مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الأهرام المصرية

٩ أيار ٢٠٠٧

الأهرام: كلفت جامعة الدول العربية في الاجتماع الأخير للجنة مبادرة السلام يوم 18 ابريل الماضي كل من مصر والأردن بشرح مبادرة السلام العربية وتسهيل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. ما هي خطة تحرك جلالة الملك في المرحلة المقبلة لتحقيق هذا الهدف؟ وكيف يتم التنسيق مع القيادة المصرية في هذا المجال؟

جلالة الملك: أود بداية أن أشير إلى أن مبادرة السلام العربية تعد فرصة لتحقيق السلام في المنطقة وإنهاء عقود من العنف والمعاناة عاشتها شعوب الشرق الأوسط، خاصة الشعب الفلسطيني. وكما قلت مرارا في الآونة الأخيرة، يجب على مختلف الأطراف أن تتعامل مع المبادرة بكل جدية وبالذات الجانب الإسرائيلي، فهذه المبادرة تعكس رغبة العرب الحقيقية في التوصل إلى سلام يعيد الحقوق العربية المشروعة ويؤمن لإسرائيل العيش بأمن واستقرار مع جيرانها في المنطقة. ونحن منذ البداية على اتصال مستمر ومتواصل مع الأخ الرئيس محمد حسني مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والقادة العرب لحشد الدعم للمبادرة وشرح أبعادها والترويج لها في أوساط المجتمع الدولي وداخل المجتمع الإسرائيلي ليساهموا بدورهم في التأثير على القيادات والمسؤولين الإسرائيليين والقوى الفاعلة في ذلك المجتمع وتأمين مساندتهم للمبادرة وما تكفله من سلام حقيقي ومستقبل آمن لشعوب المنطقة بما في ذلك الشعب الإسرائيلي. صحيح أن التحديات كبيرة والعقبات كثيرة لكن بالتوجه المخلص والنوايا الحسنة والعمل الجاد والسريع نستطيع أن نتجاوز كل العراقيل والصعوبات نحو تحقيق تسوية سياسية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي وجوهره المتمثل بالقضية الفلسطينية التي كانت وما زالت قضية العرب الأولى. وهنا أود التأكيد على أهمية استثمار الوقت في هذه المرحلة لأن الواقع الجغرافي على الأرض الفلسطينية وما تقوم به إسرائيل من توسع في بناء المستوطنات والجدار العازل يهدد بإضاعة الفرصة التاريخية التي تقدمها المبادرة العربية في إحلال السلام. وأخشى إن لم نتحرك سريعا، أن لا نجد ما نتفاوض عليه بعد أن تكمل إسرائيل مخططاتها. ومع كل هذا، سنستمر في المرحلة المقبلة بالتنسيق والتشاور مع إخواننا العرب وكافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لضمان ترجمة الزخم السياسي التي توفره المبادرة العربية إلى واقع ملموس على الأرض.

الأهرام: بعد يوم واحد من قرار لجنة مبادرة السلام العربية وتكليف مصر والأردن بتسهيل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، استقبلتم رئيسة البرلمان الإسرائيلي داليا يتسيك وعشرة من أعضاء الكنيست، لكن التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في اليوم التالي خرجت تقول أنكم ستقومون بزيارة لإسرائيل الشهر المقبل لمخاطبة الكنيست وأنكم تتحدثون عن إمكانية دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين بدلا من التمسك بحق العودة ونقلت عنكم قولكم لأعضاء الكنيست "نحن معكم في مركب واحد نواجه نفس الأعداء" ورغم النفي الأردني لهذه الأنباء وردود الأفعال الفلسطينية الغاضبة التي صاحبتها، إلا أننا نريد توضيحا من جلالتكم لملابسات هذه الأنباء وكيف تم تضخيمها بهذه الصورة، خاصة وأن الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية ناصر جودة أعلن أن هناك إجراءات معينة سيتم اتخاذها مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي نشرت هذه الأخبار؟

