مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة العرب اليوم بمناسبة العيد العاشر لصدورها

١٦ أيار ٢٠٠٧

العرب اليوم : اقر مجلس الامة مؤخرا قانونا جديدا للمطبوعات والنشر، وكنتم يا جلالة الملك حريصين دائما على منح الصحافة اعلى سقف من الحرية، واليوم ونحن نتشرف باجراء هذه المقابلة الصحافية بالتزامن مع الذكرى السنوية العاشرة لصدور"العرب اليوم" نود ان نسمع رسالتكم بهذه المناسبة للصحافة الأردنية عموما ولأسرة "العرب اليوم" خصوصا، ونود ان نسأل جلالتكم هل تشعرون ان القوانين التي أقرت (المطبوعات، وحق الحصول على المعلومات)، تحقق طموحكم في رؤية صحافة مسؤولة وقوية في الاردن؟

جلالة الملك: يسعدني قبل البدء بالإجابة أن أهنىء صحيفة العرب اليوم بالذكرى العاشرة لصدورها وأتمنى لكم وللعاملين فيها كل توفيق في أداء رسالة الصحيفة وخدمة قضايا الوطن.. ما نسعى إليه جميعا هو تطوير الإعلام والنهوض به وجعله إعلام دولة يعكس الصورة المشرقة للوطن وفي نفس الوقت نسعى لان يكون إعلامنا إعلاما يضع نصب عينيه كشف الحقائق وتقديم المعلومة الصحيحة للمواطن بكل تجرد وموضوعية وهذا حق للمواطن كما هو حق للصحافي والإعلامي في الحصول على المعلومة الدقيقة الموثقة بهدف توضيح الحقائق وكشف اللبس وإزالة الغموض إن وجد خدمة للوطن أولا ولتعزيز مفهوم المساءلة والمكاشفة والمؤسسية ثانيا وصولا إلى المجتمع الأمثل الذي نسعى إلى تحقيقه جميعا.. لكن ما أود التأكيد عليه هو أن يتبع الصحافيون معايير المهنية والحرية المسئولة التي تتجنب الابتزاز واغتيال الشخصية.

وفيما يتعلق بالقوانين الناظمة للعمل في هذا المجال، اعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، ونعمل على توفير كل السبل من أجل أن يعمل الإعلام بحرية ومن دون أية عوائق.

العرب اليوم : تشهد المملكة حراكا اجتماعيا وسياسيا واسعا مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والنيابية، فما هي الرسالة التي تودون توجيهها لشعبكم بهذه المناسبة؟

جلالة الملك: برغم كل الظروف التي تحيط بنا، والتحديات التي تواجه الأردن والمنطقة، إلا أننا واثقون بالمستقبل، ومصرون على المضي قدما في تحقيق رؤيتنا لبناء الأردن الحديث الذي يلبي تطلعات شعبنا في المستقبل الأفضل والمشرق. إن المرحلة المقبلة هي مرحلة عمل وإنجاز، وتحتاج منا جميعا إلى تحمل مسؤولياتنا المشتركة بكل وعي ومثابرة وجدية، حتى نتمكن من ترجمة الأقوال إلى أفعال، والطموحات إلى برامج ومشاريع على أرض الواقع، تنعكس آثارها الإيجابية على الجميع. نحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة، ونجاح المبادرات التي نطلقها من أجل تحسين ظروف المعيشة لأبناء شعبنا، وتمكينهم من الانخراط الفعلي في عملية البناء والتطوير، يعتمد بشكل أساسي على مشاركة الجميع في عملية التنمية.. وأنا أراهن على قدرة أبناء أسرتنا الأردنية الواحدة، على المشاركة الفعلية والمؤثرة في الانتخابات القادمة البلدية والنيابية، واختيار من يمثل صوتهم وصوت الوطن، ويمثل قناعاتهم ويخدم مصالحهم.. ويضع المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات الشخصية أو الفئوية، بعيدا عن لغة الشعارات التي لا تنسجم مع الواقع، ولا تحاكي طبيعة التحديات التي تواجهنا.. وهذا باعتقادي هو الضمانة لنجاح جهودنا المتواصلة لبناء الأردن والتحضير للمستقبل المشرق بإذن الله.

العرب اليوم : جلالتكم وجّه الحكومة بضرورة إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون انتخاب جديد وعصري، لكن ذلك لم يتحقق لغاية الآن، الأمر الذي ترك انطباعا لدى الكثيرين بأن مسيرة الاصلاح السياسي تباطأت، خاصة وان قانون الاحزاب الجديد بعث بإشارات غير مريحة للأحزاب، فهل هذه الانطباعات برأي جلالتكم صحيحة؟

