مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الرأي

٨ تشرين أول ٢٠٠٥

الرأي: بعد أن تقوم لجنة الأجندة الوطنية برفع توصياتها.. هل سيترتب على ذلك تشكيل حكومة جديدة أم أن لا علاقة للتوصيات "بالحكومات" بمعنى أن الحكومة الحالية وأية حكومة لاحقة ملتزمة الأجندة والعمل بمقتضى ما سيتقرر من توصيات نافذة؟

جلالة الملك: مخرجات الأجندة الوطنية ليس لها علاقة بتغيير أو تعديل الحكومة. كل ما طرح حول هذا الموضوع هو مجرد تكهنات واجتهادات صحفية. الحقيقة أن أعضاء اللجنة الملكية بذلوا جهدا مضنيا على مدى الأشهر الماضية، وخرجوا بآراء وتصورات وتوصيات قيمة. بالرغم من أن هناك بعض الاختلافات في الآراء حول بعض المحاور التي طرحت أمام أعضاء اللجنة، لكن هذه الاختلافات والاجتهادات أثرت عمل اللجنة، وأوضحت العديد من الحقائق عن بعض القضايا التي يهتم بها الرأي العام.

الرأي: استطرادا هل سيتم طرح توصيات لجنة الأجندة على استفتاء شعبي أو على مجلس الأمة بجناحيه، فأين موقعها في القانون إزاء الدستور؟

جلالة الملك: لا حاجة أساسا لإجراء استفتاء، وهذا الأمر يتعارض مع الدستور، فنحن كلفنا أعضاء اللجنة بهذه المهمة الوطنية، وقد أدوا واجبهم باقتدار، وهم جميعا موضع الاحترام والتقدير، على عملهم المضني وجهدهم الكبير الذي قاموا به خلال الأشهر الماضية، الخطوة القادمة هي أنه سيتم توجيه الحكومة، لدراسة كافة التوصيات والمبادئ والأفكار التي تم التوافق عليها بين أعضاء اللجنة. بالطبع كان هناك قضايا خلافية مثل قانون الانتخاب على سبيل المثال، لم يتم لغاية الآن التوصل إلى المبادىء التي ستحكمه. وقد ترى الحكومة أن هذا الموضوع أو غيره يحتاج إلى مزيد من الحوار حوله وضمن أطر أخرى. وعلى أية حال فإن الحكومة ستقوم بدارسة هذه التوصيات وتقييمها لوضعها في سلم أولوياتها، وترجمتها إلى برامج وتشريعات وقوانين ستمر جميعها عبر مراحلها الدستورية.

الرأي: يدور حديث في الأوساط السياسية والحزبية حول المغزى من تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم أو أكثر، هل نطمح من جلالتكم بحسم في هذا الاتجاه لقطع دابر الشائعات والأقاويل؟

جلالة الملك: الهدف الأساسي من تشكيل اللجنة الملكية للتقسيمات الإدارية، هو البعد التنموي والاقتصادي والتخطيطي بالدرجة الأولى، لقد شعرنا انه لا بد من إشراك المواطنين في المحافظات في عملية صنع القرار التنموي والاقتصادي، لزيادة معدلات النمو الاقتصادي في هذه المحافظات والحد من الفقر والبطالة، لأن الناس على الأرض هم الأقدر على تقييم وتقدير احتياجاتهم وأولوياتهم من المشاريع، وأردنا أن لا يقتصر التخطيط في المركز، أي العاصمة، بل نريده أن يمتد إلى بقية مناطق المملكة، أخذين بمفهوم اللا مركزية في الإدارة، وطلبنا من أعضاء اللجنة دراسة إقامة مجالس تشريعية مصغرة في أقاليم الوسط والشمال والجنوب، تتولى مهمة التخطيط والإشراف على احتياجات هذه الأقاليم من البرامج الاقتصادية والتنموية. ومرة أخرى إذا رأى أعضاء اللجنة أن عملية تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم ستحقق الأهداف التنموية والاقتصادية التي نتطلع إليها، فسيتم عرض الأمر على الحكومة لدراستها وإقرارها أيضا عبر الأطر الدستورية، أما ما تم الإشارة إليه عبر الإشاعات والأحاديث التي تقول أن تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم يمهد الطريق نحو دور للأردن في الضفة الغربية باعتبارها إقليما رابعا فهذا عار عن الصحة تماما ولا أساس له.