جلالة الملك:لم نفاجأ بهذه التعليقات التي لا أساس لها من الصحة تماما. لقد تعودنا أن تخرج علينا مثل هذه الأقاويل بين فترة وأخرى للتشويش وعرقلة ما نقوم به من جهود لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وهذا ما حدث بعد أن ألقيت خطابي أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي في السابع من آذار الماضي. لكن ما فاجأني وفاجأ شعبنا أن تتبنى وسائل إعلام عربية رواية الصحيفة الإسرائيلية دون التحقق من مصادر أردنية. وهنا أود التأكيد أن هذا الأمر لن يثنينا عن مواصلة دورنا وجهودنا للتوصل إلى السلام العادل والشامل في المنطقة. وما أود توضيحه اليوم أيضا هو أن موضوع اللاجئين يعد قضية مهمة للشعب الفلسطيني ولنا أيضا، حيث يستضيف الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين، ومعظمهم يتمتع بالجنسية الأردنية التي لا تلغي ولا تنتقص أي حق من حقوق اللاجئين في العودة والتعويض. نحن الأصلب في موقفنا تجاه حق العودة للاجئين من غيرنا.. وهذه القضية ليست ملكي ولا ملك أحد لكي نتصرف بها، بل هي قضية تعالج وفق قرارات الشرعية الدولية. لكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن مبادرة السلام نصت في بنودها على التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

أما بخصوص قيامي بزيارة لإسرائيل، فأود أن أبين أنه تم توجيه الدعوة لي للقيام بهذه الزيارة منذ فترة وإذا وجدنا في هذه الزيارة فرصة لإحداث تقدم في عملية السلام وخدمة قضية الشعب الفلسطيني، الذي يواجه أعتى حصار وظلم عرفه التاريخ، فسندرس القيام بها في حينه.

الأهرام: أثير مؤخرا موضوع الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين.. هل هناك أي تغيير على الموقف الأردني في هذا الموضوع؟

جلالة الملك: موقفنا ثابت ولن يتغير.. والخوض في موضوع الكونفدرالية أو الفيدرالية، قبل قيام الدولة الفلسطينية هو أمر سابق لأوانه، ولا نريد الحديث حوله.. وشكل العلاقة الرسمية الأردنية الفلسطينية في المستقبل، أمر يقرره الشعبان الأردني والفلسطيني بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. المهم بالنسبة لنا في هذه المرحلة هو العمل من أجل إطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن تشكل هذه المفاوضات خطوة على طريق الحل الذي يفضي إلى حل الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على الأرض الفلسطينية تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.

الأهرام: أكدتم جلالتكم لرئيسة البرلمان الإسرائيلي أن مبادرة السلام العربية فرصة تاريخية على إسرائيل آلا تضيعها وعلى ضرورة أن يتخذ الفلسطينيون والإسرائيليون خلال الفترة القادمة خطوات عملية تعزز من أجواء الثقة بينهما. ما هي أهم الإجراءات التي ينبغي على كل طرف اتخاذها حسب أولوياتها من وجهة نظركم؟ وما هي رؤية جلالتكم للرأي الذي يقول إن حكومة إسرائيل الحالية ضعيفة جدا لدرجة لا تستطيع معها إقامة اتفاق سلام مع الدول العربية خاصة وأن الفساد يلف أعضاءها؟

جلالة الملك: نعم إنني أؤمن بشكل قاطع أن المبادرة تعد فرصة تاريخية يجب عدم إضاعتها لأن الجميع سيدفع الثمن. ففي هذه المبادرة تكمن إرادة عربية كاملة ومتجددة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي سلميا وبشكل عادل، وعلى الإسرائيليين والفلسطينيين استغلال هذه الفرصة بسرعة لان المنطقة تواجه مخاطر هائلة، فالتأثير المتعاظم للصراع في ازدياد ووجود لاعبين عديدين يسهم في تعقيد القضية وتشعبها، إضافة إلى تغلغل التطرف في المنطقة، وكل ذلك عوامل من شأنها أن تكون محفزة للتوصل إلى حل شامل وإلا فالمنطقة كلها ستواجه كارثة لن تقتصر على دولة بعينها. وأخشى أن نندم جميعا على سلام يضيع في وقت كان تحقيقه مستطاعا. أما عند الحديث عن الوضع الداخلي الإسرائيلي ومدى قابلية الحكومة الإسرائيلية على المضي قدما في عملية السلام، فانا اعتقد جازما أننا لا نملك ترف التسويف والانتظار وظهور طرف أقوى من طرف وقوى مؤثرة أكثر من أخرى وكما أسلفت، يجب أن يرتفع صوت المعتدلين والمؤمنين بالسلام عاليا في مواجهة قوى التقوقع والتطرف. لقد مر أربعون عاما على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. فماذا كانت النتيجة؟ لم تتمكن إسرائيل من توفير الأمن لشعبها ولأطفالها ولم تنكسر جذوة النضال لدى الشعب الفلسطيني، ولا مثابرتهم على الاستقلال والحرية. فهل تريد إسرائيل أن تعيش عقودا أخرى في ظل هذه الظروف.