جلالة الملك: التغيير والتطوير لا يحدث بين ليلة وضحاها، ويبدو أن الحكومة ارتأت حاليا الإبقاء على قانون الانتخاب وعدم تغييره. لكن بالنسبة لي، فأود التأكيد على أننا ماضون في طريق الإصلاح والتطوير ولا بد أن نصل في النهاية إلى أهدافنا في إصلاح حقيقي في كافة المجالات.. وسمعت الكثير مما قيل حول قانون الأحزاب الجديد الذي أقر من قبل مجلس الأمة.. أكرر ما سبق وأن أكدت عليه سابقا، بأننا نريد أحزابا قوية وفاعلة ذات برامج عملية واستراتيجيات واضحة.. نحن مهتمون بالحياة السياسية وتنميتها وتطويرها ومع إشراك عدد أكبر من الناس وتشجيعهم على الانخراط فيها ليكونوا مؤثرين وشركاء فاعلين في عملية صنع القرار وتحمل المسؤولية.. كما اننا ندعم كل توجه يشجع على إزالة عامل الخوف من الانخراط في أحزاب لها أجندتها الوطنية نابعة من حس عميق بالمسؤولية وليس لها ولاء إلا لهذا "الوطن" وليست تابعة لقوى وأحزاب خارج حدوده.

العرب اليوم : يشعر المراقبون أن ظاهرة تغيير الحكومات المستمرة في الأردن قد أضعفت قدرتها على الانجاز وتوقعات المواطنين تجاه برامجها، فهل ستشهد المرحلة المقبلة تغييرا جوهريا في آلية تشكيل الحكومات ووظيفتها بعد الانتخابات النيابية المقبلة؟ وهل يمكن ان نشهد عودة الحكومات البرلمانية في المستقبل؟

جلالة الملك: ليس هناك ما يمنع من أن نصل إلى مرحلة يحدث فيها مثل هذا التصور الذي جرب أكثر من مرة في السابق.. لكن إذا لم توجد أحزاب وتكتلات برلمانية، تقوم على أسس برامجية سياسية واجتماعية واقتصادية، فإننا سنواجه نفس المشاكل التي واجهناها في السابق.. فإذا تم انتخاب النواب على أساس الخدمات التي يقدمونها لناخبيهم، من دون اعتبار للأولويات الوطنية الهامة، فلربما قد لا تنجح الحكومات البرلمانية.. إن هذا الأمر يحتاج إلى أرضية قوية يتجذر فيها الحس الديمقراطي في مجتمعنا، وهناك فرصة قوية لتكريس هذا النهج، ونحن مقبلون على انتخابات بلدية ونيابية، لاختيار الأصلح لتتشكل بالتالي مثل هذه الأرضية، التي من الممكن أن تكون نواة للتغيير والتطوير وظهور حكومات تكون لها القدرة الكافية بالتوافق والتعاون مع البرلمان على تنفيذ برامجها، سواء كانت حكومات برلمانية أو غير ذلك، وفق تصورات واضحة تصب في تحقيق مصالحنا الوطنية.

العرب اليوم : هل تعتقدون جلالتكم انه وبعد اقرار القانون الجديد للاحزاب تصبح الساحة مهيأة لتحقيق رؤيتكم لقيام احزاب كبيرة تمثل الأطياف السياسية الرئيسية في المجتمع؟

جلالة الملك: كما أسلفت فإن قانون الأحزاب الجديد حلقة ومفصل مهم من مفاصل التحديث والتطوير في الحياة السياسية ويساعد على الدفع باتجاه قيام أحزاب قوية ذات برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، تمثل التوجهات السياسية المعروفة من يمين ويسار ووسط. . فمن غير المعقول أن تبقى هذه الأحزاب مشتتة، ومن دون رؤية واضحة ومنهجية عمل مؤسسية، مما يعيق توجهاتنا نحو "أردن قوي وديمقراطي"، تتحول فيه الأغلبية الصامتة إذا جاز التعبير إلى أغلبية فاعلة ومؤثرة وشريكة في صنع المستقبل.

العرب اليوم : تشكو الحركة الاسلامية مما تسميه سياسة التحجيم، فهل ما تقوله الحركة في هذا الشأن صحيحا؟ وما هو المطلوب من الجميع لتجاوز حالة الشد الدائمة معهم؟

جلالة الملك: إنني أؤكد أنه لا توجد في قاموسنا سياسة تحجيم أو تضييق ضد أي جهة أو فئة أو حزب.. كل ما نتطلع إليه هو أن ينخرط الجميع في مسيرة البناء والعمل والإنجاز.. ومعيارنا في الحكم على الأشياء يرتكز على "حجم "العمل والإنتاج وتقديم البرامج التي تضع في اعتبارها مصلحة الأردن أولا وأخيرا .. ونحن لا نتبع سياسة التفريق والتمييز، فالحركة الإسلامية هي جزء من نسيجنا الوطني.. من جهة ثانية إن دعواتنا المتكررة للانخراط في مسيرة التنمية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي دعوات موجهة للجميع وليس لفئة من دون أخرى.. ولا أعرف ما هي المؤشرات الحقيقية التي تدعو بعض الجهات للقول أن هناك سياسة تحجيم تمارس ضده.. والحركة الإسلامية كانت على الدوام شريكا في الحياة السياسية.. ولكن إن كان بعض التجاوزات هنا وهناك، فهي غير مقبولة، سواء كانت هذه التجاوزات صدرت من هذا الطرف أو ذاك.. وكما أسلفت المرحلة بتداعياتها المختلفة تحتاج إلى العمل بروح الفريق الواحد.. فلنطو صفحة التشكيك، ولنبتعد عن سياسة التخوين والانتقاص من الانجازات، ولنعتز بأننا جميعا" أردنيون شركاء" بالمعنى الحقيقي في مسيرة الإنجاز والنماء، والتي تحتاج فعلا إلى جهد كبير من الجميع.

