مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة التايمز اللندنية

١٤ تشرين ثاني ٢٠١١

ذا تايمز: هل كان الربيع العربي كارثة على بعض الدول العربية؟

جلالة الملك: سواء كان بعد سنة من الآن أو خمس أو عشر سنوات، سوف نتفق جميعا أنه كان أمرا جيدا حيث شكل لحظة مفصلية في التاريخ العربي. وسوف تتحرك كل بلد بنسقها الخاص. وأشير عادة إلى الربيع العربي على أنه مزيج من الدم والتعب والدموع، وأمامنا نحن في الأردن الكثير من الجهود لبذلها. وعندما ننظر إلى دول أخرى، نجد أن الربيع العربي أصبح الصيف العربي، وهو ما نعيشه الآن. وعلينا اليوم أن نشمر عن سواعدنا، ونقوم بعمل جاد لتحقيق الإصلاحات. وأعتقد أن الأمور في بلدان أخرى تسير في دورة، حيث تنتقل من الربيع العربي للشتاء العربي وللربيع من جديد. ولكن في نهاية المطاف، وعندما ننظر للخلف في مرحلة ما في المستقبل، سنجد أنها كانت لحظة حاسمة بالنسبة للشرق الأوسط.

ذا تايمز: ماذا عن سوريا؟

جلالة الملك: لقد كان وزير الخارجية الأردني يعمل مع زملائه العرب، وعقدت عدة اجتماعات لمجلس وزراء الخارجية العرب في الشهور العديدة الماضية بهدف تحديد كيفية التعامل مع الوضع في سوريا وما يحدث هناك. وقد زار أمين عام الجامعة العربية دمشق مرتين، وكذلك ذهب وفد وزاري يمثل مجلس وزراء الخارجية للفت انتباه سوريا إلى حالة الإحباط واليأس التامة التي نعيشها بسبب ما يحدث هناك وما يفعلونه بشعبهم. وقد بدا أن الاجتماع الأخير سيكون إيجابيا، وقد اجتمعوا في الثاني من تشرين الثاني عندما قبلوا بالمبادرة العربية، ولكن بعد ذلك بدا أنه لم يتحقق أي شيء. وهذه هي نفس التجربة التي مر بها الأتراك، لذا دعا وزراء الخارجية العرب يوم السبت الماضي إلى تعليق عضوية سوريا ابتداء من 16 تشرين الثاني ولغاية أن نتأكد من أنهم تبنوا المبادرة. وفي جميع الأحوال، فقد ساءت الأمور داخليا، وشعوري الشخصي هو أن الأمور ستظل على ما هي عليه في المستقبل المنظور.

ذا تايمز: هل يستطيع النظام الصمود؟ هل يستطيع بشار الصمود كرئيس؟

جلالة الملك: الأمر يعتمد على كيفية النظر للمسألة، فهم نسبيا في موقف قوي داخليا. ومع ذلك، فإنهم لن يستطيعوا أن يستمروا على هذا المنوال. لكن السؤال إلى متى يستطيعون الإستمرار، وهذا ما لا يمكن التنبؤ به. وجزء من المشكلة التي نواجهها أثناء نقاشاتنا مع زملائنا العرب والمجتمع الدولي الإجابة على السؤال التالي: ما هو الحل السحري بالنسبة لسوريا؟ ومن وجهة النظر الأردنية، فإننا ننظر للمسألة من ناحية إنسانية. هناك لاجئون يصلون إلينا عبر الحدود. كيف نتعامل مع الوضع عندما تزداد أعدادهم؟ هم الآن بالآلاف، ولكن هذا لا يقارن بأعداد اللاجئين الذين يتوجهون إلى تركيا. لكن يمكن لهذا أن يتغير. ومن جديد أكرر أن هناك أشياء أخرى تحدث في الشرق الأوسط، فهناك الموقف الإيراني حيال الملف النووي، ولإسرائيل مخاوفها من ناحية لبنان وسوريا، وهناك الربيع العربي. لذا فالموقف حرج جدا في الشرق الأوسط حاليا. وأعتقد أنه لا يوجد من يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث في المستقبل، بل من المستحيل أن نعرف كيف ستبدو الأمور عام 2012.

ذا تايمز:  إن استمرت سوريا في هذا النهج مستخدمة وسائل قمعية بدلا من الحوار، هل هناك مستقبل لهذا النهج؟

جلالة الملك: أنت تقول ذلك أيضا بسبب النظام. السؤال: هل يمكن أن يتغير النظام؟ ولو تغير النظام، سوف ينهار. هذا جزء من التحدي الذي يواجه السوريين. من خلال تعاملي مع بشار — وقد عرفته جيدا — أعتقد أن لديه ميل داخلي للإصلاح. وقد كنت أجلس معه واستمع لرؤيته حول سوريا.

