مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة فرانس برس

٢٩ أيلول ٢٠٠٣

فرانس برس: شكّل الوضع في العراق صلب المحادثات خلال زيارتكم الأخيرة إلى الولايات المتحدة.. ما هو موقف الأردن حيال مشروع القرار الأميركي بتعزيز دور الأمم المتحدة في العراق؟

جلالة الملك: نحن في الأردن سندعم أي توجه في هذا الاتجاه لأننا ندرك أن عراقاً ديموقراطياً آمناً ومستقراً سيدعم أمن واستقرار المنطقة بشكل عام.. الأمم المتحدة والاميركيون والفرنسيون يسعون لنفس الغاية، أي مستقبل أفضل للعراق.

لقد ناقشت مؤخراً مع الرئيس الاميركي جورج بوش مستقبل العراق، واعتقد أن الجميع بما فيهم الولايات المتحدة يعملون من أجل منح العراقيين المزيد من السلطات لإدارة شؤونهم وتشكيل حكومة وطنية عراقية منتخبة تمثل جميع أطياف المجتمع العراقي، لكن هناك خلاف على مسألة تحديد الوقت بسبب تردي الأوضاع الأمنية، كما يقول الأميركيون.

نحن مع الإسراع قدر الإمكان في إعطاء العراقيين الفرصة لحكم أنفسهم، نأمل أن تسفر المشاورات الجارية حالياً في الأمم المتحدة عن التوصل إلى توافق حول قرار مجلس الأمن الدولي بشأن حفظ السلام في العراق، لأننا نعتقد أن إعطاء المجتمع الدولي دورا في عملية إعادة بناء العراق وعدم هضم حقوق شعبه في تولي مسؤولية إدارة شؤونه سيشكل دفعاً قوياً لهذا البلد.

فرانس برس: هل تعتقدون بإمكان التوصل إلى حل وسط في مسألة منح العراقيين السيادة على بلادهم في ظل اصرار فرنسا على ذلك ومعارضة الرئيس بوش انتقالا سريعا للسلطة في البلاد؟

جلالة الملك: أعتقد أننا جميعا ندعو إلى منح العراقيين سلطات بلادهم. الاختلاف هو على الوقت، الأميركيون الآن خصوصاً يرون أن الفرصة غير مواتية لإعطاء مسؤولية الحكم لحكومة غير منتخبة. الرئيس الفرنسي جاك شيراك التزم ان يتسلم العراقيون زمام الأمور في بلادهم في اقرب فرصة.

اعرف ان المواجهة ستكون صعبة، لكني أعتقد انه عبر التحاور ودراسة الموضوع بشكل موسع سيتمكن الأميركيون والفرنسيون والأمم المتحدة في نهاية المطاف من الاتفاق على جدول زمني يمكن العراقيين من حكم أنفسهم.

فرانس برس: ما هو دور الأردن في المساعدة في تعزيز الأمن في العراق؟ وهل يمكن أن ترسلوا قوات أمنية أردنية إلى العراق؟

جلالة الملك: إن إرسال قوات أردنية إلى العراق ليست فكرة جيدة كما أنها ليست مسألة عادلة بالنسبة للعراقيين، لكننا في المقابل نحضر لتدريب حوالى 30 ألف عنصر أمن عراقي في الأردن في دورات مدة كل منها ثمانية أسابيع ويشارك فيها حوالى 1500 عراقي.

سنستقبل قريبا دفعة أولى من ثلاثة آلاف عنصر أمن عراقي، كما سيكون هناك تدريبات خاصة للمدربين بدءاً بمجموعة من مائة مدرب عراقي وتدريبات أخرى محتملة للعسكريين. وقلنا للعراقيين أهلاً وسهلا بكم في كل ما تريدونه من مؤسساتنا ولكن هنا في الأردن، أما أن نذهب إلى العراق فتلك مسألة حساسة جداً، وان إرسال جنود أو رجال شرطة أردنيين يتجولون في شوارع العراق ليس مسألة عادلة بالنسبة للعراقيين ولا بالنسبة لجيرانهم.

فرانس برس: كنتم آخر القادة الذين زاروا إيران في الوقت الذي تواجه فيه ضغطاً دوليا متزايداً حيال برنامجها النووي، ومسألة مكافحة الإرهاب، هل لمستم تغييراً في الموقف الإيراني؟

جلالة الملك: إنني أرى أن أفضل أسلوب لحل المشاكل العالقة مع إيران هو الحوار، لقد لمست لدى المسؤولين الإيرانيين استعداداً لمناقشة كافة المسائل مع المجتمع الدولي بما في ذلك الملف النووي.

وبالنسبة لموضوع مكافحة الإرهاب، عبر الإيرانيون عن مخاوفهم من أن يصبح العراق مركزاً للحركات الإرهابية سواء داخله أو للانطلاق منه إلى دول الجوار، وهم على استعداد للتعاون والحوار حول كيفية محاربة الإرهاب، وإيران دولة مهمة جداً في الحرب الدولية ضد الإرهاب ولا بد من الاستفادة منها لمحاربة هذا التيار الذي أصبح يؤرق المنطقة والمجتمع الدولي.