العرب اليوم : جلالتكم تتابعون عن كثب المشاريع التنموية التي تؤثر في حياة المواطنين، وتوجهون الحكومة باستمرار بسرعة التنفيذ وفق جداول زمنية محددة، خاصة في المشاريع الكبرى، ومع ذلك لا تزال بعض هذه المشاريع تراوح مكانها مثل مشروع الديسي، فما هو تقييمكم لدور الحكومة في هذا المجال؟ وهل يصل مستوى الانجاز إلى ما تطمحون إليه؟

جلالة الملك: أنا أومن بأن الانتقال من مرحلة وضع الخطط التي تحدد حاجات المواطن وهمومه إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، يستدعي جهودا مخلصة وحثيثة لإحداث تقدم ملموس في واقع الظروف المعيشية للمواطنين في أرجاء المملكة كافة، والزيارات الميدانية التي أقوم بها، تأتي من أجل الوقوف عن كثب على حجم الانجاز الذي يتم، ولضمان تحقيق عدالة أكبر في توزيع مكتسبات التنمية على الجميع. ولكن هناك دوما بعض العراقيل التي تظهر نتيجة البيروقراطية والبطء في التنفيذ.. الأمر الذي يؤدي أحيانا الى تأخير إنجاز بعض البرامج. نحن لدينا برامج، وعازمون على تنفيذها وإنجاحها. والحكومة وأجهزة الدولة المختلفة لديها آليات لتحسين الأداء وتفعيل القدرات لتنفيذ البرامج.. ما أود الإشارة إليه أن بعض الجهات الرسمية قد تكون بطيئة في بعض الأحيان، لكن الجميع يملك الإرادة والتصميم، للمساهمة في إنجاح مسيرتنا التنموية.. وفي هذه المرحلة لا مجال أبدا، للتراخي أو التقاعس عن تنفيذ أي برنامج يصب في مصلحة الوطن والمواطن.. ولذلك، فإننا نرى أن أي برنامج أو مشروع سيتم تنفيذه، لا بد أن يرتبط بإطار زمني، حتى نتمكن من التقييم والمتابعة، وبالتالي المساءلة والمحاسبة.

العرب اليوم : تشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة إلى أن نسبة المواطنين تحت خط الفقر بلغت 14.3 بالمائة، وقد أوليتم جلالتكم اهتماما كبيرا للفئات الفقيرة عبر سلسلة من المبادرات المؤثرة على معيشة المواطنين من أبرزها مشروع مساكن الفقراء، فما هي السياسات والبرامج التي ينبغي التركيز عليها في المرحلة المقبلة لاحتواء المشكلة المتفاقمة؟

جلالة الملك: الفقر تحد خطير ولا بد من أن نكثف جهودنا في السعي للتخفيف من وطأته وأطلقنا كما تعرف العديد من المبادرات لتوفير فرص العمل للقضاء على البطالة وهي الوجه الآخر للفقر من خلال إقامة مشاريع ومناطق تنموية ومدن صناعية تسهم في تشغيل العاطلين عن العمل.. كما حرصنا على تشجيع استقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية التي تسهم في تفعيل الأيدي العاملة. إننا نسعى إلى استحداث فرص عمل مستمرة للاردنيين، ومساعدة غير القادرين منهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية. .كما أننا مستمرون في سعينا للارتقاء بالرعاية الصحية وتحسين نوعية التعليم. .أن الحد من الفقر والبطالة يحتاج بشكل ملموس إلى تنفيذ الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية التي تضع حلولاً جذرية ودائمة للمشاكل التي تواجهنا من خلال إعادة النظر في برامج التعليم والتدريب، وتوفير مصادر تمويل إضافية وتعزيز احترام الإنسان لقيمة العمل بعيدا عن ثقافة العيب وإيلاء عناية خاصة لتنمية المحافظات والمناطق النائية.