الأهرام: أكدتم جلالتكم في خطابكم أمام الكونغرس الأمريكي خلال زيارتكم الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في مارس الماضي، أنه يتعين على واشنطن الدفع بثقلها وراء تحرك عاجل لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وحذرتم من أن الأزمة تدور بشكل أسرع. فما هو تقييمكم للدور الأمريكي بالمنطقة في هذه المرحلة، وكيف يمكن زيادة فعاليته مستقبلا؟

جلالة الملك: الظروف الصعبة والأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، باتت تفرض على الجميع سرعة التحرك لوقف التدهور في الأوضاع، التي ستؤدي في حال استمرارها - لا قدر الله - إلى نهايات مظلمة ومؤلمة وإلى أن يدفع الجميع في هذه المنطقة الثمن. ومن ناحية ثانية، ولقناعتنا وإيماننا بأن الحل الشامل والدائم للقضية الفلسطينية هو الجوهر الذي يساهم في إيجاد حلول لكافة القضايا الأخرى التي تواجه المنطقة، فقد انصبت جهودنا خلال السنوات الماضية مع الإدارة الأمريكية على ضرورة تفعيل دورها في عملية السلام، وممارسة تأثيرها على كافة الأطراف لحثها على المضي قدما بعملية السلام، واتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع بشكل أكبر وأعمق، والولايات المتحدة الأمريكية، أكدت مرارا أنها ملتزمة بعملية السلام، وهذه الإدارة الأمريكية بالذات أكدت على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين. وإذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن انتصار لها في المنطقة، فهو يكمن في حل جوهر الصراع في المنطقة وهي القضية الفلسطينية. إن الفرص التي ضاعت في السابق قد أوصلت المنطقة برمتها إلى هذا الوضع المتردي من العراق وحتى أفغانستان وهذا مؤشر حقيقي على ضرورة عدم إضاعة أية فرص متاحة حاليا حتى لا نعود دوما إلى نقطة الصفر، بعد أن يكون الثمن الذي دفعناه باهظا. وهنا أود التأكيد على أن الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى في العالم تتحمل مسؤولية أخلاقية كبرى تجاه إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى أن إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، سيكون البداية لمعالجة الأزمات الأخرى في المنطقة، وهذا في اعتقادي، يصب في مصلحة السلم والاستقرار العالميين.

الأهرام: منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أواخر أيلول 2000، وهناك تعثر دائم في جهود عملية السلام، ولم تنجح جهود اللجنة الرباعية الدولية المختصة بالسلام في الشرق الأوسط المكونة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا في تحريك الأمور. فما هي قيود وعقبات عمل هذه اللجنة؟ وهل هناك جدوى من استمرار عملها لتحريك عملية السلام؟ وما هي فرص التنسيق بينها وبين اللجنة الرباعية العربية (مصر، الأردن، السعودية والإمارات)؟

جلالة الملك: اعتقد أن اللجنة الرباعية تشكل آلية مهمة فهي تمثل الأطراف الدولية المؤثرة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، واستمرار عملها وتفعيل دورها ضروري ومهم للغاية للمساعدة والمساهمة في دفع جهود السلام وإعادة إطلاق العملية السلمية وتذليل العقبات التي تقف أمام تحقيق أهدافها. والاهم من ذلك أن اللجنة الرباعية توفر الزخم الدولي المطلوب لدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاتخاذ إجراءات عملية لبناء الثقة والتمهيد لإطلاق العملية من جديد وفق الأسس والمعايير والقرارات الدولية ذات الصلة. أما بالنسبة للتنسيق بين الرباعية الدولية وما بات يعرف بالرباعية العربية، فأنا حقيقة لا أميل إلى هذه التسمية، بل أود أن أطلق عليها تسمية مجموعة الدول العربية الهادفة لتحريك عملية السلام التي تضم، بالإضافة للأردن والسعودية ومصر ودولة الأمارات العربية، أيضا عدة دول عربية أخرى. والمهم في الأمر أن هناك فرصة لتفعيل التنسيق بين الرباعية الدولية والمجموعة العربية والإسهام بشكل فاعل في دفع عملية السلام إلى الأمام. إن التنسيق قائم بين المجموعتين لتحقيق هذه الغاية وهو ضروري إذا أردنا التوصل إلى نتائج عملية وملموسة. ولقد لمسنا من خلال هذا التنسيق إحراز تقدم في إعطاء الزخم للجهود الدولية للنظر إلى القضية الفلسطينية كقضية جوهرية ومركزية في الصراع العربي الإسرائيلي.

