مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة الـ سي. إن. إن.

٢٣ حزيران ٢٠٠٦

مقدمة: هناك حربان تدور رحاهما على حدود الأردن. الأولى غربا حيث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأخرى شرقا في العراق. والأردن نفسه يحارب الإرهاب. وربما من المناسب أن بعض صانعي السلام هم الآن في الأردن ليفكروا بطرق الخروج من الحرب. ومن أهم الأحداث مأدبة فطور جرى خلالها لقاء بين رئيس الوزراء آيهود اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس لقاء رمزي قصير ولكنه ليس القمة التي تنتظر منذ وقت طويل. في برنامجنا اليوم: الملك والمؤتمر... بدأ جلالة الملك حديثه بكلمة حول مأدبة الفطور هذه.

جلالة الملك: لقد عقدنا اجتماعا هادئا على الإفطار هذا الصباح، مع كل من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء أولمرت وآخرين. وأعتقد أنه تم في جو إيجابي متفائل. وكما رأيتم فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعرب عن أمله بالاجتماع مع الرئيس عباس في الأسابيع القليلة القادمة. وهذا يعني أن هناك التزاما من كلا الطرفين بالاجتماع معا في محاولة للمضي في العملية السلمية قدما. وهذا الأمر موضع ترحيب بالنسبة لنا.

سي. إن. إن.: بعض الناس يتساءلون إذا ما كان هناك التزام فعلا من الجانبين. إذا كان على الفلسطينيين أن يحددوا توجههم أولا. فقد قال الزعيم الإسرائيلي أنه لا يستطيع الالتقاء معهم طالما أن هناك معارك في الشوارع حول سلطة الرئيس الفلسطيني، وطالما أن حماس ما زالت تعلن حربا مفتوحة على إسرائيل... ما رأيكم بهذا؟

جلالة الملك: إنني أتفهم هذه المسألة ولكن في الوقت ذاته إذا لم يرغبا في إجراء حوار فيما بينهم فلن يتم إحراز أي تقدم. إننا ندرك المشاكل على أرض الواقع وعلينا أن نتعامل معها. وأعتقد أن كافة الأطراف المعنية تعرف ما الذي يجب عمله، ولكنني في الحقيقة مسرور جدا... إنها تشير إلى الناس على أرض الواقع وأقصد هنا الغالبية العظمى من الإسرائيليين والفلسطينيين التي تعاني من الصعوبات على أرض الواقع، يريدون رؤية الأمل، وأن يروا أن المسؤولين على المستوى السياسي يتحدثون معا وأنهم يرغبون بالمضي بالعملية قدما. اعتقد أننا نشهد اليوم إشارة أمل وثمة ضوء في نهاية النفق. ومن الواضح أنه طريق صعب. ولكن الإسرائيليين والفلسطينيين ليسوا وحدهم وهم بحاجة لدعمنا ليس دعم الأردن فقط بل والمجتمع الدولي أيضا، لضمان تحقيق نجاح في الأسابيع القليلة المقبلة، وأنه عندما تجلس القيادتان الفلسطينية والإسرائيلية معا ستجدان ما يمكنّهما من المضي قدما.

سي. إن. إن.: هل لي أن أسألكم حول القضايا الداخلية للقيادة الفلسطينية. هناك تقارير صحفية واسعة الانتشار مفادها أن إسرائيل قامت بنقل حوالي ألف بندقية من طراز (م 16) إلى السلطة الفلسطينية.. بمساعدة حكومتكم لتسليح السلطة بشكل أفضل.

جلالة الملك: ليس لهذا علاقة بأمر محدد. فكما تعلمون فإن الأردن ومصر والمجتمع الدولي يعملون مع الإسرائيليين في محاولة لتقديم المزيد من القدرات العملية لقوات الأمن في الضفة الغربية وأعتقد ما شهدتموه هو " تفاهم" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ أن الرئيس عباس بحاجة إلى أن تكون قوات الأمن قادرة على التعامل مع أي انفلات أمني أو صراع يواجههم على أرض الواقع.

