مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة هآرتز

١٩ كانون ثاني ٢٠٠٧

 

جلالة الملك: يمكنني القول أن الرئيس الأميركي ووزيرة الخارجية الأميركي، وقد تحدثت إلى كليهما، جادان وملتزمان لدرجة كبيرة بتحريك عملية السلام قدما، لأنهما يدركان الديناميكيات التي تمر بها المنطقة في هذه الأوقات، وهذه هي الفرصة للتواصل مع الفلسطينيين والإسرائيليين والقول بأن هذه هي الفرصة الذهبية، وربما إلى حد ما، كانت الفرصة الأخيرة.. لقد شهدنا نزاعا هذا الصيف في المنطقة.. أما تواتر النزاعات فهو يثير الذعر لدرجة كبيرة.. والتصور كما أعتقد لدى العرب وإلى حد ما، بين الإسرائيليين أن إسرائيل خسرت هذا الصيف.. وإذا لم نتحرك قُدما بعملية السلام، فإنها مسألة وقت حتى يحدث نزاع بين إسرائيل وجهةٍ أخرى في المنطقة.. وأعتقد أن هذا الأمر سيحصل عاجلا لا آجلا.. علينا جميعا العمل معا، لأن حل المشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية سيتيح لنا معالجة القضايا الأخرى من حولنا.. فجميعنا ينظر إلى العراق بقلق، ولا ندري ماذا سيحدث في لبنان، مع أننا نأمل أن يكونوا سائرين في الاتجاه الصحيح.. وسواء رضي الناس بذلك أم لا فإن العقدة الأساسية تكمن دائما في المشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية.

هآرتز: هل ترى ارتباطا واضحا بين النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي والتهديد النووي الإيراني وتهديد الإرهاب؟

جلالة الملك: لقد تمكنت إيران من أن يكون لها مقعد على طاولة الأحداث من خلال حماس للحديث حول القضية الفلسطينية، ومن خلال حماس فإنها تقوم بالفعل بدور في قضايا الفلسطينيين مهما بدا ذلك الأمر غريبا.. وإذا ما بدأنا تحريك العملية السلمية قدما إلى الأمام، فسيكون هناك أسباب أقل للانخراط في القضية الفلسطينية.. أما في ما يتعلق بالموضوع النووي، فقد تغيرت قواعد اللعبة في المنطقة بأسرها.. فالجميع بدأ يتجه نحو دراسة امتلاك البرامج النووية.. فالمصريون يتطلعون إلى برنامج نووي ودول مجلس التعاون الخليجي تنظر في هذا الأمر، ونحن في واقع الأمر ننظر في مسألة الطاقة النووية للأغراض السلمية وأغراض الطاقة. ونحن نناقش هذا الأمر مع الغرب.. لكنني أعتقد شخصيا أنه يجب على أي بلد لديه برنامج نووي أن يلتزم بتطبيق القوانين الدولية ويجب أن تكون هناك هيئات دولية ناظمة تدقق وتفتش لتضمن أن البرامج النووية تسير بالاتجاه الصحيح.

هآرتز: وبكلمات أخرى فإنك تقول أنك تتوقع من إسرائيل أن تنضم إلى معاهدة الطاقة النووية؟

جلالة الملك: أعتقد أنه ما يتوقع منا يجب أن يكون معيارا للجميع.. فنحن نريد أن نضمن أن تستعمل الطاقة النووية لتوليد الطاقة، وما لا نريده هو سباق تسلح يخرج من هذه البرامج.. وعندما نغدو جزءا من هيئة دولية بأنظمتها المقبولة دوليا منا جميعا، فعندها سنصبح جبهة متحدة.

