الملك يفتتح الاجتماع السنوي السابع والعشرين لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية
افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، اليوم الأربعاء، الاجتماع السنوي السابع والعشرين لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومنتدى الأعمال، في مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات بمنطقة البحر الميت.
وألقى جلالة الملك الكلمة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية، أكد فيها أن الأولوية الوطنية وأولويته الشخصية هي تأمين مستوى حياة أفضل لكل الأردنيين، مشددا جلالته على أن تحقيق هذا الهدف هو ما سيجعله يشعر بالرضا.
وفيما يلي نص كلمة جلالة الملك:
" بسم الله الرحمن الرحيم،
السيد الرئيس سوما تشاكرابارتي
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
أرحب بكم جميعا أحرّ ترحيب باسم الأردن. ويسرني أن أساهم في افتتاح أول اجتماع سنوي للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في منطقة جنوب وشرق المتوسط. وأشكر جميع من يشاركوننا حضور هذا الاجتماع.
أصدقائي،
إن "تنشيط الاقتصادات" وهو العنوان الرئيسي لهذا الاجتماع يبدأ بالاستثمار؛ الاستثمار في الابتكار، والاستثمار في طرق التفكير المرتبطة بالقرن الحادي والعشرين. إن هذا النوع من الاستثمار يهدف إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة، ويهدف إلى إعادة التفكير في الحلول الممكنة لمختلف التحديات، كما يهدف أيضاً إلى إحداث قفزات في المراحل التقنية وتبني أحدث الإمكانات والقدرات التكنولوجية.
إن تنشيط الاقتصادات يبدأ بالاستثمار في نمو القطاع الخاص وإيجاد الفرص، من أجل دعم الرياديين، وتوفير فرص العمل، وزيادة مستويات الدخل، وتوسيع آفاق التنمية للجميع. وهو يبدأ أيضاً بالاستثمار في ركائز الاستقرار والاعتدال، حتى ننهض بأولوية عالمية مشتركة تتمثل في تحقيق الوئام والتعاون والعيش المشترك، وحتى نرسي شراكات مع الدول التي تقوم بمسؤوليتها تجاه عمل الخير وما هو صائب على أكمل وجه. وهذا كله من شأنه دعم جيل جديد من المعنيين والقادرين على إدامة السلام والتنمية التي تشمل الجميع وعلى امتداد سنوات المستقبل.
نحن جميعا نعي التحديات التي تواجه الإقليم والعالم. وكلنا مطالبون بمواجهة هذه التحديات. وأستطيع أن أؤكد لكم بأن الأردن مستمر بالقيام بدور رئيس في إطار الجهد الدولي لإيجاد حلول تنهي الأزمات التي تهدد منطقتنا والعالم.
وأؤكد لكم بأن مستقبل إنسانيتنا المشتركة على المحك، ويتطلب أكثر من مجرد الاستجابة للتحديات، فالدفاع لم يعد أفضل وسيلة للتقدم. إن شعوب بلادنا تستحق أن يكون لها أهداف طموحة وعمل جدي وحاسم لتحقيقها. فلم يعد ممكنا الاكتفاء بجهود إنهاء الأزمات، بل لا بد من تهيئة البيئة اللازمة لإحلال السلام. ولم يعد ممكنا الاكتفاء بمواجهة الأخطار البيئية، بل أصبح من الضروري توفير عالم صحي وصديق للبيئة. ولم يعد مقبولا الاكتفاء بتأمين الاحتياجات الاقتصادية، بل لا بد من توسيع آفاق الازدهار، والتأكد من أنه متاح للجميع وله نتائج حقيقية وملموسة.
إن هذه الرؤية تشكل نهج الأردن. وأولويتنا الوطنية، وأولويتي الشخصية الأولى، هي تأمين مستوى حياة أفضل لكل الأردنيين. وعلى مدار عقود مضت، عمل الأردنيون في القطاعين العام والخاص وفي مؤسسات التعليم والمجتمع المدني بشكل مشترك، من أجل تحقيق تغيير مبني على الإجماع، تغيير يبقى أثره ماثلا ومستمراً.
