مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة "الرأي العام" الكويتية

٥ كانون ثاني ٢٠٠٥

الرأي العام:أثار حديثكم عن هلال شيعي في المنطقة قد يرى النور إذا أفرزت الانتخابات العراقية المقبلة حكومة موالية لإيران جدلاً واسعاً وانتقادات كثيرة. هل لجلالتكم أن يوضح ماذا قصدتم بالتحديد بالهلال الشيعي، وهل المخاوف من حكم الشيعة أم من حكم شيعي على الطريقة الإيرانية؟

جلالة الملك: شكراً على هذا السؤال وسأجيب عليه بكل صراحة ووضوح كي لا يكون هنالك أي لبس أو غموض، إن عالمنا العربي، يشهد تفاعلات وانفعالات تتداخل فيها العوامل السياسية والأمنية وأحيانا العقائدية والطائفية وحتى المصلحية الضيقة بصورة تدعو إلى التنبه والحذر. وهذا ما عنيته، فأنا هاشمي أتشرف بالانتساب إلى رسول الله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وأفتخر وأعتز بديني وعروبتي، وديننـا الحنيف هو دين السلام والأخوة والتسامح والصراط المستقيم. والعروبة احتوت الأمة بغض النظر عن أي اختلاف بين أفرادها في العرق أو الدين.

والأردن الذي يتشرف بالنهوض برسالة أمته العربية والإسلامية، قد كرس دائماً معنى التسامح والحرية والوقوف إلى جانب أمته ورعاية الحوزات الدينية، وتقدم الصفوف لنبذ التمييز والعنف والإرهاب، وتسييس الدين تسييساً ضاراً بمصالح الأمة وديننا الحنيف.

فنحن مسلمون قبل أن تكون هناك مذاهب سنية وشيعية وغيرها . وكما أن هنالك دول مسلمة وعربية فهنالك دول مسلمة وغير عربية، فالإسلام يجمعنا والعروبة توحدنا، والدين هو الجامع للناس على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم. وعلينا أن نوحد جهودنا ونتفق على كل ما فيه خير الأمة ووحدتها وسموها. وهذا يتحقق من خلال تمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف وبعروبتنا.

وكما تعرف أخي الكريم.. فإن الأردن سعى على الدوام في أن يكون العراق بلدا مستقلا ينعم شعبه بالحرية والأمن والاستقرار.. وأن تكون الحكومة العراقية ممثلة لجميع العراقيين على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم.. حكومة تعمل على بناء مستقبل العراق الأفضل.. وتحافظ على وحدة وعروبة العراق، القادرعلى استعادة دوره الحيوي والفاعل على الساحتين الإقليمية والدولية.

ونحن وعلى مدى السنوات الطويلة الماضية، كانت لنا مواقفنا الوطنية والقومية البعيدة عن لغة المزايدات، والشعارات الفارغة.. ولم يحصل أن سمحنا لأنفسنا التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.. بل على العكس، الأردن دوما يفتح قلبه وذراعيه للجميع.. ودوما لنا رؤيتنا النابعة من حرصنا على الوفاء بالتزاماتنا نحو أمتنا وأشقائنا العرب.. حتى لو تحملنا في سبيل ذلك، ما يفوق طاقاتنا وإمكانياتنا.. وتاريخ أسرتي الهاشمية ومواقفها القومية ودعواتها المستمرة للوحدة والعمل العربي الحقيقي لمواجهة الأخطار ونصرة الأشقاء معروفة.. وأنا كملك هاشمي عندما أتحدث فإنني أشعر أنني أتحدث عن جميع المسلمين سنة وشيعة، وواجبنا يحتم علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام أي تحدي، وأن نحذر من أية محاولة هدفها تفتيت لحمة أي بلد عربي شقيق.