هآرتز: هل ستتعامل أولا مع المسار الفلسطيني ومن ثم التحرك على المسار اللبناني - السوري؟

جلالة الملك: أعتقد أن الأولوية، إذا ما أردت الحصول على ضمانات بأن إسرائيل تريد مستقبلا مستقرا، تكون في التعامل مع القضية المحورية.. لذلك، فعلينا أن نطلق عملية السلام في المسار الفلسطيني ومن ثم نأمل أن الأمور ستسير بشكل أسهل مع اللاعبين الآخرين.. عليك أن تبدأ مع الفلسطينيين أولا وتنظر في القضايا الأخرى في المقام الثاني.. لدي شكوك حول نجاح المسارات الأخرى إذا لم يتحقق حل في المسار الفلسطيني.. ونحن لا ندري مدى مقدار وضوح الرؤية في المسارات الأخرى وإذا لم نلتقط الإشارات الصحيحة حول ما نحتاجه على الأرض خلال السنة القادمة، فسيكون المستقبل أمامنا جميعا في المنطقة غاية في الكآبة، خصوصا إذا لم نحرك العملية السلمية قدما إلى الأمام.. إن ما حدث هذا الصيف ليس إلا بعض المذاق لما هو أسوأ في الأيام المقبلة إذا لم يتغير اتجاه هذا النزاع فالجميع في نفس القارب.. فأمن الأردن ومستقبله يسير مع مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين.. وهكذا فإن الإخفاق لدينا هو إخفاق لكم والعكس صحيح.

هآرتز: ماذا تتوقع من الأميركيين أن يفعلوا لدفع العملية السلمية قدما؟

جلالة الملك: إن لديكم خريطة الطريق ولديكم اتفاق طابا واتفاقيات جنيف.. وهكذا ليس علينا العودة إلى طاولة الرسم مرة أخرى فمعظمنا يعلم الحقائق والقضايا بشكل جيد. والقضية الوحيدة بالنسبة لي فيما يتصل بخريطة الطريق تكمن في أن الظروف قد تغيرت منذ إطلاق هذه العملية.. ولذلك فنحن ننظر في الجمع بين المراحل لتحريك الناس بالسرعة الممكنة.. أعتقد بأن الأغلبية الصامتة يمكن أن تغيير توجهاتها بسهولة. وأعتقد أنه إذا ما جلس رئيس الوزراء أولمرت والرئيس عباس غدا وتصافحا وأطلقا عملية السلام، فسيكون هناك متطرفون في كلا الجانبين يعملون على ارتكاب أعمال عنيفة وخسارة في الأرواح لمحاولة زعزعة الاستقرار وتفعيل النزاع ولذلك يجب أن نكون أقوى من ذلك لنتمكن من السير قدما في العملية السلمية.

هآرتز: هل تقترح أن نعود إلى صيغة إسحق رابين: وهي أن نتابع عملية السلام وكأنه لا يوجد هناك إرهاب، وأن نحارب الإرهاب وكأنه لا يوجد هناك عملية سلام؟

