مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة فرانس برس

١٦ أيار ٢٠٠٩

فرانس برس: جلالة الملك، أكدتم خلال زيارتكم الأخيرة لواشنطن أن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق دون تدخل أميركي، وأن الإسرائيليين والفلسطينيين "لن يصلوا إلى نتيجة" بمفردهم، ما نوع التدخل الأميركي المطلوب؟

جلالة الملك: لقد مضت سنوات على عملية السلام في الشرق الأوسط من دون أن تحقق هذه العملية النتائج المطلوبة، وهي السلام الشامل الذي يحقق الأمن والاستقرار الحقيقيين في المنطقة، الذي يلبي حق الشعب الفلسطيني في الحرية وفي إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، والذي يعيد جميع الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي يضمن أيضا القبول والأمن لإسرائيل وفق المبادرة العربية للسلام. ما نحتاجه الآن هو مفاوضات جادة ومباشرة للوصول إلى حل الدولتين في سياق شمولي يحقق السلام الإقليمي.

وكما تعلمين فقد زرت واشنطن الشهر الماضي وحملت إلى الرئيس الأميركي أوباما موقف الدول العربية الملتزم بتحقيق السلام الشامل على أساس المبادرة العربية التي تشكل فرصة غير مسبوقة لإنهاء الصراع، وتفتح الباب أمام إسرائيل لبناء علاقات طبيعية مع كل الدول العربية والإسلامية التي تدعم المبادرة.

57 دولة لا تعترف بإسرائيل، ثلث أعضاء الأمم المتحدة، والسبب هو استمرار الاحتلال وعدم التوصل إلى السلام. خيارنا واضح: السلام الدائم والشامل وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين الذي يحظى بإجماع عالمي لأنه ببساطة السبيل الوحيد لحل الصراع. وعلى إسرائيل أن تحسم خياراتها أيضا، هل تريد أن تظل قلعة معزولة في المنطقة أم أنها تريد أن تتعايش مع جيرانها، مع كل الدول التي لا تعترف بها، وأن تحقق القبول والأمن الحقيقيين؟

الرئيس أوباما أعلن التزامه بحل الدولتين، وفي سياق شمولي لتحقيق السلام الشامل. وقد كان واضحا خلال محادثاتي معه ومع أعضاء الإدارة أنه يريد العمل بجدية لتحقيق السلام، وأنه يدرك أهمية عامل الوقت حيث أن المماطلة تهدد أمن المنطقة والعالم. ونحن نعتقد أن التقدم باتجاه الحل يتطلب دور أميركي قيادي ودعم أوروبي وعربي وعالمي، وننتظر إعلان الإدارة الأميركية، وهي قالت إن حل الصراع مصلحة استراتيجية أميركية، لخطتها لإطلاق المفاوضات لتحقيق الحل الشامل. ونأمل أن تعلن هذه الخطة بأسرع وقت ممكن لأن الوقت والتأخير يعمل ضد السلام ويقوض فرصه.

هناك ضرورة ماسة للتحرك بسرعة وجدية وفاعلية. وعكس ذلك، فاحتمالات تفجر جولة جديدة من العنف، حرب جديدة، ستزداد وستدفع المنطقة والعالم ثمن ذلك.

فرانس برس: عبرتم جلالتكم بعد لقائكم الرئيس الأميركي باراك أوباما الشهر الماضي عن ارتياحكم لتأكيد الولايات المتحدة التزامها بحل الدولتين، هل برأيكم هذا يطوي صفحة الحديث عن فكرة الوطن البديل؟

جلالة الملك: لا يوجد في قاموسنا شيء اسمه الوطن البديل. وهذه الصفحة التي تتحدثين عنها ليست موجودة أصلا حتى تطوى. والأردن أقوى من أن يفرض عليه شيء. الحل هو في إنهاء الاحتلال، في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني. وكل من يعتقد عكس ذلك واهم.

لن يتحقق السلام في المنطقة إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقهم في الدولة ولن تحصل إسرائيل على الأمن الحقيقي إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على الأمن والحياة الكريمة في دولته المستقلة. ويجب أن تعرف إسرائيل أن الأمن لا يحققه الجدار والحصار والجيوش. الأمن الحقيقي يحققه السلام والقبول، وهذا شرطه استعادة الحقوق العربية، وخصوصا الحقوق الفلسطينية، عبر مفاوضات مباشرة يجب أن تبدأ فورا ووفق خطة واضحة للوصول إلى النتائج المطلوبة.

