريخاً، اليوم هناك حكومة انتقالية جديدة في العراق، ما هو المطلوب من الدول العربية تجاه العراق؟ وكيف ستكون علاقات الأردن بالعراق؟

جلالة الملك: نحن نبارك للشعب العراقي هذا الإنجاز ونتمنى للحكومة العراقية كل التوفيق والنجاح في تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة والعودة بالعراق إلى مكانته الطبيعية ودوره الرئيس في المنطقة.

والمطلوب الآن من الدول العربية ودول الجوار هو تقديم كل الدعم والمساعدة للحكومة العراقية حتى تتمكن من فرض الأمن والاستقرار وبالتالي رحيل قوات التحالف عن ارض العراق وبدون تحقيق السيطرة الأمنية، سيكون هناك مبرر لوجود هذه القوات.

نحن في الأردن بادرنا من البداية إلى إرسال مستشفى ميداني لمساعدة الشعب العراقي وبادرنا أيضاً إلى تدريب أفواج كثيرة من الشرطة والجيش العراقي، وقمنا بتزويد هذا الجيش ببعض الأسلحة والمعدات العسكرية ومن ضمنها أكثر من 150 مدرعة، ونحن دائما على استعداد لتقديم المساعدة في كل المجالات التي يحتاجها الأخوة في العراق.

العربية: إذن جلالتكم تحدثتم عن مساعدتكم العراق .. هناك حديث في وقت سابق عن إرسال قوات أردنية ومن ثم تراجع الأردن عن ذلك الآن .. اذا طلبت الولايات المتحدة ارسال قوات اردنية الى العراق .. هل ستوافقون على هذا الطلب خاصة ان هناك موافقة مبدئية على ارسال قوات عربية واسلامية (درع الجزيرة) خلال جولة اياد علاوي رئيس الحكومة العراقية؟

جلالة الملك: أنا قلت من البداية نحن لسنا الجهة المناسبة ..أو التي يجب أن تقوم بهذا الدور.. ومثل ما قلنا اننا لا نريد استبدال الدبابة الاسرائيلية في فلسطين بدبابة أردنية.. ايضا نحن لا نريد استبدال الدبابة الأمريكية في العراق بدبابة أردنية.. لذلك نتمنى على اصدقائنا واخواننا ان يتفهموا موقفنا.. لكن اذا طلب الاخوة العراقيون مشاركة قوات عربية على اراضيهم عندها سننظر في هذا الموضوع ونرى ما هو المناسب.

العربية: اذن الامر مرهون بطلب من العراقيين ..لكن جلالة الملك المعارضة في الاردن والعراق تأخذ على الاردن دعمه للحكومة الجديدة باعتبارها اداة او عينتها سلطة الاحتلال الامريكية ..اعني حكومة اياد علاوي.. هناك من يتحدث عن فجوة بين الموقف الرسمي والشعبي بخصوص العراق الجديد؟

جلالة الملك: نحن ندعم هذه الحكومة لأنها تمثل مرحلة مهمة على طريق عودة العراق الى وضعه الطبيعي وزوال الحاجة الى وجود قوات التحالف، وبدون دعم هذه الحكومة ومساعدتها حتى تتمكن من تحقيق الأمن والاستقرار ستبقى قوات التحالف في العراق وبالتالي فإن أفضل وسيلة لتسريع رحيل هذه القوات هي دعم هذه الحكومة، اما الشعارات الكبيرة وغير الواقعية فهي لا تخدم الشعب العراقي ولا تساعد على زوال الاحتلال واذا لم تكن مجرد مزايدة فهي محاولة لكسب الشعبية الزائفة.

العربية: المحور الفلسطيني..لا يملك الفرد الا ان يتنهد عند الحديث عن القضية الفلسطينية ..أين كنا وأين أصبحنا خلال السنوات الماضية.. على أي حال سأنحدر في السؤال مع الانحدار الحاصل في القضية الفلسطينية اليوم حيث خطة شارون.. كيف تنظرون الى وضع القضية الفلسطينية؟ وكيف ترى خطة شارون من الانسحاب من غزة؟

جلالة الملك: موقف الأردن واضح ومعلن.. وهو أن خارطة الطريق والتزام الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني بتنفيذ بنودها على ارض الواقع هو الطريق الصحيح للوصول الى التسوية النهائية الدائمة ..ونحن نؤكد دائما على ان الانسحاب من غزة يجب ان يكون ضمن إطار خارطة الطريق وليس بديلا عنها.

