مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الحياة اللندنية

٢٠ حزيران ٢٠١٢

الحياة: قلتم سابقا إنكم انتظرتم «الربيع العربي» 10 سنوات، هل استفدتم من هذا الربيع؟

جلالة الملك: منذ انطلاقة «الربيع العربي»، كانت لي مواقف عدة معروفة وعلنية. وما كنت أعنيه، في شكل أكثر تحديدا، هو أثر «الربيع العربي» الإيجابي في تسريع وتيرة الإصلاح بأبعاده المختلفة في الأردن، إضافة إلى وجود مناخ عام في محيطنا والمنطقة شكل حافزا للتطوير والتحديث. وطالما وصفت وتيرة الإصلاحات في الأردن على مدار السنوات العشر الماضية بأنها، في كثير من الأحيان، كانت تتقدم ولكن خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. أسباب ذلك كثيرة ومعقدة، منها وجود قوى ترى أن الإصلاح سيمس نفوذها، فيما تمثلت أسباب أخرى في عدم وضوح أجندة وأولوية الإصلاحات وغياب الإجماع حولها، إضافة إلى عوامل وتطورات إقليمية نعرفها جميعا. الوضع اليوم، وفي شكل رئيس بسبب «الربيع العربي»، أفضل في الأردن من حيث وضوح رؤية الإصلاح وبروز أولوياته ووجود قناعة عامة لدى قطاعات عريضة وشرائح مختلفة بأن الإصلاح ضروري وحتمي. أنا مع شعبي في قارب واحد من حيث القناعة والإيمان بأن الإصلاح الشامل هو غايتنا التي لن نحيد عنها، وسنحقق أهدافها بإذن الله.

الحياة: هل تجاوز الأردن عدوى خطر الفوضى؟

جلالة الملك: كما تعلم، الأردن منذ نشأته يعيش في منطقة مضطربة، ونحن معتادون على مواجهة الصعاب والتحديات، ولنا تجارب عدة في هذا الشأن، ونحن واثقون بأن المواطن الأردني واع ومستنير ويعرف ما يعنيه الاستقرار والأمن لمستقبله ومستقبل أبنائه، وهذا ما ننطلق منه لحماية بلدنا والحفاظ عليه وعلى إنجازاته ومقدراته. هناك حراك يشهده الشارع، وهذا الحراك له مطالب، وهذه المطالب لن تتحقق برفع الشعارات فقط، بل يتم تحقيقها عبر المشاركة الفعلية والانخراط الحقيقي في عملية الإصلاح السياسي، وهذا هو هدف الإصلاح برمّته وهو: تمكين كل مواطن من المشاركة في صنع القرار وبناء المستقبل.

لطالما حذرنا من انزلاق المنطقة إلى مزيد من العنف والتوتر بسبب غياب العدالة وفرص التنمية. وعودة إلى سؤالك، فليس هناك بلد أو مجتمع محصّن من خطر الفوضى، ولكن وبحمد الله، الفوضى ليست نهجا أردنيا في التعامل مع التحديات والظروف الصعبة. وفي إمكاننا أن نبني مناعة ضد الفوضى وتداعياتها من خلال المحافظة على متانة الجبهة الداخلية وتماسكها، وعلى الاستقرار السياسي الذي بات ميزة مضافة للأردن عبر السنين باعتباره يشكل أولوية وطنية في ظل الظروف الإقليمية الصعبة. وفي ظل الظرف الحالي، فإن متانة جبهتنا الداخلية تتعزز بقدرتنا على المضي قدما في عملية الإصلاح الشامل بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والذي يوفر مستقبلا أفضل لجميع الأردنيين ويحقق آمالهم في بناء دولة حديثة ونموذجية في المنطقة.

الحياة: ما هي حدود الإصلاحات السياسية في الأردن؟

جلالة الملك: صراحة لدي إشكالية مع هذا التوصيف، خصوصا مصطلح «حدود الإصلاحات». إنه يوحي بأن منطق العملية الإصلاحية في الأردن يقوم على هندسة التنازلات، وتوزيع حصص مدروسة للسلطة، ووجود مدى مسموح به وغير مسموح، إلى آخر مكونات هذا المنطق الذي جوهره أن عملية الإصلاح والتحول الديموقراطي ليست ذاتية وليست صادقة.

وهنا دعني أؤكد ما يأتي: أنا شخصيا مؤمن إيمانا مطلقا بالإصلاح نهجا وأسلوب حياة. منطق العملية الإصلاحية في الأردن ليس محكوما بسقف وحدود. منطق الإصلاح في الأردن هو التحول في شكل ذاتي تدرجي وعن إيمان وقناعة وثقة، للوصول إلى منظومة سياسية ممثلة لإرادة الشعب وطموحه، توازن بين سرعة تحقيق الإصلاح المبني على أكبر قاعدة ممكنة من التوافق بين مطالب فئات متنوعة، وبين المحافظة على الاستقرار وتجنب القفز نحو المجهول، وهذا يتطلب ورشة مفتوحة من الإصلاحات قطعنا شوطا كبيرا منها. بدأنا بالتعديلات الدستورية، وما انبثق عنها من استحقاقات تاريخية، مثل إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب، وإقرار قانوني المحكمة الدستورية والأحزاب السياسية، وصولا إلى قانون انتخاب يضمن أعلى درجات العدالة في التمثيل، بإذن الله، بحيث تجرى الانتخابات النيابية على أساسه قبل نهاية العام بكل شفافية وحيادية ونزاهة.