سي. إن. إن.: إنه أكثر من مجرد انفلات أمني. هناك حديث عن سباق تسلح بين فتح وحماس الآن. وأنتم في موقع أفضل من غيركم لمعرفة ذلك. هل هناك سباق تسلح بينهما، إذا أن الجانبين يقومان بتخزين الأسلحة؟

جلالة الملك: آمل أن لا يكون هذا هو الحال، فلن يكون هناك ما هو أسوأ من أن تحدث مواجهة بين الفلسطينيين أنفسهم بغض النظر عمن يقف إلى جانب من، لأن هذه ستكون كارثة ليس للفلسطينيين فقط بل وللإسرائيليين والأردنيين أيضا. إننا نعمل فيما يتعلق بالقضايا الأمنية منذ سنين. وأعتقد أن هذا جزء من تقوية الأجهزة الأمنية، وأعتقد أن الإسرائيليين يدركون بأن الفلسطينيين بحاجة إلى تشجيع حتى يتمكنوا من المضي قدما. أما أن يحدث صراع بين الفلسطينيين فيما بينهم، فستكون بمثابة كارثة لنا جميعا، وأعتقد أن إجابتي على سؤالك لا.. وآمل أن لا يحدث هذا أبدا.

سي. إن. إن.: هل تثقون بحماس؟ لقد سألت هذا السؤال لأن حكومتكم قامت في شهر نيسان الماضي باعتقال بعض العناصر من حماس بتهمة التآمر لتنفيذ هجمات ضد مملكتكم؟

جلالة الملك: إننا ننتظر وفقا للعرض الذي قدمناه عندما اكتشفنا مخابئ الأسلحة في الأردن قبل عدة أشهر واتصلنا بالفلسطينيين وقلنا إننا نرغب من الحكومة أن ترسل فريقا سياسيا وأمنيا إلى الأردن لأنه كانت هناك شكوك حول العثور على مخابئ أسلحة في الأردن، لكي يتمكن الفريق الفلسطيني من التحقيق بمعيتنا حول أسباب ذلك وحتى نتمكن من المضي قدما. وما زلنا ننتظر رد الحكومة في مسألة القدوم إلينا وبحث هذه المسائل معنا وما زالت الدعوة مفتوحة.

سي. إن. إن.: إذن بالنسبة لكم فإن حماس حاولت شن هجمات إرهابية ضد الأردن؟

جلالة الملك: لم تقم بشن هجمات إرهابية بل عثرنا على مخزون من الأسلحة التي كان يمكن أن تستخدم في المستقبل، وهذه مسألة تهم كافة الأردنيين، وكذلك لغالبية الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكما ذكرت فإننا ما زلنا نأمل من زملائنا في الجانب الأخر من الاستجابة وإرسال فرق حتى يتمكنوا من التحقق في هذه المسألة الخطيرة جدا وأن نستطيع المضي قدما من هناك.

سي. إن. إن.: لقد كتبتم مقالا مؤثرا في صحيفة "الهيرالد تربيون" الدولية، تحدثتم فيه عن آمالكم إزاء المنطقة. وقلتم: إن السلام الحقيقي لا يكون مكتوبا على الورق فقط بل منقوشا في القلوب. هناك جدال الآن في المجتمع الفلسطيني حول إذا ما كانت حكومتهم مستعدة لصنع السلام مع إسرائيل. جزء من هذا الجدال جرى على شكل قتال شوارع. ولكن على المواطن العادي أن يقرر وعلى الحكومة أن تقرر وحماس عليها أن تقرر. المفاوضات متوقفة، ولكن مهما تكن الاتفاقات القانونية التي ستتم. هل تعتقدون أن حماس مستعدة لنقش السلام في قلبها؟

جلالة الملك: ما هو البديل؟.. البديل هو المزيد من سفك الدماء والمعاناة للفلسطينيين والإسرائيليين وكلنا جميعا في المنطقة. إن ما نحاول عمله هو الوصول إلى المواطن العادي، لأنه هو الذي سيعاني.. إنه المواطن الإسرائيلي والمواطن الفلسطيني هو الذي يدفع الثمن، وهم يشكلون الغالبية العظمى التي لا تريد العنف ولا تريد العيش في غياب الأمن وتريد أن توفر حياة أفضل لأسرها. لذا فإن هؤلاء هم الناس الذين نحاول الوصول إليهم... أما السياسيون فأعتقد أن عليهم أن يستمعوا إلى الناس وأن يغيروا مواقفهم.

