مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)

٦ تشرين ثاني ٢٠٠٧

الأردنية (بترا): جلالة الملك، الأردن يقف على أعتاب انتخابات نيابية جديدة، ما هي الرسالة التي ترغبون جلالتكم بتوجهيها إلى شعبكم الأردني في هذه المناسبة؟

جلالة الملك: الانتخابات النيابيّة هي استحقاق دستوري، وهي خطوة على الطريق الصحيح لتطوير الأردن والنهوض به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فالانتخابات إنجاز مهم لتعزيز مسيرة الأردن الديمقراطية، وترجمة لتطلعاتنا في السير قدما لبناء الأردن الحديث والأنموذج، الذي تتجسد فيه قيم العدالة والمساواة والتعددية والفرص المتكافئة. لقد أكدت في أكثر من مناسبة أن الحكومة مطالبة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تضمن مشاركة واسعة من الناخبين، ونحن نعول كثيرا على إقبال المواطنين على المشاركة وممارسة حقهم في اختيار الأكفأ والأقدر لإيصال صوتهم، ووضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى.

والمرحلة القادمة في غاية الأهميّة وتتطلّب تضافر جهود كل أبناء الوطن وبناته، وبخاصّةً في السلطة التشريعية التي تتحمل مسؤوليّة كبيرة في إعداد وإصدار التشريعات التي تنظّم حياة المواطنين من ناحية، والرقابة الفعليّة على أداء السلطة التنفيذية من ناحية أخرى، وذلك في إطار الدستور، ومن هنا تنبع أهميّة الحرص على اختيار الأكفأ والأفضل والأكثر قدرةً وانتماء.

(بترا): جلالة الملك، هناك العديد من الطروحات المتشائمة التي تقول بأن المجلس النيابي القادم لن يختلف عن المجالس السابقة، لأنه لم يطرأ أي تطور جذري او أساسي على الحياة السياسية.

جلالة الملك: بمجرد ظهور طروحات من هذا النوع، فإن ذلك يؤشر إلى أننا نشهد تطورا في الحياة السياسية والديمقراطية في الأردن، حيث أن موقف ومزاج الناخبين تجاه من يمثلهم في مجلس النواب، لا بد أن ينعكس على خياراتهم الانتخابية في السنوات القادمة، وهذا تطور ملموس في علاقة الناخب بالنائب.

وأنا حريص على تطوير الحياة السياسية والديمقراطية، وترسيخ دور الأحزاب، بحيث يكون لها برامج وأدوات واضحة، وحضور فاعل في الانتخابات القادمة. وبموازاة الجهود التي تبذل لتطوير الحياة السياسية، لا بد أن يتطور الوعي السياسي للمواطن، حتى نتمكن من الوصول إلى مجلس نيابي قوي، يضم ممثلين عن جميع التيارات السياسية والاجتماعية. وكلي أمل أن يكون المجلس النيابي القادم، على قدر من الكفاءة ويضم أعضاء يساهمون في تطوير الحياة السياسية، ويكونوا جزء أساسيا من هذه العملية خلال الدورة القادمة، فالتنمية السياسية حلقة متكاملة ومسؤولية الجميع، وأنا متفائل ومطمئن لقدرة شعبي على إنجاح مسيرتنا الديمقراطية.

ولقد كنت آمل أن يكون عام 2007 هو عام الأحزاب السياسية ذات البرامج الواقعية والواضحة، ولكن ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الوقت والجهد، لتحقيق هذا الهدف. وقد ساهمت الملتقيات الوطنية في تقديم مفاهيم سياسية، تؤثر بشكل إيجابي في تعزيز وتطوير مسيرتنا الديمقراطية، ويبقى على الأحزاب الدور الرئيسي في تبنيها وترسيخها.