فرانس برس: هل لدى جلالتكم أمل بأن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جادا في عملية السلام، خصوصا بعد تصريحاته بضرورة الاعتراف بإسرائيل على أنها "دولة يهودية"؟

جلالة الملك: التقيت رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل يومين وجرى حديث واضح ومباشر حول ضرورة التحرك والعمل بكل جدية والتزام لتحقيق السلام الذي يشكل ضرورة وحاجة لكل دول المنطقة والعالم. وإذا لم يتم العمل بسرعة وجدية لإنهاء الصراع، فإن أمن كل المنطقة سيكون مهددا.

على إسرائيل أن توقف بناء المستوطنات وأن ترفع الحواجز وتنهي حصار الفلسطينيين وتوقف الأعمال الأحادية التي تهدد القدس ومقدساتها وهويتها وأهلها المسلمين والمسيحيين، وأن تدخل في مفاوضات حقيقية للوصول إلى حل الدولتين وبأسرع وقت ممكن وضمن جدول زمني محدد.

أمام إسرائيل الآن فرصة للعيش بسلام وتحقيق القبول وفق المبادرة العربية وعليها أن تختار بين ذلك وبين أن تبقى معزولة ومسؤولة عن استمرار الصراع وخطر الحرب.

فرانس برس: عندما أطلقت مبادرة السلام العربية وافقت عليها إسرائيل مع تحفظات لكن نتنياهو لم يشر إليها في القاهرة وليبرمان وصفها "بالخطيرة". هل هناك نية لإجراء أي تعديل على موضوع اللاجئين في المبادرة؟

جلالة الملك: هناك مبادرة عربية واحدة وهي مبادرة مكتملة وفرصة تاريخية لتحقيق السلام على جميع المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية وفق معادلة بسيطة وهي انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة شرطا لتتوصل إلى علاقات طبيعية مع الدول العربية.

لا تغيير على المبادرة ولا حاجة لتغيير المبادرة. وأي حديث عن تعديل فيها هو تكهنات لا أساس لها من الصحة.

فرانس برس: إذا ما نظرنا إلى المستقبل، كيف يمكن دمج إسرائيل في المنطقة؟ ماذا يستطيع العالم العربي أن يفعل وما هو رد فعل قياداته لنتائج مباحثاتكم مع أوباما؟

جلالة الملك: العالم العربي فعل ويفعل ما هو مطلوب منه. قدم مبادرة لتحقيق السلام الشامل وأعلن التزامه بالعمل من أجل تحقيق هذه المبادرة التي تنسجم مع الإجماع العالمي حول الخطوات المطلوبة لإنهاء الصراع. وقد أكد العرب هذا الموقف في كل القمم التي تبعت إعلان المبادرة في قمة بيروت في العام 2002. وسندعم كل جهد لتحقيق ذلك. العالم كله يعرف طريق الحل ويعرف خيار العرب. وتتحمل إسرائيل مسؤولية استمرار الصراع. إذا أرادت إسرائيل أن تندمج في المنطقة فعليها أن تنهي الاحتلال لتقوم الدولة الفلسطينية ويتم التوصل إلى السلام مع سوريا ولبنان وتحصل إسرائيل على علاقات طبيعية مع كل الدول العربية. وأريد أن أؤكد هنا أن السلام مصلحة إسرائيلية وعربية وأميركية وعالمية لأن السلام يعني التنمية ويعني المستقبل الأفضل ويعني النمو الاقتصادي والتعاون.

فرانس برس: هل يطمح الأردن لأن يكون مركزا للتدريب في مجال مكافحة الإرهاب بعد أن كان مركزا لتدريب الشرطة العراقية والشرطة الفلسطينية؟

جلالة الملك: ما يريده الأردن وما يعمل من أجله هو أن تنعم المنطقة بالسلام وأن تنعم شعوبها بالحرية والأمن والاستقرار من أجل أن تنطلق عملية تنمية حقيقية تفتح المجال أمام الإنجاز وتوفير العيش الكريم وفرص العمل لكل أبناء المنطقة. وسنبقى نعمل كل ما من شأنه تحقيق ذلك. والإرهاب عدو لنا جميعا ومكافحته مسؤولية مشتركة. أما بالنسبة لتدريب الشرط الفلسطينية، فنحن نوفر كل ما نستطيعه من دعم للمؤسسات الفلسطينية لبناء البنية التحتية التي تحتاجها الدولة الفلسطينية لتنمو وتزدهر. ونحن دائما مع استقرار العراق وأمنه ووحدة أراضيه وشعبه وسنقدم كل الدعم للعراق وللوقوف إلى جانب شعبه الشقيق.