إن برنامج الأردن ورؤيته الاقتصادية ترتكز بشكل أساسي على أهم مقدراتنا: وهم الأردنيون بما يتمتعون به من إبداع وطموح، وغالبيتهم من جيل الشباب. وينظر الأردن باستمرار إلى إشراك الجميع في مسيرة البناء، والمساواة بين الجنسين، وبث روح الريادة كمحركات أساسية لتحقيق التنمية. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن استثمارنا في التعليم يهدف إلى تزويد أبناء وبنات الأردن بالأدوات المعرفية الضرورية للمنافسة على مستوى العالم. ولا شك بأن هذا الاستثمار الموصول في الشباب، وما رافقه من تشجيع روح الإبداع والابتكار، مكّن الأردن من تبوء موقع ريادي على مستوى الإقليم في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والشركات الناشئة، والصناعات الإبداعية.
أما ثاني أهم المقدرات التي يتمتع بها الأردن، فهي موقعه الجغرافي الاستراتيجي، فهو بوابة تصل آسيا وأوروبا وأفريقيا. كما أن ما أنجزه الأردن من اتفاقيات تجارة حرة متعددة يمكّن قطاعنا الخاص وشركاءنا من الوصول إلى أسواق عالمية تضم أكثر من مليار مستهلك، من بينها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم 350 مليون مستهلك. كما أن استثماراتنا في مرافق الموانئ وغيرها من البنى التحتية، تتيح فرصا على المستويات الدولية، والإقليمية والمحلية.
واليوم، تركز خطة التحفيز الاقتصادي في الأردن، التي تستشرف المستقبل، على قطاعات ذات قيمة مضافة عالية ومنتشرة في مختلف أرجاء الأردن. فقد حددنا فرصا استثمارية للشراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة تقارب 15 مليار دولار في قطاعات متنوعة تشمل الطاقة المتجددة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية، والإنشاءات، والرعاية الصحية، والسياحة والخدمات المالية. وسواء أكانت مشاريعكم المستقبلية مرتبطة بالتصنيع لغايات التصدير عبر اتفاقيات التجارة الحرة، أو مشاريع اقتصادية خضراء وصديقة للبيئة، أو خدمات مهنية، أو فرصا جديدة كليا تستحدثونها، فإني أؤكد لكم بأن الأردن منفتح ويتطلع لاحتضان هذه الأعمال.
وقد يتساءل البعض إن كنا قد حققنا ما نطمح إليه من أهداف بأسرع وتيرة ممكنة. ومن المؤكد أنني لن أشعر بالرضا، حتى ننجز مستويات أفضل للمعيشة يلمسها كل الأردنيين في مختلف مجتمعاتهم المحلية. وبالرغم من ذلك، أستطيع القول إننا نتبنى النهج الصحيح. وأحد المؤشرات على ذلك، هو أن الأردن قد استمر بالمضي قدما على امتداد العقد الماضي رغم ما واجهه من تحديات خارجية، شملت الأزمة المالية العالمية، ثم أزمة الطاقة، مرورا بالاضطرابات الإقليمية، فأزمة اللجوء السوري بأعبائها الهائلة على الخزينة والمواطنين.
إن منعة الأردن مستمرة ومتجددة بفضل إرث يستند على التوافق، والوحدة الوطنية، وقيم الاعتدال والانفتاح والاحترام المتبادل. لقد تمكن الأردن عبر التاريخ من تحويل التحديات إلى فرص، وتحويل الفرص إلى المزيد من الفرص. هذا هو النهج الذي يقودنا نحو المستقبل، وهذا هو الأمل الذي نتمناه لمنطقتنا أيضاً.
وبطبيعة الحال، فليس بإمكان أي دولة أن تتقدم بشكل منفرد ومن دون شراكات. وقد مثَّل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية خير شريك للأردن في دعم مساره الاقتصادي، من خلال الاستثمار لتحقيق النمو الاقتصادي، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، وتوفير الدعم الضروري لخطة الاستجابة للأزمة السورية.