العرب اليوم : طالما دعوتم جلالتكم القطاع الخاص الى اخذ زمام المبادرة الاقتصادية في دعم مسيرة التنمية، وقمتم بتهيئة بيئة الاعمال المحفزة لنشاطاتهم الاستثمارية والاقتصادية، كيف تقيمون المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في تنمية المجتمعات المحلية والمشاركة مع الحكومة في تعزيز التنمية المستدامة؟

جلالة الملك: القطاع الخاص ومجتمع رجال الأعمال لهما دور مهم للغاية في تحقيق وتنفيذ برامجنا التنموية الاقتصادية والاجتماعية تحديدا، والحكومة وحدها لا تستطيع تنفيذ رؤيتنا نحو ما نصبو إليه من تنمية مستدامة من دون تعاون ومشاركة القطاع الخاص الذي وفرنا له وما زلنا نوفر كل أسباب الدعم والفرص لتوسيع نشاطاته وإقامة المشاريع الاقتصادية في مختلف القطاعات .. وآن الأوان لان يسهم هذا القطاع وأن يوظف طاقاته وإمكاناته لرفد حركة البناء ومسيرة التنمية.. وهناك أمثلة عديدة على مثل هذه المساهمة قدمتها شركات ومؤسسات اقتصادية خاصة نأمل أن تكون قدوة للآخرين في هذا المجال.

العرب اليوم : ما زال المواطن يشعر ان النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال السنوات القليلة الماضية لا ينعكس إيجابا على معيشته اليومية، خاصة في ظل الارتفاع المستمر على أسعار السلع والخدمات المختلفة، كيف ترون جلالتكم الوسائل والخطط التي من شأنها تحسين ظروف معيشة المواطنين بشكل يوفر الحياة الكريمة والآمنة للأردنيين؟

جلالة الملك: تحسين الظروف الحياتية والمعيشية للمواطن الأردني في قمة أولوياتنا، وجهودنا منصبة دوما على تهيئة الظروف الملائمة التي نستطيع من خلالها العمل على توفير كل ما من شأنه أن يسهم في التخفيف من معاناة المواطنين الناجمة عن ارتفاع الأسعار، والحقيقة أن الارتفاع الهائل في أسعار المحروقات، أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأخرى، مما أسهم في زيادة معاناة المواطنين. ولقد أطلقنا على مدار السنوات الماضية، العديد من المبادرات، التي تستهدف توفير الحياة الأفضل للمواطنين. ولا أعتقد أن أحدا يستطيع أن ينكر حجم الانجازات التي حققها الأردن في المجالات كافة، ونشاهد ذلك في ارتفاع مستوى الإنتاجية، وزيادة الصادرات وتوفر فرص عمل جديدة للمهارات المؤهلة، وزيادة حجم الاستثمارات في حقول مختلفة.. لكن وبالرغم مما تحقق، نحن ما زلنا نتطلع إلى أكثر من ذلك، ولا ندعي أن حجم الإنجاز يرضي تطلعاتنا وطموحاتنا للأردن النموذج الذي نرنو إليه.

العرب اليوم : شهدت العلاقات الاقتصادية الاردنية الخليجية عموما والسعودية منها خصوصا تميزا ملحوظا في الآونة الأخيرة، كيف ترون مستقبل تلك العلاقات وأوجه التعاون الاستثماري بين الجانبين؟ وكيف تقيمون جلالتكم المساعدات الخليجية في دعم استقرار الاقتصاد الوطني؟

جلالة الملك: علاقاتنا مع دول مجلس التعاون الخليجي علاقات قوية وراسخة ونحرص مع إخواننا قادة هذه الدول على تطويرها وتعزيزها في كل المجالات بما يحقق مصالحنا المشتركة.. ونحن نشكر هذه الدول وبوجه الخصوص المملكة العربية السعودية على دعمها ومساعدتها لنا في تنفيذ برامجنا الاقتصادية والتنموية.. ومن المعلوم أن نسبة كبيرة من الاستثمارات الخارجية في الأردن هي خليجية.. ونأمل أن تتوسع دائرة المشاريع الممولة خليجيا لتشمل قطاعات أخرى.. بالمحصلة علاقات التعاون التي تربطنا مع دول الخليج العربي هي نموذج يحذى حذوه لما يجب أن تكون عليه علاقات التعاون البيني العربي العربي.

العرب اليوم : يعاني الأردن من نقص حاد في موارد الطاقة، وقد أدى ارتفاع أسعار النفط عالميا الى ازدياد الضغوطات المالية على الاقتصاد الوطني وارتفاع عجز الموازنة، كيف ترون جلالتكم قدرة المملكة على احتمال تلك الضغوطات المالية جراء ارتفاع اسعار النفط؟

جلالة الملك: نعمل اليوم بشكل حثيث على توطين تكنولوجيا الطاقة النووية وتوظيفها للاستخدامات السلمية كأحد البدائل لاحتياجاتنا من النفط الذي يستنفد توفيره من السوق العالمية جزءا كبيرا من مواردنا المالية وذلك سيتم وفق إستراتيجية محددة، واعتقد أن فرص نجاحنا في هذا المضمار قوية وتبعث على التفاؤل. وكنا قد التقينا في عمان مؤخرا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السيد محمد البرادعي حيث ناقشنا معه هذا التوجه وهناك تجاوب واستعداد دولي لمساعدتنا في تنفيذ برامجنا المتعلقة بالاستخدامات السلمية لهذه الطاقة. ستواجهنا مصاعب تمويلية بلا شك لكن ما لمسناه من دعم من عدة جهات عربية ودولية سيمكننا من التغلب على هذه الصعاب وإيجاد مصادر تمويلية تفي بالغرض.