الرأي العام:تصريحات جلالتكم تم تفسيرها على أنها ضد الشيعة، وأن جلالتكم مستاءون من إمكانية وصولهم إلى الحكم في العراق.. فما هو تعليق جلالتكم؟

جلالة الملك:لا يمكن أن نكون بأي شكل من الأشكال ضد الشيعة، فهم تشيعوا لآل البيت.. ونحن من آل البيت، وتربطنا علاقات قوية وراسخة مع الشيعة في لبنان والعراق ودول الخليج وكذلك مع الكثيرين في إيران.. ونحن حريصون بأن يبقى السنة والشيعة معا كما كانوا دائما.. وسنقف في وجه أي فئة تحاول المساس بهذه العلاقة المتميزة. أنا فعلا استغرب إثارة مثل هذه القضية.. وتفسيرها على هذا النحو الخطير، التي إن دلت على شيء إنما تدل على وجود خلل وأجندات خاصة من شأنها تأجيج الفتن وإشعال فتيل الصراعات الداخلية والطائفية، وهذا ما حذرنا منه دائما.. والتي يتحتم علينا جميعا الوقوف ضدها ومحاربتها.

وفي كل لقاءاتي مع قادة وزعماء العالم، وآخرها مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، وأركان الإدارة الأمريكية، أكدت على ضرورة المحافظة على وحدة العراق واستقلاله.. وتهيئة الأجواء الملائمة لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر. فما يهمنا هو وحدة الصف العراقي والمحافظة على وحدة أراضيه واستقلاله ومستقبله والحياة الكريمة الآمنة لجميع أبناء الشعب العراقي. وكنا دائما نسعى ولا زلنا إلى أن يحقق العراق طموحات شعبه في الرفاه والعيش الكريم.

الرأي العام:تصريحات جلالتكم حول دور إيران في العراق ومحاولتها التأثير على الانتخابات العراقية المقررة.. أثارت غضبا واستياءا في إيران.. كما وصفتها وسائل الإعلام الإيرانية بأوصاف سلبية مختلفة... ويقال أيضا أن العلاقات الأردنية الإيرانية في تدهور.. ما ردكم على ذلك؟

جلالة الملك: علاقاتنا مع إيران جيدة، ولكن هناك فئات معينة تحاول التأثير بالاتجاه الأخر، وقامت باستغلال ما قلته لغاياتهم الخاصة.. وما تحدثنا فيه عن " الهلال الشيعي" ، حملّه البعض منهم في إيران أكثر مما يحتمل.. وجرى تفسيره على غير ما أردنا.. إن العراقيين أنفسهم هم أصحاب الحق في تقرير مستقبلهم، من خلال المشاركة في الانتخابات، بعيدا عن أي تدخل خارجي... قد يفرز حكومة لا تمثل جميع العراقيين.. وتمثل فئة على حساب فئة أخرى. ما نسعى إليه هو مشاركة الجميع في تحقيق الأمن والديمقراطية وصياغة الدستور الجديد.. وهذا كله يصب أولا وأخيرا في مصلحة العراق ومصلحتنا جميعا ومصلحة مسيرة السلام في المنطقة.

الرأي العام:دعوتم أبناء الطائفة السنية إلى المشاركة بقوة في الانتخابات العراقية المقبلة، كيف تتوقعون صدى هذه الدعوة في ظل حديث هيئات سنية عن مقاطعة وفي ظل الوضع الأمني الذي يزداد تدهوراً؟

جلالة الملك: كما قلت سابقا، نحن حريصون على مشاركة جميع العراقيين في الانتخابات.. وأنا هنا لا أتحدث عن سنة وشيعة، بل أتحدث عن جميع العراقيين.. والمشاركة في الانتخابات هي الخطوة الصحيحة، باتجاه تجسيد الإرادة الحرة للشعب العراقي واختيار من يعتقد أنه يمثله.. وضمان تمثيل الجميع في الحكومة ومؤسسات الحكم، وفي صياغة الدستور العراقي الجديد. ونحن نتوقع أن تبادر كافة التيارات الدينية والحزبية والسياسية إلى المشاركة في عملية الانتخابات، حتى لا تشعر أية فئة مستقبلا أنها مهمشة، وليس لها دور فاعل في الحياة السياسية.. ودعوة البعض لمقاطعة الانتخابات، ليست في صالح العراق، ولا تصب في مصلحة مستقبله.. فالمستقبل المشرق للعراقيين منوط بحجم المشاركة في الانتخابات.. والمسؤولية الوطنية تقتضي من الجميع الاستماع لصوت العقل والحكمة، وتجاوز دعوات المقاطعة.

