مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع رئيس تحرير صحيفة القدس المقدسية

٥ أيلول ٢٠٠٥

القدس: جلالة الملك،نحن نقدر جهود جلالتكم الكبيرة لدعم السلطة الفلسطينية في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني،وكذلك إسهام جلالتكم في الاستعداد لتدريب الشرطة الفلسطينية في الأردن، ومواقفكم من انسحاب قوات الاحتلال من غزة، فهل لنا أن نعرف رأي جلالتكم بالنسبة لهذه الانسحابات الأخيرة، وهل ستكون عاملا رئيسيا في استقرار الأمن إذا لم يتم تنفيذ خارطة الطريق؟

جلالة الملك: بداية أود أن أشير انه تربطني بالاخ الرئيس محمود عباس علاقات متينة وأخوية، ونحن نتشاور باستمرار حيال مختلف القضايا التي تهمنا، واننا نعتبر أن نجاح التوجه في دفع الامن والاستقرار وتحقيق التنمية في الاراضي الفلسطينية هو نجاح للاردن. اننا مرتاحون لانسحاب اسرائيل من غزة ونأمل أن تستكمل ايضا انسحابها من باقي المناطق المحتلة في الضفة الغربية، حتى يستتب الامن والاستقرار لصالح الجميع.

إن الانسحاب يمنحنا الأمل الكبير، بأن يؤدي بإذن الله إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة والاستمرار إلى جانب إسرائيل.

ونحن نعتبر انسحاب إسرائيل من قطاع غزة خطوة تاريخية في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، ونرى أن هذه الخطوة لا بد أن تكون جزءا من استحقاقات خطة السلام الدولية المتمثلة بخارطة الطريق، فقد سئمت شعوب المنطقة حالة العنف والقلق التي سادت لأكثر من نصف قرن وعانينا جميعا ويلات الحروب والدمار، وقد آن الاوان لشعوب المنطقة أن ترى النور في نهاية النفق. والمطلوب الان تشجيع الفلسطينيين والاسرائيليين؛ للاستمرار في العملية السلمية وبناء المزيد من جسور الثقة بينهما والحيلولة دون تمكين المتطرفين من الجانبين من تخريب عملية السلام.

القدس: جلالة الملك، يقال أن هناك دورا أردنيا في الضفة الغربية. ما شكل العلاقة الأردنية- الفلسطينية في المستقبل. وما هو التصور لذلك؟

جلالة الملك: إن من واجبنا وواجب العرب جميعا دعم ومساندة الحكومة الفلسطينية وتهيئة الظروف أمامها لترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني، وبناء المؤسسات الفلسطينية التي ستشكل نواة الدولة باذن الله،وقد وجهت الحكومة لوضع كل إمكانياتنا بتصرف الأشقاء الفلسطينيين ومساعدتهم على بناء مؤسساتهم، وفي هذا السياق أوفدنا وزير الصناعة والتجارة إلى غزة لبحث أوجه التعاون كافة بين الاردن والسلطة الفلسطينية، ومجالات الدعم التي يمكن أن يقدمها الاردن لدعم الاقتصاد الفلسطيني، بالاضافة إلى فرص تعزيز التعاون الاقتصادي واقامة الاستثمارات المشتركة ورفع حجم التبادل التجاري بيننا، وتذليل العراقيل الفنية التي تعترض استيراد وتصدير البضائع بين السوقين الاردني والفلسطيني، وكلنا أمل في ان تسهم المساعدات والاستثمارات العربية والاجنبية في بناء البنية التحتية لقطاع غزة، وخلق فرص عمل لابناء غزة في المرحلة المقبلة؛ لتوفير الامن والاستقرار للسكان هناك.

اننا مهتمون بتوفير فرص الاستثمار للاخوة الفلسطينيين، ويكمن نجاح الوضع في غزة في امن واستقرار سكان القطاع الذي سيكون عاملا رئيسا في تحقيق امال وطموحات الشعب الفلسطيني باكمله.

أما الحديث عن شكل العلاقة الأردنية - الفلسطينية مستقبلا، فهو قطعا أمر لا يمكن البحث فيه قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبالتالي فإن أي علاقة مستقبلية بالنسبة للدولتين سيتم إقرارها بإرادة الشعبين.