ودعني أستخدم المثال الآتي لتأكيد رفضنا وجود حدود مسبقة للإصلاح. ففي مطلع أحداث «الربيع العربي»، وربيعنا الأردني الذي سيبقى مزهرا إن شاء الله، برز الحديث عن مراجعات دستورية، تركزت حينها حول محاور محددة في إشكاليات ونصوص معينة، كان تعديلها سيعود بنا إلى صيغة دستور عام 1952. لو كانت دفة الإصلاح تدار بمنطق «الحدود»، كما وصفته في سؤالك، لكنا اكتفينا بالعودة إلى دستور 1952. لكنني كنت حازما بضرورة أن تكون مراجعة الدستور شاملة، وأن تأخذنا نحو صيغة دستورية أكثر تقدما، فكانت النتيجة 42 تعديلا دستوريا، وفعلا جاءت التعديلات الدستورية أكثر تقدما على ما كان مطلوبا شعبيا. وباتت لدينا بفضلها منظومة من المؤسسات والمبادئ الدستورية الضامنة للعمل الإصلاحي والديموقراطي أبرزها: المحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب، وتعزيز الحريات، وتكريس الفصل بين السلطات بخاصة السلطة التنفيذية والتشريعية المتمثل في تقييد عمليتي حل البرلمان، وإصدار القوانين الموقتة، وبما يضمن عدم تغول سلطة على أخرى. وأكدنا في أكثر من مناسبة وتصريح أن هذه التعديلات الدستورية هي بمثابة الوجبة الأولى، وأن البنية السياسية اليوم باتت مفتوحة على الإصلاح والتحديث والتعديل نحو الأفضل وباستمرار وبعزيمة قوية، ما يؤكد أن هاجس الحدود ليس موجودا في منطقنا. وحتى أختصر التوصيفات والشرح، دعني أؤكد لك ما يلي أخي غسان، هناك ثابت واحد لعملية الإصلاح في الأردن: المحافظة على النموذج الأردني في المنطقة كقصة نجاح في التحول الديموقراطي الحقيقي.

الحياة: يطالب البعض بالملكية الدستورية، ما رأيكم؟

جلالة الملك: رأيي أقوله لهم وبكل بساطة ووضوح: الملم بالدستور الأردني يدرك أن النظام في الأردن نيابي ملكي وراثي، وتجربتنا الدستورية عمرها عقود في دولة عمر مؤسساتها أكثر من تسعين عاما، والمتابع لخريطة الإصلاحات التي يسير عليها الأردن منذ سنوات، يستطيع أن يرى ويميز حجم الإنجاز الذي تحقق. وأشير هنا إلى مجموعة من الضوابط السياسية التي تتوافر لدينا بسبب الإصلاحات السياسية المنفذة أخيرا، والتي أشرت إليها للتو. فسلطة حل البرلمان، وتأجيل عقد دورات مجلس الأمة، وإصدار القوانين الموقتة أصبحت محددة في شكل صارم. وحتى لا يظن أحد أنني أبتعد عن الإجابة، أقول لمن يقصد بالملكية الدستورية آلية تشكيل الحكومات، إنني تحدثت أكثر من مرة عن الحكومات البرلمانية والممثلة منذ أن توليت سلطاتي الدستورية، وستجدون أنني أكدت قناعتي بضرورة العمل للوصول إلى حكومات برلمانية، كما كنت أكدت أن توجهات المجلس المقبل، الذي ستفرزه الانتخابات النيابية، وقدرته على إيجاد كتل برلمانية ستكون مدخلا رئيسا في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومات التي تحظى بثقة مجلس النواب المنتخب. وتطوير نهج الحكومات البرلمانية سيعتمد في شكل أساس على قدرة الأردن على بلورة بنية حزبية برامجية، تتطلب وجود أحزاب وكتل برلمانية قادرة على تمثيل غالبية المواطنين، بحيث تنتشر الثقافة الحزبية، وتكون هي القناة الرئيسة التي يعبر الشعب من خلالها عن نفسه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
 
الحياة: العلاقة مع «الإخوان المسلمين» أصبحت أكثر توترا في السنوات الماضية، ما سبب هذا التوتر؟ هل انفك التحالف القديم؟

جلالة الملك: «الإخوان» هم أحد مكونات المجتمع الأردني الذي نعتز به. وحزبهم السياسي، حزب «جبهة العمل»، هو جزء من الطيف السياسي. وحضورهم في الحياة السياسية مؤشر الى التنوع الذي طالما حرصنا على إثرائه. ومواقفهم من العملية السياسية الإصلاحية في الأردن باتت اخيرا محكومة باعتبارات ذاتية ومدخلات إقليمية، وهذا هو الواقع السياسي في المنطقة.

