مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة عكاظ السعودية

١٣ آب ٢٠١٢

عكاظ: بداية كيف تنظرون جلالتكم لأهمية الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لعقد القمة الإسلامية الاستثنائية الطارئة في رحاب البيت العتيق، والتي تنطلق غدا الثلاثاء بحضور قادة وزعماء الدول الإسلامية، من حيث التوقيت والزمان والمكان؟

جلالة الملك: في الواقع أن دعوة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لعقد قمة إسلامية استثنائية طارئة تأتي استجابة إلى تحديات وظروف إقليمية معقدة تمر بها المنطقة، والعديد من دول العالم الإسلامي مما يتطلب تنسيق الجهود وتكاملها. كما أن توقيت الدعوة للقمة الإسلامية يدل على حصافة وحكمة أخي خادم الحرمين الشريفين، وما يتمتع به من قيادة وحضور واحترام في الدوائر العربية والإسلامية، والاستفادة من مشاركة هذه القيادات للم الشمل العربي والإسلامي في هذه الظروف الدقيقة.

كما أن انعقاد القمة في مكة المكرمة وخلال العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل له دلالاته الكبيرة، فمكة من أقدس بقاع الأرض لدى المسلمين جميعا، فمنها انطلقت رسالة الدين الحنيف وبشائر الخير، ومنها إن شاء الله ستنبثق انطلاقة جديدة لتوحد الأمة وجمع كلمتها.

عكاظ: ماهي رؤية جلالتكم لمستقبل التعاون والتنسيق السعودي الأردني بهدف إيجاد حلول لقضايا الأمة الإسلامية وتعزيز التضامن والعمل العربي والإسلامي المشترك؟

جلالة الملك: في الحقيقة أن العلاقات الأردنية السعودية في مستوى متقدم. وهي، والحمد لله، نموذج للعلاقات العربية الأخوية القائمة على الاحترام، والمؤسسية والاستمرارية في التنسيق والتشاور وتبادل الخبرات، ما يمكننا من بلورة مواقف منسجمة مع مختلف التطورات التي تشهدها الساحتان العربية والإقليمية. وهذا المستوى المتقدم في علاقات البلدين هو حصيلة إرث عميق من العلاقات الصادقة والصلات التاريخية وتلاحم الشعبين والقيادتين في المملكتين الشقيقتين، وهناك العديد من الروافد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جعلت العلاقة بين البلدين أشد تماسكا مع مرور السنوات، بل إنها تزداد قوة وثباتا في أوقات الأزمات والتحديات الإقليمية والدولية.

عكاظ: وماذا عن دعم المملكة العربية السعودية للأردن؟

جلالة الملك: في الحقيقة أن الشقيقة المملكة العربية السعودية هي الأكثر دعما لاقتصاد الأردن تاريخيا، إضافة إلى قناعة الشعبين الأردني والسعودي بأن السعودية والأردن يشكلان عمقا استراتيجيا منيعا لبعضهم البعض في مواجهة مختلف التحديات والأخطار، فأمن السعودية ودول الخليج العربي والأردن واحد. ونحن فخورون بهذه العلاقة الفريدة التي تمثل نموذجا متقدما للعلاقات العربية المبنية على الشراكة والتكامل والأخوة الصادقة، وقد كثفت المملكة العربية السعودية ودول شقيقة أخرى مؤخرا مساعدتها للأردن اقتصاديا واستثماريا، وهذا أمر يعبر عن المصير الواحد المشترك بين دولنا وشعوبنا العربية.

عكاظ: ما رأي جلالتكم حيال ما يجري في سوريا؟

جلالة الملك: في الحقيقة نحن طالما حذرنا من خطورة استمرار تدهور الأوضاع في سوريا، واليوم بات علينا العمل فورا وبشكل جاد من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة المتفاقمة. ولا بد هنا من التذكير بأننا في الأردن، حقيقة، الأكثر تأثرا بما يحدث في سوريا اقتصاديا وأمنيا. وأعداد اللاجئين من أشقائنا السوريين والتي ناهزت ما يزيد على 150.000 ممن قدموا إلى الأردن هي خير دليل. لذلك فإن ثوابت موقفنا لأي حل في سوريا تقوم على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا شعبا وأرضا، والحفاظ على سلمها الأهلي والأمن الإقليمي. ومن هنا، فإننا ندعو إلى الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق من خلال تكثيف الجهد الإغاثي وغيره من المبادرات الإنسانية.