الرأي: عهدتم جلالتكم إلى الحكومة بإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد.. فهل تعتقدون جلالتكم بأن هذه الهيئة ستكون قادرة فعلا على محاربة الفساد وكشف المفسدين والحد من ظاهرتي الواسطة والمحسوبية؟

جلالة الملك: نعم بالتأكيد، فإن العدو الرئيسي للتنمية والتقدم والتطوير والتحديث في أي بلد هو الفساد، لكن أنا واثق أن الأردن ليس من الدول التي يمكن أن يقال أن الفساد أصبح فيها ظاهرة، فالأردن من الدول الرائدة في مكافحة الفساد على مستوى دول العالم، والمؤشرات تشير إلى تقدم الأردن في مسألة الحد من الفساد، صحيح أن هناك واسطة ومحسوبية وهي ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى تضافر الجميع لمحاربتها، وإغلاق نوافذها وتوعية المواطنين بآثارها السلبية. وقد جاء إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد من أجل هذه الغاية، وإن شاء الله تتبلور مهمة الهيئة بعد إقرار القانون الخاص بها.

الرأي: اضطرت الحكومة في الأشهر الأربعة الأخيرة إلى رفع أسعار المحروقات "المشتقات النفطية" بعد أن وصلت أسعارها العالمية إلى أرقام خيالية بات الدعم الحكومي لها ضاغطا على الميزانية، ما تسبب بالتالي في رفع معظم السلع والمواد في البلاد.. ماذا لدينا من خطط وطنية لمواجهة هذا الضغط المتواصل على الموازنة العامة وعجوزاتها؟ وهل هناك أية مبادرة للحد من ظاهرتي الفقر والبطالة؟

جلالة الملك: أنا أدرك تماما حجم الضغط الاقتصادي على الأسر الفقيرة جراء الارتفاع في أسعار المحروقات، وكل ما أسعى إليه هو حماية الفقراء وذوي الدخل المحدود وتأمين مصادر الدخل اللازم لهم، وقد أوعزت بإعداد قاعدة بيانات ومعلومات دقيقة واضحة ومحوسبة ومحدثة، يتم من خلالها التعرف على الأسر الفقيرة لإيصال الدعم لها من خلال الصناديق التي تقدم الدعم النقدي والعيني، كما بدأنا في الديوان الملكي بتوزيع المساعدات على الآلاف من الأسر المحتاجة وبشكل دوري، بالإضافة إلى تأمين هذه الأسر بوحدات سكنية من خلال مشاريع يشرف عليها الديوان الملكي بالتعاون مع الحكومة، وسيتم قريبا الإعلان عن مشروع لإقامة تجمعات سكنية في المحافظات لإسكان الأسر الفقيرة فيها. بالإضافة إلى ذلك وجهنا الحكومة لتوفير قطع أراضي من خزينة الدولة في شتى مناطق المملكة لإقامة مشاريع سكنية للآلاف من المواطنين غير المقتدرين. لكن الأمر الأهم في موضوع ارتفاع الأسعار، انه لا بد أن نواجه الحقائق، فهذا الارتفاع الهائل في أسعار النفط لم يؤثر علينا لوحدنا، بل امتد تأثيره على جميع دول العالم، وعليه فإننا أمام استحقاقات مهمة، فإما أن نحل مشاكلنا بأنفسنا، ونواجهها بالصبر والتصميم والعمل والإنجاز، وإما أن نصبح رهينة التأثيرات الاقتصادية الخارجية.. نحن نسير بكل ثقة على الطريق الصحيح، وما تحقق في الأردن من إنجازات خلال السنوات الخمس الماضية، هو محط إعجاب وتقدير الجميع. فالإحصاءات تشير إلى أن حجم الاستثمارات في القطاعات المختلفة بلغ لغاية هذا الشهر من العام الحالي حوالي المليار دينار، ومن المؤشرات الأخرى على أن اقتصادنا يسير على الطريق الصحيح، هو ارتفاع حجم احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في نهاية شهر تموز من العام الحالي نحو (5.1) مليار دولار. ما زال هناك تحديات وسنواجهها كما قلت بالعمل والإنجاز، وفي الأسابيع الماضية عندما اتخذت الحكومة قرارها الصعب برفع أسعار المحروقات كان شعبنا على قدر المسؤولية، وإعلامنا كان دوره متميزا في توضيح الحقائق أمام الشعب.