فرانس برس: لقد كتبتم في مقالة نشرتها صحيفة" لوس انجليس تايمز" أن بعض الإرهابيين ألحقوا الأذى بالصورة الحقيقية للإسلام. ما هو دور الأردن في محاربة الإرهاب الدولي؟

جلالة الملك: الأردن والدول العربية والإسلامية ملتزمة بمحاربة الإرهاب، في الأردن دفعنا ثمنا غالياً للعمليات الإرهابية، فالإرهاب لم يعد يفرق بين مسلم وغير مسلم، بل إن جرائم الإرهابيين ضد أبناء أمتهم من العرب والمسلمين كانت أكثر وقعاً وشدة، رأيناهم يضربون في السعودية وفي إندونيسيا حيث غالبية الضحايا من المسلمين.

ومقالتي في صحيفة "لوس أنجلس تايمز" أتت لتوضيح الصورة الناصعة عن الإسلام.. نحن في الأردن لدينا مسؤولية الدفاع عن الإسلام الصحيح، فالأغلبية من مسلمي العالم يعملون من أجل السلام، يجب على العرب والمسلمين أن يعملوا معا لعزل هذه الفئة الصغيرة التي تحاول اختطاف الإسلام والإساءة إليه.

فرانس برس: إن عملية السلام في الشرق الأوسط تمر بحالة تدهور مستمر، وقال الكثيرون إنها باتت مهددة إن لم تمت، فكيف يمكن للأردن مساعدة الدول العربية الأخرى في أن يضم جهوده إلى الاتحاد الأوروبي لتنشيط محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية؟ وبشكل خاص ما هو الدعم الذي يمكن تقديمه لحكومة أحمد قريع الجديدة؟

جلالة الملك: لقد حذرت خلال زيارتي للولايات المتحدة من أن الإعلان عن "موت" خريطة الطريق في هذه المرحلة سيشكل كارثة لأننا نرى أن خطة السلام هذه حظيت بإجماع دولي بما فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إن الإعلان عن فشل هذه الخطة سيعيدنا إلى المربع الأول وسيؤدي بالتالي إلى زيادة حدة العنف، المطلوب الآن من الجميع ومن الاتحاد الأوروبي وبشكل خاص الولايات المتحدة الضغط على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف عملية السلام.

من جانب آخر يحتاج الفلسطينيون إلى مساعدة ودعم المجتمع الدولي، وحكومة احمد قريع يجب أن تعطى صلاحيات كاملة لحفظ الأمن، وبالتالي علينا دعمها وعلى الإسرائيليين أيضا إنجاح مهمتها حتى يتسنى لها القيام بواجباتها تجاه الفلسطينيين وحفظ الأمن في الأراضي الفلسطينية.

لا تستطيع أن تقول للفلسطينيين حافظوا على الأمن دون أن تمنحهم صلاحيات كاملة لإدارة شؤونهم، والمطلوب أن توقف إسرائيل سياسة الاستيطان ووقف العمل بالجدار الفاصل ووقف الاغتيالات والعمليات العسكرية، وبالمقابل على الفلسطينيين أن يوقفوا استخدام العنف ضد الإسرائيليين لتمهيد الطريق أمام استئناف مفاوضات السلام فورا.ً

فرانس برس: هل الأردن مستعد لإعادة سفيره إلى إسرائيل كحافز لإعطاء مزيد من الدعم لعملية السلام؟

جلالة الملك: إذا كان نجاح عملية السلام مرتبطا بعودة السفير الأردني إلى إسرائيل فنحن على استعداد لإرساله إلى إسرائيل يوم غد.

فرانس برس: استضاف الأردن في سياق جهوده لتحسين اقتصاده العديد من المؤتمرات والنشاطات التي تركز على إعادة إعمار العراق في مرحلة ما بعد الحرب، ما هي العقود التي تهم الأردن في بغداد وما هي الحصة التي سيحصل عليها؟

جلالة الملك: يتمتع القطاع الخاص الأردني بعلاقة بناءة وطويلة مع الشركات العراقية، ويمكن الاستفادة من معرفة وخبرة هذا القطاع في الجهود الرامية إلى إعادة الاعمار في العراق، ولكن الأكثر أهمية هو مستقبل العلاقات الاقتصادية مع العراق. ونحن نطمح إلى إقامة علاقات مستدامة وذات فائدة متبادلة يرسخها تعاون فاعل من جانب القطاع الخاص، إن للأردن تجربة غنية جدا في إعادة هيكلة قطاعاته الاقتصادية وتحديد محركات نموه، كما أن لدينا سجلاً ناجحاً في خصخصة الأنشطة الاقتصادية والمؤسسات التابعة للدولة، وبإمكان العراق الاستفادة من التجربة الأردنية، بالإضافة إلى ذلك فان الشركات الأردنية لها قدرة تنافسية في مجالات تطوير البرمجة وإنتاج الأدوية والسياحة والخدمات القانونية إلى جانب ميادين عديدة أخرى، نحن نعتقد أن ذلك يشكل أرضية حقيقية للتعاون بين الأردن والولايات المتحدة، كما أنه بامكاننا مساعدة العراقيين في العمل على إعادة إعمار بلدهم.