مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة فرانس برس

١٠ نيسان ٢٠٠٧

فرانس برس: صاحب الجلالة، قرّر مؤتمر القمة العربي بالإجماع إعادة إطلاق مبادرة السلام العربية. هل يعني هذا أن دولاً مثل سوريا وفصائل مثل حماس ملتزمة بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل؟

جلالة الملك: لقد حظيت مبادرة السلام العربية بإجماع عربي، كان الأول في قمة بيروت عام 2002 والثاني في قمة الرياض عام 2007، وهو الأمر الذي يؤشرعلى جدية العرب ورغبتهم الحقيقية في الوصول إلى سلام عادل وشامل، يتيح لنا وللأجيال القادمة العيش بأجواء الأمن والاستقرار والسلام، وتمكين شعوب المنطقة بأسرها من بناء مستقبل أفضل. وإذا ما أردنا التوصل إلى سلام حقيقي وراسخ، فلا بد من التزام جميع الأطراف بما ورد في مبادرة السلام العربية والكرة هي الآن في المرمى الإسرائيلي .. أما بالنسبة لسوريا وحركة حماس، فلم نسمع أي اعتراض على ما تضمنته المبادرة وهذا يعني دعمهما لها.

فرانس برس: يتوقع أن يكون للأردن ومصر دور رئيسي في "فرق العمل" التي شكّلتها القمّة العربية لمتابعة مبادرة السلام العربية مع إسرائيل، ما هو التحرّك الأول الذي تتوقعون القيام به في هذا الاتجاه؟

جلالة الملك: من الطبيعي أن تكون هناك آليات تعمل على تفعيل مبادرة السلام العربية والإبقاء على الزخم الذي تحقق قبيل وأثناء القمة العربية في الرياض وبعدها. ونحن تحركنا ولا نزال نتحرك على كافة الأصعدة، للدفع بهذه المبادرة والترويج لها في مختلف المحافل الدولية.. وأعتقد أن هذا الأمر سيكون في صلب عمل اللجان وفرق العمل.. إننا على اتصال وتشاور مستمر مع القادة العرب والجامعة العربية لضمان أن تحقق المبادرة أهدافها والتي في حال نجاح تطبيقها، فإنها ستؤدي إلى تسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي، وحل القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع في المنطقة، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش بأمن إلى جانب إسرائيل.. وعلى الشعب الإسرائيلي أن يدرك تماما أن مبادرة السلام العربية تعبر عن الإرادة العربية الجماعية لبناء السلام الذي يضع حدا لسنوات طويلة من العنف والمعاناة.. كما أن عليهم أن يدركوا أيضا أن هذه الفرصة فرصة نادرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.. وقد آن الأوان لهم كي يعملوا على إقناع قادتهم بضرورة التحرك الفعلي باتجاه استئناف مفاوضات السلام وفق هذه المبادرة التي تشكل ضمانة حقيقية لترسيخ أمن واستقرار الجميع.

فرانس برس: رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت قال إن تحقيق السلام قد يكون ممكنا خلال خمس سنوات، هل تعتقد أن المنطقة يمكن أن تحتمل الوضع السائد فيها لهذه المدة الطويلة؟

جلالة الملك: إن السلام يمكن أن يتحقق إذا حسنت النوايا في وقت اقصر من ذلك بكثير، وأنا حذرت أكثر من مرة، من خطورة تبديد الفرص المتاحة لتحقيق السلام وترسيخ الاستقرار في المنطقة.. إن أي تعامل غير جاد لا يأخذ بعين الاعتبار انعكاسات استمرار الوضع الراهن الذي يسوده العنف، لا يمكن أن يكون في مصلحة أحد. لقد دعوت إسرائيل مرات عديدة إذا ما أرادت أن تكون جزء من المنطقة وشريكا في تحقيق آمال السلام، إلى مد يدها لأيدي العرب الممدودة للسلام... وبصراحة فإن الفرص الحالية قد لا تتكرر مستقبلا، فقد نكتشف بعد سنة أو سنتين أو أكثر بأن الواقع الجغرافي قد تغير، مما قد يؤدي إلى خلق واقع قد يحول دون قيام الدولة الفلسطينية التي يتطلع إليها الشعب الفلسطيني، خاصة في ضوء استمرار بناء المستوطنات والجدار العازل، وبالتالي ستكون الخسارة على الجميع وفي مقدمتهم إسرائيل.. إن من مصلحة إسرائيل أن تتبنى عرض السلام الذي قدمه العرب في المبادرة.. وإلا فإننا سنشهد المزيد من الدمار والفوضى والإحباط واليأس وهي عوامل تؤجج التطرف والعنف وتشكل حاضنة خصبة للإرهاب الذي يستهدف الجميع ولا يستثني أحدا. وهنا أؤكد أن على إسرائيل والدول الأوروبية والولايات المتحدة أن تدرك أن قضية فلسطين لا تهم الفلسطينيين فحسب بل هي اليوم وكما كانت على الدوام قضية تأسر عواطف كل المسلمين من اندونيسيا وحتى المغرب العربي، وعليه فإن على إسرائيل إذا أرادت أن تتعايش مع أكثر من مليار مسلم أن تنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية.