أعتقد أنه يدرك ذلك، ولكن هل يسمح النظام لشخص مقتنع داخليا بالإصلاح أن ينفذ ذلك؟ لا أعتقد أن النظام يسمح بذلك. هذا هو التحدي. والأمر مختلف عن البلاد الأخرى فالوضع فريد من نوعه. وأعتقد أن صندوق الشرور الذي يخاف الجميع من أن ينفتح يكمن في حالة الإحباط من النظام، وعلى النظام أن يغير أسلوبه في معالجة الأمور. وأعتقد أن البديل في هذه المرحلة يزيد من ارتباك الناس وإحباطهم وخوفهم. وسوف يستمر الأمر بالنسبة لنا لفترة باعتباره إدارة أزمة. وقد خضت نقاشا مع بشار في بداية العام وقلت له إننا لسنا بأي حال من الأحوال نموذجا مثاليا، لكننا نقيم حوارا ونتواصل مع الناس، ومما يسعدنا أن نناقش معهم أخطاءنا وآراءنا حول ما كان يحدث منذ شهرين قبل ذلك. ولكنهم لم يكونوا مهتمين في الحقيقة. وقد أرسلت رئيس الديوان الملكي لمقابلة بشار ولكن تبين أن الحوار معهم لم يكن مجديا، لذا توقفت. وقد سألني أحدهم قبل فترة: هل أنت مستعد للاتصال ببشار؟ قلت: نعم، ولكني لا أعلم ما أقول له عندها.

ذا تايمز: هل أنت مستعد للعب دور الوسيط؟

جلالة الملك: لا أعلم، فأنا لا أؤمن بالوسطاء حتى يكون هناك شيء حقيقي يمكن أن يكون مفيدا. ولا أرى في هذه المرحلة أن هناك أي شيء أستطيع أن أقوله أو أفعله يمكن له أن يغير من واقع الأمور.

ذا تايمز: هل يجب عليه التنحي أم الذهاب إلى المنفى؟

جلالة الملك: لنفترض أنه فعل ذلك، من سيأتي به لخلافته؟ ولو اختفى بشار من المشهد لأي سبب كان، هل سيستطيع بديله العلوي أن يحقق المطلوب، خصوصا أن العالم قد تغير؟ وهل سيسمح النظام بذلك؟ الأرجح أن الوضع سوف يستمر على ما هو عليه. فالمسألة تتعلق بنظام وليس بفرد.

ذا تايمز: هل سيحصل استقطاب طائفي في سوريا يمكن له أن ينتشر عبر الحدود؟

جلالة الملك: لست قلقا من انتشار [العنف] عبر الحدود، بل إنني قلق بشأن نسيج المجتمع السوري. فلو نظرت إلى الأكراد والدروز والسنة والمسيحيين والنخبة السنية، تجد أن هناك أقليات مختلفة تصبح أغلبية لو اجتمعت. ما لا نرغب في رؤيته هو تشرذم المجتمع السوري، خصوصا بوجود جيران لهم جميعا صلات عرقية به. كانت هناك ثلاثة مجموعات واضحة في العراق، وكانت كبيرة بحيث تهيئ إمكانية للتوحد على المستوى الوطني. أما سوريا فإنها معضلة أشد تعقيدا وهذا ما يقلق الجميع. لا نريد حمام دم في سوريا. ونحن نحاول التواصل معهم على أساس إنساني، ونحن مستعدون على حدودنا لاستقبال المزيد من موجات اللاجئين القادمين إلينا. ونحن جاهزون بخطط بديلة من الألف إلى الياء. إننا نحاول أن نبقى متفائلين ونتواصل مع زملائنا العرب ونناقش المسألة مع المجتمع الدولي، ولكن لا أحد يملك إجابة.

ذا تايمز: كيف حصل أن أداء الممالك المعتدلة في العالم العربي كان أفضل أثناء الربيع العربي من الأنظمة القمعية؟