الأهرام: بعد مرور أربعة أعوام على دخول القوات الأجنبية إلى بغداد، تزداد الأزمة العراقية سوءا يوما بعد يوم. كيف تنظرون إلى تطورات هذه الأزمة على ضوء زيادة أعداد القتلى يوميا وحمامات الدم التي تسيل في العراق؟ وما هو تقييمكم لمؤتمر العراق الذي عقد في شرم الشيخ أوائل الشهر الحالي؟ وكيف يمكن أن يكون المؤتمر قد حقق النتائج المرجوة من وجهة نظركم؟

جلالة الملك: لطالما حذرنا من تصاعد وتيرة الأزمة التي يشهدها العراق حاليا، والتي يدفع ثمنها أبناء الشعب العراقي والتي يسهم تدخل أطراف خارجية فيها في تغذية الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، ودفع العراق إلى حافة حرب أهلية، تمتد آثارها إلى كل الدول المجاورة، وتؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي. وفي كل تحركاتنا، فإننا نحاول ما استطعنا التنبيه من الأخطار المستقبلية لما يشهده العراق اليوم من قتل وعنف وتدمير. لقد ساندنا ودعمنا كل المؤتمرات التي عقدت سابقا حول العراق والرامية للحفاظ على وحدة العراق وأمنه واستقراره. ونأمل أن يكون مؤتمر شرم الشيخ قد حقق نتائج تساهم في التخلص من الأزمة العنيفة التي يمر بها الشعب العراقي والتوجه نحو إعادة بنائه وترسيخ الاستقرار في بلدهم. إن ما اتفق على تسميته في مؤتمر شرم الشيخ "وثيقة العهد الدولي" تشكل خطوة مهمة لمساندة العراق وإنهاء التدخل في شؤونه وإجراء مصالحة وطنية توقف حالة التشرذم التي يشهدها العراق. لكن لا بد هنا من التأكيد على أن العراقيين أنفسهم هم الأقدر على معرفة مصلحة بلدهم شريطة توحيد صفوفهم والوقوف ضد الأصوات التي تعلو هنا وهناك لإثارة الفتن الطائفية وتأجيج حالة العنف والاقتتال.

الأهرام: تقدر عدة جهات دولية أن عدد اللاجئين العراقيين في دول الجوار بنحو المليونين، منهم ما يزيد على 700 ألف عراقي في المملكة الأردنية الهاشمية وحدها. إلى أي مدى يمثل هؤلاء اللاجئون مشكلة بالنسبة للأردن؟ وما هي الحلول الممكنة لمعالجتها سواء في الأردن أو في الدول الأخرى المجاورة؟

جلالة الملك: الأردن كان دوما وملاذا لإخوانه العرب، والعراقيون في الأردن هم بين أهلهم وأشقائهم جاؤوا إلينا بحكم الظروف القاسية والصعبة التي يمر بها بلدهم ونحن قدمنا لهم كافة التسهيلات التي توفر لهم الحياة الكريمة. ولكن أكثر ما بتنا نخشاه في هذه المرحلة هو أن نشهد تدفق أعداد كبيرة من أبناء الشعب العراقي إلى الأردن، مما سيشكل أعباء إضافية علينا، خاصة وأن إمكانياتنا محدودة. إن على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية أن تتحمل مسؤولياتها، وتدفع باتجاه توفير المساعدات اللازمة للدول التي تستضيف العراقيين، وتمكينها من توفير الرعاية لهم حتى تستقر الأمور في بلدهم ويتمكنوا من العودة. إن مشكلة هجرة وهروب العراقيين من وطنهم هي مسؤولية قوات التحالف والحكومة العراقية، الذين يتولون حفظ الأمن وحماية المدنيين في العراق، وعليهم أن يعملوا على حماية أرواح وممتلكات العراقيين ووقف حد للعمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة، مما يؤدي إلى لجوء العراقيين إلى الدول المجاورة بحثا عن الآمان. إن أمن العراق واستقراره هو مصلحة أردنية وعربية، مثلما هو مصلحة عراقية، ونحن حريصون على دعم أشقائنا العراقيين لبناء العراق الأمن المستقر الموحد.