القدس: جلالة الملك، الأردن يعتبر الدولة الأكثر احتضانا للفلسطينيين، وهم يقدرون مواقفكم باستمرار. ولكننا نود أن نسأل هل هناك جهود للإسهام في إعادة أبناء غزة إلى وطنهم، كما جاء في لقاء رئيس الوزراء الأردني مع الكتل النيابية؟ وهل بدأ الأردن اتصالاته بهذا الشأن مع السلطة الفلسطينية؟

جلالة الملك: عودة أبناء غزة المقيمين في الاردن تحكمه عدة عوامل.. وهو مرتبط بشكل أساسي بانسحاب إسرائيل النهائي من القطاع، وتطورات العملية السلمية، وأي إجراء من هذا القبيل سيتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. لكننا بالتأكيد نؤمن وندعم الحقوق كافة التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية للاجئين الفلسطينيين.

القدس: جلالتكم رفضتم أكثر من مرة فكرة التوطين في الأردن التي تلوح بها بعض الأوساط الغربية عبر بعض الصحف، فهل لنا أن نستوضح موقف جلالتكم من عملية التوطين التي تؤثر الأجهزة الصهيونية في استمرار الحديث عنها حاليا؟

جلالة الملك: عندما يجري الحديث عن التوطين، لا أعرف هل المقصود إحضار مزيد من الفلسطينيين للأردن، أو المقصود الأردنيين من اصل فلسطيني فهؤلاء اردنيون يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، الأمران اذا مختلفان، وقلت أكثر من مرة، أن الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، وأن موضوع التوطين بالنسبة لنا خط أحمر لن نقبل به بأي حال من الأحوال. ونرفض أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، بمعنى أن يكون الأردن بديلا عن فلسطين، وهذا الأمر برمته يتعارض مع جهودنا المبذولة لتثبيت حقوق الفلسطينيين على أرضهم، وإقامة دولتهم على الأرض الفلسطينية.

القدس: لقد أحسنت حكومتكم يا جلالة الملك، برفع أذونات التأشيرات للفلسطينيين لزيارة الأردن. فهل ترون جلالتكم في هذا الإجراء زيادة في زيارة الفلسطينيين إلى الأردن، وهل هناك إشكالات في الاستمرار بالعمل بها توثيقا لدعم العلاقات الثنائية بين السلطة والأردن؟

جلالة الملك: هذا القرار اتخذناه للتسهيل على أشقائنا الفلسطينيين، وهو جزء من الدعم والمساندة التي نقدمها لهم، ولا نعتقد أنه سيشكل فرصة لنزوح مزيد من الفلسطينيين للأردن، لأننا نؤمن أن الفلسطيني معني في البقاء على أرض فلسطين ومتشبث بأرضه. وسنواصل توفير مثل هذه التسهيلات بما يحقق مصالح الأشقاء وتلبية احتياجاتهم وتواصلهم مع العالم الخارجي. والإحصاءات الرسمية لدينا تقول أن اعداد القادمين إلى الأردن والمغادرين إلى الضفة الغربية متقاربة جدا.

القدس: هناك إجراءات أسهمتم جلالتكم في إحيائها في المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي عقد في البحر الميت مؤخرا، ومنها مشروع قناة البحرين الذي سيقدم للأردن والفلسطينيين والإسرائيليين إسهامات مائية كبيرة، فهل ستواصلون جهودكم لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى إنشاء منطقة حرة لدعم التعاون التجاري بين الجانبين؟

جلالة الملك: نعم، سنستمر في دعم هذا المشروع الحيوي والهام بالنسبة للاردن وفلسطين واسرائيل، وسنواصل الاتصال مع البنك الدولي والهيئات الدولية لتوفير التمويل اللازم لإخراجه إلى حيز الوجود، وأنا استهجن ما يثار من لغط من بعض وسائل الاعلام حول مشروع قناة البحر الميت- البحر الاحمر، فهو يهدف أساسا إلى إنقاذ البحر الميت من الجفاف والانحسار المتواصل، ويقوم على فكرة سحب المياه من البحر الاحمر إلى البحر الميت عبر الانابيب وجزء اخر يتم عبر قناة مائية، وسيتيح المشروع إنشاء مشاريع أخرى لانتاج الكهرباء وتحلية المياه، اضافة إلى مشاريع سياحية يستفيد منها الاردنيون والفلسطينيون والاسرائيليون.

القدس: جلالة الملك، تسمين إسرائيل لبعض المستوطنات وكذلك إقامة حفريات تحت المسجد الأقصى، ومحاولات لاقتحام الأقصى وإقامة الجدار العازل، خطر يهدد الأردن وفلسطين معا. فهل ترون ضرورة لاستمرار إقامة المستوطنات في الضفة وتسمين مستوطنة "معاليه أدوميم" وكذلك "ارئيل".وهل هذا يتناقض مع التعهدات الإسرائيلية بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية لتحقيق السلام الدائم والعادل؟.