فرانس برس: عطفا على السؤال السابق جلالة الملك.. كيف تنظرون إلى عرض اولمرت، بعقد قمة تجمعه بعدد من القادة العرب لمناقشة "خطة السلام السعودية" حسب ما يقول؟

جلالة الملك: لا بد بداية من توضيح أننا لم نتلق لغاية الآن موقفا رسميا من الجانب الإسرائيلي، وكل ما سمعناه هو ما تناقلته وسائل الإعلام، ومن الأهمية بمكان هنا أن نكون واضحين ودقيقين تجاه استخدام الكلمات والعبارات. نحن نتحدث عن مبادرة سلام عربية اقرها القادة العرب في قمتهم ببيروت عام 2002 وجددوا بالإجماع الالتزام بكافة بنودها في قمة الرياض، وكما قلت آنفا يجب على الإسرائيليين التعامل مع المبادرة بجدية ووضوح يعكس توجههم نحو السلام والعيش في أجواء الأمن والاستقرار، وإذا حاد المسؤولون الإسرائيليون عن ذلك، فاعتقد أنهم لا يخدمون شعبهم ولا يسهمون في جهود تحقيق السلام ويبتعدون عن محور النزاع وجوهر القضية. المهم أن يستأنفوا الحوار ويعودوا إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين لحل كل القضايا العالقة بما يمهد الطريق إلى سلام حقيقي شامل ودائم بين إسرائيل وجيرانها العرب يؤدي إلى إقامة علاقات طبيعية بين الجانبين حسب ما ورد في المبادرة التي أؤمن أنها تشكل فرصة قد لا تتكرر للخروج من دوامة العنف والفوضى وإنهاء أساس الصراع في المنطقة.

فرانس برس: من الواضح أن إسرائيل تعارض عودة اللاجئين الفلسطينيين. كيف يمكن حلّ هذه القضية؟

جلالة الملك: لا يمكن بأي حال من الأحوال، التفكير بالوصول إلى سلام حقيقي، دون الأخذ بعين الاعتبار حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وهناك العديد من قرارات الشرعية الدولية التي عالجت هذه المشكلة.. وكما تعلمين فإن قضية اللاجئين الفلسطينيين من الموضوعات الحساسة والبالغة الأهمية وقد عالجها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ( 194) بتاريخ 11 /12 /1948 وأكدت عليه مبادرة السلام العربية حيث دعت إلى إيجاد حل توافقي عادل لهذه المسألة، يتفق عليه الطرفان دون أن يكون حلا مفروضا من قبل أي طرف.. إن التفاوض المباشر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على هذا الموضوع يشكل منطلقا مناسبا وملائما لإيجاد حل نهائي لقضية اللاجئين الفلسطينيين. المهم في الأمر كله أن تتعامل إسرائيل بجدية مع القضية الفلسطينية وتتجاوب مع جهود مساعي حلها حلا شاملا يكون هدفه الرئيس إنهاء الصراع وتحقيق السلام الدائم الذي تنعم به كافة شعوب المنطقة استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي توفر الإطار الأنسب لتحقيق هذه الأهداف مجتمعة والمتضمنة كذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل.

فرانس برس: إن كلا من خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية والرئيس العراقي جلال طالباني وصف الوجود الأمريكي في العراق بأنه احتلال، في الوقت الذي يدفع فيه الكونجرس الأمريكي باتجاه وضع جدول زمني للانسحاب. ما هو رأيكم في ذلك؟