العرب اليوم : مازال المستثمر خاصة الاجنبي يصطدم بازدواجية التعامل مع المؤسسات الرسمية المعنية بالاستثمار، علما أن القانون يحدد جهة واحدة لانهاء ومتابعة شؤون المستثمرين وهي مؤسسة تشجيع الاستثمار، ما هي باعتقادكم العقبات التي تقف في وجه المستثمرين؟ وما هي تطلعاتكم لجعل الاردن البلد الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية؟

جلالة الملك: الأردن والحمد لله، يسير على الطريق الصحيح.. واستطاع خلال الفترة الماضية، أن يوفر البيئة الاقتصادية الآمنة والملائمة أمام الاستثمارات العربية والأجنبية.. والبرامج والمشاريع الاستثمارية المتنوعة التي يجري تنفيذها في مختلف القطاعات، تؤكد أن الأردن استطاع أن يحقق قفزات نوعية في مجال استقطاب الاستثمارات، التي تسهم في دفع عجلة اقتصادنا الوطني، وتوفر فرص العمل المناسبة للقوى العاملة الأردنية وخاصة الشباب. ولكن مع هذا، هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى تصحيح، مثل تعدد الجهات المعنية بالاستثمار، ولقد وجهنا الحكومة، لتوحيد الجهود تحت مظلة واحدة، وتوحيد الإجراءات وتسهيلها أمام المستثمرين.. ونحن نسعى جاهدين لإبقاء الأردن على خارطة الاقتصاد العالمي، وضمان استمرار تدفق الاستثمارات التي تسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام.

العرب اليوم : يلتئم في البحر الميت من جديد المنتدى الاقتصادي العالمي بمشاركة نخبة صانعي القرار العالمي، ما هي الرسالة التي تسعون جلالتكم الى توجيهها للمشاركين بشكل عام والاردنيين بشكل خاص؟

جلالة الملك: المنتدى حدث مهم جدا وعقده في المملكة للمرة الرابعة يدل على ثقة المجتمع الدولي بنا وبقدرتنا على التعامل بكل كفاءة مع مثل هذه المؤتمرات الدولية الضخمة من حيث التنظيم وتوفير كافة التسهيلات لاستضافتها، ومن ناحية ثانية بقدرتنا على التفاعل والتجاوب مع المتغيرات الاقتصادية والتحديات السياسية من حولنا. رسالتي للمشاركين هي دعوة للنظر بكل عمق إلى قضايا المنطقة وتحدياتها، حيث أن الموضوعات والمحاور المطروحة في المنتدى لهذا العام تبحث في جوهر هذه التحديات وتفتح المجال لمناقشتها والتباحث حولها بما يسهم في التوصل إلى رؤى وتصورات ومبادرات مشتركة وقابلة للتطبيق تساعد على معالجة مشاكل منطقتنا وبالتالي تعميق التعاون مع باقي مناطق العالم على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها. كما أن المنتدى يشكل فرصة أمام القطاع الخاص الأردني للاستفادة من هذا الملتقى الدولي وتبادل الخبرات وإثراء التجربة وتعميق علاقات التعاون مع القطاع الخاص العربي والأجنبي، وإقامة المشروعات المشتركة وبخاصة أننا نطمح لأن يكون الأردن، نقطة جذب رئيسية في المنطقة للاستثمارات العالمية في شتى القطاعات. وعلى الصعيد السياسي، فالمنطقة كما تعلم تمر بمرحلة في غاية الدقة، ومشاركة عدد كبير من صانعي القرار في فعاليات المنتدى يتيح الفرصة كذلك للتصدي لهذه القضايا والمساعدة على إيجاد حلول شاملة ودائمة لها، كما أنها فرصة ثمينة لنا كعرب للترويج لطروحات تحقيق السلام في المنطقة وبخاصة مبادرة السلام العربية التي تضع إطارا مناسبا لحل القضية الفلسطينية وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي.

العرب اليوم : صدرت مجموعة من التقارير الدولية في الآونة الاخيرة تتحدث عن تراجع تنافسية العديد من القطاعات الاقتصادية وعن هبوط في بعض مؤشرات التنمية في الأردن، علما أن العديد من تلك المؤشرات كانت عناوين اقتصادية مهمة للحكومات في فترة سابقة، جلالتكم.. ماذا تفسرون أسباب هذا التراجع؟

جلالة الملك: ربما قد يكون حصل مثل هذا التراجع، والحكومة كما اعتقد تجري تقييما ومراجعة للأسباب التي أدت إلى مثل هذا الأمر، ومحاولة وضع استراتيجيات واضحة وعملية للحفاظ على المنجزات التي حققناها في مختلف المجالات من إنتاجية وصحية وتعليمية وغيرها والعمل على تعزيزها. لكن لا بد من توضيح أن أكثر المؤشرات بشكل عام هي إيجابية، فهناك قطاعات عديدة حدث فيها تطور ملحوظ على صعيد السياسات الاقتصادية الخاصة بمستويات الاستثمار الأجنبي حيث صنف الأردن في المرتبة 19 ضمن قائمة أول 20 دولة من أصل 141 دولة على مؤشر أداء تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.