الرأي العام:انكشف العراق على حالة إرهابية غير مسبوقة، ما هي في رأي جلالتكم مسؤولية الولايات المتحدة عن هذا الوضع، وهل في الإمكان تصحيح أخطاء مثل حل الجيش والمؤسسات والحزب؟

جلالة الملك: كان لنا موقفنا الواضح والصريح في قضية حل الجيش العراقي والمؤسسات العراقية، ولفتنا النظر أكثر من مرة، إلى خطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة، وقد نتج عن ذلك تدهور الوضع الأمني إلى درجة لا توصف.. وتزايدت حالة الإحباط لدى أفراد الجيش الذين سرحوا، والعاملين في مختلف المؤسسات العراقية، الذين وجدوا أنفسهم فجأة وبدون مقدمات غير قادرين على توفير احتياجات أسرهم الأساسية، مما أدى إلى هذه النتائج السلبية التي نراها اليوم في العراق. واعتقد أن الحل يكمن في إعادة بناء الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، القادرة ضبط الأمور ووضع حد لتفاقم حدة العنف، وتقديم المساندة لكافة الجهود الرامية إلى إعادة بناء المؤسسات وتمكينها من تقديم الخدمات وتوفير احتياجات الشعب العراقي. ومن هنا نحن نقوم والعديد من الدول بالمساعدة بتدريب وإعادة تأهيل قوات من الشرطة والجيش والمساعدة في إعادة بناء المؤسسات العراقية.

الرأي العام:أعلن رئيس الحكومة العراقي المؤقتة أياد علاوي من عمان أنه بعث إلى الرئيس السوري بشار الأسد رسالة تتضمن وثائق وأدلة على تورط سوريين في أعمال الإرهاب في العراق إضافة إلى المطالبة بتسليم مسؤولين عراقيين سابقين موجودين في دمشق. هل تشاطرون الحكومة العراقية مخاوفها من دور سلبي لبعض دول الجوار أم أنكم تثقون بما تقوله دمشق في أنها غير معنية سوى باستقرار العراق وسيادته؟

جلالة الملك: اعتقد أن الجميع يدرك حجم الخطر الذي يمكن أن يحصل، إذا حاول البعض التدخل في شؤون العراق الداخلية. وإذا أردنا فعلا مساعدة العراقيين في تحقيق الأمن والاستقرار، فعلينا جميعا توفير المساعدة والدعم الذي لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بحجم تحقيق المصالح.. فالشعب العراقي صاحب حضارة وتاريخ عريق، ويحتاج من الجميع مساعدته وتمكينه من تقرير مصيره وتولي زمام أموره بنفسه، وتحقيق أحلامه في الأمن والاستقرار والازدهار. و اجتماع دول الجوار العراقي في عمان، الذي نأمل أن تشارك فيه كل الدول المعنية، سيفتح المجال لمناقشة كافة الجوانب المتعلقة بالشأن العراقي.

الرأي العام:الأردن جغرافياً بين انتخابين، في فلسطين والعراق، كيف ستنعكس نتائجها على الأردن خصوصاً والمنطقة عموماً؟

جلالة الملك: كما تعرف - أخي الكريم - فإن عدم الاستقرار الذي تشهده المنطقة، ناجم عن الظروف الصعبة والمعاناة القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني والشعب العراقي.. وتداعيات ذلك، أفرزت حالة من الإحباط التي كان من نتائجها استمرار تفاقم دوامة العنف، وتزايد ظاهرة التطرف والإرهاب.. وإذا أردنا أن نضع حدا لهذا الوضع المأساوي في المنطقة، فيجب أن يتحرك المجتمع الدولي وكافة الأطراف المعنية، لتوفير الدعم والمساندة التي من شأنها أن تسهم في نجاح الانتخابات في فلسطين والعراق، لأن نجاحها، يشكل انطلاقة جادة للفلسطينيين والعراقيين، لتحديد أولوياتهم وبناء مؤسساتهم القادرة على القيام بمسؤولياتها وتجاوز التحديات الصعبة التي تفرضها طبيعة المرحلة.. إلى جانب أنها ستكون مقدمة وعنوانا لمرحلة جديدة، تتكاتف فيها الجهود لمساعدة ودعم الفلسطينيين، للانخراط مجددا في عملية السلام، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني التي تعيش بآمان إلى جانب دولة إسرائيل.. وكذلك هو الحال بالنسبة للعراقيين، حيث أن النجاح في ضمان مشاركة الجميع في الانتخابات المقبلة، كما قلت سابقا، سيفرز حكومة ممثلة لجميع العراقيين، الذين سيلتفتون إلى إعادة بناء بلدهم ورسم مستقبلهم.. فأمن المنطقة وازدهارها مرهون بتحقيق الأمن والاستقرار في فلسطين والعراق.

