مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع مجلة الاكسبرس الفرنسية

٢٨ آب ٢٠٠٨

الاكسبرس: حضر الأردن إطلاق "الاتحاد من اجل المتوسط" في تموز/ يوليو الماضي ممثلا برئيس وزرائه. هل يترجم غيابك على انه عدم اهتمام بهذا المشروع؟

جلالة الملك: لا على الإطلاق، لدي علاقة صداقة وطيدة مع الرئيس نيكولا ساركوزي، ولكن مشاغلي لم تتح لي حضور ذلك اللقاء. وهذا أحد أسباب زيارتي لفرنسا في 27 آب/ أغسطس.

الاكسبرس: ماذا تنتظرون من الاتحاد من أجل المتوسط؟

جلالة الملك: لدينا علاقة قوية مع أوروبا؛ فلطالما كانت منطقتكم أقرب إلى الشرق الأوسط من الولايات المتحدة أو روسيا أو الدول الآسيوية. وفرنسا تحديدا هي أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للأردن. ويمثل الاتحاد من أجل المتوسط وسيلة ملموسة لحدوث مزيد من التقارب بيننا.

الاكسبرس: لماذا سينجح الاتحاد من اجل المتوسط بشكل أفضل من عملية برشلونة التي ولدت عام 1995 وفشلت؟

جلالة الملك: إن ذلك يعزى بشكل كبير إلى انعدام التقدم في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، أما الاتحاد من اجل المتوسط فقد تصرف نوعا ما تجاه هذا الوضع وطرح آلية أخرى بفضل سلسلة من المشاريع الملموسة التي تهم بطبيعتها كل دول المنطقة.

الاكسبرس: كان الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي موضوعا للعديد من المفاوضات لدرجة أن أيا كان يستطيع أن يرى كل جوانب الاتفاق النهائي، وحدها الإرادة السياسية هي الغائبة، حول قضية القيادة هذه، هل لديكم أسباب للأمل بحدوث تقدم؟

جلالة الملك: هذا هو جوهر الموضوع. داخل السلطة الفلسطينية مثلما هو في العديد من الدول العربية، هناك رغبة قوية بالتوصل إلى اتفاق، ولكن أين هي في إسرائيل؟ تناقشت عدة مرات مع مسؤولين إسرائيليين وقلت لهم: "اسمعوا، بما أننا نريد أن نطور علاقات الثقة بيننا ونتابع عملية السلام، قولوا لي كيف ستكون صورة بلدكم بعد عشر سنوات. وماذا سيكون دوركم الإقليمي؟ هذا سؤال يستطيع العديد من الزعماء العرب الإجابة عليه بسهولة.

الإسرائيليون في المقابل تستحوذ عليهم في الوقت الحاضر الهجمات الانتحارية وهجمات الصواريخ ضد أراضيهم. فيرون أنفسهم اليوم "إسرائيل القلعة" بدون التفكير في مستقبل تكون فيه بلدهم مندمجة في المنطقة. ولهذا السبب فأنا لدي مخاوف من أن عملية السلام في خطر. يبقى دعم الأردن ثابتا ولكنني في أعماقي لست واثقا من أن الإسرائيليين يريدون حل القضية. فما ينقصهم هو الرؤية بعيدة المدى.

الاكسبرس: إسرائيل منخرطة في مباحثات مع سوريا عبر تركيا وكذلك مع حزب الله عبر العديد من الوسطاء. أليس من المحبط أن الزعماء العرب المعتدلين، مثل جلالتكم، تركوا جانبا؟

جلالة الملك: نتمنى التوفيق للسوريين والإسرائيليين بالتأكيد على افتراض أنهم قادرون على تسوية مشاكلهم. ولكن هذه المفاوضات تأتي في وقت تسعى العديد من دول المنطقة لإحداث تقدم في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، وهو القضية الرئيسية في الشرق الأوسط. وفجأة نرى الإسرائيليين يتحدثون إلى السوريين!

يبدو لي أن هذه المفاوضات الثنائية تناسب الجانبين، وهي تشكل حجة لبعض الأطراف لتجنب التركيز على القضية الفلسطينية. وأنا قلق لان الساعة تقترب من النهاية في هذه الأثناء. فعلى الإيقاع الذي تسير به الأمور ستفقد الضفة الغربية تواصلها الجغرافي (بسبب وجود الجدار العازل والمستوطنات والعديد من الطرق المحمية التي لا يمكن استعمالها).