جلالة الملك: لو أخذت المغرب والأردن كمثال، ونظرت إلى الجمهوريات في الشرق الأوسط مقارنة بالممالك، فإنك تجد أن العقد الاجتماعي والعلاقة مختلفة. فالممالك موجودة منذ فترة طويلة وقد اكتسبت شرعية، فيما الجمهوريات جاءت خلال الحرب الباردة وعلى ظهور الدبابات. وفي الأردن اتخذنا القرار بشكل فطري (وهو القرار الذي كان سيتخذه جلالة الملك الحسين لو كان بيننا اليوم) بشأن كل مظاهرة — والمظاهرات مستمرة حتى اليوم بأعداد أصغر بكثير، وإن كنا نشهد خروج أشخاص في مظاهرات كل جمعة منذ ثمانية أشهر— فقررنا منذ اليوم الأول أن نجرد رجال الشرطة من كافة أسلحتهم، فلا هراوات ولا مسدسات. وعليه فإننا لم نشهد إلا حالة وفاة واحدة وكان من أحد المتفرجين وقد مات بسكتة قلبية. وقد حاولت مجموعات المعارضة في الأردن تصعيد الوضع بشكل أكبر. ولكننا كنا محظوظين، وينبغي علي أن أعبر عن تقديري للمتظاهرين. صحيح أن بعض العناصر بين المتظاهرين كانوا يسعون إلى العنف في الشوارع، ولكن أغلبهم كانوا يريدون العمل ضمن حدود القانون. وقد أظهرت قوات الشرطة أعلى درجة من ضبط النفس. إن ما حدث في تونس بدأ لأسباب اقتصادية، ثم أعطى بعد ذلك دفعة للإصلاح السياسي. لكن الإصلاح السياسي هو إصلاح اقتصادي حسب قناعتي. وقد كانت مهمة شاقة أن نضمن حماية المواطنين عبر سيادة القانون وحقهم في التعبير عن أنفسهم. وقد حققت كل من المغرب والأردن في ذلك نجاحا معقولا، بينما فشلت الأنظمة الأخرى.
 
ذا تايمز: هل الأردن متجهة إلى ملكية دستورية؟

جلالة الملك: الملكيات الدستورية تختلف من بلد إلى آخر، ولكن نحن نتحرك في هذا الاتجاه. وعودة إلى أوائل الربيع عندما كان الإخوان المسلمون والأحزاب الشيوعية يتطلعون إلى إجراء تعديلات دستورية ويطالبون بالعودة إلى دستور 1952، إن الأمر سوف يظل دوما متعلقا بمدى جدية القيادة في الأردن لتحقيق الإصلاح. لذا دعونا لا ننظر إلى دستور 1952، بل إلى الدستور ككل. لقد أجري 42 تعديلا وتقرر وضع 14 قانونا وإنشاء محكمة دستورية وهيئة انتخابات مستقلة...الخ. وقد أعلنت منذ اليوم الأول أن ما هذه إلا البداية. وباعتبار المرء قائدا، يجب عليه أن يرى خارطة التحرك للأمام بكل وضوح. وما نريد أن نرى في الأردن هو اثنان إلى خمسة أحزاب تمثل اليسار واليمين والوسط وبالسرعة الممكنة لقيادة حكومة يختارها الشعب. والتحدي القائم هنا هو تعريف اليسار واليمين والوسط. وفي كل الاجتماعات التي كنت أعقدها — حيث اجتمع كل عشرة أيام مع مجموعات مختلفة ابتداء من المعارضة وحتى العمال وناشطي حقوق المرأة، أطرح هذا السؤال خلال الاجتماع: ما هو موقفكم يا جماعة من الضرائب والصحة والتعليم؟ ولا أجد إلا الصمت المطبق. وهذا هو التحدي الذي يواجهه الشرق الأوسط كله. فالأوروبيون والبريطانيون يفهمون ماذا يعني اليسار واليمين. لذا فإنني أحاول أن أشجع تشكيل أحزاب جديدة. وعندما يكون 70 بالمئة من السكان تحت سن الثلاثين، فإن هؤلاء يبحثون عن شيء جديد. لذا فإنني دائما استثير روح التحدي فيهم: أرجوكم قوموا بتأسيس أحزابكم الخاصة بكم بناء على برامجكم السياسية والاقتصادية بحيث ينتخبكم الناس بناء على ما تمثلونه وليس لأنكم زعماء عشائر. ويتفق الجميع على أن إنشاء اليسار واليمين والوسط يحتاج إلى سنتين على الأقل، وهذا هو التحدي الذي أواجهه. سوف تجرى عندنا انتخابات عام 2012 و لن يكون عندنا أحزاب بجميع الأطياف السياسية عندها، لذا هل أحاول أن أدفع باتجاه إنشاء ائتلافات لتشكيل حكومات ائتلافية؟ أنا لست من مؤيدي نظام تشكيل الحكومات من 30 أو 40 حزبا، وأؤمن فقط بحزبين إلى خمسة أحزاب. ولكني أترك هذا الخيار للشعب في نهاية الأمر. ونحاول من خلال تواصلنا مع الناس أن نقرر وجهة سيرنا وكيف ندفع بعجلة الحوار معهم.