الرأي العام:انتخاب أبو مازن رئيساً للسلطة الفلسطينية هل سيساهم في تسريع خطوات توحيد الأجهزة الأمنية وبناء المؤسسات القادرة على خوض عملية السلام؟

جلالة الملك: الشعب الفلسطيني هو وحده الذي يختار قيادته ويتخذ قرارته الوطنية.. والمرحلة الحالية تقتضي أن يكون هناك قائدا فلسطينيا قادرا على اتخاذ خطوات جريئة وواثقة، حتى يكون شريكا فاعلا في عملية السلام وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة على ترابه الوطني.. والأخ " أبو مازن " رجل قادر ولديه خطته ورؤيته الواضحة، لتوحيد كافة الأجهزة الأمنية، وإعادة بناء وهيكلة مختلف المؤسسات الفلسطينية، في إطار برنامج إصلاحي شامل، يهدف إلى قيام الدولة المنشودة القادرة على أن تكون شريكا حقيقيا في عملية السلام، وتفوت على إسرائيل حجتها بعدم وجود شريك فعلي للتفاوض معه.

الرأي العام:تفاءلتم في خطابكم في جمعية الصحافيين الأجانب في لندن بإمكان قيام دولة فلسطينية في فترة ليست ببعيدة. على ماذا بنيتم تفاؤلكم؟

جلالة الملك: لطالما أكدت لقادة وزعماء العالم الذين التقيهم، ومن خلال مختلف وسائل الإعلام والمنابر الدولية، على أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو السبب الرئيسي للصراع في المنطقة، وإنه لا يمكن أن يتحقق السلام إلا من خلال دعم ومساندة الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني التي تلبي طموحاتهم وأحلامهم في العيش بأمن واستقرار. ولقد لمست مؤخرا خلال لقاءاتي مع القادة والزعماء في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأقصى، رغبة جادة وإصرارا حقيقيا، على ضرورة اغتنام الظروف التي تتيحها المرحلة الحالية، لمساندة ودعم كافة الجهود والتحركات الرامية، إلى تحريك عملية السلام، وإعادتها إلى مسارها الصحيح، وتشجيع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على العودة مجددا إلى طاولة المفاوضات. ومؤخرا أعاد الرئيس الأمريكي بوش التأكيد على التزامه بالعمل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وكذلك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي أكد عزم حكومته على الاستمرار في مساندة كافة الجهود التي من شأنها المساهمة في إقامة الدولة الفلسطينية.. وهذا يشكل فرصة يجب أن نعمل على اغتنامها بالسرعة الممكنة، واستغلال عامل الوقت مهم جدا.. وبخلاف ذلك، سنفقد الفرصة السانحة حاليا لتحقيق السلام.. وفرصة إقامة الدولة الفلسطينية التي يتطلع إليها الفلسطينيون.

الرأي العام: بصراحتكم المعهودة جلالة الملك هل العلاقات السورية-الأردنية في إطارها الصحيح والسليم الآن وإذا لا... ما هو المطلوب كي تستقيم؟ وأين صار الخلاف الحدودي بين البلدين؟

جلالة الملك: سوريا دولة شقيقة.. والرئيس السوري بشار الأسد أخ عزيز وتربطنا معه علاقات أخوية وثيقة.. ونحن حريصون على تعزيز وتطوير علاقات التعاون التاريخية بين البلدين في كافة المجالات، ومواصلة التشاور والتنسيق فيما يتعلق بإقامة مشاريع مشتركة، تكون لها نتائجها الإيجابية على شعبينا. ومؤخرا صادقت حكومتي على اتفاقية إنهاء التداخل الحدودي بين الأردن وسوريا، وآمل أن يتم التوقيع النهائي على هذه الاتفاقية قريبا.