جلالة الملك: المشكلة في موضوع العراق، أن العراقيين أنفسهم منقسمون ما بين مؤيد وداعم لوجود قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وبين رافض ومقاوم لها باعتبار ذلك احتلال، وبين فئات تحاول تخريب العملية السياسية والمصالحة الوطنية، وتعمل على تقويض وحدة العراق، من خلال ارتكاب أعمال إرهابية وقتل المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب العراقي.. والمهم في هذا الأمر هو معالجة الموقف المتأزم في العراق، فهناك تزايد خطير في حدة العنف والتوتر والاقتتال الطائفي الذي يحصد يوميا المئات من الأرواح، ولن يتم ذلك إلا من خلال الدفع باتجاه مساعدة العراقيين على تحقيق التوافق والمصالحة الوطنية، ومشاركة كافة أطياف ومكونات الشعب العراقي، في العملية السياسية، وتقديم مصلحة وحدة العراق، وسلامة أراضيه، ومستقبل شعبه على كل مصلحة ذاتية أو فئوية أو طائفية. إن الانسحاب دون جدول زمني ودون تهيئة الظروف الملائمة التي تضمن تعزيز دور الحكومة المركزية وتمكينها من إدارة شؤون البلاد، وضمان وجود قوات عراقية قادرة على توفير الأمن والاستقرار، فان هذا الانسحاب قد يعمق من المشكلة، ويسهم في زيادة حدة العنف والاقتتال بين العراقيين.

فرانس برس: ما هي إمكانية امتداد العنف الطائفي إلى دول أخرى في المنطقة؟.

جلالة الملك: الجميع يدرك اليوم "أنك إذا بدأت -لا سمح الله- نزاعا طائفيا فإنه من الصعب جدا جدا الانتهاء منه، وكل اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، يفهمون أن هذا النهج سيكون مدمرا للمنطقة بأسرها".

فرانس برس: لقد عملت المملكة العربية السعودية على فتح قناة للحوار مع إيران. هل تعتقد أنه يتوجب على الدول العربية الأخرى أن تقوم بالشيء ذاته؟ وهل يمكن أن يساعد هذا في إزالة التوتر في المنطقة؟.

جلالة الملك: قنوات الحوار ينبغي أن لا تكون مغلقة مع أي طرف كان.. ونحن نؤمن بأن الحوار البناء البعيد عن التعنت، هو السبيل للوصول إلى قواسم مشتركة للخروج بحلول لأية مشاكل تواجهنا.. والدول العربية لها اتصالاتها مع إيران التي نأمل أن تصب بمجملها بما يخدم المنطقة ومصالحها وتحقيق الاستقرار فيها. إننا كعرب نستطيع أن نبني علاقات قوية ومتينة مع جارتنا إيران، فما يربط بين الأمة العربية والشعب الإيراني أكثر مما يفرق بينهم. ونحن نسعى إلى علاقات تفاهم واحترام متبادل بعيدا عن أساليب الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.

فرانس برس: صاحب الجلالة، تحدثت عن تطلّع الأردن إلى استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية، والسيد محمد البرادعي سيأتي إلى عمّان. ما الذي تأمل تحقيقه؟

جلالة الملك: الأردن منذ سنوات ونتيجة الأعباء التي يفرضها استيراد الطاقة من الخارج، يبحث عن مصادر بديلة، تساعدنا في مواجهة الارتفاع المتزايد في أسعار المحروقات.. ونحن في الأردن وفي ضوء ما نواجهه من تحديات، نجد أن الوقت قد حان كغيرنا من الدول للاستفادة من نقل وتوطين تكنولوجيا الطاقة النووية كبديل لاستخدامات النفط المستورد في توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه.. التي تساعدنا في تلبية احتياجاتنا من الطاقة. إن مساعينا للحصول على الطاقة النووية مرتبط باحترامنا للمواقف الدولية الناظمة للاستخدام السلمي للطاقة النووية ما يتطلب تنسيقا مباشرا مع المؤسسات الدولية المعنية بتنظيم استخدام الطاقة النووية. وسنناقش هذه المسألة مع السيد محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي سيزور الأردن خلال الأسبوع القادم.

فرانس برس: رافق إسماعيل هنية الرئيس عبّاس عند قيام الرئيس عبّاس بزيارتكم أثناء انعقاد القمة. كيف تصف علاقات الأردن مع حماس؟

جلالة الملك: نحن ندعم ونساند خيارات الشعب الفلسطيني الشقيق، ونؤكد باستمرار دعمنا لجهود السلطة الوطنية الفلسطينية للمحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني، والعمل من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وهنا أود التأكيد أن تعامل الأردن يكون دائما عبر المؤسسات والحكومات وليس عبر الفصائل والقوى السياسية. فعندما كانت فتح في السلطة، لم نكن نتعامل معها كحركة بل كان التعامل يتم من خلال مؤسسات تمثل الجميع. وما يهمنا في المحصلة أن نرى لدى أي قيادة فلسطينية برنامجا يسعى لإقامة دولة فلسطينية بناء على مبادرة السلام العربية وأطر العملية السلمية والشرعية الدولية.