جلالة الملك: أعتقد شخصيا أن والدي أحبط كثيرا في فقدان شريك للسلام.. فقد أمن والدي أنه لو لم يتم اغتيال رئيس الوزراء رابين، لما كنا نتحدث عن عملية السلام اليوم.. ففي السنوات الأخيرة من حياة جلالة الملك الحسين، رأيته وهو ينظر إلى الشرق الأوسط ويدرك أنه ليس هناك من يتحلى بالشجاعة ليتمكن من المضي بالعملية السلمية قدما.. وهذه هي مسؤوليتنا الآن أن نسير قدما بالعملية السلمية.. فجلالته عندما بدأ المباحثات مع رئيس الوزراء رابين نظر كلاهما للأمر بالطريقة ذاتها.. أعني أنهما كانا رجلي دولة.. نظرا للأمر من وجهة نظر عاطفية، من حيث التفكير في من هو شريكي في الجانب الآخر؟ وما هي مخاوفه.. وما هي مصادر قلقه؟ وإذا ما استطعت أن أضع نفسي مكان هذا الشريك فيمكنني عندئذ أن أتفهم ما الذي عليّ التفاوض حوله.. لقد كانت هناك علاقة قوية بين جلالة الملك الحسين ورابين. وعندما وصل الأمر إلى مبادرة السلام العربية - الإسرائيلية، حاولنا القيام بالشيء نفسه، أي الوصول إلى حل متفق عليه لقضية اللاجئين.. وهنا يجب السؤال لماذا نريد حل الدولتين؟ لأن هذا الحل يؤمن مستقبل الجميع حيث سيصبح لإسرائيل حدود ليس فقط مع الأردن أو سوريا أو مصر بل أنها ستحظى بعلاقات مع الجميع من المغرب على شاطىء الأطلسي إلى عُمان على المحيط الهندي.. وأعتقد أن هذه هي الجائزة بالنسبة للإسرائيليين.. ولكن هذا الأمر له ثمن وهو مستقبل الفلسطينيين.. وهكذا فأنا أعتقد، أنه بالرغم من أننا نتحدث في السياسة، فإنني اعتقد بأن لدينا مشكلة على الأرض ولم يبق أمامنا الكثير من الوقت.. ربما كانت المشكلة هي الجدار وربما كانت المستوطنات، إضافة إلى أن افتقار الفلسطينيين إلى الأمل سيصل بنا إلى نقطة في الزمن القريب يصبح فيه الحديث عن حل دولتين أمرا غير ملموس ولا يمكن الحديث عنه.. فماذا يحدث عندئذ؟ إذا لم تحل القضية الفلسطينية - الإسرائيلية فقد لا نتمكن أبدا من حل القضية العربية - الإسرائيلية.. والسؤال هنا هل هذا هو ما نريد أن نقدمه لأطفالنا؟ هل كتب عليهم أن ينشأوا بأسلوب حياة كالذي نشأنا نحن في ظله .. في ظل النزاع أم هل نريد أن نمنحهم الأمل؟

هآرتز: إذا كنت رئيس وزراء إسرائيل، هل ستتوصل إلى تسوية مقابل هدنة؟

جلالة الملك: إنك تتحدث عن الهدنة، أخبرني ما الذي تعنيه بالهدنة؟. إذا كانت هناك مشكلة بيني وبينك، ونريد أن نصل بالأمر إلى نهايته، فعندها نقول لنتوقف ونواجه بعضنا بعضا حتى يكون هناك جو يمكننا من أن نجلس ونتحدث.. إذا كانت هدنة، فأنت تقوم بما تريد وأنا اقوم بما أريد لعدة سنوات، وعندها نقرر ما يحدث، لا.. هذا لا يحل المشكلة.. إن الهدنة، كما أراها ضمن مفرداتي، هي التي تتيح للناس الجلوس حول الطاولة لحل المشكلة.. وهو كما أعتقد حل الدولتين، وهذا هو النوع من الهدنة الذي أدعمه.. أما الهدنة التي مفادها أن ترعى شؤونك وأنا أرعى شؤوني لمدة غير محددة فلن توصلنا إلى أي مكان، أليس كذلك؟

هآرتز: ولكن في حالتنا، فحماس تصر على رفضها الاعتراف حتى بحقنا بالوجود.. لذلك، ما هو نوع الحل الذي نستطيع أن نتحدث من خلاله مع حماس؟

جلالة الملك: لكن إذا لاحظت فهناك لغة تصدر حديثا من حماس وحتى عن قادة حماس في دمشق مثيرة للاهتمام.. وأعتقد أن الفلسطينيين الموجودين اليوم يعانون على الأرض معاناة رهيبة، وأنا أشعر بقلق كبير، فكما تعلم نسمع أحيانا من السياسيين الإسرائيليين أنه ليس لدينا شريك من أجل السلام.. ولكن وأنا أسمع دقات الساعة وأرى تضاؤل الفرص، فإن القلق بالنسبة لي يكمن في كيفية دفع العملية السلمية قدما.. إن الفلسطينيين هم من سيخسر مستقبل فلسطين إذا لم يرصوا صفوفهم ويضعوا خلافاتهم جانبا.. لأن المطلوب في نهاية المطاف هو قيادة متماسكة للفلسطينيين ليتمكنوا من التفاوض حول مستقبل فلسطين، وإذا لم يكن لدينا هذا خلال ستة أشهر أو سنة، فربما لن يكون هناك حل قائم على وجود دولتين، وأخشى أن الفلسطينيين هم من سيخسر.

