مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة الأنباء الأردنية "بترا"

٢ نيسان ٢٠٠٣

بترا: جلالة الملك، يتعرض العراق الشقيق الان لغزو أميركي بريطاني بدأ التهديد به منذ عام تقريبا والجميع تابع جهودكم المتواصلة من اجل درء مخاطر هذه الحرب الا ان التشويش على الموقف الاردني الرافض للحرب استمر للاسف برغم كل تلك الجهود؟

جلالة الملك:كما يعلم الجميع لقد استخدمنا كل علاقاتنا بالدول المؤثرة في العالم من اجل تجنب هذا اليوم الذي نرى فيه العراق الشقيق يتعرض للغزو بما يحمله من آلام يعانيها الابرياء، كما تعانيها المنطقة باسرها. وقد واجهنا الكثير من المشاكل نتيجة موقفنا الرافض للحرب والداعي الى تسوية هذه الازمة بالطرق السلمية ومن خلال الامم المتحدة، وقد نبهت في اكثر من مناسبة الى ان هذه الحرب سيكون لها اثار مدمرة ليس على العراق وحسب بل على المنطقة برمتها.

الشعب العراقي هو صاحب الحق في اختيار قيادته ولاننا نؤمن بالديمقراطية وبحق الشعوب باختيار قياداتها فلا يمكن ان نتصور ان يقبل شعب ما بقيادة تفرض عليه من الخارج وبغير ارادته. لقد شددت دائما على ان الحوار هو الطريق السليم لحل المشاكل وان اللجوء للعنف لن يولد سوى العنف والتطرف.

كما طالبنا ولا زلنا نطالب بان اسلحة الدمار الشامل يجب ان يتم نزعها من كل الدول وليس من دولة دون سواها لتصبح منطقة الشرق الاوسط خالية من هذا السلاح ولتنعم شعوبها بالرفاه والامن والاستقرار.

بترا: ولكن جلالة الملك لا زال البعض يروجون ان الاجواء الاردنية تستخدم لضرب العراق؟

جلالة الملك:هذا كلام غير صحيح. نحن لسنا طرفا في هذه الحرب وموقفنا واضح وصريح واكدنا عليه اكثر من مرة فالاردن لم ولن يكون منطلقا لضرب العراق الشقيق ولو كانت اجواؤنا تستخدم بهدف ضرب العراق لما سمحنا للطيران المدني ان يعبر بحرية فوق الاجواء الاردنية ولأغلقنا اجواءنا كما فعلت دول اخرى. فلا زالت خطوط الطيران المدني مفتوحة امام جميع شركات الطيران مما يفند الادعاءات بان الاجواء الاردنية تستخدم لاغراض عسكرية في هذه الحرب. وبصراحة فقد طلب منا ان نفتح اجواءنا لعبور الطائرات العسكرية ولكننا رفضنا بإصرار.

بترا: جلالة الملك، سمعنا ايضا عن خطط لنقل قوات عسكرية أميركية كان من المقرر ان تنطلق من الاراضي التركية الى العراق وبعد رفض تركيا اشارت بعض وسائل الاعلام الى ان هذه القوات سيتم نقلها للاردن للانطلاق منه باتجاه العراق؟

جلالة الملك:اطلاقا.. لا يمكن ان نسمح بذلك. لقد سمعت عن هذا الموضوع كما سمعتم انتم عبر وسائل الاعلام، واؤكد لك انه لم يتم طرح هذا الموضوع علينا ابدا ولن نسمح به اطلاقا، فنحن منسجمون مع انفسنا ومع شعبنا الذي رفض وأدان الغزو فكيف نسمح ان نكون شركاء في هذه الحرب، لا سمح الله؟

بترا:وهناك من اشار ايضا الى وجود قوات اسرائيلية في الاردن؟

جلالة الملك:من العيب.. بل ومن الخطير ان نسمع هذا الكلام من بعض وسائل الاعلام العربية. لا توجد قوات اسرائيلية في الاردن ولا يمكن ان نقبل بوجود مثل هذه القوات على ارضنا باي حال من الاحوال ولا في اي ظرف كان، ونحن ارض الجيش العربي المصطفوي، انا اثق بشعبنا الذي يميز الحقائق من مثل هذه المزاعم التي لا يراد من ورائها سوى تشويه موقفنا وموقف شعبنا تجاه اشقائنا في العراق.

للاسف هناك قضايا يتم الترويج لها من جهات هدفها الاساءة للاردن ويتم التعاطي معها في وسائل الاعلام بدون اساس او تفكير ليس فقط في القضايا السياسية بل وصل الامر الى القضايا الاجتماعية والصحية الى درجة ان قضية مثل اعطاء ابنائنا وبناتنا في المدارس فيتامينات لتحسين قدراتهم البدنية والذهنية اثارت جدلا في اوساط المجتمعات المحلية والطلبة والاهالي الذين للاسف وقعوا ضحية اشاعات الطابور الخامس، وكأن هناك مؤامرة عليهم برغم انني اول من بادر باعطاء ابنائي من هذه الفيتامينات، اضافة الى انني بذلت مساعي حثيثة مع شركات الادوية الاردنية لتصنيع وانتاج هذه الفيتامينات في الاردن وقد استجاب اصحاب هذه الشركات بقلوبهم قبل اموالهم احساسا بالمسؤولية الوطنية والتزاما منهم بصحة هذه الشريحة الغالية من ابنائنا وبناتنا.