وأتمنى على جميع الأحزاب والقوى السياسية أن ترتقي بأدائها السياسي إلى المستوى الذي تتطلبه منا هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة من مسيرة الوطن الإصلاحية، وأن تكون الإيجابية والإقبال على المشاركة والابتعاد عن منطق المصالح الخاصة والضيقة عناوين المرحلة. وهنا أريد أن أشير إلى بعض النقاط المهمة: إن النضج السياسي الوطني المطلوب من جميع القوى السياسية في الأردن الآن يستوجب ألا ننظر إلى عملية المشاركة السياسية من باب المغانم والمكاسب والمحاصصة والاحتكار، بل من باب الشراكة في صناعة الحاضر والمستقبل. ولذلك، فإن التركيز يجب أن ينصب على وجود جميع القوى في العملية السياسية البرلمانية والتمثيلية.

ومن الضروري أن نتذكر أن الحضور السياسي الذي يتمتع به «الإخوان» في الأردن هو حصيلة نهج التسامح والانفتاح والتعددية الذي تبناه الأردن تاريخيا، ما أتاح لهم خوض ميادين العمل العام منذ عقود طويلة من دون انقطاع، وهذه خصوصية أردنية نعتز بها.

وهنا، فالمطلوب والمؤمل من جميع القوى السياسية، من دون استثناء، المشاركة والمساهمة في الإصلاح من داخل المنظومة السياسية ومن تحت قبة البرلمان. والانتخابات المقبلة ستكون خير اختبار على صدق النيات والتوجهات.

الحياة: هل الأردن ككيان مهدد في ظل ما نراه من تفكك للدول في المنطقة؟

جلالة الملك: الأردن دولة راسخة الجذور وطنا وشعبا، ومؤسساتنا الوطنية نموذج يحتذى في القوة والتماسك. ووعي شعبنا الأردني هو السياج الذي يحمي الوطن ومقدراته. وثقتي كما هو حال كل الأردنيين بجيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية، الساهرين على أمن الوطن وحمايته بجاهزية عالية واقتدار لا تتزعزع. وكما قلت، فإن ما يحصننا من الظروف الإقليمية المحيطة هو متانة جبهتنا الداخلية وصلابتها في مواجهة مختلف التحديات. والأردنيون بطبعهم، وهم بنوا وطنهم بجدهم وصبرهم، لا يساومون على استقرار المملكة وأمنها تحت أي ظروف، ولهم تاريخ عريق يشهد بذلك. كما أن شعبنا يدرك تماما ما يجري من حوله، ولا يرضى أن يكون مستقبل أبنائه وبناته مرهونا بالمجهول. لقد عقدنا العزم على المضي بالإصلاح، ولن نحيد عن ذلك. وبالإصلاح وحده نحمي الوطن، ونمضي به إلى الأمام.

الحياة: أكدتم أن الانتخابات النيابية ستجرى هذا العام، لكن الإجراءات على الأرض ما زالت بطيئة، هل هناك مخاوف لديكم من تأجيلها؟

جلالة الملك: رؤيتي وقناعاتي الثابتة هي ضرورة إجراء انتخابات نيابية مع نهاية هذا العام، ولهذه القناعات مسببات سياسية واقتصادية حتى تستكمل مسيرة الإصلاح الشامل وتحقق الأهداف المرجوة منها، وفي مقدمها توسيع حجم المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. أعتقد أن مرحلة النضج السياسي الذي وصل إليه الأردن، حتى الآن، لدى مختلف فئات ومكونات المجتمع تتطلب إجراء انتخابات مبكرة وفق أعلى مستويات النزاهة تقود عمليا إلى حكومات برلمانية تعبر عن إرادة الشعب، وقادرة على اتخاذ قرارات تستجيب التحديات الاستراتيجية التي تواجهنا.

وهنا أريد أن أوضح أن إجراء الانتخابات بموجب التعديلات الدستورية تطلب إنجاز حزمة من التشريعات، ومرورها بقنواتها الدستورية، تضمن عدم التسرع وترتقي إلى مستوى أفضل الممارسات، إضافة إلى بناء مؤسسات دستورية جديدة، خصوصا الهيئة المستقلة للانتخاب والمحكمة الدستورية وتطوير قدراتها وفق أفضل المعايير، الأمر الذي يتطلب فترات زمنية كافية. وبصفتي الضامن لهذه العملية الإصلاحية، اضطررت للتدخل مرات عدة لحماية المسيرة من التباطؤ والانحراف، وسأستمر بذلك عند الحاجة.