الأهرام: الإرهاب ظاهرة عالمية ويزداد انتشارها في المنطقة العربية. وقد شاهدتم ما حدث مؤخرا في الجزائر والدار البيضاء، كما أن بلادكم عانت كغيرها من هذه الآفة الخطيرة، ولا ننسى تفجيرات عمان في نوفمبر 2005 التي استهدفت "3" فنادق وأودت بحياة "60" شخصا وأصابت أكثر من "100" آخرين وقد أكدتم أن الأردن لن يتراجع عن سياسة مكافحة الإرهاب، ودعوتم إلى إستراتيجية دولية لمكافحته. فما هي الإجراءات التي تتبعها الحكومة الأردنية لعدم تكرار مثل هذه الأحداث مرة أخرى؟ وما هو السبيل لتلبية دعوة الرئيس حسني مبارك لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب؟

جلالة الملك: بداية نحن مع كل جهد عربي أو إقليمي أو دولي يصب في التصدي لخطر الإرهاب الذي بات يهدد الجميع وندعم في هذا السياق دعوة الأخ الرئيس مبارك لعقد مؤتمر دولي يعالج الإرهاب ويضع آليات ناجعة وعملية لمكافحته ووقف انتشاره، لأننا ندرك تماما مخاطر الإرهاب والفكر الإرهابي التكفيري الذي استهدفنا واستهدف أمننا وراح ضحية له عدد كبير من المواطنين الأبرياء، كما ندرك أن التصدي لهذا الخطر واستئصاله هو في التوحد والتماسك على امتداد ساحة الوطن العربي والإسلامي. فهذا الوعي هو السلاح الذي يمكننا من إفشال مخططات الإرهابيين الذين يسعون إلى جعل الدول العربية ساحة للفوضى والتدخلات الأجنبية. ومن هنا جاءت رسالة عمان التي أطلقها الأردن في العام 2004 لتؤكد على القيم النبيلة للدين الإسلامي، والقائمة على السلام والمحبة والتسامح وقبول الأخر، وفضح زيف إدعاءات الإرهابيين الذي يتسترون وراء الدين لتنفيذ مخططاتهم وهو منهم براء.

الأهرام: العلاقات بين مصر والأردن تعد نموذجا مثاليا سواء على مستوى القيادة السياسية أو المستوى الشعبي. كيف تنظرون إلى التعاون الثنائي بين البلدين على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية على ضوء ما تردد حول إغلاق وزارة العمل الأردنية باب استقدام العمالة المصرية مؤقتا؟

جلالة الملك: العلاقات التي تربطنا مع الأشقاء في جمهورية مصر العربية، علاقات متينة وراسخة، ولها جذورها القوميّة المبدئيّة والثّابتة. والتعاون والتنسيق الثنائي بين البلدين في تطوّر نوعي مستمر وقد وصلنا إلى مرحلة متقدّمة من التعاون الثنائي ظهرت - برأيي- في مدى الانسجام والاتفاق بين البلدين حول العديد من القضايا العربيّة الإقليميّة وبشكل الخاص القضيّة الفلسطينية، وتوظيف علاقات الدوليتين - مصر والأردن - مع المجتمع الدولي، لما فيه مصلحة القضيّة الفلسطينية ومجمل القضايا العربيّة.

أما في المجال الاقتصادي، فهناك العديد من المشاريع الاقتصاديّة بين الدولتين تدلل على نضوج التعاون الاقتصادي الثنائي، فمشاريع الربط الكهربائي، ونقل الغاز وغيرها كلها مؤشرات اقتصادية إيجابيّة، ودليل على إمكانيّة تطوير العلاقات والتعاون الاقتصادي بين البلدين نحو آفاق جديدة.