(بترا): ماذا بعد الانتخابات! وكيف ترون جلالتكم المرحلة القادمة من مسيرة الأردن؟

جلالة الملك: كما أشرت سابقاً، فإن المرحلة المقبلة مهمة في مستقبل الأردن، وسنسعى بكل ما نستطيع لأن يكون عنوان هذه المرحلة هو "التنفيذ والإنجاز الفعلي" للخطط والبرامج التي نضجت وصدرت عن ملتقيات وتجمعات وطنية، مثل الأجندة الوطنية وكلنا الأردن وغيرها، التي استندت في الصياغة والاتفاق حول مبادئها إلى قاعدة شعبية ضمت مختلف شرائح المجتمع، وهذا يستوجب من الحكومة الأخذ بتوصياتها بعين الاعتبار عند رسم سياساتنا الوطنية الطويلة والقصيرة المدى، كما يتطلب من الحكومة ترتيب مهمات مؤسسات الدولة بشكل متّسق مع التوصيات والبرامج التي خرجت بها هذه الملتقيات. وبرأينا، فإن الأجندة الوطنية بالذات وبحكم منهجيتها التي اعتمدت على تشخيص الواقع، ومن ثم تعريف المشكلة، واقتراح أدوات الحل وفق جدول زمني محدد ومعايير لقياس الأداء، تصلح لأن تكون مرجعيّة للحكومات في ترتيب الأولويات والأهداف ورسم خطط عمل مستقبليّة خاصّةً في المجالات الاقتصاديّة وتطوير الموارد البشريّة والرعاية الصحيّة والثروات المعدنيّة وتوفير حلول جذريّة لمشاكل مصادر المياه والطاقة.

كما تتطلّب المرحلة المقبلة تكثيف كل الجهود لإيجاد وتوفير فرص العمل للشباب الأردني الذي سينضم إلى القوى العاملة في سوق العمل، وذلك من خلال النشاطات الاقتصاديّة المختلفة في القطاعات الواعدة، والعمل على تسليح الشباب بأعلى مستويات التعليم والتدريب لكي يكون عنصراً فاعلاً ومنتجاً يساهم في إحداث النقلة النوعيّة التي نريدها للأردن. وهذا باعتقادي هو الحل الأنسب لتقليل مستويات البطالة وتوفير الفرصة الحقيقية لابناء الوطن في العيش الكريم. وبالنسبة لي، وكما كررت في عدة مناسبات، فإن الأولوية هي لتوفير الآمان الاجتماعي للمواطن الأردني في جميع أنحاء المملكة، من خلال تأمين السكن والرعاية الصحية والتعليم والمواصلات، وأخص بالذكر ذوي الدخل المحدود، هذه الشريحة التي طالبت الحكومة بتوفير الرعاية الخاصة لها، وزيادة الدعم المقدم لها.

وقد وجهت الحكومة بالعمل على تضمين الموازنة العامة القادمة لمكونات شبكة الأمان الاجتماعي كاملة، إضافة إلى اعتماد معادلة جديدة تربط دخل المواطن بمستوى التضخم، وذلك للمساعدة في تحمل أعباء ارتفاع الأسعار الذي نعيشه. وكلي امل في أن يكون العام القادم عام تحقيق المزيد من البناء والإنجاز، يتم تحقيق النمو الاقتصادي فيه بمستويات إيجابية، ونساهم فيه برفع مستويات الدخل للمواطنين في جميع أنحاء المملكة بشكل عادل وملموس.

(بترا): نتابع تحرك جلالتكم وجولاتكم في أنحاء العالم، وبشكل خاص جولتكم الآسيوية الأخيرة، التي تضمنت زيارة للصين. كيف توظفون هذه الزيارات لخدمة مصالح الأردن الاقتصادية والسياسية؟

جلالة الملك: الأردن، وكما كان دائماً يسعى إلى بناء شراكات سياسية واقتصاديّة مع مختلف دول العالم. ففي المجال الاقتصادي، فإن القطاعات الحيوية مثل الطاقة والمياه والبنية التحتية بحاجة إلى دعم دولي واستفادة من الخبرات والتجارب العالمية الأخرى لضمان أكبر قدر ممكن من التخطيط الجيّد والدقة في تنفيذ المشاريع. ومن هذا المنطلق جاءت زيارتي إلى عدد من الدول الآسيويّة وأبرزها الصين، حيث تم توقيع اتفاقيات اقتصادية بملايين الدولارات لتعزيز فرص استفادة الأردن من علاقته المتميزة مع دول العالم. والأمر لن يقف عند هذا الحد، بل سنستمر في جهودنا لإيجاد شراكات من شأنها التأثير إيجابا على أداء اقتصادنا الوطني وتحسين مستوى معيشة الأردنيين.

