مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة فرانس برس

١٥ آذار ٢٠٠٦

فرانس برس: كيف تنظرون الى اقتحام القوات الإسرائيلية سجن أريحا؟

جلالة الملك: إننا نعتبر ما جرى أمس تهديدا لمستقبل عملية السلام والأمن والاستقرار في المنطقة وتصعيدا مؤسفا..لقد كان من الأجدر بالأطراف المعنية في هذه القضية..أن تجد صيغة أخرى للتعامل معها غير الذي جرى والذي أسهم في خلق حالة من التوتر وقلل من فرص إيجاد بيئة ملائمة للمضي قدماً في عملية السلام.

فرانس برس: ما هو موقفكم من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بالإنابة أيهود اولمرت عن خطة أحادية للانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية ووضع حدود نهائية لإسرائيل؟

جلالة الملك: نحن نؤمن أن الحلول أحادية الجانب والتي لا تحظى بإجماع وموافقة إقليمية ودولية سوف لا تجد طريقها للنجاح بشكل كامل..هنالك قرارات للشرعية الدولية..وهناك أيضا التزامات من قبل إسرائيل خلال الاتفاقيات التي وقعتها مع الفلسطينيين ندعو إلى تنفيذها.. مثلما ندعو الفلسطينيين إلى التعامل مع الواقع والاقتناع بأن لا سبيل إلى السلام وعودة الحقوق إلا من خلال المفاوضات.. فهي الطريق الوحيد وأفضل وسيلة لإيجاد سلام عادل وشامل في المنطقة يعيد الحقوق إلى أصحابها ويخلق حالة تعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. فالحلول الأحادية الجانب لا تخدم عملية السلام ولا تخدم التعايش في المنطقة.. وموقف الأردن سيبقى ثابتاً في حث الإسرائيليين والفلسطينيين والمجتمع الدولي على ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات لإحلال السلام العادل والشامل الذي يؤدي إلى حل الدولتين؛ دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش إلى جانب دولة إسرائيل الآمنة.. إن الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية قد خف، وانه اذا استمر كل طرف برمي الكرة لملعب الطرف الآخر فمن الواضح انه بعد سنتين لن تكون هناك أرض للتفاوض عليها..إنني استعيد هنا مقولة لأحد المحامين مفادها ان القضية الناجحة هي عندما يكون الطرفان غير راضيين لانهما قدما تنازلات..هذه المعادلة نفسها صالحة في المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل.

فرانس برس: هل تعتبرون الإشكال الدبلوماسي مع إسرائيل منتهيا بعد أن أعتذر أولمرت عن تصريحات الجنرال نافيه؟ وهل لا زال هناك مجال للقلق خاصة وأن "الخيار الأردني" لا زال موضوعاً يتكرر طرحه بين الإسرائيليين؟

جلالة الملك: نحن لا نقلق من هذه التصريحات..لأننا واثقون من خطواتنا، ومؤمنون أننا نسير على الطريق الصحيح..فالأردن قوي لا يهزه تصريح هنا أو هناك، وبالنسبة لموضوع الخيار الأردني قلنا أن الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين..هناك خيار فلسطيني فقط، وعلى الإسرائيليين والعالم أن يتعاملوا مع هذه الحقيقة.

فرانس برس: هل تتوقع أن يشكل فوز حماس ونجاح الإسلاميين في مصر في الانتخابات الأخيرة إشارة على تصاعد مد القوة الإسلامية في هذه المنطقة؟

جلالة الملك:لقد أظهرت الانتخابات في مصر وفي فلسطين تصاعدا للتيارات الإسلامية، لأنها أحسنت تنظيم نفسها، بعكس القوى الأخرى التي ساهمت عوامل عديدة في تراجعها، والتي كان أبرزها عدم قدرتها على التنظيم، وافتقارها للشخصيات القيادية، إضافة إلى فساد بعض قياداتها..ونحن في الأردن لا نقلق فيما إذا فاز الإسلاميون، طالما أنهم منضوون تحت الدستور ويحترمون أنظمتنا وقوانيننا، وطالما كان ولاؤهم وأولويتهم الأردن ومصالح الأردنيين، ولديهم برامج وطنية اقتصادية واجتماعية وسياسية، تهدف إلى خدمة الشعب الأردني، أما قلقنا فإنه يكمن فيما إذا كان لهذه التنظيمات أجندة خارجية وليست أجندة الأردن وشعبه.