جلالة الملك: استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية يشكل عائقا كبيرا أمام السلام، وهو أمر يتناقض مع الالتزامات الدولية. وبالنسبة للقدس نحن نرفض أي مساس بهذه المدينة المقدسة أو أي محاولات لاقتحام المسجد الاقصى، ونحذر من خطورة، هذا الامر وسنعمل عبر اتصالاتنا مع الحكومة الاسرائيلية لمنع أي محاوله من قبل المتطرفين لاقتحام المسجد الاقصى أو العبث به.

القدس: جلالة الملك، شكل رفع أسعار المحروقات في الأردن معاناة للمواطنين الأردنيين، مما أثار إشكالات بين الحكومة ومجلس النواب، الأمر الذي دعا جلالتكم إلى الالتقاء بالسلطتين التشريعية والتنفيذية بحضور رؤساء الوزراء السابقين. وتوجيه خطاب وصف بأنه الأعنف.. فهل ما زلتم جلالتكم غير راضين عن أداء مجلس النواب، وهل هناك كما يتردد فكرة لحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة؟

جلالة الملك: لم نفكر في هذا الموضوع، والخطاب الأخير جاء بعد الأزمة بين الحكومة والبرلمان، وشعرت أن هناك محاولات تستهدف تعطيل مسيرة التقدم والتطوير والإصلاح التي بدأناها منذ سنوات، وأن البعض يحاول الاستقواء على الوطن بتسريب الإشاعات وترويج ما يسيء للأردن، وهذا الأمر غير منطقي أبدا. و لقد لمست أن هذا الصراع والشد والجذب بين الأطراف المتنافسة انعكس سلبا على أداء المؤسسات، فكان لا بد من تصحيح المسيرة ومطالبة الجميع بإيقاف هذه المهاترات، وأن يعملوا كفريق واحد لمصلحة الأردن ولإنجاح مسيرة الوطن سنتخذ كل الاجراءات لإزالة ما يعترض طريق هذه المسيرة من عقبات.

القدس: تحرصون جلالتكم على إعداد أجندة وطنية، فهل هذه الأجندة ستكون استراتيجيات جديدة لعمليات الإصلاح في البلاد وتطوير الأقاليم والمحافظات، وما هي أهم مرتكزات هذه الأجندة؟ جلالتكم سبق وأن دعا إلى الحد من عدد الأحزاب في الأردن من ثلاثين إلى ثلاثة فقط، فهل ما زلتم جادين في ذلك، وهل هناك نية لدى جلالتكم للإيعاز إلى الحكومة بإيجاد نظام انتخابي عصري؟

جلالة الملك: عناصر قوة الأردن تكمن في الحفاظ على تميزه كأنموذج في الانفتاح السياسي والاقتصادي والأمن والاستقرار والديمقراطية، وتبني مفهوم التنمية الشاملة.. لقد سبق الأردن الجميع في إدراك المتغيرات من حولنا.. ونحن منهمكون في عمليات التطوير، لمواكبة تحديات العصر، والتعامل مع الواقع بلغة جديدة.. لنتمكن من السير للأمام بخطوات واثقة لتحقيق المستقبل الذي يليق بشعبنا وللاجيال الشابة.. ولهذا فإننا نعمل الآن على تشجيع مشاركة مختلف الفعاليات والقواعد الشعبية في عملية التنمية والتطوير، وأولويتنا هي تحسين الوضع المعيشي للمواطنين وتأمين المستقبل الآمن لهم، وتطوير الاقتصاد، وإبقاء الأردن على خريطة العالم، مركزا متميزا في المنطقة، ونحن واثقون بأننا نسير على الطريق الصحيح.. ومصممون على بناء الأردن الحديث والعصري، القائم على التعددية والديمقراطية والاعتدال والمساواة، ولدينا رؤيتنا وبرامجنا لتحقيق ذلك.