وسيكون لي زيارة إلى بريطانيا وألمانيا في الأيام القادمة، نبحث خلالها الأوضاع والتطورات السياسية في المنطقة وسبل دعم هذه الدول لجهود الأردن للتخفيف من أعباء مديونيته، بالإضافة إلى اللقاء مع عدد من القيادات السياسية والاقتصاديّة.

(بترا): جلالة الملك، نتفهم مدى أهمية الشراكات الدولية لتطوير الأردن وخدمة مصالحه، ولكن ماذا عن الآليات اللازمة لتهيئة الأجواء لنجاح هذه الشراكات على الساحة المحليّة؟

جلالة الملك: لقد بدأنا سلسلة من البرامج والمشاريع الاقتصادية التنموية الداخليّة لتهيئة اقتصادنا الوطني وقوانا العاملة للاستفادة من أي شراكات أو فرص استثمار مستقبليّة، ونتابع تأسيس عدد من المناطق الاقتصاديّة والتنموية في المناطق الرئيسيّة في المملكة التي يكمن هدفها الأساسي في توفير فرص العمل وتدريب الشباب الأردني ليتمكن من المنافسة في الأسواق العربيّة والعالميّة، ولكي نضمن التوزيع العادل لعوائد التنمية في جميع أنحاء المملكة.

وقد أطلقت بالأمس مشروعاً لتدريب مهنيين مدنيين في القوات المسلّحة ليتم تدريبهم وتوظيفهم للعمل في قطاع الإنشاءات، وقد وجهت رئيس الوزراء من أجل توسيع البرنامج ليشمل خمسة آلاف في المرحلة الأولى، علماً أن المشروع سيخرج 30 ألف شخص مؤهّل مع انتهاء مراحله، والهدف من هذا البرنامج أيضاً هو توفير فرص العمل لآلاف الشباب والشابات من مختلف المحافظات.

وخلال المرحلة القادمة، يجب العمل على تطوير البنية التشريعيّة من أجل توفير المظلّة القانونيّة التي توفّر الحوافز للقطاع الخاص للاستثمار في المشاريع الاقتصاديّة وخاصّةً في مجالات المياه والطاقة والبنية التحتية، إضافةً إلى العمل على زيادة الإمكانيّات التي تساهم في رفع كميّات وتحسين الصادرات الأردنية من السلع والخدمات، وزيادة جاذبيّة الأردن للسياحة العربية والدولية.

(بترا): هناك العديد من التكهنات السياسية حول لقاء أنابوليس الدولي بشأن العمليّة السلميّة، وجميعها تدخل في باب التوقعات حتّى هذه اللحظة! فما هي قراءة جلالتكم الشخصيّة لأفاق وفرص نجاح هذا اللقاء؟

جلالة الملك: الأولوية بالنسبة لنا، هي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة على التراب الفلسطيني، ولن ندّخر أي جهد من أجل مساعدة إخواننا في التوصّل لهذا الهدف النبيل من خلال المفاوضات السلميّة. وقد كرسنا الجزء الأكبر من جهودنا واتصالاتنا في السنوات القليلة الماضية لحمل القضيّة الفلسطينيّة إلى كل محفل دولي ذهبنا إليه، وذلك لقناعتنا بأن الهمّ الفلسطيني هو همّ أردني، وبأن قضيّة فلسطين هي قضيّة الشعب الأردني مثلما هي قضيّة الشعب الفلسطيني، ولإيماننا أيضاً بأن مستقبل المنطقة واستقرارها وأمن شعوبها مرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة على الأرض الفلسطينية.

وبغض النظر عن التكهنات حول لقاء السلام الدولي، فإن أولويتنا ستبقى الدفاع عن الحق الفلسطيني. وقد كان الأردن ومنذ البداية من الساعين إلى عقد مثل هذا اللقاء، لأننا نرى فيه فرصة للمساهمة في إنهاء حالة التوتّر في المنطقة وتمهيد الطريق إلى حل عادل للقضيّة الفلسطينية، ينهي الاحتلال الإسرائيلي ويكفل قيام دولة فلسطينية مستقلة. وبرأينا فإن اللقاء يشكل دون شك فرصة ثمينة للعودة إلى مفاوضات جادة ومّّؤطّرة زمنيّاً تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين وتقود إلى حلّ نهائي شامل يضمن الحقوق الفلسطينية الراسخة في القدس، وحق العودة والسيادة الكاملة للدولة الفلسطينية ويضمن الأمن والسلام للجميع.