وبخصوص ما أشرت إليه حول استقدام العمالة المصريّة فهو أمر تنظيمي واعتقد انه لمصلحة العمال المصريين وهو مرتبط بواقع سوق العمل الأردني ومتطلباته، والضغوطات التي يواجهها وخاصّة تلك المتعلّقة بالزيادة المطّردة في أعداد طالبي العمل مما يستدعي استحداث إجراءات تنظّم نسبة العمالة الوافدة إلى الأردن مقابل العمالة الوطنية. ولم يكن المقصود بهذا الإجراء التنظيمي أي عمالة عربيّة بعينها، وإنما مراعاة مصلحة العمالة الوطنيّة، وقد ارتأت الحكومة والأجهزة التنفيذية أن هذا الترتيب هو الأنسب، وتم بالتنسيق مع الأخوة في مصر.

الأهرام: التعاون العربي - العربي.. يتحدث الكثيرون عن بناء نظام عربي جديد.. هل لدى جلالة الملك أفكار لدعم التعاون العربي اقتصاديا وسياسيا؟

جلالة الملك: أفكارنا حول التعاون العربي- العربي ترتكز على أساسيّات وقواعد العمل العربي الرّاسخة، والتي تضمّها العديد من المواثيق والأطر العربيّة القائمة. ولكننا بحاجة إلى دفعة جديدة في مجال التعاون العربي- العربي تثبت لشعوبنا أن القيادات العربيّة حريصة على التأسيس لجسم عربي متعاون صلب، وأرضية الانطلاق الأنسب هي جامعة الدول العربيّة، فهي قادرة بتاريخها وما تتحلى به من إجماع على أن تمثّل مظلّة تنظيمية ينبثق عنها العديد من الأجهزة التنفيذيّة والمتخصّصة كأجهزة تعنى بتنظيم قطاع الطّاقة، خاصّة وأن بعض الدول العربيّة يطمح لاستخدام سلمي للطاقة النووية. أيضاً لا بد من وجود أجهزة عربيّة تنفيذية متخصّصة تعنى بتنظيم قطاع التعليم، الذي يتطلّب تنظيمه المحافظة على قواسم مشتركة في مناهجنا التعليمية العربيّة تضمن بثّ روح الانسجام والحس الجماعي العربي بين الشباب العرب. إننا نمر بالعديد من التحديات والمتعلقة، على سبيل المثال بالقضية الفلسطينية والوضع في العراق ودارفور والصومال، وبالتالي فإن وجود جامعة عربية قوية سيساعد جميع الدول العربية في التصدي لهذه التحديات والمساهمة في بناء مستقبل واعد للعالم العربي. وقد ساند الأردن الاقتراح الذي تقدمت به دولة الكويت الشقيقة خلال قمة الرياض الأخيرة، لعقد قمة عربية اقتصادية، لمناقشة التعاون الاقتصادي العربي. كما أننا طالبنا من خلال المنتديات المختلفة، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، في أن يكون التعاون العربي بين ممثلي القطاع الخاص في مختلف الدول العربية هو الأساس.

الأهرام: جلالة الملك.. ثمان سنوات مرت على تولي جلالتكم للحكم في ظل ظروف صعبة يمر بها الأردن والمنطقة العربية.. نريد أن تحدثنا عن تجربتكم.

جلالة الملك: لقد كان شعاري الذاتي خلال هذه الفترة: البناء على المنجزات والاستمراريّة في التطوير والتحديث.. فبفضل عطاء الشعب الأردني المخلص ورؤية والدي المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، توفّرت لنا مجموعة من الانجازات والمؤسسات الكفؤة والمنتجة، ولكن مسؤوليّة الأمانة في القيادة والواجب التاريخي الذي نذرنا أنفسنا له كأسرة هاشميّة دفعتني وتدفعني لتطوير ما هو متوفّر والبناء عليه. وقد شهد الأردن بحمد من الله وبعزيمة الأردنيين تقدّماً ملحوظاً ومبشّراً في العديد من القطاعات الاقتصاديّة والتنمويّة، والسياسية أيضاً.