فرانس برس: هل يتوجب على خالد مشعل أن يتخلى عن جنسيته الأردنية حتى يحظى بالترحيب به ثانية في المملكة؟ هل هناك أي شروط لعودة حماس إلى المملكة؟

جلالة الملك: قضية خالد مشعل أخذت أبعادا أكثر مما تستحق، هذه ليست القضية الأساس، قضيتنا الأساسية هي كيف نساعد الفلسطينيين ونمكنهم من استعادة حقوقهم المشروعة، نحن نقول أن حماس تنظيم فلسطيني، ونتعامل معه كما تعاملنا مع حركة فتح أو الجبهة الشعبية أو أي فصيل فلسطيني أخر، أي التعامل يتم من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية، إن دعوتنا لحماس هي أن تتعامل مع الواقع الإقليمي والدولي، مثلما أن دعوتنا للمجتمع الدولي أن يحترم إرادة الفلسطينيين وأن يعطي حماس الفرصة، وأن لا يحكم عليها قبل أن تطرح برنامجها ورؤيتها في التعامل مع الالتزامات والاتفاقيات المبرمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والمجتمع الدولي.

على المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في دعم عملية السلام، لأنني أخشى أن لا يجد الفلسطينيون ما يتفاوضون عليه بعد سنة أو سنتين..العرب جميعا بمن فيهم الفلسطينيون، طرحوا في قمة بيروت، مبادرة السلام العربية التي وجدت أيضا قبولا دوليا..وعلينا جميعا بما في ذلك الحكومة الفلسطينية المقبلة، أن نعيد طرح هذه المبادرة بقوة ونتمسك بخيار السلام.

فرانس برس: هل أنت واثق من أن المجتمع الدولي لن يعاقب الفلسطينيين نتيجة لفوز حماس؟

جلالة الملك: بالطبع، إنني متفائل بمواصلة العالم دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، فنحن لازلنا مصرين على الدعوة لاحترام إرادة الفلسطينيين وعدم معاقبة شعب بأكمله..إنني أرى أن المتضرر من وقف المساعدات سيكون الشعب الفلسطيني الذي يعاني ظروفا معيشية صعبة، لذلك أنا واثق أن المجتمع الدولي لن يتخلى عن الفلسطينيين.

فرانس برس: ما هي في نظرك أفضل وسيلة لاحتواء الوضع ومساعدة العراق على الخروج من هذا المستنقع؟

جلالة الملك: علينا جميعا مساعدة العراقيين في بناء حكومة وطنية قوية، وهنا فإنني أناشد اخواننا في العراق ان يدركوا خطورة ما يجري، وأن لا يلتفتوا إلى دعاة الفرقة والفتنة وتقسيم الناس بين سني وشيعي وكردي وتركماني..العراق يجب ان يكون لكل العراقيين، وليس لفئة على حساب فئة أخرى.. الحقيقة أن الذين فجروا مراقد الأئمة في سامراء، والذين دنسوا المساجد، لا يمثلون الإسلام، فهم يسعون إلى إشعال الفتنة في العراق. نحن في الأردن معنيون بأمن ووحدة واستقرار العراق لذلك فقد دعوت الى عقد مؤتمر يضم ممثلي القيادات الدينية العراقية للخروج بتوافق ديني حتى يتمكن العراقيون من الوصول الى اتفاق سياسي حول مختلف التحديات التي تواجههم.

فرانس برس: هل سيستمر الأردن في تدريب رجال الأمن العراقيين على أرضه؟

جلالة الملك: نعم سنستمر في تدريب قوات الأمن العراقية و نحن جاهزون لتلبية كل ما يطلبه منا العراقيون.

فرانس برس: إن نحو مليون عراقي وجدوا في الأردن ملجأ آمنا. ويشعر كثير من الأردنيين أن هؤلاء الضيوف عملوا على تفاقم التضخم في البلاد، هل توافق على هذه المقولات؟

جلالة الملك: أنا لا اتفق مع هذا الرأي.. صحيح أن إمكانيات الأردن محدودة، لكننا نرحب بالعراقيين..وسنتقاسم معهم لقمة العيش، ونرحب بهم حتى يتعافى العراق، ويعود عراقاً قوياً وفاعلاً في محيطه الإقليمي وفي مجتمعه الدولي.

فرانس برس: إلى أي مدى تعتبر الحدود الأردنية آمنة؟ وما الذي يقوم به الأردن لحماية نفسه ضد أي محاولة أخرى شبيهة بتفجيرات الفنادق؟

جلالة الملك: الحقيقة ان الفوضى الأمنية في العراق شكلت عبئا أمنيا كبيراً على الأردن، فقد وجدت العديد من الحركات الإرهابية في العراق، مكاناً خصباً لتنفيذ مآربها خاصة من قبل تنظيم القاعدة الذي بنى إستراتيجيته في الأشهر الماضية، على استخدام العراقيين في تحقيق أهدافه ضد الأردن، كما حصل في تفجيرات فنادق عمان أو محاولات ضرب منشآت حيوية أردنية، التي أفشلتها أجهزتنا الأمنية.. نعم لدينا مشكلة أمنية على الحدود، ومنذ مطلع هذا العام أحبطت الأجهزة الأمنية عدة عمليات إرهابية وتهريب سلاح، كانت تستهدف شعبنا الأردني، ولهذا فإننا نعمل الآن على إعداد البنى التحتية وإضافة المباني والمنشآت اللازمة، على حدودنا مع العراق، والتي تهدف إلى تحقيق أمرين: الأول راحة المسافرين عبر الحدود، وإنجاز معاملاتهم بسرعة، والثاني تجهيز الحدود بالمعدات الحديثة كافة لكشف أي عمليات لتهريب المتفجرات والأسلحة.