وتم فعلا إنجاز غالبية قوانين هذه الحزمة التشريعية الناظمة للحياة السياسية، فكان آخرها المصادقة على قانون المحكمة الدستورية وقانون الأحزاب السياسية، وبقي أمام البرلمان إنجاز قانون مهم هو قانون الانتخاب، حتى تجرى بموجبه الانتخابات التي كما أكدت مرارا، ستجرى بعون الله على أسس شفافة ونزيهة، وللمرة الاولى في تاريخ الأردن، بإدارة وإشراف الهيئة المستقلة للانتخاب التي خرجت إلى حيز الوجود الشهر الماضي، حيث تم اختيار رئيس الهيئة وأعضائها من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالخبرة والكفاءة والنزاهة العالية.

الحياة: معركتكم اليوم في الأردن ما عنوانها؟ إصلاح أم معالجة الوضع الاقتصادي؟

جلالة الملك: المعركة اليوم، إن جاز التعبير، هي الإصلاح الشامل في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومعقدة واستثنائية. فمن الصعب جدا أن تخاطب الوعي والإرادة السياسية لدى الناس عندما تتصدر الأوضاع الاقتصادية أولوياتهم. والتحدي الرئيس هو كيف نقنع الناس بتشابك الاقتصادي بالسياسي، وبأن المدخل لتغيير الوضع الاقتصادي هو المشاركة السياسية، وأن يبنى الخيار السياسي على أساس البرامج التي تعالج التحديات والمشاكل والقضايا التي تهم المواطنين كالتعليم والصحة وتوفير فرص العمل وغيرها.

الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها اليوم بحاجة إلى قرارات وسياسات اقتصادية واجتماعية مدروسة وشاملة وطويلة المدى، تستند إلى إرادة شعبية من خلال ممثلي الشعب في البرلمان. ومن هنا تأتي الأهمية الإضافية للانتخابات النيابية المقبلة، التي نسعى أن تتم مع نهاية هذا العام.

الحياة: قلتم جلالة الملك إن الأزمة الاقتصادية هي ما يقلقكم، كيف يمكن تجاوزها؟

جلالة الملك: لقد أثرت تبعات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية فينا بوضوح، والأردن ليس استثناء عن دول المنطقة والعالم في ما يواجهونه من ظروف اقتصادية صعبة. ونحن نعمل باستمرار على مراجعة السياسات الاقتصادية والمالية من منطلق إيماننا بأهمية الإصلاح الاقتصادي، وبهدف معالجة الاختلالات، والارتقاء بأداء الاقتصاد الوطني الذي يواجه تحديات غير مسبوقة، من أبرزها تحدي التزود بالطاقة والارتفاع الكبير في فاتورة النفط والغاز وكلف استيراده، حيث نستورد نحو 96 في المئة من حاجتنا للطاقة، إضافة إلى 87 في المئة من احتياجاتنا الغذائية، بأسعار متقلبة غالبا نحو الأعلى. كما أن الظروف والمتغيرات السياسية من حولنا تفرض علينا أعباء جديدة، فاستيعاب أعداد متزايدة من الأشقاء السوريين أمر ليس سهلا بالنسبة الى بلد يعاني أساسا من شح الموارد. وتراجع حجم التجارة من سورية وإليها بسبب الأزمة هناك، له تأثير سلبي في وضعنا الاقتصادي ويزيد من حجم التحديات التي تواجهنا.

وفي سعينا لتخفيف العبء على المواطن، بخاصة في المحافظات، أطلقنا بعض المبادرات مثل صندوق تنمية المحافظات والاستراتيجية الوطنية للتشغيل، والتي نعول عليها بالإضافة إلى برامج وخطط حكومية أخرى لتحسين توزيع مكتسبات التنمية في جميع أرجاء الوطن.

واعتمادا على الحلول الاستراتيجية والطويلة المدى، فإن الأردن يعول على الشراكات مع الدول العربية الشقيقة وفي مقدمها مجلس التعاون لدول الخليج العربي، من طريق تعزيز قدرتنا على استقطاب الاستثمارات الخليجية، والبناء على ميزة الاستقرار الذي نتمتع به، وبما يمكننا من مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة.
 
الحياة: كيف تصفون علاقتكم بالمملكة العربية السعودية؟

جلالة الملك: علاقتنا بالمملكة العربية السعودية الشقيقة هي علاقة أخوة وتعاون كامل وشراكة إستراتيجية وتاريخية تقوم على التنسيق الدائم في الرؤى والمواقف إزاء شتى القضايا والتحديات التي تواجه بلدينا وشعبينا والدول العربية والإسلامية. وتربطني شخصيا بأخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود علاقات متينة وراسخة تقوم على المودة والاحترام المتبادل. ونحن نقدر عاليا مواقفه الداعمة للأردن، ما مكننا من مواجهة الكثير من التحديات والصعوبات وتنفيذ البرامج التنموية في مختلف المجالات، مثلما نقف دائما في الأردن إلى جانب المملكة الشقيقة في كل الظروف والأحوال. وقد شاركت اخيرا الأشقاء أحزانهم في مصابنا الجلل بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وأمد عمر أخي خادم الحرمين الشريفين، ليبقى ذخرا وسندا لوطنه وأمته. ونحن ملتزمون الاستمرار في تقوية علاقات الأخوة والتعاون بين البلدين تحقيقا للمصالح المشتركة، وخدمة لقضايا أمتينا العربية والإسلامية.