العرب اليوم : العديد من المبادرات التنموية جرى إطلاقها في الآونة الأخيرة لتحسين مستوى معيشة المواطنين واحداث نقلة نوعية في عملية إعادة توزيع الدخل بين المحافظات من خلال توسيع نطاق النشاط الاقتصادي واخراجه من اطاره التقليدي في العاصمة عمان مثل المنطقة الخاصة بالمفرق والمنطقة الخاصة بإربد، كيف ترون جلالتكم متابعة الحكومة لتلك المبادرات؟ وهل سيتم تعميم الفكرة على باقي المحافظات؟

جلالة الملك: كما قلت سابقا، فإن مبادرة المدن التنموية والاقتصادية التي أطلقناها لتكون نواة للعديد من الأنشطة الاقتصادية والتنموية، في العديد من المناطق، تستهدف مساعدة هذه المناطق على إحداث تغيير حقيقي في مستوى معيشة المواطن فيها والمناطق المجاورة لها.. ونحن نريد أن تكون منطقة إربد التنموية إلى جانب منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ومنطقة المفرق التنموية وكذلك المنطقة التنموية التي ستقام في الجنوب، حلقات تنموية متكاملة، تسهم في إحداث نقلة نوعية في مسيرة التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة، وخاصة في مجال مكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص العمل للشباب وتحسين المستويات الحياتية للمواطنين في كافة أنحاء المملكة.. ولقد وجهنا الحكومة إلى توفير كل التسهيلات لضمان نجاح هذه المناطق، بما يحقق العدل والمساواة بين المواطنين لجني ثمار التنمية، والتركيز على الاستثمارات المولدة لفرص العمل، والتي من شأنها أن تساهم في خلق المزيد من فرص العمل وتحسين الواقع والظروف المعيشية للمواطنين في أماكن سكناهم.

العرب اليوم : تسعون جلالتكم منذ أن توليتم مقاليد الحكم الى اعطاء الشباب دورا فاعلا في صناعة القرار وفي العملية التنموية، وأطلقتم لهذه الغاية سلسلة مبادرات ناجحة ابرزها انشاء هيئة شباب كلنا الأردن، فإلى أي مدى ترون جلالتكم مستوى الاستجابة من طرف الشباب وما هي العقبات التي تحول دون انخراط اكبر للشباب في الحياة العامة بشكل مؤثر؟

جلالة الملك: آمالنا معقودة على الشباب، فهم الأقدر على إحداث التغيير المنشود، وصناعة المستقبل الذي نتطلع إليه. والشباب الذين يشكلون أكبر شريحة في المجتمع، ويعدون رأسمالنا البشري، لمست خلال لقاءاتي معهم، أن لديهم العزيمة القوية على الانخراط في مسيرة العمل والبناء، والمساهمة في عملية التنمية والإنجاز.. ولديهم الأفكار المتميزة التي تنسجم مع رؤيتنا وتسهم في التطوير والتحديث.. الشباب بحاجة إلى توفير الفرص، والأخذ بأيديهم لتعزيز مشاركتهم في عملية التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإطلاق قدراتهم وطاقاتهم في عملية التغيير المنشود. إن تمكين الشباب من الانخراط في عملية التنمية المستدامة، وتوظيف جهودهم لإحداث عملية التغيير.. يحتاج منا إلى الثقة بهم وبإمكاناتهم، وتهيئة الظروف الملائمة أمامهم للانطلاق نحو العمل المجدي الذي يصب في مصلحة الوطن. وأنا أؤمن بأن مبادرة شباب كلنا الأردن، سيكون لها دور بارز في هذا الاتجاه، ونحن نعول كثيرا على الشباب في مختلف مناطق المملكة، للمضي قدما في ترجمة الأفكار التي يطرحونها على أرض الواقع.. فعلى عاتقهم تقع مسؤولية تطوير مستقبل الأردن.

العرب اليوم : بذلتم جلالتكم في الاشهر الاخيرة جهودا كبيرة لتحريك عملية السلام واستثمار الفرصة الاخيرة لتحقيق اختراق جدي في المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وكان عنوان هذا التحرك في الكونغرس الامريكي ومن ثم قمة الرياض هو دعوة اسرائيل والولايات المتحدة لقبول مبادرة السلام العربية كأساس للسلام في المنطقة، فإلى أي مدى تعتقدون جلالتكم بان الفرصة النادرة ما زالت متاحة؟

جلالة الملك: الفرصة متاحة ما دام هناك توجه فعلي ونوايا حقيقية لدى الأطراف كافة في التحرك إلى الأمام واتخاذ خطوات عملية تمهد لإعادة إطلاق العملية السلمية واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. المبادرة العربية كما تعلم وضعت إطارا لسلام شامل ودائم بين العرب وإسرائيل ينهي حالة طويلة من النزاع، وعدم الاستقرار. لكن ما أود التأكيد عليه، أن الوقت ليس في صالحنا وهناك متغيرات وظروف جديدة تظهر على الساحة ربما إذا تركناها من دون مجابهة ستزيد من تعقيدات الوضع. نحن نكثف جهودنا واتصالاتنا مع كل القوى الفلسطينية والإسرائيلية الناشطة والمؤثرة والداعمة للسلام، وعقدنا مؤخرا عدة لقاءات مع شخصيات معتدلة من الجانبين لحثهم وتشجيعهم على لعب دور فاعل يصب في إنجاح المبادرة والترويج لها.