فرانس برس: إن جدلا عالميا يتركز حالياً على أنشطة إيران النووية، ما مدى الخطورة التي يمثلها هذا الوضع على الاستقرار الإقليمي والعالمي؟

جلالة الملك: سيكون الخطر كبيراً جداً إذا تم استخدام القوة لحل هذه المشكلة..الحل الوحيد يكمن بالحوار والصبر واستخدام كافة الوسائل والطرق الدبلوماسية، لأن توجيه ضربة لإيران سوف يفجر الوضع الإقليمي برمته.. ولهذا فإننا نأمل أن لا نصل إلى هذه المرحلة.

فرانس برس: سينعقد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في وقت يتجدد فيه التوتر في الشرق الأوسط.. ما الذي يتوجب على العرب القيام به لمواجهة التحديات؟

جلالة الملك: تنعقد القمة العربية في ظروف بالغة الدقة بالنسبة للعالم العربي سواء في العراق أو فلسطين أو الأزمة السورية اللبنانية، والوضع في دارفور وغيرها من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه عالمنا، مما يفرض علينا مسؤوليات كبيرة، وأن تكون المشاركة في أعمال هذه القمة بقدر التحديات.. الشعوب العربية تريد أفعالاً وليس أقوالاً.. ولا يرغبون في سماع الخطابات والكلام البعيد عن الواقع. ونأمل ان يكون جدول الأعمال محددا بقضايا حقيقية ورئيسية وأن لا يتشتت الجهد في مسائل جانبية.

فرانس برس: إن بعض منتقدي الأردن يقولون ان البلد لم يحقق ما يكفي من الإصلاحات الديمقراطية ما هو ردك على ذلك؟

جلالة الملك: ان اي خطة للاصلاح يجب ان تكون شاملة..ان الاصلاحات السياسية الناجحة لا تحدث بمعزل عن القطاعات الاخرى .. لذلك فنحن نركز على تحرير اقتصادنا وتعزيز اندماج الاردن مع العالم ونحن نعمل في نفس الوقت على تحقيق الاصلاح في برامجنا التعليمية وهناك اليوم عدد من القوانين التي تتعلق بالاصلاح السياسي والاقتصادي ستنجز قريبا مثل قوانين المطبوعات والاحزاب وديوان المظالم وإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد..لكن ما اود ان اؤكده ان وصفات الاصلاح المستوردة من الخارج والتي تتناقض مع خصوصيات مجتمعاتنا وتقاليدنا صعب فرضها على مجتمعاتنا .

فرانس برس: تتساءل حماس ويتساءل الإسلاميون في الأردن حول القرار الذي اتخذته المملكة عام 1988 بفك الارتباط الاداري والسياسي مع الضفة الغربية ما هو ردك على تساؤلهم؟

جلالة الملك: قرار فك الارتباط جاء في حينه نتيجة مطالبة الأشقاء الفلسطينيين بان يكون لهم حق تمثيل الشعب الفلسطيني.. إن العودة عن قرار فك الارتباط لا يخدم الشعب الفلسطيني وطموحاته نحو إبراز هويته الوطنية وإقامة دولته المستقلة على الأرض الفلسطينية.

فرانس برس: كيف تعلقون على رفض لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب بإلغاء عقوبة حبس الصحافي في التعديلات التي تضمنها قانون المطبوعات والنشر؟

جلالة الملك: أنا ضد حبس أي صحافي فيما يتعلق بقضايا النشر ..نحن نحترم حرية الصحافة والإعلام..وسبق وان قلت أن حرية الصحافة سقفها السماء..لقد وجهت الحكومة مؤخراً لوضع تعديلات على قانون المطبوعات والنشر بموجبها تلغى عقوبة حبس الصحافي في قضايا النشر، وبعدما عملت الحكومة على تعديل هذه القوانين واجهت هذه التعديلات رفضا من قبل لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب..ان ما حصل يقودنا الى العودة الى التحديات التي تواجهنا..فأنا لدي رؤية واضحة باهمية التطوير والتحديث والاصلاح بالنسبة لمستقبل شعبنا..لكن في أحيان كثيرة نواجه رفضا لهذه التوجهات.