الرأي العام: قرأ الأردن القرار 1559 الداعي إلى انسحاب سوريا من لبنان قراءة مختلفة عن قراءة لبنان الرسمي طبعاً، وسوريا وبعض الدول العربية. هل تعتقدون أن الانسحاب السوري من لبنان وضبط الحدود العراقية خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء المزيد من الثقة مع الولايات المتحدة خصوصاً والمنظمة الدولية عموماً؟

جلالة الملك: نحن نحترم قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا نستطيع أن نتعامل بانتقائية مع قرارات الشرعية الدولية، ونحن ندعو دوما إلى أن تكون لغة الحوار هي الأسلوب الأنجع في التعامل مع مثل هذه القضايا. وفيما يتعلق بقضية ضبط الحدود، فهذا الأمر مهم للغاية، وينطبق على جميع الدول المجاورة للعراق.. فحدود عراقية آمنة من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار داخل الأراضي العراقية، وعندما يشعر المواطن العراقي بذلك، سيبدأ بالتركيز على تحسين ظروفه المعيشية والمشاركة الفاعلة في التنمية بأبعادها المختلفة وجهود بناء الدولة. هذه العوامل وغيرها سيؤدي بالطبع إلى خلق أجواء من الثقة على المستوى الإقليمي والدولي.

الرأي العام:كيف تقيمون اليوم علاقات الأردن مع الكويت؟

جلالة الملك: علاقاتنا مع دولة الكويت الشقيقة، علاقات متميزة ومتينة وفي أحسن حالاتها.. وقمت بزيارتها مرات عديدة.. وهناك تنسيق وتشاور مستمر بيني وبين أخي الكبير صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، والاخوة المسؤولين الكويتيين حول مختلف الموضوعات التي تسهم في خدمة مسيرتنا المشتركة وقضايا أمتنا العربية. ونحن نتطلع دوما إلى الاستمرار في توثيق ورفع مستوى علاقات التعاون الثنائي وخاصة في المجالات الاقتصادية والتعليم والسياحة وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين وتعزيز فرص الاستثمار. ونحن نقدر كل المساعدة والدعم من دولة الكويت الشقيقة.. والتي هي من شيمهم الأصيلة والطيبة.. وهنا أتوجه بالشكر العميق لأخي سمو الشيخ جابر الاحمد الصباح على دعمه ومساندته المستمرة للأردن، التي نقدرها ويقدرها الشعب الأردني عاليا. كما أتوجه ببالغ الشكر للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، على دعمها المستمر أيضا للأردن.

وفي ضوء العلاقات المتميزة بين الأردن والكويت، فإن هناك تنسيق واتصالات مستمرة مع الأشقاء الكويتيين، لتعزيز مستوى التعاون في المجالات الاستثمارية والسياحية والتعليمية. والاستثمارات الكويتية التي حققت نجاحا كبيرا في الأردن، هي اليوم من أكبر الاستثمارات العربية والأجنبية لدينا، حيث بلغ إجمالي حجم هذه الاستثمارات ما يقارب (500 ( مليون دينار.. كما أن هناك مشاريع استفادت من قانون تشجيع الاستثمار بلغت حوالي (26) مليون دينار في مجالات صناعية مختلفة.

وقد أثمرت جهودنا لإقامة مشاريع للتكامل الاقتصادي بين الأردن ودولة الكويت الشقيقة، عن التوجه لتأسيس الشركة الكويتية الأردنية القابضة، التي تهدف إلى إنشاء عدد من المشاريع الخدماتية والإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية في المملكة.

الرأي العام:في فترة من الفترات كثر قيامكم بجولات مفاجئة وبشكل متنكر إلى المحافظات. هل ستستمرون في اتباع هذا الأسلوب وكيف وجدتم نتائج هذه الجولات؟

جلالة الملك: نعم.. قمنا بزيارات عديدة ومفاجئة، للعديد من المواقع، لمعرفة واقع الحال ومواطن الخلل وطبيعة المشاكل التي يواجهها المواطن الأردني أو الزائر أو المستثمر وغيرهم .. ووضع حلول جذرية لها. والحمد الله، فلقد أثمرت هذه الزيارات عن تطوير آليات عمل،لتقديم خدمة نوعية متميزة بطريقة سلسة وميسرة بعيدا عن الروتين والبيروقراطية.. كما أسهمت بوضع الخطط والبرامج التي تساعد على تدريب وتأهيل الموظفين حتى يتمكنوا من القيام بدورهم على النحو المطلوب.. فنحن عندما نتحدث عن الإصلاح والشفافية وبناء الأردن النموذج، فهذا يتطلب وجود مؤسسات قادرة على القيام بمسؤولياتها، وكوادر بشرية تؤمن بواجبها الوظيفي وتعمل على التسهيل على المواطنين.