العرب اليوم : برأي جلالتكم عند أي مرحلة يمكن للعرب القول أن إسرائيل لا تريد السلام وسنبحث في الخيارات الاخرى؟ وهل لحظة المراجعة ممكنة في القمة المقبلة؟

جلالة الملك: إذا فشلت جهود السلام، أو أفشلت إسرائيل هذه الجهود، فهي الخاسرة بعد الفلسطينيين.. أقول إذا فشلت هذه الجهود، فإن لدينا إستراتيجيتنا للتعامل مع هذا الواقع، لكن لا نريد أن نكون متشائمين، فعلينا الإبقاء على زخم المبادرة وعلى الأمل في تحقيق انفراج.. القادة العرب جددوا تأكيدهم والتزامهم في قمة الرياض بالمبادرة العربية وهي كما قلت مرارا تشكل فرصة تاريخية يجب على إسرائيل بالدرجة الأولى اغتنامها والدفع باتجاهها وإلا ستبقى معزولة عن محيطها ويعيش شعبها في حالة متواصلة من القلق والخوف مما يحمله المستقبل. ونحن نخاطب المجتمع الإسرائيلي بكافة فئاته وانتماءاته ونقول لهم آن الأوان لطي صفحة الحروب والقتال والاقتتال والعنف وفتح صفحة جديدة ترسم فيها صورة مشرقة لمستقبل آمن لشعوب المنطقة جميعها حيث يسود السلام وتترسخ قواعد الاستقرار والازدهار. ولكن غياب التوجه الصادق والنوايا الطيبة للتعامل بايجابية مع يد العرب الممدودة للسلام يحمل في طياته مخاطر وانعكاسات وتأثيرات سلبية لا حصر لها ونتيجتها المزيد من الفوضى والحروب والاضطراب واحتدام الصراعات وفتح الباب على مصراعيه لتوطن بؤر الإرهاب والتطرف، وما يشكلانه من تهديد خطير لأمننا ومستقبلنا جميعا.

العرب اليوم : في الآونة الأخيرة التقيتم مجموعات من نشطاء السلام الاسرائيليين والامريكيين لشرح مبادرة السلام العربية، فإلى أي مدى تعتقدون أن قوى السلام في مختلف الاطراف قادرة اليوم على استعادة الزخم المطلوب لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

جلالة الملك: لقد لمست خلال لقاءاتي قادة الرأي ونشطاء السلام الإسرائيليين قولهم أن الأغلبية في إسرائيل لا تدرك ماهية مبادرة السلام العربية، ومن هنا انطلقت جهودنا للتحرك إلى الشارع الإسرائيلي، واعتقد أن هؤلاء الناشطين في الجانبين لهم قدرة على التأثير وإسماع صوت الاعتدال والسلام والترويج له في أوساط الفئات والقوى التي تعارضه هنا وهناك ويقع على عاتقها دور كبير في هذا المجال، وحجم النجاح الذي سيحققونه مرتبط بشكل رئيسي بمدى تصميمهم على مواصلة جهودهم وعملهم، لنشر رسالة السلام والتوعية بضرورته وأهميته إذا أرادت شعوب المنطقة مجتمعة الانتقال من مرحلة الخوف والقلق إلى مرحلة جديدة من الشعور بالأمن والأمان والاستقرار. وخلال لقاءاتي العديدة في الفترة الأخيرة مع ناشطي السلام الفلسطينيين والإسرائيليين لمست لديهم نية صادقة وتوجها مخلصا لخدمة قضية السلام، لكن لا بد من أن يعملوا على وضع خطة وآلية عمل يستنيرون بها لإنجاح مساعيهم، ومأسسة جهودهم وضمان أن تحقق النتائج المرجوة منها. العملية ليست سهلة وتستدعي بذل المزيد من الجهد والوقت والتنسيق.