الحياة: أين وصلت فكرة الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي؟

جلالة الملك: نحن حريصون على بناء علاقات تعاون وثيقة مع أشقائنا في مجلس التعاون لدول الخليج العربي، بغض النظر عن شكل ووصف هذه العلاقة. ونسعى باستمرار للحفاظ على ما يربطنا من علاقات وطيدة وتعميقها، فمصالحنا واحدة، وما يصب في مصلحة أشقائنا هو بالنسبة إلينا مصلحة أردنية، حيث يهمنا أمن دول المجلس واستقرارها، ونموذج العمل بيننا هو نموذج تكاملي يساعدنا على تجاوز ما نواجهه جميعا من تحديات.

أما بالنسبة الى إطار العلاقة، فالحديث مستمر وجار بين اللجان المختصة لتطوير هذه العلاقة التشاركية والاستراتيجية لتصل إلى المستوى المطلوب الذي يعكس عمق العلاقة المميزة ووحدة المصير والهدف.

الحياة: هل لديكم اتصالات مع الرئيس السوري بشار الأسد؟ ومتى كان آخر اتصال؟

جلالة الملك: حاليا، ليس هناك اتصال شخصي ومباشر مع الرئيس بشار الأسد، وآخر اتصال كان منذ مدة ومع بداية الأزمة في سورية، حيث أرسلت رئيس الديوان الملكي الهاشمي في حينه ليطلع الرئيس الأسد على الخطوات التي اتخذناها في الأردن لإطلاق عملية حوار وطني تؤسس للإصلاحات، علها تكون مفيدة لهم. لكن الاتصالات توقفت عند تلك النقطة. وللأسف، رأينا الوضع في سورية يتجه نحو الأسوأ منذ ذلك الحين، والمزيد من استخدام العنف، وسفك الدماء وسقوط الآلاف من الضحايا من أبناء وبنات الشعب السوري الشقيق. ما يحدث في سورية من تطورات متلاحقة ومتسارعة يقلقنا، لا سيما أنه يؤثر في أمن واستقرار المنطقة برمتها.

الحياة: ما هو شكل الحل الذي تؤيدونه في الأزمة السورية؟

جلالة الملك: الحل الذي نؤيده للأزمة السورية هو حل سياسي سلمي ينهي النزاع والعنف، ويحقن دماء الأشقاء السوريين ويحافظ على وحدة التراب والشعب السوري الشقيق. حل يتضمن عملية سياسية تستجيب طموحات الشعب السوري بالإصلاح. وإلى الآن لا تزال مبادرة المبعوث الأممي العربي كوفي أنان الأقدر على بلورة سيناريو شامل للحل، ونحن ملتزمون دعمها ومستمرون بالعمل في إطار الجامعة العربية.

وكنا أكدنا أكثر من مرة وخلال لقاءاتنا مع قادة الدول وكبار المسؤولين على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، دعمنا لمهمة المبعوث الأممي والعربي إلى سورية كوفي أنان بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة يضع حدا للعنف وإراقة الدماء، ويحافظ على وحدة سورية وشعبها. ومرة أخرى، نحذر من التداعيات الكارثية لما يجري على الساحة السورية وتأثيراتها في كل دول المنطقة.

الحياة: يبدو أن كوفي أنان غير متفائل بنجاح خطته في سورية، ما هو البديل؟

جلالة الملك: لا بديل من الحل السياسي باعتقادنا واعتقاد الغالبية، لأن التدخل العسكري يعقد الوضع ويزيد من مخاطر الانفلات الأمني الشامل في المنطقة. يجب تكثيف الجهود العربية والدولية لإنهاء الأزمة سياسيا. والأهم من ذلك إنسانيا. ولكن يؤسفني، كما يؤسفنا جميعا أن نرى خطة المبعوث أنان تتعثر والكثير من بنودها لم يبدأ تطبيقه بعد.

الحياة: ألا ترى أن النظام السوري أهدر الكثير من الفرص؟

جلالة الملك: الوضع في سورية مفتوح على كل الاحتمالات. فالتركيبة المعقدة للمجتمع السوري تزيد من تعقيدات الأزمة وخطورتها، ونافذة الحل والخروج من الأزمة آخذة بالانكماش، وعلى الجميع التنبه إلى خطورة التطورات والانزلاق نحو حرب أهلية. هذا أكثر شيء يقلقنا في سورية.

