مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية

٩ تشرين أول ٢٠٠٩

هآرتس: عندما أجريت مقابلة مع جلالتكم في العام 2007، كتبت وقتها أن المملكة الأردنية الهاشمية تمثل صوت العقل في منطقة الشرق الأوسط. وعندما عبرت الجسر الفاصل بيننا اليوم، رأيت صورة والد جلالتكم الراحل ورئيس الوزراء رابين. ما الذي تغيّر منذ ذلك الوقت؟

جلالة الملك: لقد كانت هذه الفترة مهمة في تاريخنا، حيث كان وعد تحقيق السلام الذي نحتاجه جميعا حاضرا بشكل كبير. ومازلت أذكر والدي رحمه الله عندما كان يتابع اخبار اغتيال رئيس الوزراء رابين ومدى الانزعاج الذي شعر به لفقدان شريك لما هو اكبر من مجرد السلام بين الأردن وإسرائيل، بل من أجل تحقيق السلام الشامل لنا جميعا. والسلام مع إسرائيل اليوم ليس سلاما دافيء كما يعتقد البعض، فيد واحدة لا تصفق.

هآرتس: إن الكثير من الإسرائيليين مرتاحين للوضع الراهن. حتى أن وسائل الإعلام أعلنت الانتصار عندما عاد نتنياهو من القمة الثلاثية في نيويورك بدون أن يضطر لتجميد المستوطنات.

إنتصار لمن ؟ وما هو الوضع الراهن الذي تتحدث عنه؟ فنحن ننزلق نحو الظلام. أما فيما يتعلق بالمستوطنات، فهي غير شرعية وعائق أمام تحقيق السلام، وإضافة إلى ذلك وإذا كنا جميعا نعتقد بأن الحل النهائي يجب أن يكون إقامة الدولة الفلسطينية، فأين المنطق في الاستمرار في بناء المستوطنات على أراضي هذه الدولة، وبالتالي تقويض الفرصة لإنهاء الصراع؟

هآرتس: كيف نسير إلى الأمام؟

جلالة الملك: لا يمكن أن نسير إلى الأمام إلا إذا توصلنا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحققنا السلام الشامل. أما إذا بقي الوضع الراهن ، فسيكون لدينا سلام بارد، ولا أعتقد أن هذا ما يريده الإسرائيليون، ولا اعتقد أن هذا ما يريده الأردنيون، ولا اعتقد أن هذا ما تحتاجه المنطقة.

هآرتس: سيقول الناس في إسرائيل أنهم صوتوا في الانتخابات الأخيرة وبأعداد كبيرة لصالح تحالف جناح اليمين الذي لا يؤمن في تقسيم الأرض وتجميد المستوطنات.

جلالة الملك: هناك فرق بين التصويت للأمن قصير المدى وبين التصويت للسلام الذي يضمن الأمن طويل المدى. أقول دائما ما قد لا يعجب الناس في إسرائيل: هل تريد إسرائيل العيش بعقلية القلعة ام ستكون جزءا من الجوار؟ فإذا لم يكن هناك حل الدولتين، فما هو المستقبل الذي ينتظرنا جميعا؟.

هآرتس: حل دولة واحدة؟

جلالة الملك: بالنسبة لما تسميه أنت، والكلام لك وليس لي، حل الدولة الواحدة، فإنني أعتقد أن معظم الناس سيشعرون بأن حل الدولتين هو الأفضل. ولكن ليس هناك بديل ثالث.

لقد سألت العديد من الإسرائيليين: كيف سيكون مستقبل إسرائيل بعد عشر سنوات وأين تريدون أن تكون إسرائيل في علاقتها مع الأردن والدول العربية الأخرى؟ إنني أرى أنكم تميلون إلى أن تعيشوا في اللحظة. وأنتم دائما قلقون من التهديد التالي. ولذلك يبدوا أنه من الصعب، برأيي، على الفرد الإسرائيلي أن ينظر للمستقبل لإنشغاله بالناحية الأمنية. لكن إذا كان هنالك سلام واستقرار، يستطيع الناس أن يتطلعون إلى المستقبل.

هآرتس: ماذا تقول لأولئك الإسرائيليين حول مستقبلهم بعد عشر سنوات من الآن، إذا لم نتوصل إلى تسوية تستند إلى حل الدولتين؟

جلالة الملك: إننا سنبقى جميعا رهينة للصراع والتوتر. فليس لدينا بديل إلا العمل على التوصل وعبر التفاوض إلى حل يلبي حاجات إسرائيل الأمنية ويحقق لها علاقات طبيعية في المنطقة، ويلبي حق الفلسطينيين في الحرية والدولة. وتوفر مبادرة السلام العربية فرصة غير مسبوقة لحل الصراع وبناء مستقبل أفضل لنا جميعا. خيارنا هو السلام الذي يلبي الحقوق لنا جميعا. ومبادرة السلام لا تتحدث فقط عن حل الدولتين.هي تتحدث عن "57" دولة، ثلث العالم، لا تقيم علاقات مع إسرائيل، سيكون لها علاقات طبيعية مع إسرائيل ضمن إطار السلام الشامل.