الرأي: كيف تنظرون إلى مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية؟

جلالة الملك: لقد كان للقطاع الخاص إسهاماته في دفع مسيرة التنمية بأبعادها المختلفة، وحقق قفزات نوعية كبيرة في هذا المجال، كما أسهم في إقامة مشروعات استثمارية مشتركة مع القطاع الخاص في العالم العربي، لكننا ما زلنا نتطلع إلى دور أكثر حيوية وفاعلية وشراكة حقيقية مع القطاع العام لتنفيذ المزيد من المشاريع التي توفر فرص العمل وتحد من الفقر والبطالة. الأردن أصبح وجهة للمستثمرين العرب، والحاجة تدعو على أن يبادر القطاع الخاص بجرأة وشجاعة لقيادة المسيرة التنموية.

الرأي: الأحزاب التي يزيد عددها عن الثلاثين تلقت خلال السنوات الماضية نصائح ورؤى سياسية تدعوها للاندماج لكنها لم تفعل. فهل تستمر عملية الإصلاح وفقا لرؤية جلالتكم أم ستبقى التنمية السياسية مرهونة للأمزجة الشخصية الفردية ولقوى الشد العكسي؟

جلالة الملك: عملية الإصلاح لا رجعة عنها، وهي نابعة من قناعتنا وإيماننا بأن شعبنا يستحق دائما الأفضل، وفي عالم اليوم لا يمكن أن نتوقف، ونغمض أعيننا، عما يجري من حولنا وفي العالم. لكن هذه العملية لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها، فهي عملية طويلة وتحتاج إلى جهود الجميع. فالإصلاح ليس قرارا حكوميا بل جهدا شعبيا جماعيا يرتكز في الأساس على القناعة بضرورة التغيير نحو الأفضل، وعندها يمكن الاستفادة من تجارب العالم المتقدم. والإصلاح ليس فيه فئة خاسرة وفئة رابحة بل الكل يجب أن يفوز. بالنسبة لموضوع الأحزاب، فلقد قلت عدة مرات أن تشرذم الأحزاب وتعددها ليس في صالح عملية الإصلاح، بل أنه أحد المعيقات الأساسية لها، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه لدينا ثلاثة إلى أربعة أحزاب قوية تمثل التيارات الفكرية الرئيسية في البلد، وتطرح برامج وطنية اقتصادية وسياسية واجتماعية من واقع الأردن وشعبه، أما أن يكون هناك أحزاب لها ارتباطات خارج الحدود، وتطرح هموم الآخرين قبل مصالح شعبنا، فهذا لا يمكن أن يسهم في تنمية وإثراء الحياة السياسية في الأردن، وهو أمر لا يمكن أن نقبل به أيضا.