القدس: جلالة الملك، الأردن عرف بأنه واحة من الأمن والاستقرار، والتفاف الشعب حول قيادته الهاشمية الفذة. ولكن كيف تفسرون تفجيرات العقبة، وهل هذا العمل قد يسمى للمرة الأولى اختراقا أمنيا جديدا، وهل ستطلبون من العراق تسليم هؤلاء المجرمين لكم لينالوا القصاص العادل؟ وهل هناك إجراءات احترازية سيتم اتخاذها للحيلولة دون وصول مثل هؤلاء المتسللين للأردن؟ وهل أثرت هذه العملية الإرهابية على السياحة في الأردن؟

جلالة الملك: إن ما حدث في العقبة مؤخرا، وخاصة بعد إلقاء القبض على المشتبه الرئيسي في الجريمة، وبعد الإدانة الشعبية لما حدث، وتكاتف جميع المواطنين في التصدي للإرهاب، عزز موقفنا تجاه محاربة الإرهاب، فالجميع الآن يدركون مدى خطورة الإرهابيين على أمنهم واستقرارهم ومعيشتهم، فهؤلاء الإرهابيون لا يفرقون بين مدني وعسكري ولا بين طفل وامرأة.. وهم عدميون ليس لديهم قضية يستطيعون أن يتحاورا ويتناقشوا حولها مع الآخرين، لأن حججهم باطلة ولا تحظى بقبول لدى الشارع.. والحمد لله، أن الحركة السياحية والاقتصادية في العقبة لم تتأثر؛ لأن الجميع مطمئن بأن الأردن سيبقى آمنا ولن تؤثر هذه الحادثة في عزيمة الأردنيين على العمل والإنجاز ومحاربة الإرهابيين.

القدس: الوضع في العراق يتفاقم، ولجلالتكم دور بارز من أجل اعمار العراق، وكذلك السعي لتوفير الأمن والاستقرار لشعبه، ولكن أمام استمرار هذه الأوضاع، كيف ترون المخرج من هذه الأزمة العراقية؟ وهل تتوقعون استمرار الخلافات وعدم الموافقة على الدستور من مختلف شرائحه أن يشهد العراق حربا أهلية؟

جلالة الملك: جهودنا موصولة من أجل الحفاظ على وحدة الأهل في العراق، وسيادتهم الكاملة على أرضهم،والتأكيد على ضرورة مشاركة جميع أطياف الشعب العراقي في بناء العراق الجديد. ما يهمنا أولا وأخيرا هو وحدة العراق، وأن يتمكن الشعب العراقي من تحقيق طموحاته في العيش الكريم والحياة الآمنة.. العراقيون هم وحدهم القادرون على بناء مستقبلهم الأفضل وما يقبلون به ندعمه ونسانده. ونرفض أي تدخل في شؤونهم، و من مصلحتنا مساعدتهم على بناء دولتهم ومستقبلهم، مثلما أن مسؤولية المجتمع الدولي كبيرة في المساهمة في إعادة اعمار هذا البلد الشقيق.

القدس: علمنا أن جلالتكم خلال زياراته الأخيرة إلى أمريكا لعب دورا نشطا من أجل تحسين العلاقات الأمريكية - السورية. فهل لكم أن تحدثنا عم مثل هذه اللقاءات، وهل تتوقعون انفراجا في العلاقات الأمريكية السورية في المستقبل القريب. كيف ترون جلالتكم الموقف الأمريكي من قضية الشرق الأوسط والسلام الدائم والعادل في المنطقة؟

جلالة الملك: اعتقد أن لغة الحوار هي الأسلوب الأمثل، لحل الخلافات العالقة بين الدول.. ونأمل أن تشهد العلاقات السورية-الأمريكية تحسنا خلال الفترة المقبلة. ليس من مصلحة سوريا ولا أمريكا أن تتوتر العلاقات بينهما ونحن مع تسوية الخلافات بينهما بالحوار وبالطرق السلمية. لا يمكن أن نغفل دور اميركا في دعم ورعاية عملية السلام، ونحن بحاجة إلى استمرار موقفها الداعم لهذه العملية. وبدون رعاية أمريكية لعملية السلام إلى جانب الدول الكبرى الأخرى، لا يمكن أن تتقدم مسيرة السلام. كما أنني أرى أن من مصلحة أمريكا إرساء السلام العادل والشامل في المنطقة.

القدس: كيف تصفون العلاقات الأردنية- الخليجية، وهل تتوقعون استثمارات أكبر من الدول الخليجية، وهل سيؤثر وقف الإمدادات النفطية الخليجية من السعودية والإمارات والكويت على المشاريع التنموية الاقتصادية بالفترة المقبلة؟.