المذيع: ولد أبو مصعب الزرقاوي في الأردن وهو المسؤول عن عدد من الهجمات على المملكة، وتقول السلطات الأردنية أنها احبطت سلسلة من الهجمات التفجيرية التي كان يخطط لها في احتفالات الألفية عام 2000، ولكن الأردن فقد ضحية واحدة في هجوم صاروخي على ميناء العقبة وكذلك في ثلاثة انفجارات متزامنة في ثلاثة فنادق راح ضحيتها "60" ضحية. قتل الزرقاوي في غارة أمريكية في وقت مبكر من هذا الشهر، بعد أن عثرت على مكان وجوده الاستخبارات الأمريكية بمساعدة من الأردن. ولكن دور الأردن لم يكن واضحا تماما.. إليكم ما قاله جلالة الملك بنفسه:

جلالة الملك: لقد كان للأردن دور وهذا أمر واضح لا جديد فيه، فقد عملنا مع المجتمع الدولي لسنين طويلة في مكافحة التطرف وملاحقة الإرهابيين الذين يلحقون الضرر بنا جميعا. فأنا فخور جدا من تمكن الأردنيين من المشاركة في ذلك بشكل نشط، ولكن هذه ليست النهاية إنه مجرد فصل إذ أن الإرهاب سيبقى موجودا لفترة أطول ونحن والمجتمع الدولي علينا مواصلة العمل معا لمواجهة هذه التهديدات.

سي. إن. إن.: هل هذا وصف عادل لما تقومون بعمله؟

جلالة الملك: بعد تفجيرات عمان قمت بزيارة الجرحى في المستشفيات وكذلك قمت بزيارات تعزية لعائلات الضحايا في مصابهم إذ فقدوا أحبة لهم وأناس يهتمون بهم كثيرا، وسألوني ماذا سنفعل؟ فقلت إن منفذي هذه العمليات الإرهابية سيمثلون أمام العدالة وهذا ما فعلناه وسنستمر بعمله.

سي. إن. إن.: اعترف مسؤول اللوجستية في "القاعدة" الكربولي على شاشة التلفزيون الأردني في الشهر الماضي ببعض الجرائم التي اتهم بها. هل تم إغواؤه بالتحديد من قبل رجالكم؟ هذه قصة رائعة نود سماع المزيد عنها:

جلالة الملك: للأسف لا أستطيع الخوض في التفاصيل ولكنه عمل تمكنت القوات المسلحة وأجهزة المخابرات من القيام به وهو الآن معتقل لدينا واعتقد أن هذه سلسلة عمليات ما زالت جارية حاليا.

سي. إن. إن.: تم اعتقال أربعة أعضاء في البرلمان الأردني بعدما قاموا بزيارة تعزية من نوع مختلف. زيارة ليست لأسر الضحايا بل لأسرة الزرقاوي وقد اعتقلوا وتقول مجموعات حقوق الإنسان انه رغم ما تحمله هذه الزيارة من إساءة إلا أنه يجب أن لا يكون التعبير عن الرأي غير قانوني وكذلك زيارة أفراد الأسرة. ماذا تقول للعالم حول اعتقالهم؟

جلالة الملك: هذا الأمر أكثر من مجرد أربعة نواب يجب أن تدرك أننا نخوض معركة ضد التطرف في منطقتنا فلم نخرج برسالة عمان التي تحاول حث الغالبية المعتدلة من المسلمين على التمييز ما بين الخطأ والصواب وأن تقول أن هؤلاء الذين يؤمنون بقتل الأبرياء لا تربطهم صلة بالإسلام. إننا لا نؤمن بالتنظير. هذه معركة تدور رحاها الآن داخل المجتمعات الإسلامية ويجب أن يقرر الناس موقفهم من هذه القضية. لا يمكن أن تكون في موقع يشجع الإرهاب أو تقول أن قتل الأبرياء عمل صائب. صحيح قال هؤلاء الناس أن الزرقاوي بطل وأن كل ضحايا تفجيرات الفنادق لن يدخلوا الجنة. ليس من حقهم كمشرعين أن يقولوا ذلك. إن التحدي الصعب الذي نواجهه الآن هو كيفية جعل الناس ليس في الأردن فقط بل وفي الشرق الأوسط والعالم أن لا يتقبلوا الإرهاب أو يتسامحوا معه. علينا أن نقرر إلى أي جانب سنقف، وإلا فإن الإرهاب سينتصر في نهاية المطاف. ونحن في الأردن الآن لدينا هذا الجدال القوي في مجتمعنا ويجب أن يعي الأردنيون حقيقة - كما هو حال العديد من المسلمين في العالم - ما إذا كان دعم الإرهاب مقبولا أم لا. وفي رأيي أنه ليس مقبولا وإلا فإن كل ما نقوم به هو مجرد كلام.