هآرتس: ما الذي يجب فعله الآن، في ضوء نتائج قمة نيويورك بين أوباما وعباس ونتنياهو؟

جلالة الملك: علينا التصدي للقضية بشكل مباشر ووفق خطة عمل واضحة. وهذا يعني الانخراط في مفاوضات جادة تعالج جميع قضايا الوضع النهائي، الحدود واللاجئين والمستوطنات والقدس، وتبني على نتائج المفاوضات السابقة ووفق المرجعيات المتفق عليها سابقا. نريد الوصول إلى الهدف النهائي وهو حل الدولتين والسلام الشامل بين اسرائيل وجميع جيرانها العرب.

لا نملك الوقت للانخراط في عملية مفتوحة أخرى لا تحقق النتائج. هناك فرصة لتحقيق التقدم وأعتقد أن التزام الرئيس اوباما بتحقيق السلام يقدم لجميع الأطراف فرصة نادرة علينا اغتنامها لتحقيق السلام الذي يضمن الأمن والاستقرار لنا جميعا.

يكمن التحدي في التوقف عن النظر إلى الحلول المرحلية والتي ستقودنا إلى مشاكل أكبر. وأعتقد أن الغضب يزداد عند الجميع. فهل نريد لهذا الغضب أن يشعل حروبا وصراعات أكبر أم نريد التوصل إلى السلام؟

العالم يتغير... هنالك إرادة وشجاعة أكبر في الاتحاد الأوروبي وعند الإدارة الأمريكية، لإجراء الكثير لجمع الإسرائيليين والفلسطينيين على طاولة المفاوضات. لكن الوقت ليس في صالحنا.

هآرتس: سنحتفل خلال أيام قليلة بالذكرى الخامسة عشر لتوقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل. هل هي مناسبة للفرح؟

جلالة الملك: ليس الحال كما كان عندما وقعت اتفاقية السلام. فعلاقتنا تزداد برودة. صحيح أن هناك اتصالات ونقاشات بين الحكومتين والمسؤولين، ولكن ماذا عن السلام بين الشعوب، حسب رؤية جلالة الملك الراحل ورئيس الوزراء رابين؟

دعنا نتذكر أن اتفاقية السلام وقعت كجزء من عملية لتحقيق السلام الشامل. ولن تتقدم علاقاتنا نحو المستويات الممكنة ولن تصل إمكانات المنطقة برمتها إلى مداها إلا إذا تحقق السلام الشامل. أتذكر أن رئيس الوزراء باراك وخلال لقاءاته الأولى معي تحدث عن فرص عمل لثلاثين الف اردني من ذوي التعليم العالي في قطاع التكنولوجيا في إسرائيل لأننا كنا نتحدث عن مشاريع في الجانبين وعن تنمية الاقتصاد في بلدينا. كان هناك حراك وقتها، أما اليوم فإنه من المستحيل تقريبا أن يقوم أردني بزيارة إسرائيل. "150" ألف إسرائيلي يزورون الأردن سنويا ومعظم هؤلاء من عرب إسرائيل، والتجارة بيننا تقريبا غير موجودة، إذا ما استثنينا المدن الصناعية المؤهلة.

تذكرنا الذكرى الخامسة عشرة لتوقيع الاتفاقية أن السلام يمكن تحقيقه إذا كان هناك التزام باحترام حقوق الأخر، وإذا كان هناك قيادة تمتلك الشجاعة لإتخاذ قرارات صعبة لما فيه مصلحة شعوبها. لكنها تظهر أيضا الفرص التي تضيع في غياب السلام الشامل. تخيل ما كنا نستطيع عمله سويا وما كنا نستطيع تحقيقه لشعوبنا في مجالات التنمية الاقتصادية والبيئة و المياه، وغيرها لو كانت الأجواء الإقليمية مواتية للتعاون.

هآرتس: أنا اعتقد أنكم قلقون للغاية تجاه ما يحدث في القدس.. لماذا القدس بهذه الأهمية للأردن؟ جواب: نحن قلقون جدا. فالقدس لها أهمية كبيرة للأديان السماوية الثلاثة ولديها القدرة على توحيدنا جميعا. ولكن للأسف نرى أعمالا تحاول تغيير الحقائق على الأرض. لقد أثرنا موضوع القدس مع كل رئيس وزراء إسرائيلي ومع الإدارة الأمريكية. وقد قلت لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو: عليك ان تدرك مدى حساسية وقدسية مدينة القدس. فنحن لا نقبل ولا نتحمل أي إجراءات أحادية الجانب في القدس وأن هذه الإجراءات ستقوض جميع الجهود السلمية الحالية.

إذا استمر ذلك ستكون القدس شرارة الاشتعال. ففي الوقت الذي نعمل فيه نحن والدول العربية والإسلامية ومع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لجمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة مفاوضات السلام وحل الصراع بشكل نهائي، نرى الكثير من المشاكل في القدس. وهذا لن يهز فقط العلاقة مع الأردن، الذي له خصوصية ودور في القدس اقرته اتفاقية السلام، ويخلخلها، لكنه سيفجر شرارات اشتعال كبيرة في العالم الإسلامي برمته.