(بترا): جلالة الملك، هل تلمسون إشارات إيجابية سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين حول لقاء أنابوليس؟

جلالة الملك: لقد لمست جدية وحرص كبير من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للمضي قدما في عملية السلام إلى نهاياتها، بما يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كما أن ما سمعناه يوم أمس الأول من رئيس الوزراء الإسرائيلي آيهود أولمرت بأنه ستكون هناك فرصة لتحقيق الإنجازات الحقيقية قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش، بما في ذلك تحقيق صيغة حل الدولتين، ووصفه للقاء أنابوليس بأنه فرصة مواتية لإحراز تقدم، يشكل إشارة إيجابية نأمل أن يتبعها مزيدا من الخطوات لإنجاح اللقاء المرتقب، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتحقيق السلام العادل والشامل.

(بترا): جلالة الملك، نتفهم أولوية القضية الفلسطينية بحكم الروابط التاريخية والمصالح الوطنية، ولكن هناك أيضا قضايا عربية ملحة في جوارنا الجغرافي في لبنان والعراق.. كيف تنظرون جلالتكم إلى التطورات التي يشهدها البلدان الشقيقان؟

جلالة الملك: إن العراق هو جزء أساسي من العالمين العربي والإسلامي، وأمنه واستقراره ينعكس على الدول المجاورة له، لذلك على الدول العربية العمل لضمان وحدة وعروبة العراق، ونحن نعول على وعي الشعب العراقي وقياداته السياسية، لإحباط كل المخططات الهادفة إلى النيل من وحدتهم وعيشهم المشترك وسيادة بلدهم.. ونحن في الأردن نرفض أية مشاريع تهدد وحدة الأراضي العراقية وترمي إلى تقسيمها، ونؤكد أن العراقيين أنفسهم هم الأقدر على صياغة مستقبلهم . أما بالنسبة لإخواننا العراقيين في الأردن، فإننا نشاركهم لقمة العيش، وهم بين أهلهم واخوانهم، وملتزمون بتقديم كل التسهيلات لهم، إلى حين تمكنهم من العودة إلى بلدهم، ليشاركوا في إعاده إعماره وبنائه.

وفيما يتعلق بالأزمة السياسية التي يمر بها لبنان، فإننا نود التأكيد على أننا ندعم الاستحقاق الدستوري للانتخابات الرئاسية اللبنانية، التي نرى أنه من الضروري أن تكون حرة وأن تجري وفقا للدستور اللبناني.

(بترا): جلالة الملك،هل تشعر بالرضا فعلا لمستوى التنسيق بين قادة الدول العربيّة. كما أود أن أسأل جلالتكم حول تطورات عملية السلام وأثرها على العلاقات بين الدول العربيّة؟

جلالة الملك: يقوم الأردن بالتنسيق والتشاور المستمر مع الدول العربية الشقيقة، والتنسيق مع السعودية ومصر ودول الخليج في هذا المجال منتظم. ولقد تمكنّا من بلورة موقف موحد تجاه العديد من التطورات والتحديات التي تواجه أمتنا العربية. ونود التأكيد هنا أن أبواب الأردن مفتوحة دوما للأخوة العرب، فنحن نسعى في النهاية إلى التنسيق والتشاور مع الجميع، وذلك لإيماننا بأن التحديات التي تواجه الدول العربية تستدعي منا جميعا التعاون لمواجهتها والحيلولة دون تفاقمها، حتى لا يجد المواطن العربي نفسه أسيرا لهذه التحديات. وعلينا جميعا أن نتذكر أن غياب التنسيق ووحدة الموقف بين الدول العربية يترك الساحة فارغة أمام القوى الإقليمية الطامعة لتنفيذ أجندتها وتحقيق مآربها وهذا قطعا ما نرفضه جملة وتفصيلا.