عكاظ: إذن كيف تتعاملون جلالتكم مع الأزمة من الناحية الإنسانية؟

جلالة الملك: من هذا المنطلق، فقد تحملنا وسنستمر في تحمل مسؤولياتنا إزاء أبناء الشعب السوري الشقيق الذين قصدوا الأردن منذ بداية الأحداث الدموية، وسنستمر في تسخير إمكاناتنا ومواردنا على محدوديتها ورغم الضائقة الاقتصادية والمالية التي نمر بها، للتخفيف من معاناتهم. وفي حال استمرار تدهور الوضع في سوريا، فإن ذلك سيزيد بشكل كبير من مصاعب الأردن ومن الأعباء التي يواجهها ومضاعفاتها على جيراننا، الأمر الذي يستدعي مساعدته من قبل الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي في مواجهة هذا الواقع وتبعاته. وفي ظل الأوضاع الاستثنائية وغير المسبوقة المترتبة على المستجدات في سوريا، فإن الأمة العربية والإسلامية أمام مسؤولية تاريخية لبلورة رؤية استراتيجية موحدة لحماية مصالح أمتنا. وقد بدأت العديد من الدول الشقيقة والصديقة التحرك الفعلي لمساعدة الأردن في تحمله لهذه المسؤولية الإنسانية تجاه الأشقاء السوريين، وقد بدأت المساعدات الإغاثية تصل إلى الأردن.

عكاظ: ما هي رؤية المملكة الأردنية لتطورات الأوضاع في العالم الإسلامي، وبشكل خاص مستقبل القضية الفلسطينية، وما يجري في المنطقة العربية من تطورات متسارعة، وكيفية تعزيز العمل الإسلامي المشترك؟

جلالة الملك: أؤكد لكم أن موقف الأردن ثابت وراسخ في هذا الشأن، فنحن نعتبر القضية الفلسطينية جوهر الصراع، وسببا رئيسا لحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. والسبيل الوحيد لإنهاء التوتر وعدم الاستقرار الذين تعاني منهما المنطقة هو التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ودائمة للصراع العربي – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، والقابلة للحياة على أساس خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشريف استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية.

ومبادرة السلام العربية التي طرحها أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بحكمته ورؤيته المعهودة وحرصه الدائم على الذود عن القضايا العربية والإسلامية. فهذه المبادرة تنبثق أهميتها من تبني الدول العربية والإسلامية لها مما جعلها تعبر عن موقف عربي وإسلامي موحد وجماعي لتحقيق السلام الشامل والدائم، الذي يضمن تحقيق الأمن والاستقرار المستدام في المنطقة.

عكاظ: ماهي رؤية جلالتكم حيال الجمود التي تشهده عملية السلام في الشرق الأوسط؟

جلالة الملك: كما تعلمون، نحن نواجه اليوم حالة من الجمود أصابت مساعي إحلال السلام. وقناعتنا المبنية على الخبرة والمتابعة الحثيثة لعملية السلام تؤكد لنا بأن هذا الجمود لا يخدم سوى السياسيات التوسعية الإسرائيلية. لذلك، ولخطورة هذه الحالة على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية والمصالح العربية الاستراتيجية، فقد كثف الأردن جهوده الدبلوماسية لإيجاد الأرضية التي تسمح باستئناف المفاوضات المباشرة حول قضايا الوضع النهائي طبقا للمرجعيات المعتمدة، حيث قمنا بدعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى لقاءات استكشافية في عمان كجزء من محاولاتنا لإسناد الشعب الفلسطيني الشقيق، وتمكينه من إنجاز حل الدولتين وحماية لمصالحنا ومصالح الأمة العربية. وتحركنا فيما يخص القضية الفلسطينية مبني على قناعة بأن حل القضية هو في صلب المصالح الوطنية الأردنية. فالتماس الجغرافي والصلات التاريخية وحدت مصالح الشعبين، وجعلتنا نعيش المصاب الفلسطيني عن قرب وبشكل يومي.

عكاظ: ما هو الموقف من قضية القدس الشريف؟

جلالة الملك: في الحقيقة أن أكثر ما يقلقنا في ظل حالة الجمود الراهنة هو ما تواجهه مدينة القدس الشريف، مدينة السلام، وما يواجهه أهلنا هنالك من إجراءات إسرائيلية أحادية تهدد هوية ومعالم المدينة. وهي محاولات لفرض واقع جديد في الحرم القدسي الشريف، بالإضافة إلى استمرار عمليات التهويد والتهجير. لذلك لا بد من اتخاذ موقف إسلامي موحد أكثر حزما وفاعلية في مواجهة هذه الإجراءات، بالإضافة إلى مضاعفة جهودنا في دعم صمود أهلنا في القدس الشريف، وضمان حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها والوقوف بحزم ضد محاولات تغيير تركيبتها الديمغرافية ووضعها القانوني كمدينة واقعة تحت الاحتلال. ونحن بحاجة إلى مساندة أشقائنا المسلمين في دعم جهودنا وفي حث المجتمع الدولي على تحمل مسؤوليته في وقف كل هذه الانتهاكات التي من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليين، ونشير هنا إلى ما بذلناه من جهود في منظمة اليونسكو لحماية القدس التي كان الأردن أدرجها على قوائم التراث المحمي من قبل اليونسكو قبل ثلاثين عاما.