فالمؤشرات الاقتصادية التي تدل على معدلات نمو إيجابية، والاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية وزيادة الصادرات الوطنية، وتطوّر القطاع الصناعي كلّها تؤكّد عافية اقتصادنا الوطني. وفي المجال التنموي البعيد والقصير المدى اعتمدنا خطط تنمويّة شموليّة تستهدف تنشيط مناطق جغرافيّة معيّنة اقتصاديّاً بهدف إيجاد اقتصاد وطني متكامل، والتجارب في كل من العقبة والمفرق وحديثاً إربد مبشّرة في هذا الاتجاه. وفي السّاحة السياسية، فإننا حريصون على الالتزام بالديمقراطية كنهج لمؤسساتنا الدستوريّة، والتزامنا بإجراء الانتخابات النيابيّة والبلديّة في مواعيدها الدستوريّة والقانونيّة بالرّغم من صعوبة الظروف الإقليمية دليل على صدقيّة هذا الالتزام. ولكن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الأردن في مسيرته هو التوتّرات الإقليميّة المحيطة والتي تهدد الأردن والعديد من الدول المحيطة والعديد من الدول العربيّة أيضاً، وهذا يتطلّب وعياً ودراية منا جميعا، لتفويت فرص التعرّض للمنجزات الوطنية أو تعطيل مسيرة البناء والتحديث.

الأهرام: بعد قصة مصادرة شريط مقابلة الأمير الحسن الذي أجرته قناة الجزيرة القطرية، ما هي خلفية هذه القضية وهل هناك أي اتصالات مع عمكم الأمير الحسن بن طلال.. وهل هناك أي تشاور بينكم حول أية قضايا سواء كانت داخلية أو خارجية؟

جلالة الملك: القضية ضخمت أكثر من اللازم، واعتقد أنها استحوذت على قدر كبير من الاهتمام لأنه من غير المعتاد أن تقوم الجهات الأردنية المسؤولة باتخاذ مثل هذا الإجراء ضد مؤسسات إعلامية. اعتقد أن بعض الجهات استغلت هذه المسألة، وربما أن سمو الأمير الحسن، غاب عنه أثناء إجراء هذه المقابلة، أن هذه التصريحات، قد تضر بمصالح الأردن وعلاقاته مع بعض الدول العربية. أود أن أؤكد مرة ثانية أن بعض وسائل الإعلام استغلت أجواء الانفتاح الإعلامي في الأردن لإثارة مثل هذه المشكلة. التي كان من الممكن أن تعالج دون هذه الضجة الكبيرة. إن الأردن ملتزم بحرية الصحافة وتسهيل مهمتها، وهناك العديد من القوانين والأنظمة الناظمة للإعلام مثل قانون المطبوعات والنشر الجديد وقانون حق الحصول على المعلومات الذي أقره مجلس النواب مؤخرا. نحن نؤمن بان الإعلام يلعب دورا مهما محليا وإقليميا وهو شريك في التنمية الاقتصادية والسياسية وقادر على تقوية تعزيز التعاون العربي - العربي. واعتقد أن الجمهور العربي يتوقع من الإعلام أن يقدم له أخبار ومعلومات وتحاليل تساعد على تحقيق هذه الأهداف.

الأهرام: جلالة الملك يستضيف الأردن خلال الأسبوعين القادمين المنتدى الاقتصادي العالمي وقمة الدول الإحدى عشرة ومؤتمر الحائزين على جائزة نوبل، ما هي أهمية هذه المؤتمرات في تعزيز التنمية الاقتصادية والأمن والاستقرار في المنطقة؟

جلالة الملك: في الحقيقة نعول كثيرا على مثل هذه المؤتمرات في تقوية عرى التعاون وتعزيزه بين دول المنطقة وبين باقي دول العالم. ونحن نؤمن بأن هذه المؤتمرات والموضوعات العديدة التي ستناقشها لها أهمية قصوى في إيجاد آليات عملية لمعالجة تحديات اقتصادية وتنموية وسياسية واجتماعية. كما إننا نحرص على استثمار هذا الحضور الدولي الواسع، الذي يمثل قيادات سياسية واقتصادية وعلمية، لها حضورها الفاعل، للاستمرار في جهدنا لحشد التأييد للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي باتت تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم ومساندة كافة الدول والقوى المؤثرة في العالم، التي تؤمن بأن السلام هو الطريق الوحيد، لترسيخ الأمن والاستقرار، وتحقيق المستقبل الأفضل لشعوب ظلت على مدى سنوات طويلة تعاني من ويلات العنف الحروب.