هآرتز: هناك بعض السياسيين الإسرائيليين الذين يقولون أن الأردن يدعم في العلن قيام دولة فلسطينية كاملة متكاملة، ولكننا عندما نتحدث بصورة غير رسمية يقولون أننا لسنا متحمسين كثيرا لفكرة وجود دولة فلسطينية في الوادي ونفضل وجود إسرائيل.. ما الذي تقوله لهم؟

جلالة الملك: لا أعرف أي أردني أو أي شخص يمكن أن يرى في هذا القول أي منطق.. وأعتقد أن المستقبل الحقيقي لمنطقتنا الصغيرة سيكون أردنيا وفلسطينيا وإسرائيليا في كيانات منفصلة.. لكن ما أود قوله أن هناك إسرائيليين أيضا يريدون دفع المشكلة نحو الأردن.. إن قيام دولة فلسطينية مستقلة يتيح لنا مستقبلا مختلفا حول كيفية التحرك اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا.

هآرتز: لم يتخل الأردن أبدا عن القيام بدور بناء في الأماكن المقدسة في القدس.. هل ترون دورا أردنيا في القدس كجزء من حل الوضع النهائي؟

جلالة الملك: أنظر إلى القدس باعتبارها مكان مقدس لدى ديانات التوحيد الثلاث.. وهنا يقوم الأردن بدور يتم من وجهة نظر إسلامية.. فنحن الهاشميون لنا دور تاريخي في القدس، ولكن تحسب جميع الكنائس المسيحية علينا أيضا.. وهكذا فمن الواضح أن هناك دورا للأردن في إيجاد حل للقدس مقبول لنا جميعا وسيكون الأردن عنصرا فعالا جدا في هذا النطاق.

هآرتز: إنك في موقع خاص جدا لأن الأردن يقع وسط نزاعين: العراق وفلسطين.. هل يكمن الحل في العراق بإرسال المزيد من القوات؟

جلالة الملك: الوضع في العراق يشكل تحديا مهما للأردن مثلما هو مهم لإسرائيل ولمصر وللولايات المتحدة ولأي بلد آخر.. وكل ما يمكننا قوله حول العراق هو أن الرئيس الأميركي استمع إلى حكومة المالكي، وخرج ببيان يقول: سنقيم الأمور ولكن عليكم القيام بتغييرات رئيسية.

هآرتز: يصادف الشهر القادم الذكرى الثامنة لتتويجكم ملكا.. لم تزرنا بعد، إذن متى ستأتي إلى إسرائيل؟

جلالة الملك: نأمل أنه سيكون في المستقبل القريب.. وربما كان هناك بعد أسابيع أو شهر أو شهرين فرصة لإعادة إطلاق ما أعتقد أنه فرصتنا الأخيرة في تشكيل مستقبل لنا جميعا في المنطقة.. وإذا ما نجحنا من القيام بهذا، فإن هذا سيتيح لنا المجال للقدوم والزيارة ومحاولة لم الأطراف وتقريبهم لبعضهم بعضا.. أنا مستعد تماما لشرح التصور العربي للسلام للشعب الإسرائيلي وإيجاد حوار داخلي حول هذه القضية.. إن العرب يقولون نريد السلام ونريد علاقات رسمية.. وأنا كإنسان لا أستطيع أن أفهم كيف يرفض أحد ذلك..إننا ننظر إلى الجوار وينتابنا القلق جميعا.. ولكن الناس الذين هم بحاجة ليشعروا بالقلق بنفس الدرجة هم الإسرائيليون. فهم أحيانا يرون النزاع الذي يحدث في الشرق الأوسط ويقولون هذه ليست مشكلتنا.. ولكن، كل شيء يحدث في الشرق الأوسط متشابك ومترابط، ولذا فهو تحد لنا جميعا.