الحياة: هل التطورات في سورية تشكل خطرا على بلدكم؟

جلالة الملك: إن غياب الاستقرار واستمرار العنف في سورية «خطر مباشر» على جميع دول المنطقة. وقد بدأنا نعيش تبعات الأزمة السورية في شكل تدفق الأشقاء السوريين إلى الأردن بحثا عن الأمان والمأوى لهم ولعائلاتهم. وتفاقم الوضع الإنساني في سورية يعني زيادة الضغط على الأردن، حيث يوجد لدينا حوالى 120 ألف سوري عبروا الحدود منذ بدء الأزمة وأحداث العنف. هذا الرقم يترجم بدخول أكثر من 7 آلاف طالب سوري وأكثر إلى المدارس الأردنية، وتقديم الرعاية الصحية والخدمات للسوريين الموجودين في الأردن بالتنسيق مع مؤسسات إغاثة دولية وإقليمية، ما زاد الضغط على الخدمات والمصادر الطبيعية كالمياه. إن الأردن بحاجة إلى دعم دولي مؤسسي ومستمر ليتمكن من القيام بهذا الواجب الإنساني الأساسي تجاه الأشقاء السوريين.

الحياة: مناورات «الأسد المتأهب» مع الولايات المتحدة و17 دولة انتهت، لكنها أثارت ردود فعل تجاه ما يجري في سورية؟

جلالة الملك: لا توجد أية علاقة لهذه المناورات التي تم تحديد موعدها منذ فترة طويلة، بالوضع في سورية، حيث ركزت على تدريبات وتمارين الحرب غير التقليدية التي تشمل مقاومة الإرهاب وأمن الحدود والنقل الاستراتيجي، ومواجهة التحديات الناشئة عن الأزمات. وهي تندرج ضمن المناورات الاعتيادية التي تجرى بين فترة وأخرى، بمشاركة قوات من دول عربية شقيقة وأجنبية وصديقة.

الحياة: هل يقلقكم الوضع في لبنان؟

جلالة الملك: نتابع باستمرار تطورات الأوضاع في لبنان الشقيق. وتقلقنا بطبيعة الحال أحداث العنف والاشتباكات التي حدثت اخيرا، خصوصا في مدينة طرابلس. وهذه نتيجة مباشرة لتأزم الأوضاع في سورية وانعكاساتها على لبنان بحكم الامتدادات السياسية والديموغرافية. ونتمنى أن تسود الحكمة ولغة الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على الاحتقان والاصطفاف. فالمنطقة لا تحتمل بؤر توتر جديدة. ونحن نقف دائما إلى جانب لبنان وشعبه العزيز ووحدته وسيادته واستقلال إرادته ووفاقه الوطني، الذي لا غنى عنه في هذه المرحلة الدقيقة.

الحياة: هل نحن على أبواب فتنة سنية - شيعية عابرة للحدود، يفاقمها استمرار المواجهة في سورية؟

جلالة الملك: اسمح لي بالرد هنا على هذا السؤال بالتساؤل: لمصلحة من تأجيج نار الفتن والتمحور والانقسام عوضا عن تعظيم القواسم المشتركة التي تجمع بين أبناء الأمة الواحدة التي عانت ما عانت عبر تاريخها الطويل من مثل هذه الفتن؟ نحن بحاجة إلى صحوة حقيقية توحد صفوف الأمة في مواجهة مختلف التحديات وفي سعيها لتحقيق الذات، خصوصا في ظل «الربيع العربي» الذي جاء نتيجة تعطش الشعوب العربية للحرية والكرامة والأمل بغد أفضل.

الحياة: هل ما زلتم تؤمنون بدور للجامعة العربية في حل الخلافات العربية؟

جلالة الملك: بالتأكيد، ونعتقد أن المرحلة التي تمر بها الجامعة العربية حاليا لا تمثل إمكاناتها المستقبلية المتوقعة في ظل عملية التحول والمخاض و «الربيع العربي» التي ستقود في مجملها إلى تقارب في المواقف والسياسات والتوجهات العامة العربية. قد يستغرق ذلك وقتا، خصوصا أن «الربيع العربي» فرض أولويات محلية ووطنية بالدرجة الأولى. لكن بعد الاستجابة إلى هذه الأولويات، سيكون التركيز على البعد الإقليمي والعمق العربي وستكون المظلة الجامعة هي جامعة الدول العربية، إن شاء الله.

الحياة: قضية السلام مع إسرائيل لا تزال في الثلاجة منذ سنين؟ هل مات حل الدولتين؟ وما هو البديل؟

جلالة الملك: واجبنا كدول عربية مؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية الاستمرار في الضغط عربيا وإقليميا ودوليا لفرض القضية الفلسطينية على أجندة الأولويات الدولية. إن الوصول إلى حل الدولتين يواجه صعوبات حقيقية، ولكن لا يوجد بديل يحقق طموح وحقوق وأماني الشعب الفلسطيني، واحتياجات إسرائيل للأمن والقبول في المنطقة إلا حل الدولتين: دولة إسرائيلية تعيش بأمن وسلام وقبول إلى جوار دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، وعلى خطوط الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، واستنادا إلى قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المتفق عليها بما في ذلك مبادرة السلام العربية.