بترا: جلالة الملك موقف الاردن من طرد ثلاثة دبلوماسسين عراقيين منح بعض المتشككين فرصة لمحاولة النيل من الموقف الاردني تجاه العراق الشقيق؟

جلالة الملك:أولا أود ان اؤكد لك اننا نحرص على ان تبقى علاقاتنا التاريخية والاخوية مع الشعب العراقي متينة حاضرا ومستقبلا.. اما بخصوص مسألة الدبلوماسيين العراقيين فقد اوضحت الحكومة اسباب قيامها بالطلب من هؤلاء الدبلوماسيين مغادرة الاراضي الاردنية، ولا اريد ان اعلق اكثر من ذلك في الوقت الحاضر. من المؤسف ان هؤلاء الدبلوماسيين تجاوزوا حدود عملهم الدبلوماسي، ولكن لحرصي على ان تبقى علاقاتنا مع العراق طيبة طلبت تجاوز هذه القضية وعدم التصعيد.

وقد وجهت الحكومة بان تقدم كل التسهيلات للاشقاء العراقيين القادمين الى المملكة والمقيمين فيها والمغادرين منها لمساعدتهم في تجاوز هذه المحنة وصون حقوقهم وطمأنتهم بان اشقاءهم الاردنيين لن يتخلوا عنهم ابدا، وسنحافظ على حقوق الاخوة العراقيين وعلى استثماراتهم في الاردن كما كنا دوما.

بترا: رفعت مجموعة من الشخصيات الاردنية وثيقتين الى جلالتكم حول الموقف الاردني من العراق الشقيق؟

جلالة الملك:اطلعت على عدة وثائق وانا احترم اصحابها.. ولكنني اود ان اتساءل، هل كل ما قمنا ونقوم به تجاه اخواننا في العراق يختلف عما جاء في بعضها؟ انا مسلم وعربي وهاشمي، وحرصي على شعبي وامتي لا يزايد علي احد به. واود ان اطمئن شعبي قبل كل شيء ان الثوابت التي تربينا عليها هي نفس الثوابت، لم ولن تتغير، لم يقف بلد مثل الاردن مع العراق كما وقفنا وقلنا لا لضرب العراق يوم قال الكثيرون نعم، ولا زلنا على موقفنا الرافض للحرب. بالنسبة لي هذه الوثائق تمثل التعددية الاردنية التي تتيح للجميع التعبير عن ارائهم بحرية. لكن يظل هناك قاسم مشترك يجمع عليه الجميع وهو ادانة الحرب والحرص على صون وحدتنا الوطنية، وفي هذه المرحلة الدقيقة آمل من الجميع الارتقاء الى مستوى التحديات باعلى درجات الوعي والمسؤولية وفي المواقف الصعبة يمتحن الرجال.

شعبنا يدرك اليوم ما هو موقفنا وما قدمنا ونقدم للعراق الشقيق.. كل جهودنها واتصالاتنا في هذا العام وخلال الاعوام الماضية استثمرناها للدفاع عن قضية العراق لحرصنا على ان لا تصل الامور الى ماهي عليه الان، ولا زلنا نسعى جادين لوقف الحرب باسرع وقت ممكن. شعبنا الاردني وانا واحد منهم ندين بشدة قتل الاطفال والنساء ونتالم ونحزن ونحن نرى على شاشات التلفزة تزايد اعداد الشهداء من المدنيين العراقيين الابرياء. وانا كأب أشعر بألم كل اسرة عراقية وكل طفل واب عراقي وفي نفس الوقت ادرك ان انتماء الاردنيين وشعورهم القومي وكبرياءهم يجعلهم في حالة رفض وادانة مطلقة لما يجري لاشقائهم في العراق من قتل ودمار. ومع ذلك، ففي هذه الظروف الصعبة التي تمر على منطقتنا وعلى بلدنا فان اهم شيء هو تماسك جبهتنا الداخلية فكلما كنا اقوياء ومتماسكين استطعنا ان نخدم اشقاءنا وندافع عن مصالحنا ومصالح امتنا بعزم وثبات.

بترا: برغم كل ذلك، هل هناك من تحركات دبلوماسية لوقف الحرب؟

جلالة الملك:منذ اليوم الاول للحرب لم ندخر جهدا للتعبير عن رفضنا لهذه الحرب حيث استمرت تحركاتنا واتصالاتنا مع الاشقاء العرب ومع بعض الدول لمحاولة بلورة موقف يؤدي الى وقف الحرب على العراق الشقيق باسرع وقت. ولن نتوقف عن اتصالاتنا لوقفها والعمل على ايجاد السبل الكفيلة لمساعدة الشعب العراقي، وهذه نقطة هامة جدا، فلا بد ان يتكاتف المجتمع الدولي للعمل من اجلها فالشعب العراقي الشقيق يعاني اشد المعاناة اليوم، وبحاجة الى كل دعم ممكن يخفف من معاناته ويمكنه من تجاوز هذه المأساة.

بترا: جلالة الملك، نشرت احدى الصحف العربية الصادرة في لندن ان وفدا من الحركة الملكية الدستورية العراقية المعارضة التي يتزعمها الشريف علي بن الحسين زار سورية في الحادي عشر من الشهر الماضي والتقى مسؤولين سوريين كبار فيها، وكما ورد في النبأ فان الوفد طلب طباعة مليون صورة وعلم يتضمن احد وجهيهما صورة للشريف علي بن الحسين ومكتوب عليها ملك العراق. هل يمكن لجلالتكم التعليق على هذا الموضوع؟

جلالة الملك:كما ذكرت في بداية حديثي، نحن لا يمكن ان نقبل التدخل في الشأن العراقي وفي خيار شعب العراق، ونرفض ايضا ان يملي احد على هذا الشعب الشقيق خياره ومستقبله واختيار قيادته.. الاردن لم يكن ولن يكون طرفا في هذه المسالة، وان سمحت بعض الدول لنفسها ان تتدخل في شأن العراق فهذا هو شأنها.