الرأي: تعيش المنطقة حالة صعبة ومفتوحة على احتمالات عديدة في الملفين الفلسطيني والعراقي والأردن في كل الظروف متأثر ومؤثر بهما..ماذا يرى جلالة الملك في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة؟

جلالة الملك: القضية الفلسطينية على مفترق طرق هام، فإما أن يتجه الجميع نحو إيجاد حل عادل يرضي الأطراف كافة، وفي مقدمة ذلك تحقيق هدف قيام الدولة الفلسطينية، وإما أن نعود إلى المربع الأول. نحن متفائلون بأن يكون الانسحاب من غزة، الخطوة الأولى على طريق الانسحاب من الضفة الغربية ووفقا لخارطة الطريق. والمطلوب الآن من الفلسطينيين والإسرائيليين البناء على ما تم إنجازه، وأن يدرك الطرفان أن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر بالنسبة لهم. وأنا أدعو إخواننا الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم وينبذوا الفرقة والانقسام، فليس من مصلحة الشعب الفلسطيني الاقتتال الداخلي، والتنافس على السلطة.

وفي هذا الظرف الذي تمر به القضية الفلسطينية، يجب على الجميع أن يدعم ويساند السلطة الوطنية وتمكين قدراتها في بناء المؤسسات، وضبط الأمن والقضاء على الفلتان الأمني، فالعالم يراقب تجربة الفلسطينيين بعد الانسحاب من غزة، وسيكون جزء كبير في حكمه على طريقة تعامله مع الفلسطينيين، منطلقا من هذه التجربة التي لا بد أن تنجح بإذن الله، ليتسنى للمجتمع الدولي دعمهم ومساندتهم، ومطالبة إسرائيل باتخاذ خطوات أخرى للانسحاب من الضفة الغربية.

الرأي: أجريتم جلالتكم اتصالين هاتفيين مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، هل ترى جلالتكم أن الجانبين مستعدان لتهدئة الأجواء واتخاذ إجراءات جدية لبناء الثقة وبالتالي استئناف الحوار؟ وهل زيارتكم للأراضي الفلسطينية وإسرائيل باتت وشيكة؟

جلالة الملك: جاءت هذه الاتصالات استكمالا لما تم الاتفاق عليه مع الرئيس بوش ، فقد اتفقنا على أن أقوم بزيارة كل من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل للبحث مع القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية في السبل الكفيلة للإبقاء على الاتصالات قائمة بينهما، ومعرفة ماهية الخطوة القادمة بعد الانسحاب من غزة، لكن التوتر الأمني والصدامات والمواجهات التي حدثت مؤخرا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أدت إلى تأخير هذه الزيارة.. لكنني سأقوم قريبا بإتمامها خاصة بعد أن تمكنا وعبر اتصالات مكثفة جرت خلال الأيام الماضية مع المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين لإقناعهم بضرورة الالتقاء والتباحث حول المسائل العالقة.

الرأي: هل تعتقدون أن الولايات المتحدة ما زالت داعمة لعملية السلام؟.

جلالة الملك: في جميع لقاءاتي مع الرئيس بوش والمسؤولين في الإدارة الأمريكية كان التأكيد دائما بأن الولايات المتحدة ملتزمة برؤية الدولتين، دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش إلى جانب دولة إسرائيل، وفي اللقاء الأخير مع الرئيس الأمريكي تركز الحديث على البحث في كيفية دفع عملية السلام، وحث الفلسطينيين والإسرائيليين على إيجاد الأجواء الملائمة للإبقاء على خطوط الاتصال بينهما ومنع أي عمل يمكن أن يعيق العملية السلمية.

الرأي: زيارة جلالتكم الأخيرة للولايات المتحدة ولقاءاتكم مع الرئيس بوش وأركان الإدارة الأمريكية وقيادات الكونغرس والفكر والرأي العام ورجال الدين.. هل حققت النتائج التي تتوقعونها.. خاصة بعد أن قدتم جلالتكم حملة لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية؟

جلالة الملك: لقد قدنا خلال زيارتنا الأخيرة إلى الولايات المتحدة حملة استهدفت شرح الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل والمتسامح وأظهرت لقاءاتي مع القيادات الدينية والفكرية هناك تفهما وتقديرا لما نقوم به من جهود لتقريب وجهات النظر واطلاق حوارات بين اتباع الديانات السماوية الثلاث للتأكيد على القواسم الإنسانية العالمية المشتركة التي تعظم قيم التسامح والاعتدال والتعايش في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للأمن والسلام العالمي. وقد شكلت رسالة عمان والمؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد خلال شهر تموز الماضي في عمان قاعدة قوية للبناء عليها في هذا الاتجاه، وقد دعوت القيادات الدينية بالإضافة إلى الجاليات الإسلامية في أمريكا إلى الانضمام إلى جهودنا هذه وصولا إلى تلاقي الحضارات بدلا من تصادمها ومد جسور التفاهم بين الثقافات المختلفة.