العربية: جلالة الملك.. إسرائيل والولايات المتحدة تقولان أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ليس الشريك المناسب.. وانه عقبة في طريق السلام.. وفي مقابلة لجلالتكم في إحدى وسائل الإعلام نقل عن جلالتكم انكم دعوتم أبوعمار للتفكير بالتنحي أو بالاستقالة؟

جلالة الملك: الشعب الفلسطيني وحده هو الذي يختار قيادته او يغيرها.. ونحن دائما وأبدا نحترم وندعم أي خيار أو قرار يتخذه الشعب الفلسطيني.. فأهل مكة أدرى بشعابها.. وأنا قلت أن القيادة الفلسطينية مدعوة الآن وأكثر من أي وقت سابق إلى اغتنام فرصة تحقيق السلام من خلال خارطة الطريق ودعم العالم لهذه الخارطة.. وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية مراجعة شاملة وشجاعة للكثير من المعطيات على الساحة الفلسطينية وتصويب بعض الأخطاء التي يتخذها العالم مبررات لوضع اللوم على الجانب الفلسطيني.

العالم اليوم يتحدث عن تعدد الأطراف الفلسطينية .. وتعدد الأجهزة وعن غياب المؤسسية ويتخذ من هذه المعطيات مبررات وحججاً لوضع اللوم على الجانب الفلسطيني والمطلوب من القيادة الفلسطينية في هذه المرحلة أن تتخذ القرارات التي تقنع العالم بإمكانية التعامل معها كقيادة لها رؤية واضحة ومرجعية مؤسسية واحدة يتعامل معها العالم على أنها الشريك الحقيقي للوصول إلى التسوية النهائية على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام.

العربية: نعم الأرض مقابل السلام.. لكن ماذا عن البشر والناس واللاجئين... جلالة الملك نسب للرئيس عرفات قوله في آخر تصريح صحفي.. انه تخلى عن حق العودة.. ما هو موقف الأردن من هذا الموضوع؟

جلالة الملك: الأردن كما يعرف الجميع فيه اكبر عدد من اللاجئين.. ومن حق الاردن ان يكون له دور وكلمة عند بحث او مناقشة هذا الموضوع.. ونحن لا نتنازل عن هذا الحق والقرار 194 نص على حق اللاجئين في العودة والتعويض، وخارطة الطريق أكدت على أن بحث موضوع اللاجئين سيكون في المرحلة النهائية ولا ادري ما هي الحكمة من طرح هذا الموضوع الآن وبهذه الطريقة.

العربية: بصراحة جلالة الملك أحيانا يقال بأنكم في الأردن تتدخلون بالشأن الفلسطيني ..وان لكم أملا بالعودة إلى الضفة الغربية.. ما تعليقكم على ذلك؟

جلالة الملك: لقد تعرض الأردن وقيادته منذ عهد الجد المؤسس جلالة الملك (عبدالله) الاول وفي عهد الحسين رحمه الله الى حملة ظالمة من الاتهامات والتشكيك بالدور الأردني تجاه القضية الفلسطينية.. فإذا قام الأردن بالحديث عن هذه القضية أو حاول تقديم المساعدة يقال أن الأردن يتدخل في الشؤون الفلسطينية أو له أطماع في الضفة الغربية.. وإذا لم يفعل ذلك يقال بأن الأردن يتخلى عن مساعدة الأشقاء الفلسطينيين.. واذكر هنا بأن قرار قمة الرباط الذي نص على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني جاء على خلفية هذه الشكوك والاتهامات الظالمة.. ونحن قبلنا بهذا القرار ثم جاء قرار فك الارتباط وطوينا هذه الصفحة.

ولذلك أنا لست على استعداد للقيام بأي عمل أو دور يعيد الأردن إلى دائرة الاتهام او التشكيك او التخوين.. كما حدث في الماضي.. ودور الأردن الآن تجاه هذا الموضوع مثل دور اي بلد عربي.. وانا شخصيا همي الاول وواجبي كقائد لشعبي هو تحقيق طموحات هذا الشعب والنهوض بالاردن.. وتحقيق التنمية الشاملة والحياة الكريمة لكل مواطن اردني وما عندي لا الرغبة ولا الوقت ولا الاستعداد للمناكفة او تلقي الاتهامات.. وفي كل الاحوال نحن على استعداد لتقديم اي دعم واي مساعدة للاخوة الفلسطينيين اذا طلبوا هم منا ذلك، وبخلاف هذا فالاردن أولاً والتركيز على قضايانا الوطنية أهم عندي من أي قضية أخرى.

العربية: جلالة الملك هناك عتب فلسطيني على العالم العربي ويشكو الفلسطينيون من انهم تركوا لوحدهم في مواجهة اسرائيل والعالم؟

جلالة الملك: أولا يجب أن يقول لنا الفلسطينيون كيف نساعدهم وبماذا.. في البداية كان الحديث عن عودة 98 بالمئة من الاراضي الفلسطينية المحتلة.. ثم صار الحديث عن عودة اقل من خمسين بالمئة من هذه الاراضي.. ولا ندري بعد سنة او سنتين عن اي نسبة سيكون الحديث.. وبالنسبة الى موضوع اللاجئين كان الحديث عن العودة والتعويض.. ثم نجد ان الحديث الان عن عودة نسبة بسيطة منهم. نتمنى على القيادة الفلسطينية ان تحدد لنا ما تريده بوضوح.. وان لا تفاجئنا بين فترة واخرى ببعض القرارات والقبول بما كانت رفضته في السابق.. ومن المؤسف ان نرى ان ما كان مرفوضا.. وما كان القبول به يعتبر خيانة.. اصبح مع الاسف بنظر بعض الناس مطلبا وانجازا عظيما.