وهنا، أود أن أشكر صديقنا، سوما تشاكرابارتي، وأثمن قيادته ورؤيته التي ارتقت بأداء البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لآفاق جديدة وضاعفت جهود البنك والتزاماته تجاه منطقتنا.
وبالفعل، ستشهد العلاقة بين الأردن والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية هذا العام تطورا عبر عدد من المبادرات الحيوية والجديدة ومن بينها: جهود التنمية الخضراء، وإنشاء مركز متكامل لدعم الابتكار والريادة (المركز الوطني للإبداع)، كما أن مبادرتنا المشتركة لتعزيز المناخ الاستثماري والحوكمة الرشيدة ستسهم في تنشيط البيئة الكفيلة بتحفيز نمو الأعمال. وهنا، نعبّر عن تقديرنا للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على هذه المبادرات والكثير غيرها، كما نشكر جميع من يدعمون البنك حتى يتمكن من النهوض بهذه المسؤولية الدولية المحورية.
أصدقائي،
إن المشاريع المشتركة تزدهر وتثمر عندما يستثمر الشركاء ويكرسون جل طاقاتهم ومواهبهم ومواردهم بهدف تحقيق النجاح. ونحن المجتمعون هنا اليوم شركاء في تحقيق هدف محوري، وهو "تنشيط الاقتصادات" التي تصب في صميم الازدهار والسلام العالميين.
أمامنا اليوم فرص حقيقية لتمكين ودعم بلداننا وشعوبنا. وبشراكاتنا، واستثماراتنا، سيكون النجاح حليفنا بكل تأكيد.
أشكركم جميعا".
وألقى وزير التخطيط والتعاون الدولي المهندس عماد فاخوري كلمة في الجلسة الافتتاحية، باعتباره محافظ الأردن في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ورئيس مجلس المحافظين للاجتماع السنوي الذي يعقد في الأردن.
وأشار فاخوري في كلمته إلى أهمية انعقاد الاجتماع السنوي للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية للمرة الأولى في الأردن وعلى مستوى المنطقة.
وأضاف أنه منذ عام 2012 إلى اليوم وصل حجم استثمارات البنك في منطقة جنوب وشرق المتوسط أكثر من 7 مليار يورو مولت 180 مشروعا استثماريا وأخرى في قطاع البنى التحتية، نفذ حوالي 70 بالمائة منها على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وقال إن أعمال البنك في الأردن كان لها أثر مهم، خصوصا تلك المرتبطة بمشاريع الطاقة المتجددة والدعم المقدم للتخفيف من أعباء أزمة اللجوء السوري على قطاعي المياه والخدمات البلدية.
ولفت إلى الأداء القوي للبنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية على المستوى العملياتي في عام 2017، والتي تمثلت بحجم استثمارات بلغت 7ر9 مليار يورو شملت 412 مشروعا في 36 دولة يعمل بها البنك.
ودعا فاخوري الشركات وقطاع الأعمال إلى استكتشاف الفرص الاستثمارية في المملكة، حيث تشهد الشركات المستثمرة في الأردن عوائد جيدة تنعكس إيجابا على المساهمين، وعلى الأردن ونموذجه المميز.
وأشاد بما يقوم به البنك من توسيع لعملياته في الدول العربية ضمن منطقة جنوب وشرق المتوسط، خاصة في لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، التي استحدث لها البنك صندوق ائتماني متخصص.
بدوره، وصف رئيس البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية سوما تشاكرابارتي، في كلمته، أعمال البنك في الأردن "بقصة نجاح مذهلة"، حيث تجاوز حجم استثمارات البنك مليار يورو خلال فترة الخمس سنوات ونصف في المملكة.
وقال "إن ما قمنا به هو شهادة على القيادة والرؤية المتميزتين لجلالة الملك، وتوجيهاته لفريق وزاري ممتاز وثقافة المبادرة الجريئة التي يتميز بها الأردن في جميع أنحاء هذه المنطقة وخارجها".
وأكد أن النجاح في الأردن يعكس إنجازات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في جميع أنحاء المنطقة، مشيرا إلى نمو أعمال البنك في المنطقة من صفر منذ خمسة أعوام ونصف إلى ما يقارب 7 مليارات يورو حاليا.