في هذه الظروف كيف نتخيل إمكانية وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ وحتى لو أبعدنا هذه الصورة، كيف سنجعل المفاوضات تتقدم؟ في الحقيقة 57 دولة، أي نحو ثلث دول العالم المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة، لا تعترف بإسرائيل. وقد عرضنا على الإسرائيليين الاعتراف من قبل العالمين العربي والإسلامي الذي يمتد من المغرب وحتى اندونيسيا، وهذا أمر مهم، ولكن عليها في المقابل أن تقدم مستقبلا للفلسطينيين.

الاكسبرس: هل هناك حل آخر بخلاف إنشاء دولة فلسطينية؟

جلالة الملك: لا أعتقد ذلك، الموضوع الوحيد المقبول في نظر المسلمين والعرب يتضمن الاتفاق على القدس واللاجئين الفلسطينيين ودولة للشعب الفلسطيني. بعض الناس يقترحون أحيانا "الخيار الأردني" على شكل كونفدرالية. ولكن أيا من هذا لن يحدث ما لم يحصل الفلسطينيون على دولتهم.

الاكسبرس: لو قرر جون ماكين وباراك اوباما تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هل يتوجب عليهما أن يبدأا العمل منذ بداية ولايتهما؟

جلالة الملك: نعم، لأن الوقت يجري بسرعة، الفلسطينيون والإسرائيليون لن يصلوا وحدهم إلى حل.

الاكسبرس: منذ أن سيطرت حماس على قطاع غزة والمعسكر الفلسطيني منقسم. هل ترون أن من الواقعي الحديث عن اتفاق؟

جلالة الملك: الدول الغربية تركز انتباهها على موضوع حماس على حساب السلطة الفلسطينية، كان من الأجدى أن يركز القادة الإسرائيليون والأميركيون والأوروبيون على دعم السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية الأكثر أهمية أولا، ولكن أيضا المساعدة في إزالة الحواجز ووقف الاستيطان، وبدلا من انتهاج مثل هذه السياسة تقوم إسرائيل وشركاؤها الغربيون بمساعدة حماس عمليا، ومن السهل للغاية القول لنا بعد ذلك بأنه لا يوجد شريك فلسطيني نتفاوض على السلام معه.

الاكسبرس: إسرائيل صادقت على بناء مستوطنات جديدة لليهود في الضفة الغربية، ما رأيكم؟

جلالة الملك: هذا دليل على فقدان الرغبة في إسرائيل للتوصل إلى حل الدولتين. في كل مرة يبنون فيها مستوطنة جديدة يكون واضحا أن ما يقولونه من جانب وما يفعلونه على الأرض من جانب آخر، هما شيئان مختلفان. المستوطنات والمفاوضات مع سوريا وبعض المبادرات الإسرائيلية الأخرى أخيرا أقنعتني أنهم لا يسعون لتسوية القضية الفلسطينية رغم كلامهم المنمق حول الموضوع، وما يحصل للفلسطينيين جريمة أيضا.

الاكسبرس: حسب قول مدير وكالة الطاقة الذرية الدولية محمد البرادعي فإن ستة أشهر أو سنة تكفي لتنتج إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة. برأيكم، هل هذا الأمر مقبول؟ هل يجب التدخل لمنع هذه العملية؟

جلالة الملك: الدور الإيراني غامض في هذا الملف، مثلما فعل الهنود والباكستانيون والإسرائيليون من قبلهم. يبدو لي أن ما تريد طهران قوله لنا هو أنها لاعب مهم في المنطقة وان علينا ان ننتبه لذلك. هذه رسالة سياسية. الأردن من جانبه يأمل بعدم حدوث تدخل عسكري ضد إيران. فمثل هذه العملية ستثير ردود فعل انتقامية ومن يدري إلى أين ستقودنا هذه الحلقة؟ كل دول المنطقة ستدفع الثمن.