العربية: هناك العراق الذي تحول الى ساحة حرب، وأحداث في السعودية، قطع الرؤوس بالسيوف.. جلالة الملك هناك هجمة شرسة على الاسلام في العالم وربط بين الاسلام والارهاب؟

جلالة الملك: المشكلة ان هناك من يحكم على الاسلام من خلال ممارسات تقوم بها مجموعات ارهابية تتحدث باسم الإسلام والاسلام منها بريء، والحقيقة انه لا يمكن لأي انسان عاقل ان يقبل بمنطق هؤلاء الارهابيين عندما يذبحون انسانا اعزل بريئا بالسكين.. وهم يهتفون "الله اكبر". لماذا نلقي وزر هذه الجرائم البشعة على الله سبحانه وتعالى؟ انا اعرف ان الاسلام حدد للجندي المسلم كيف يتعامل مع الاعداء، فحتى الجندي من العدو عندما يقع في الاسر او لا يكون معه سلاح للدفاع عن نفسه لا يجوز قتله ولا يجوز ان يعامل معاملة سيئة .. وهذه التفجيرات التي تقتل عشرات الابرياء من الاطفال والنساء المسلمين بحجة المقاومة وبحجة ان القتلى اذا كانوا مسلمين سيذهبون الى الجنة، اي منطق وأي دين هذا؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى للانسان عقلا وهو مسؤول عن كل اعماله.. اذا كانت خيرا او شرا وبناء على هذه الاعمال يدخل الجنة او النار.. أما ان يرتكب الانسان ابشع الجرائم ويلقي تبعاتها على الله سبحانه وتعالى فهذه جريمة اخرى بحق الدين وبحق كل القيم الانسانية.

ان واجبنا كمسلمين ان نقدم للعالم الصورة الحقيقية للاسلام من حيث هو دين التسامح والانفتاح.. ورفض كل اشكال الارهاب والعنف والعدوان.. وان نتعاون فيما بيننا ومع الاخرين لوضع حد لهؤلاء الارهابيين واحباط مخططاتهم الاجرامية لتشويه صورة الاسلام.

العربية: نعم سيدي..غوانتنامو وابو غريب وما يحدث في الضفة الغربية.. هناك من يقول ان قوات الاحتلال تقوم بقتل العرب والمسلمين وتعذيبهم في المعتقلات.. وامام ذلك.. جلالة الملك يقال ان من حقنا ان نكيل لهم الصاع صاعين؟

جلالة الملك: اولا يجب ان نؤكد على ان قتل اي انسان بريء او اعزل من السلاح هو عمل اجرامي ومرفوض بغض النظر عن هوية او دين القاتل والمقتول.. وعندما تقوم مجموعة قليلة من المسلمين بذبح رهينة او بتفجير يسفر عن ضحايا من الابرياء فيحب ان يعرف الغرب ان هذه المجموعة لا تمثل الاسلام ولا المسلمين.. وعندما يقوم بعض جنود قوات التحالف بقتل بعض الابرياء او تعذيب بعض المعتقلين فهذه المجموعة ايضا لا تمثل الامة او الدين او الحضارة التي ينتمي اليها هؤلاء الجنود.

العربية: نعم كان هناك لجان تحقيق في الولايات المتحدة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان في ابو غريب.. لكن جلالة الملك بعض وسائل الاعلام احيانا تطرح هذا الموضوع على انه صراع بين الشرق والغرب "صراع حضارات"؟

جلالة الملك: مطلوب من وسائل الاعلام ان تتوقف عن طرح الموضوع بهذه الصورة.. وواجبها الاخلاقي والمهني هو كشف الحقائق بموضوعية والابتعاد عن التهويل واقامة جسور التواصل والتفاهم بين الشعوب، وليس تعميق الفجوة وإثارة الكراهية فيما بينها.

العربية: موضوع الاصلاح كان مطروحاً على القمة العربية في تونس التي شاركتم بها جلالتكم، واتخذت قرارات وكان لكم ايضا مشاركة في قمة الثماني، لكن بعض الدول العربية غير راضية عن مشاركتكم في هذه القمة.. ماذا تقول جلالتكم؟

جلالة الملك: عندما يجتمع الآخرون "الاقوياء" لبحث قضايا تتعلق بمنطقتنا واتخاذ قرارات لها علاقة بشعوبنا فمن الواجب ان نكون موجودين.. وان نشارك في تلك القرارات التي تؤثر علينا.. لأننا اذا لم نكن موجودين فربما يقرر الآخرون بالنيابة عنا.. لذلك يجب أن نكون حاضرين في كل المحافل التي تبحث في اي موضوع له صلة بمنطقتنا ومستقبل شعوبنا لطرح وجهة نظرنا.. والدفاع عن مصالحنا.