الرأي العام: إذا جاز لجلالتكم أن يلخص في عجالة حاجات الأردن من المحيط والعالم وما يمكن أن يقدمه الأردن لهذا المحيط أو العالم؟

جلالة الملك: كما تعلمون الأردن صغير بمساحته، ولكنه كبير بدوره الإيجابي والمؤثر على جميع الأصعدة.. ولدينا برامجنا وخططنا الطموحة، للمحافظة على المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها لغاية الآن.. ونحن نتطلع إلى المضي قدما في بناء الأردن العصري والمنفتح.. وتنفيذ المبادرات التي تنسجم مع رؤيتنا في جعل الأردن نموذجا إصلاحيا يحتذى، ويسهم في نجاح عمليات التنمية المستدامة وتحسين حياة شعوب المنطقة.. وهذا يتطلب المزيد من المساعدة والدعم للاستمرار في هذه المسيرة.

نحن منهمكون في عملية متسارعة للإصلاح الداخلي.. وهدفنا الأساسي هو بناء مجتمع مدني ديمقراطي شامل، يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي ويعزز القدرات الاجتماعية الحقيقية، ويمكّن أفراده ويتيح الفرص للجميع، ويوفر الأمل والوعد لشبابنا الذين يمثلون مستقبلنا. ويعتمد النموذج الأردني على قدرات مجتمعنا، وعلى قيمه وتاريخه.. ويمد يده للفرص العالمية.. وبإمكان هذا النموذج أن يكون مسارا فعالا نحو الديمقراطية والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.

ولقد أصدرنا في شهر رمضان الماضي، "رسالة عمان "، وهي بيان هام حول الإسلام، وهي تبرز الصورة المشرقة والحقيقية للإسلام الذي يدعو للاعتدال والتسامح والسلام، والتعايش والانفتاح والحوار، ودعوته إلى الانخراط والمشاركة في رقي وتقدم المجتمع الإنساني.. وقد اخبرني زعماء مسلمون في أوروبا أن الرسالة كانت أساسية لمواجهة التعاليم الزائفة للمتطرفين؛ وهذه ليست سوى خطوات نحو إعطاء الإسلام المعتدل الصوت والأهمية البارزة اللذين يستحقهما على صعيد العالم.

الرأي العام:ما هي الخطوات التي ينتظرها الأردنيون على صعيد الإصلاح وتطور التجربة السياسية وترسيخ الديمقراطية؟

جلالة الملك: رغم كل الظروف الصعبة والتحديات التي واجهها الأردن، بإمكانياته وموارده المحدودة، فإن عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الأردن، تسير بخطى ثابتة ومتسارعة، لمساعدة شعبنا على تحقيق أقصى إمكانياته في كل الميادين.. وأولويتنا هي تحقيق طموحات الأردنيين والأردنيات في بناء الدولة الحديثة، دولة المؤسسات والقانون ومجتمع العدالة والمساواة. ونحن مستمرون في برامجنا وخططنا الطموحة، من أجل النهوض باقتصادنا وتحفيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى التعليم وتهيئة سبل العيش الكريم لأبناء وبنات شعبنا، وتوفير الفرص المتكافئة ، وتمكين المرأة والشباب للمشاركة في رسم معالم المستقبل الواعد والمشرق بإذن الله.. ونحن واثقون أننا نسير بالاتجاه الصحيح، وأننا قادرون على تحقيق الأهداف التي نتطلع إليها.. بهمة الأردنيين والأردنيات، وعملهم الجاد والمخلص والدؤوب.

في المحصلة، فإن عملية الإصلاح في الأردن تتقدم تقدما حثيثا، وقد حقق بلدنا تغييرات هامة لترسيخ حقوق الإنسان وبناء حياة سياسية ديمقراطية. وفي مجال الاقتصاد شجعنا الإبداع والشراكة مع القطاع الخاص. أن رؤيتنا تتمثل في مجتمع مدني منفتح وعصري متجذر في القيم العربية الإسلامية الحقيقية، يقوم على قيم التسامح واحترام الآخرين والإيمان بحكم القانون وكرامة جميع الناس على نحو متكافئ والسعي دوما إلى التميز والإبداع.