جلالة الملك: علاقاتنا مع الأشقاء في دول الخليج جميعا متميزة وقوية و التنسيق والتشاور مستمر بيني وبين قادة هذه الدول حول مختلف الموضوعات ،التي تسهم في خدمة مسيرتنا المشتركة. اليوم لدي زيارة إلى السعودية للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لبحث مختلف الامور التي تهم البلدين وأيضا قضايا المنطقة بشكل عام، ودائما نتطلع إلى الاستمرار في توثيق العلاقات مع دول الخليج ونقدر عاليا كل المساعدة والدعم الذي قدموه لنا باستمرار. مثلما نتطلع إلى زيادة حجم المساعدات حتى نتمكن من تجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة التي نتجت عن الارتفاع الهائل لأسعار النفط.

وفيما يتعلق بالاستثمارات الخليجية، فهي تعد أكبر استثمارات عربية وأجنبية في الأردن، وشهدت خلال العام الحالي نموا متصاعدا في مختلف القطاعات، بما يؤكد ثقة المستثمر الخليجي بالبيئة الاستثمارية في الأردن التي توفر كافة التسهيلات والقوانين والتشريعات المناسبة.

القدس: جلالة الملك، ما زال الملف النووي الإيراني يشكل خلافا كبيرا بين إيران والدول الأوروبية وأمريكا، فهل ترون في هذا الخلاف استمرار الأزمة في المنطقة، وكيف تقومون جلالتكم الدور الإيراني الحالي في العراق والمنطقة؟ وهل لنا أن نعرف شيئا عن العلاقات الأردنية- الإيرانية؟

جلالة الملك: نحن ندعو إلى التخلص من أسلحة الدمار الشامل في كل منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل، ونرى أن بقاء أسلحة الدمار الشامل في المنطقة سيشكل عنصر عدم استقرار.. كما نأمل أن تحل المشكلة بين إيران والغرب بالنسبة لموضوع المنشأت النووية، عبر الحوار والطرق الدبلوماسية، لأن أي استخدام للقوة لتدمير المنشأت الإيرانية، يعني إشعال فتيل أزمة كبرى لا يمكن التنبؤ بحجمها ولا بنتائجها.

القدس: جلالة الملك، رياح الخلاف السني الشيعي في العراق يزداد، لهل يقلق جلالتكم ذلك باعتبار الأردن البوابة الرئيسة للعراق خاصة بعد إعلان السنة رفض مسودة الدستور؟

جلالة الملك: نعم، إن ذلك يقلقنا.. ولا بد أن نعمل جميعا على تطويق أي خلاف بين أبناء الطائفتين فالشيعة أهلنا كما السنة، وكل ما يثار من خلاف يؤذينا، والعراق بلد شقيق مجاور لنا وأمنه واستقراره قضية مهمة لنا وللاستقرار في المنطقة ككل، ونأمل أن تكون كافة فئات الشعب العراقي شركاء في العملية السياسية، وبناء العراق القوي، القادر على لعب دوره الحيوي والفاعل على الساحتين الإقليمية والدولية. لقد اثبت الشعب العراقي وعيا كبيرا وفوت الفرصة على محاولات إحداث الفتنة والفرقة بين أبنائه واثبت أنه شعب موحد ومتماسك.

القدس: جلالة الملك، الأردن بفضل سهركم ورجال الأمن والمخابرات والجيش يقف سدا منيعا أمام محاولات النيل منه، ولكن بعد أحداث العقبة، كيف ترون التهديدات الإرهابية للأردن، كيف ترون الحرب العالمية والاستراتيجية التي ستوجه ضد الإرهاب؟ وما تعليقكم على تبني أبو مصعب الزرقاوي لعمليات التفجير في العقبة؟.

جلالة الملك: الحرب على الارهاب اصبحت من مسؤولية العالم كله، لأن الارهاب عدو للانسانية ولا يفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي، والمطلوب هو وضع استراتيجية دولية لمحاربة هذه الظاهرة، وأما نحن العرب فالمسؤولية علينا كبيرة جدا للتصدي لهؤلاء وعدم تبرير أعمالهم، خاصة وأن أغلبية ضحاياهم من المسلمين، والشيء الاهم من ذلك أن الارهابيين الذين يتسترون برداء الدين الاسلامي عملوا على تشويه صورة الاسلام والمسلمين في انحاء العالم. بالنسبة للعملية الارهابية في العقبة وتبني الارهابي الزرقاوي لها، فاننا لم نستغرب ان يحاول الزرقاوي ضرب أهداف أردنية، فقد حاول سابقا وأحبطت عملياته التي كادت في إحدى المرات أن تودي بحياة الآلاف من سكان عمان. ومرة أخرى فإن المسؤولية الأولى في مكافحة الارهاب تقع على المواطنين الذين بوعيهم ويقظتهم سيتمكنوا من مساعدة الاجهزة الامنية في إحباط أي محاولة ارهابية تستهدف حياة الامنيين وممتلكاتهم.