الأهرام: كيف تنظرون الى العلاقات الأردنية - المصرية؟

جلالة الملك:العلاقات بين البلدين متميزة وقوية، وأنا مرتاح وسعيد للمستوى الذي وصلت إليه هذه العلاقات. واقتصاديا هناك ازدياد في الاستثمارات وفي حجم المشاريع التي يقيمها القطاع الخاص في البلدين. وعلاقتي بالرئيس مبارك علاقة قوية، تعود إلى أيام والدي المغفور له الملك الحسين بن طلال..ولدى البلدين نفس التحديات سياسيا.. والتعاون فيما بيننا متواصل على مختلف المستويات.. خاصة وأننا والإخوة المصريين أقرب الناس بالنسبة للقضية الفلسطينية.. وأمامنا اليوم فرصة للحركة ومساعدة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على الالتزام بعملية السلام.. ومصر والأردن يلعبان دورا مهما على الصعيد العربي والإسلامي في هذا الشأن وهناك تنسيق وتشاور دائم مستمر بيننا.

الأهرام: سألت مواطنا أردنيا عن السؤال الذي يريد أن يسأله لجلالة الملك، فقال لي ارتفاع الأسعار؟

جلالة الملك: الموضوع حاضر في ذهني وأنا أدرك موضوع ارتفاع الأسعار وأنا أدرك أن هذا السبب يكمن في ارتفاع الفاتورة النفطية وهو أكبر تحد يواجهنا.. وإن شاء الله الأمور تتحسن خلال السنوات المقبلة..فاتورة النفط خاصة بعد ارتفاع سعر برميل النفط، شكلت علينا عبئا إضافيا.. فقبل سنوات كانت الفاتورة السنوية بحدود 250 مليون دينار، وحاليا ارتفعت إلى أكثر من مليار ونصف دينار.. وأهم شيء بالنسبة لنا الآن هو كيف نستطيع أن نخفف من العبء على المواطن الأردني.. ولقد انخفضت نسبة البطالة من 17% إلى حوالي 14% ونأمل أن تنخفض قريبا إلى 12% ومن ثم إلى 10%.

الأهرام: ما هو المدى الذي وصلت اليه علاقات الاردن مع كل من سورية وقطر؟

جلالة الملك: علاقتنا مع سورية ممتازة..وهناك تبادل للزيارات بين المسؤولين في البلدين.. ونحن نتعاون في عملية تطوير المشاريع التي يقومون بتنفيذها وخاصة في مجال التعليم والنظام المصرفي.. والعلاقة ما بين الشعبين والبلدين تجري على ما يرام .. وأحيانا يحدث سوء تفاهم على المستوى السياسي ولكن نحن نأمل أن يتم تجاوز ذلك.

وفيما يتعلق بعلاقتنا مع قطر..نحن نحاول أن نحل المشاكل بين كل الدول العربية.. واليوم وفي ظل التحديات التي تواجهنا يجب أن نتجاوز الحساسيات بين الدول العربية.. فهناك مشاكل كبيرة يجب التصدي لها عربيا وإسلاميا.. أما العلاقة مع دولة قطر هذه الأيام ليست على المستوى الذي نريد..ولكننا نأمل أن تتحسن في المستقبل.. إنني أرى أن التعاون العربي حاليا أفضل مما كان عليه سابقا.. والدول العربية تعمل على تجاوز الحساسيات لمواجهة التحديات.. ونأمل أن تتكثف جهودنا لتطوير التنسيق والتعاون والتشاور بين جميع الدول العربيه.

الأهرام: علاقاتكم مع الغرب وثيقة، كيف تقيمون علاقات الاردن مع دول العالم؟

جلالة الملك: علاقاتنا مع الغرب قوية.. ولكن تركيزنا خلال السنوات الأخيرة على الشرق.. آسيا تلعب دور مهم جدا.. ويجب تطوير العلاقات اقتصاديا ما بين المنطقتين العربية والآسيوية.. وتطوير العلاقات مع باكستان وسنغافورة واندونيسيا وماليزيا وروسيا والصين مهم جدا ليس للأردن فقط ولكن لكل الدول العربيه.