هآرتس: يخبرنا رئيس الوزراء نتنياهو بأن القدس موحدة، وأن إسرائيل قد طبقت قانونها.

جلالة الملك: هناك قدس غربية، وهنالك قدس شرقية هي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى إسرائيل أن توقف جميع إجراءاتها الأحادية التي تهدد الأماكن المقدسة وهوية المدينة المقدسة. المسلمون والمسيحيون واليهود لهم حقوق العبادة في القدس التي يمكن أن تجمع الجميع من هذه الناحية.

هآرتس: هل تؤيد إعادة بناء جدار في القدس كجزء من تسوية الوضع النهائي؟

جلالة الملك: لا أؤمن بالجدران. ولا نريد أن نرى جدارا بأي مكان. فالجدران تسقط في النهاية. ولم يحدث أن استفاد مجتمع من بناء الجدران.

هآرتس: كيف تستطيع إقناع الإسرائيليين الذين دعموا الانسحاب من غزة، بأن الضفة الغربية لن تتحول إلى "حماسستان"، عندما تنسحب إسرائيل من هناك؟

جلالة الملك: لقد كان الانسحاب من غزة قرارا أحاديا تم تنفيذه في غياب التنسيق. وأتذكر أنني كنت غاضبا جدا حين حدث لأن الأمر بدا وكأن الهدف منه هو إيجاد مشكلة. وبعد ذلك تم عزل غزة. ولذا كان من الطبيعي أن تتفاقم الامور. وإذا كان لما حدث في غزة أن يحدث في الضفة الغربية، فسيكون السبب أنكم كررتم ما فعلتموه وجعلتم الضفة سجنا. أما إذا ما انتقلتم إلى السلام والازدهار فلن تواجهوا هذه المشكلة.

نحن جميعا بشر... نريد الأفضل لأطفالنا. ونريد تعليما أفضل ورعاية صحية وحياة جيدة لعائلاتنا. إذا أدخلنا الأمل في عملية السلام، سنتمكن من جمع الإسرائيليين والفلسطينيين على الطاولة لحل مشاكلهم.

هآرتس: إن العديد من الإسرائيليين شعروا بخيبة الأمل من عدم قدرة الرئيس أوباما على تحقيق تطبيع أكبر مع السعودية ودول عربية أخرى.

جلالة الملك: تؤمن العديد من الدول العربية أن إسرائيل لا تريد السلام. وقد يقول الكثير من الإسرائيليين أن العرب لا يريدون السلام. وإذا لم نكسر الجمود ولم نتقدم عبر المفاوضات إلى السلام فلن يكون هنالك إي إنجازات. وتذكر أننا كنا نتوقع أن يبدأ الإسرائيليون والفلسطينيون مفاوضات جادة وفاعلة في شهر حزيران أو تموز. ولكن هذا لم يحدث. لذا ليس العرب من لا يريد السلام. تكمن المشكلة في كيف يتم تحقيق التقدم في المفاوضات.

هآرتس: لديكم تقرير من وزير الخارجية المصري حول حوار المصالحة بين فتح وحماس. هل ترى بأن هناك فرصة لتحقيق ذلك؟

جلالة الملك: يمكن التقريب بين حماس وفتح. ولكن لا يمكن النظر إلى الموضوع بمعزل عما يجري في الصورة الكلية للأمور. وإذا ما تحركنا، بمشيئة الله، باتجاه طاولة السلام، سيكون من الأسهل تحقيق المصالحة. ففي نهاية الأمر، تستمد حماس وفتح قوتهما ووجودهما من الشعب. وإذا شعر الشعب بأن هناك قدرة على تحقيق حل الدولتين، سيكون هناك ضغط داخلي أكبر على الجهتين لحل خلافاتهما.

هآرتس: ما هي رؤيتكم فيما يتعلق بالنظام النووي في الشرق الأوسط؟

جلالة الملك: ما سيفعله الأردن من خلال برنامج الطاقة النووي السلمي، هو أن يقدم للمنطقة نموذجا في كيفية استطاعة دولة أن تطور مثل هذا البرنامج بالشكل الصحيح. وأعرف بأن هناك قلقا حول هذا الموضوع. لكن المفاعلات التي ندرس الحصول عليها هي من نوع "Generation III Plus".. وهذه أفضل تكنولوجيا متوفرة وأكثرها أمانا. وهي تكنولوجيا آمنة ضد تأثير الزلازل والكوارث الطبيعية والاعتداءات الإرهابية. والتكنولوجيا التي نسعى إليها هي متقدمة بجيل أو جيلين عن التكنولوجيا التي تمتلكونها في إسرائيل. علينا وعلى الجميع أن نكون شفافين عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية.

هآرتس: عندما تذكر الشفافية، هل تقصد إسرائيل؟

جلالة الملك: أقصد الجميع... المشكلة أنه عندما يتعلق الأمر بالمسألة النووية، فليس هناك شفافية. إنه موضوع محاط بالظلام. وهذا ينطبق على إسرائيل كما ينطبق على دول أخرى.