القدس: جلالة الملك، جاء في الأنباء، أن الحكومة العراقية طلبت من الأردن وقف نشاطات رغد صدام حسين التي تعكر صفو العلاقات الثنائية، فما هو موقف الأردن من ذلك؟

جلالة الملك: ابنة صدام حسين تعيش في الأردن لأغراض إنسانية بحتة، وقد تم إبلاغها بعدم التدخل بأي شأن سياسي وعدم مخالفة التعليمات المتعلقة بوجودها في الأردن منذ لحظة وصولها، نحن ندعم بقوة العملية السياسية في العراق الآن، ولا نعتقد أبدا أن الأمور ستعود إلى الوراء. ما علمته أن ابنة الرئيس العراقي السابق تتحرك فقط فيما يخص محاكمة والدها.. ولا يمكن أن نقبل إطلاقا أن تجري لقاءات مع رموز بعثية أو غيرها.

القدس:جلالة الملك، قضية أحمد الجلبي نائب رئيس الوزراء العراقي تستحوذ على الاهتمام، فكيف ترون السبيل لحل هذه الأزمة واستعادة أموال الأردن منه؟

جلالة الملك: طلب منا احمد الجلبي تسوية المشكلة معه، و المسألة برمتها قيد الدراسة مع الحكومة ولها بعدان مالي وقضائي.

القدس: جلالة الملك، يبدو أن هناك اتجاها لعقد القمة العربية مرتين في هذا العام، بعد الإشكاليات التي حدثت إثر دعوة الرئيس المصري حسني مبارك لعقد قمة لبحث إمكانية وضع إستراتيجية للقضاء على الإرهاب بعد أحداث شرم الشيخ. فهل توافقون على مثل هذا الاقتراح، وهل ترى جلالتكم صوابية في تحقيقه؟

جلالة الملك: نحن مع أي توجه حقيقي من شأنه أن يعزز وحدة الصف العربي وخدمة قضايا أمتنا العربية، ومؤسسة القمة العربية لبنة أساسية في ترسيخ العمل العربي المشترك، ونحن ندعم ونساند أية مقترحات من شأنها أن تسهم في مواجهة التحديات، وتحقيق الرفاه والمستقبل الأفضل لشعوبنا العربية. ونوافق على أي اقتراح يدعم وضع استراتيجية للقضاء على الإرهاب.

القدس: هل جلالتكم متفائل في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف؟

جلالة الملك: إنني متفائل ما دام أن هناك تصميم فلسطيني وإسرائيلي ودولي على تحقيق السلام في المنطقة، ومتفائل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبأن تكون القدس عاصمة لدولتين.

القدس: جلالة الملك، ستقومون خلال الأيام القادمة بزيارة الى الولايات المتحدة لحضور قمة الأمم المتحدة في نيويورك، هل ستبحثون القضية الفلسطينية هناك مع الرئيس الأمريكي والقادة الذين سيشاركون في القمة؟

جلالة الملك: في كل زيارة أقوم بها الى الولايات المتحدة الأمريكية، ابحث القضية الفلسطينية مع الرئيس الأمريكي وكبار المسؤوليين في الإدارة هناك، وأعتقد أن إجتماع قمة الأمم المتحدة في نيويورك خلال الإسبوعين المقبلين تشكل فرصة للرؤساء والقادة المجتمعين لتبادل الآراء حول مختلف القضايا العالمية ومن ضمنها القضية الفلسطينية.

وفي اطار الجهود التي أقوم بها لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام وتعزيز التوافق والحوار الاسلامي- المسيحي، سأبحث خلال الأسبوع المقبل مع قداسة البابا مختلف القضايا الراهنة. وأود أن اذكر هنا أن للمسيحيين أيضا دورا هاما وبارزا في موضوع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وبيت لحم.

القدس: هل ستقومون جلالتكم بزيارة الى الأراضي الفلسطينية في المستقبل القريب؟

جلالة الملك: يسرني القيام بمثل هذه الزيارة للقاء الأخ الرئيس أبو مازن والاخوة هناك عندما تتاح الظروف المناسبة لذلك.