وأود أن أشير هنا إلى أننا سنواصل جهودنا للدفاع عن الإسلام عبر لقاءات قادمة لي مع عدد من قادة العالم الإسلامي خلال جولة سأقوم بها قريبا إلى عدد من الدول الإسلامية تشمل كلا من إندونيسيا وماليزيا والباكستان، وربما تشمل دولا إسلامية أخرى لاحقا، لحث قادتها على الانضمام إلى هذه الحملة نصرة لديننا الحنيف.

الرأي: العراق يا جلالة الملك إلى أين يسير، ومن سيقرر مستقبل العراق، في ضوء الاتهامات بتدخل قوى إقليمية بشؤونه الداخلية؟

جلالة الملك: مستقبل العراق يعتمد على إرادة شعبه... العراقيون هم الذين يقررون مستقبل العراق، وهم اليوم أمام امتحان صعب، إنهم الأقدر على معرفة ماذا يريدون لمستقبل العراق. وأنا والحكومة أيضا على تواصل مستمر مع القيادات العراقية التي تمثل مختلف التيارات السياسية والفكرية والدينية في العراق، وهذه اللقاءات والاتصالات تهدف في الأساس إلى حث الجميع على التعاون وزيادة التلاحم بين أبناء الشعب الواحد لبناء عراق قوي موحد لكل أبنائه.

الرأي: يقترب موعد الاستفتاء العراقي على مسودة الدستور الدائم ويتصاعد الجدل على الساحة العراقية حول مسألة الفيدرالية وهوية العراق العربية. هل يبدي جلالة الملك تفاؤلا بإمكانية سير العملية السياسية في مسارها الصحيح؟

جلالة الملك: العراق يحتاج دعمنا جميعا، ولهذا كما قلت أجرينا اتصالات مع كل القوى السياسية وقادة الرأي العراقي، وخلال الأسبوعين الماضيين كان هناك اتصالات مع القيادات الكردية والسنية والشيعية، وكل هذه الاتصالات ترمي إلى أن يلتقي الجميع على توافق يؤدي إلى الخروج من الأزمة حول الدستور. الصحيح كان هناك بعض الإشكاليات حول المسودة الأولى للدستور، وأنا اطلعت على التعديلات التي أجريت مؤخرا مثل اعتبار العراق عضو مؤسس وفعال في الجامعة العربية وملتزم بميثاقها، كما هو جزء من العالم الإسلامي، وأيضا التعديل حول حظر محاكمة أعضاء حزب البعث المنحل الذين لم يكونوا من قياداته ولم يرتكبوا جرائم، وهم يتمتعون بالحماية والمساواة أمام القانون، وكذلك التعديل الذي نص على أن اللغتين العربية والكردية هما اللغتان المعتمدتان في منطقة كردستان. وهذه التعديلات لا شك أنها إيجابية وخطوة على تشجيع الأخوة السنة العرب على المشاركة في العملية السياسية وبناء العراق الحديث. وقد علمت أن هناك تعديلات يجري بحثها حاليا مع مختلف الفئات العراقية، يمكن أن تضاف إلى الدستور، وهي ستعمل على دفع العرب السنة على المشاركة. وأجريت مؤخرا عدة اتصالات مع القيادات الكردية وخاصة مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني من اجل دعم مطالب السنة في أن يضاف إلى الدستور مادة تقول أن العراق جزء من العالمين العربي والإسلامي. والاتصالات ما زالت مستمرة، وان شاء الله تنتصر في النهاية إرادة العراقيين ويتحقق الأمن والازدهار، فنحن على قناعة أن نجاح العراقيين في بناء وطنهم الموحد والقضاء على حالة الانفلات الأمني والإرهاب هو نجاح لنا وللمنطقة بأسرها.