الحياة: كيف يمكن الضغط على نتانياهو؟

جلالة الملك: الضغط لم يتوقف في الحقيقة. والفلسطينيون والعرب مستمرون بممارسة الضغط بأشكال مختلفة، أنجعها تسليط الضوء على عدالة القضية الفلسطينية، وعدم التهرب من استحقاقات السلام. وهناك فرصة تتمثل في طبيعة الائتلاف الحكومي الجديد في إسرائيل، والذي يتمتع بغالبية قوية، ما يمكن هذه الحكومة الإسرائيلية من الوصول إلى حلول تاريخية. وأشير هنا إلى المحادثات الاستكشافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي عقدت في عمان بداية هذا العام، والتي هدفت إلى مساعدة الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات. ونحن بدورنا ندعم أشقاءنا الفلسطينيين، ونعتبر القضية الفلسطينية قضيتنا، وإقامة دولتهم المستقلة بالنسبة إلينا مصلحة وطنية عليا. ومرة أخرى، أؤكد أن الحلول من جانب واحد تعود دوما بنتائج سلبية على الطرفين، خصوصا الإجراءات الأحادية الجانب وسياسة الاستيطان، والتي يجمع العالم على عدم شرعيتها وعدم قانونيتها، والتي نعتبرها عقبة تقوض فرص السلام. كما أن الحلول المجتزأة وفرض سياسة الأمر الواقع ستكون مخيبة للآمال، وصفعة قوية في وجه عملية السلام.

وفي حديثنا عن السلام، يجب ألا ننسى مدينة القدس. فالأوضاع هناك مقياس دقيق لحالة العملية السلمية. فماذا لدينا اليوم في القدس؟ لدينا محاولات إسرائيلية لتغيير الواقع الديموغرافي في هذه البقعة المقدسة للأديان السماوية. واجبي أن أستمر في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. فالقدس أمانة في عنقي كهاشمي. وعلى إسرائيل أن تغير من فلسفتها ونظرتها تجاه هذه البقعة الطاهرة والعزيزة على قلوبنا. إن أهمية القدس تكمن في قدسيتها للأديان الثلاثة، لكنها في السياسات الإسرائيلية الأحادية والمتطرفة حاليا هي ليست قدس التنوع والتعدد والسلام والتعايش وحرية العبادة والشعائر. ويبقى الوضع في القدس مؤشرا على نيات إسرائيل الحقيقية تجاه جهود السلام برمتها، وتجاه فكرة التعايش والقبول في المنطقة. فلا سلام حقيقيا وثابتا من دون حلول عادلة لهذه المدينة وواقع سكانها، أبنائنا وبناتنا من المسلمين والمسيحيين.

الحياة: هل فكرة مراجعة عملية السلام وما نجم عنها من معاهدات واردة لديكم كرد فعل على التعنت الإسرائيلي؟

جلالة الملك: نحن ملتزمون بمعاهدة السلام مع إسرائيل، والقنوات الديبلوماسية المفتوحة بيننا ساعدت كثيرا في حل مشاكل سياسية وأمنية، كما ساعدت على تقديم العون الإنساني للأشقاء الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة عبر السنين الماضية، خصوصا خلال وقت الأزمات. كما أنها تساعد في الوصول إلى المؤمنين بعملية السلام ورسالة السلام في المجتمع الإسرائيلي، وهي في نهاية المطاف مسخرة لخدمة قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لا نزال نعتقد بأن فرص تحقيق السلام، القائم على إيجاد حل لجميع قضايا الوضع النهائي، خصوصا القدس واللاجئين والحدود والمياه، موجودة، ولكن هذه الفرص لن تدوم طويلا، وإذا استمرت حالة الجمود في جهود تحقيق السلام، فسيكون مستقبل المنطقة وشعوبها مظلما، ولا يمكن التنبؤ به.
 
الحياة: هل يزعجكم التمدد الإيراني في الشرق الأوسط الجديد؟

جلالة الملك: ما يزعجنا حقيقة هو إثارة التوتر ومحاولة زعزعة استقرار المنطقة، وتهديد أمن بعض دولها، وأيضا أن تكرس ثروات المنطقة وإمكاناتها وأولوياتها نحو أهداف غير بناءة ولا منتجة، تعمق حالة الاستقطاب والتوتر. الحقائق الديموغرافية لمنطقة الشرق الأوسط تتطلب من دول المنطقة وجميع اللاعبين الرئيسين فيها التفكير بمسؤولية أكبر تجاه أجيال المستقبل. منطقتنا بحاجة الى توفير عدد هائل من فرص العمل، وضمان نمو اقتصادي إيجابي مطرد لاستيعاب الطاقات البشرية الفتية، واستثمارات هائلة في البنى التحتية والخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية حتى نكون أمما ناهضة واقتصادات صاعدة، إضافة إلى تنسيق إقليمي موصول لإبداع وتنفيذ حلول إستراتيجية لقضايا الطاقة والمياه والغذاء. وهذا كله لن يتأتى في ظل أجواء إقليمية مشحونة تقوم على الاستقطاب.