وأضاف أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يعد رائدا في تعزيز تنافسية الاقتصادات عن طريق تقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث مول البنك في العام الماضي نحو 200 ألف شركة صغيرة ومتوسطة بشكل مباشر ومن خلال وسطاء ماليين محليين.
وأكد تشاكرابارتي أن نموذج عمل البنك يقوم على "التكامل مع وليس مزاحمة مصادر التمويل الأخرى، سواء من البنوك التنموية متعددة الأطراف أو من القطاع الخاص".
وكمثال على أولويات البنك الاستثمارية والتنموية، أشار تشاكرابارتي إلى ارتفاع التمويل المخصص للانتقال للاقتصاد الأخضر من 8ر2 مليار يورو في عام 2016 إلى 4 مليارات يورو في العام 2017.
وحضر الجلسة الافتتاحية رئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس المحكمة الدستورية، ونائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، ونائب رئيس الوزراء وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، ومستشار جلالة الملك، مدير مكتب جلالته، ومستشار جلالة الملك للشؤون الاقتصادية، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين.
ويشارك في الاجتماع السنوي ومنتدى الأعمال، الذي يعقد للمرة الأولى في منطقة جنوب وشرق المتوسط تحت عنوان "تنشيط الاقتصادات"، أكثر من 2000 شخص من ممثلي الدول الأعضاء في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى من دول عدة ورجال وسيدات أعمال وممثلي عدد من كبريات الشركات ومؤسسات دولية ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام محلية وإقليمية وعالمية.
وشهد حفل الافتتاح عرض فيلم قصير سلط الضوء على الإنجازات التي حققها البنك في مناطق عملياته في أوروبا وآسيا وأفريقيا، خصوصا في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية ومشاريع إعادة التدوير وتمويل المشاريع الصغيرة لتمكين المرأة والمشاريع الناشئة.
وفي ختام الجلسة الإفتتاحية، قدمت جوقة دوزان وأوتار الأردنية عرضا فنيا تضمن مجموعة من الأغاني الفلكلورية من التراث العربي والعالمي.
يشار إلى أن الاجتماع السنوي السابع والعشرين لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومنتدى الأعمال ، يعقد في الأردن كأحد دول منطقة عمليات البنك لدول جنوب وشرق المتوسط، وتنظمه وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
ويناقش مجلس محافظي البنك، خلال اجتماعهم، التحديات العالمية بما في ذلك جهود دعم النمو الاقتصادي ومكافحة التغير المناخي وتعزيز بيئة الأعمال في المناطق المشمولة باستثمارات وعمليات البنك.
ويتضمن الاجتماع السنوي مجموعة من الجلسات الحوارية، كما ينعقد ضمن منتدى الأعمال، جلسة عن تطلعات الاستثمار خاصة بالأردن بعنوان "الأردن: تعزيز الاستثمار والتجارة والابتكار في جميع أنحاء المنطقة وخارجها" .
وتسلط الجلسة الضوء على الفرص والإمكانات والميزات الاستثمارية في الأردن وقصص النجاح في عدة قطاعات ومجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة وتوليد الطاقة والسياحة العلاجية والتعليم والخدمات الاستشارية، وكذلك النموذج الأردني في تبني أسلوب الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى الفرص المتاحة في مشاريع كالبنية التحتية وخطط البنك المستقبلية في الأردن ومستقبل الاستثمارات في عدة مجالات في الأردن.
وللبنك الأوربي لإعادة الإعمار والتنمية الذي تاسس عام 1991 ومقره لندن، استثمارات في الأردن تقدر بأكثر من مليار يورو تتوزع على 38 مشروعا في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعات الدوائية والمياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة، والمؤسسات المالية وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وأصبح الأردن عضوا في البنك عام 2011، وافتتح البنك مكتبا دائما له في عمان عام 2013، لإدارة عملياته في المملكة.
ومن الجدير بالذكر بأن عدد الدول الأعضاء في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يبلغ حاليا 66 دولة من خمس قارات، كما أن الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار من أبرز المساهمين فيه.