الرأي: تعرضت العلاقات الأردنية العراقية لملابسات أثرت على عمقها وحيويتها للبلدين، فهل نستطيع القول أن الزيارات الرسمية الأخيرة المتبادلة بين البلدين هي بداية برنامج تصحيحي لهذه العلاقة.

جلالة الملك: العلاقات بيننا وبين العراق الآن تسير في الاتجاه الصحيح، وما جرى من سوء فهم كان سحابة صيف عابرة، التداخل المشترك بين الشعبين والمصالح المشتركة تفرض على البلدين أن يبقيا على تلاحم وتواصل مستمر، وهذا ما اتفقنا عليه مع المسؤولين العراقيين، ونحن نؤمن أن العراق هو عمقنا مثلما أن الأردن هو رئة العراق.

الرأي: كيف تصفون جلالتكم العلاقات التي تربط بين الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي؟

جلالة الملك: تربطنا بأشقائنا في دول الخليج العربي علاقات أخوية متينة وراسخة ونحن على اتصال وتشاور مستمر مع قادتها حيال مختلف القضايا التي تهمنا وصولا إلى تحقيق مصالحنا المشتركة والدفاع عن قضايا الأمة العربية والمحافظة على هويتها. كما إننا نعمل بشكل ثنائي للمضي قدما للبناء على هذه العلاقات وخاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية التي شهدت في المرحلة الأخيرة ازدهارا واضحا. ونعمل على تشجيع القطاع الخاص الأردني والخليجي لاقامة المزيد من المشاريع الاستثمارية المشتركة والاستفادة من البيئة الاستثمارية الجاذبة في المملكة.

الرأي: تتعرض سوريا للعديد من الضغوطات الدولية والإقليمية بما يثير مخاوف وهواجس دول الجوار. هل هناك من دور أردني أو عربي في احتواء ما قد ينشأ من ظروف متوترة محتملة؟.

جلالة الملك: سوريا بلد شقيق وعزيز علينا، وجار تربطنا به صلات أخوية قوية، ونأمل أن يتم احتواء الموقف، وأن لا تتعرض سوريا إلى مزيد من الضغوط، لقد كان موقفنا دائما ينطلق من أن الحلول الدبلوماسية هي الأساس لحل أي مشاكل عالقة بين الدول، والمنطقة لا تتحمل تصعيدا وتوترا جديدا.

الرأي: التقيتم جلالتكم خلال زيارتكم الأخيرة للولايات المتحدة مع الرئيس الإيراني احمد نجاد.. فكيف تقيمون مباحثاتكم.. وهل تعتقدون أن الرئيس نجاد قادر على حل مشكلة بلاده مع الغرب خاصة في ضوء التوجه نحو تحويل الملف النووي الإيراني إلى الأمم المتحدة؟

جلالة الملك: التقيت الرئيس الإيراني أحمد نجاد على هامش مشاركتي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان لقائي معه بناءا، اتفقنا على مزيد من التشاور والتنسيق لمصلحة البلدين، وحدثني عن موقف بلاده من أزمة الملف النووي، وأنا أرى أن لا نغلق باب الحوار في هذه المسألة أيضا، فقد يؤدي مزيد من الحوار وتبادل وجهات النظر بين إيران والغرب إلى مخرج يريح الجميع ويبعد المنطقة عن شبح أزمة أخرى أيضا. بالطبع نحن نرفض وجود أي أسلحة نووية في منطقة الشرق الأوسط، وندعو إلى جعل هذه المنطقة خالية تماما من السلاح النووي وكافة أسلحة الدمار الشامل، ونتمنى أن تكرس جهود الجميع للتنمية ورفاه المجتمع الإنساني.