إن الأردن معني بأمن المنطقة التي يعيش فيها واستقرارها، وهو ضد سياسة التدخلات في شؤون الدول العربية الداخلية. وهو مع الحفاظ على سيادة هذه الدول، ووحدة أراضيها ضد الأطماع الخارجية بغض النظر عن مصدرها.

الحياة: حذرتم من عواقب ضرب إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية، ويبدو أن الخطر تجدد؟

جلالة الملك: تحذيرنا كان في سياق الحفاظ على أولوية القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية، والضغط لإقناع إسرائيل والعالم بأن ما يحفظ أمنها هو تحقيق العدالة لجيرانها وفي مقدمهم الفلسطينيون. إن إنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية سيحرم أي طرف من استغلال هذه القضية لأهداف سياسية وأطماع إقليمية. ونحن على قناعة بأنه مع قيام الدولة الفلسطينية، فإن غالبية الدول في المنطقة ستكون حريصة على الحفاظ على الاستقرار والسلام. هذا كان منطق مقاربتنا، إضافة إلى خطورة تداعيات توجيه ضربة من هذا القبيل على أمن التزود بالطاقة، وإمكانية تأجيج صراع إقليمي لا تحمد عواقبه. بالتوازي مع هذه الرؤية، فإن للأردن مواقف ثابتة تجاه سلمية استخدام الطاقة النووية تجلت في النموذج النووي الذي نسعى إليه. فالأمان النووي والشفافية الدولية في استخدامات الطاقة النووية هي معايير أساسية للنموذج النووي الأردني، وما انتهجناه لأنفسنا نتوقعه من جميع دول المنطقة من دون استثناء، والأردن يؤمن دائما بشرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل.

الحياة: الأوضاع في العراق تردت في الفترة الأخيرة، كيف يمكن تجاوز مخططات التفكيك؟

جلالة الملك: يمكن ذلك بتمسك الأشقاء العراقيين بوحدتهم الوطنية ونبذ الفرقة والتشرذم، وبالاتفاق والوفاق الوطني المستند إلى مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي الشقيق بمختلف قواه وأطيافه في العملية السياسية. ما يجمع العراقيين أكثر مما يفرقهم، إذ يربطهم مصير ومستقبل مشترك. والعراق القوي هو عمق استراتيجي لأشقائه العرب، والأردن لديه مصلحة عليا بأن يستعيد الجار العراقي دوره الفاعل في محيطه العربي والإقليمي.

الحياة: كيف تقومون الوضع الحالي في مصر؟

جلالة الملك: نتابع باهتمام مسار التطورات السياسية هناك، ونحترم إرادة الشعب المصري، خصوصا المتصل منها بالانتخابات الرئاسية، وكلنا ثقة بأن الشعب المصري قادر على النهوض ومجابهة التحديات ومواصلة مسيرة بناء الدولة ومؤسساتها، وترسيخ النهج الديموقراطي، وتمكين مصر من تعزيز مكانتها، فهي دولة ذات وزن عربي وإقليمي ودولي كبير.

الحياة: يقال إن الأردن يلعب دورا مهما في إعداد الجيش الليبي وتدريبه، ما هي حدود هذا الدور؟

جلالة الملك: وقفنا منذ البداية وما زلنا نقف إلى جانب الشعب الليبي الشقيق في تجاوز آثار المرحلة التي مضت وفي جهوده لبناء دولته الحديثة. ونحن في الواقع نستضيف وحدات من الشرطة الليبية لتلقي التدريب المناسب الذي يمكنها من القيام بواجباتها ومسؤولياتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهذا ما يحتاجه الشعب الليبي الشقيق الآن. كما أن الأردن من أوائل الدول التي بادرت إلى استقبال الجرحى والمرضى الليبيين ومعالجتهم، إضافة إلى إرسال مستشفيات ميدانية عسكرية لتقديم الرعاية الصحية للأشقاء في ليبيا. وهناك حديث جار بيننا لتقديم كل ما نملكه من خبرات في المجالات المختلفة لمساندة الأشقاء في ليبيا. وسيستمر الأردن في القيام بواجبه تجاه أشقائه العرب كلما استدعت الحاجة.

الحياة: كلمة أخيرة جلالة الملك؟

جلالة الملك: أؤمن دوما بأن ما يميز الأردن هو قدرته على تحويل التحديات، سواء كانت داخلية أو خارجية، إلى فرص، للبناء عليها والمضي الى الأمام بثقة وثبات وصولا إلى مستقبل أفضل، وأنا على يقين بأن النجاح سيكون حليفنا، إن شاء الله. وشكرا.