وأسلم وسيلة للقيام بذلك هي القول إننا سوف نجري انتخابات برلمانية عام 2012 ثم أمامكم أربع سنوات لتشجيع تشكيل أحزاب تمثل جميع الأطياف السياسية من اليمين والوسط واليسار. ولكن هذه مدة طويلة بالنسبة لي، وأعتقد أن توقعات الشعب هي إجراء انتخابات اليوم، ولذا سيكون أكثر حكمة أن تتشكل ائتلافات تكون كتلا على اليسار وكتلا على اليمين. وهذا ما أميل إليه، لأنني أعتقد أن الوضع لا يحتمل الإنتظار خمس سنوات ليتحقق ذلك.

والمهمة التي أمامنا الآن ونحن في الصيف العربي هو الوصول للانتخابات، ونحن نعمل الآن على التفاصيل التقنية، وأنا أشجع الحكومة على الجلوس ووضع خارطة طريق أمام الجميع بحيث يدرك الناس ما نحتاجه للتحرك قدما. وإحدى الأولويات التي يجب العمل عليها في الأسبوعين القادمين هو إقرار قانون هيئة الانتخابات المستقلة، ويكمن التحدي في تفاصيل تفعيل جميع هذه العناصر وبالسرعة الممكنة. والناس لا يدركون ذلك ويتساءلون: متى الانتخابات؟ علي أن استمر في الضغط لتحقيق ذلك، ولكن العمل قد بدأ فعلا.

ذا تايمز: ماذا عن برنامج إيران النووي؟

جلالة الملك: يمكن لطموحات إيران النووية أن تطلق بسهولة سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وسيكون ذلك كارثيا علينا جميعا. وقد كانت تقارير وكالة الطاقة الذرية الدولية مؤذية جدا لإيران، وأعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة لديهم دائما خطة عسكرية، ولكني لم أسمع في الأيام الماضية ما يوحي لي أن البعض جدي في الأخذ بالخيارات العسكرية. وهناك انتخابات في الولايات المتحدة، وقد ترتفع وتيرة التشدد حيال إيران في هذه الأثناء.

أما الكارثة المنتظرة فهي المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. فبينما نتحدث عن الربيع العربي وإيران، ننسى دائما القضية الجوهرية. لقد شهدنا ما حدث من مشاكل في الهيئة العامة للأمم المتحدة وكنا قد تحدثنا في هذا الموضوع مع الأمريكيين في أيار. لقد كان المجتمع الدولي قلقا حيال الفلسطينيين، وكان البديل الوحيد العمل معا لدفع طرفي النزاع للعودة إلى طاولة المفاوضات. والحقيقة إنه لم يتحقق شيء في هذا الجانب، وكانت كل فكرة تطرحها أية دولة تجد الرفض والصدود. ومنذ ستة أسابيع فقط بدأ البعض في التحرك، وكان موقف بريطانيا متميزا. لقد قدرت خلال السنتين الماضيتين كيفية تعامل بريطانيا مع الملف الإسرائيلي الفلسطيني، وأقدر بشكل كبير العمل الرائع الذي قامت به كاثي أشتون. لقد ضغط الاتحاد الأوروبي فعلا على الإسرائيليين والفلسطينيين ليعودوا إلى طاولة الحوار.والمسألة الآن بين يدي الجمعية العمومية، لكن كان يمكن التعامل معها قبل حلول تشرين الأول.

ذا تايمز: هل التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية صعب؟

جلالة الملك: لقد تواصلنا مسبقا، لكنني لم أتحدث مع رئيس الوزراء منذ وقت ليس بالقليل لأنني أعتقد أنني لم أر ما يثبت جدية الحكومة الإسرائيلية. ومع ذلك فإننا نتواصل معهم، وقد بدأوا يدركون مدى خطورة المشكلة. هل نستطيع بشكل جماعي أن نخرج بشيء حتى نهاية العام؟ في الحقيقة إن الأفكار قد نفدت منا. إن استمرار غياب عملية السلام يحد من خيارات إسرائيل. فقبل الربيع العربي، كانت هذه السنة ستشهد اهتماما إسرائيليا بحل الدولتين. ما هو البديل؟ هل هو حل الدولة الواحدة؟ هل سيكون ذلك نظام فصل عنصري أم غير ذلك؟ لقد غطى الربيع العربي على النقاشات القوية التي كان المجتمع الدولي سيوجهها إلى إسرائيل. وما لم تكن إسرائيل ملتزمة بالفعل بحل الدولتين، حسب ما قاله لي دبلوماسي غربي مؤخرا، ولو استمرت إسرائيل بسياستها الحالية، فإنها ستجد أن حليفها الوحيد المتبقي في العالم هو الكونغرس الأمريكي. وهذا تصريح ملفت جدا، لأن خياراتهم تصبح أقل فاقل مع مرور الوقت.