الاكسبرس: لو تأكدنا أن إيران تسعى جاهدة لتطوير قدرات نووية عسكرية، فهل علينا أن نستسلم أو نوقفها بأي ثمن؟

جلالة الملك: يؤكد الإيرانيون أنهم يطورون برنامجا للاستخدامات المدنية. وهناك تقرير أميركي صدر قبل عدة أشهر يؤكد أقوالهم. والبريطانيون يريدون التأكد. من ناحية أخرى ليس لدي الانطباع بان إسرائيل تملك إمكانية تدمير برنامج نووي إيراني. وأخشى مرة أخرى من سلسلة العمليات الانتقامية.

الاكسبرس: هل يشكل التأثير السياسي الإيراني في المنطقة مصدر قلق؟

جلالة الملك: تنظر بعض المناطق القريبة من المتوسط إلى إيران بنظرة ايجابية. والسياسة الإسرائيلية ليست غريبة عن هذه الشعبية الجديدة. هذا ما اكرره دائماً: القضية الفلسطينية-الاسرائيلية ليست معزولة. اذا اراد الأميركيون تقليل تأثير إيران في المنطقة عليهم ان يستثمروا أولا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لان الإيرانيين يستخدمون هذا الملف لأغراضهم الخاصة كما فعل آخرون في الماضي.

الاكسبرس: هل تخشى من عودة روسيا؟

جلالة الملك: خلال الحرب الباردة غالبا ما تواجه الاتحاد السوفييتي والغرب بعضهم بعضا من خلال طرف ثالث. وإذا ما عاد التوتر بين روسيا والغرب فان ما أخشاه هو أن تتورط دول الشرق الأوسط من جديد.

الاكسبرس: في الأردن كما في غيره من الدول، يزداد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وكذلك أسعار الطاقة. بعض الجماعات، إلإسلامية تحديدا، تحاول الاستفادة من هذا الوضع؟

جلالة الملك: يعاني شعبنا من ارتفاع الأسعار. وهم قلقون. لقد أطلقنا برنامجا للمساعدات سيغطي من الآن وحتى نهاية العام غالبية مواطنينا المحتاجين. بالنسبة لبلدي فان هذا التطور يأتي في لحظة قاسية. فالإصلاحات التي بدأنا بها منذ عدة سنوات تهدف إلى تشجيع بزوغ طبقة وسطى وهذه ستشجع في المستقبل تطوير إصلاحات أخرى في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

أفراد الطبقة الوسطى تضرروا كثيرا من ارتفاع الأسعار. على صعيد الطاقة نحن نعتمد على استيراد النفط والغاز. وبالمقابل نحن نمتلك 3% من الموارد العالمية في اليورانيوم. ونحن نريد إنتاج طاقة نووية وفرنسا في هذه المرحلة يمكن أن تساعدنا من غير شك. وآمل انه خلال سبع سنوات بفضل آريفا سنمتلك أول مفاعل نووي لنا.

الاكسبرس: والدك الملك الحسين عينك وليا للعهد في الأيام الأخيرة من حكمه. هل تشتاق للأيام التي كنت تحيا فيها حياة عادية؟

جلالة الملك: في الجيش كانت حياتي أكثر بساطة: كنت اعرف من هم أصدقائي ومن هم أعدائي. في الموقع الذي أشغله اليوم هذا اقل وضوحا في بعض الأحيان. وليس هناك مكاناً للخطأ لأن مسؤولياتي كبيرة. وعلى أية حال فان منصبي يتيح لي العمل لمصلحة بلدي وشعبي.

الاكسبرس: الملكة رانيا تصف علاقتكما كـ"شراكة".

جلالة الملك: نعم. ساهم تحولنا إلى ملك وملكة في تقوية علاقتنا بسبب المسؤوليات والفرص التي يتيحها المنصب. كنت أقود قبل ذلك القوات الخاصة ورانيا كرست الكثير من وقتها للأعمال الخيرية. اليوم مسؤولياتنا ساهمت في أن نصبح أكثر قربا من بعضنا البعض.

الاكسبرس: قلت قبل قليل "ليس هناك مكاناً للخطأ". هل واجهت لحظات ندم؟

جلالة الملك: كان يجب علينا أن نتحرك بسرعة اكبر . لدي رؤية لمستقبل الأردن. وأحيانا يكون لدي شعور بأنه كان علينا أن نشجع الإصلاحات بدون تأخير. العديد من المستشارين حذروني من مخاطر الإصلاح السريع للبلد. ولكن الأردن لا يملك ترف إضاعة الوقت.