العرب اليوم : في هذا الصدد أثارت تصريحات منسوبة لجلالتكم في صحيفة هآرتس حول موقف الاردن من مسألتين أساسيتين، الاولى: حدود التفاوض الممكنة حول اللاجئين وحق العودة، والثانية: محاولة الصحيفة القول ان الاردن يعتبر حركة حماس وحزب الله عدوين للاردن كما هما لاسرائيل، فهل من توضيح لهذه الادعاءات؟

جلالة الملك: عندما نشرت هذه التصريحات المجتزأة أعدنا التأكيد في حينه على موقفنا الداعم للأشقاء الفلسطينيين في نيل كافة حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، بما في ذلك حق اللاجئين بالعودة وقلنا لا احد بمقدوره أن يزايد علينا في هذا الشأن، وهناك قرارات دولية واضحة وصريحة تضمن للاجئين الفلسطينيين هذا الحق وبخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ، كما أن مبادرة السلام العربية تمسكت بحق العودة وتركت المجال للتوافق عليه بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.. أما فيما يخص ما قيل حول حماس وحزب الله، فهي كما أشرت أنت مجرد ادعاءات ليس لها أي أساس من الصحة.. وما نقوله في غرف الاجتماعات نقوله في العلن وعندما نتحدث عن قضايا المنطقة نتناولها بشكل شمولي وننظر إلى القوى السياسية الفلسطينية واللبنانية ونتعامل معها من زاوية مدى التزامها بخدمة مصالح الأمة وقضاياها العادلة وليس غير ذلك.

العرب اليوم : وجهت القيادة الإسرائيلية لجلالتكم دعوة لزيارة اسرائيل لكن جلالتكم ربطتم الزيارة بعدد من الاعتبارات السياسية، ما هي الاعتبارات التي تحكم قرار جلالتكم بهذا الخصوص؟

جلالة الملك: بالفعل لقد تم توجيه الدعوة لنا لزيارة إسرائيل.. ونحن ننظر إلى الأثر والفائدة التي يمكن أن تحققها هذه الزيارة حال القيام بها.. وإذا ما لمسنا أن الزيارة ستحقق أهدافها في إعادة إطلاق عملية السلام، فإننا سنقوم بها، خدمة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الشقيق.. ولبناء السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط.. إن الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، باتت تستدعي من الجميع سرعة التحرك، للحيلولة دون تفاقم الأوضاع التي تنذر في حال استمرارها بنتائج كارثية وخيمة. ولذلك فنحن مستمرون في جهودنا واتصالاتنا المكثفة لإعادة إحياء عملية السلام، ومساعدة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على العودة إلى طاولة الحوار، واستئناف مفاوضات حقيقية وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية التي تعيش بأمن إلى جانب إسرائيل.. وإسرائيل مدعوة الآن إلى اتخاذ خطوات عملية، تقنع الجميع بأنها جادة في التوصل إلى السلام، الذي يحمي المنطقة من التداعيات الخطيرة.

العرب اليوم : رغم المواقف الواضحة لجلالتكم لمستقبل العلاقة الاردنية الفلسطينية، إلا أن بعض الأوساط تثير بين الفترة والأخرى مخاوف من دور اردني مباشر في الضفة الغربية، ما هي حدود الدور الاردني في الملف الفلسطيني والتصور المحتمل للعلاقة المستقبلية مع الجانب الفلسطيني؟

جلالة الملك: نؤكد مجددا بأنه لا مطمح لنا ولا مأرب، بأي دور في الضفة الغربية.. ونحن لا نلعب إلا دور الداعم والمساند للشعب الفلسطيني حتى تتحقق له كل آماله وتطلعاته وحقوقه الوطنية المشروعة وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وبناء الدولة المستقلة القابلة للاستمرار، وذلك انطلاقا من مسؤوليتنا التاريخية تجاه الفلسطينيين، فالأردن كان على الدوام، هو الداعم والمساند لهم في المحافل الدولية كافة.. وكل اتصالاتنا وتحركاتنا تستهدف إعادة الزخم إلى العملية السلمية التي تضع حدا لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتحقق طموحه وتطلعاته بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وعكس ذلك هو مجرد أفكار لا أساس لها من الصحة، وتستهدف خلط الأوراق.. نحن في الأردن قدمنا وما نزال نقدم الدعم للسلطة الوطنية الفلسطينية في جهودها لبناء المؤسسات التي تشكل نواة الدولة المستقلة وتوفير مستويات معيشية أفضل للشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير. ومستقبل العلاقة الأردنية الفلسطينية وطبيعة هذه العلاقة يحدده الشعبان الأردني والفلسطيني بعد قيام الدولة الفلسطينية وأي كلام عن هذا الموضوع هو مضيعة للوقت، ولا يخدم القضية الفلسطينية، واستغرب إثارته بين فترة وأخرى.

العرب اليوم : يواجه محور الاعتدال العربي تحديا في المرحلة المقبلة إذا لم يتم تحقيق تقدم في عملية السلام، هل تعتقدون جلالة الملك ان علاقة المعتدلين العرب ستتأثر سلبا في هذه الحالة؟

جلالة الملك: على العكس تماما، هذا المحور إذا جاز التعبير سيقوى ولا يملك غير السير في هذا الاتجاه، في مواجهة قوى التطرف والانعزال.. وتحقيق تقدم في عملية السلام أمر وارد جدا إذا خلصت النوايا وتواصل دعم المجتمع الدولي والقوى المؤثرة في المنطقة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ومساعدتهما في بناء جسور الثقة التي تمهد للبدء مجددا في مفاوضات جادة تفضي إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية التي تشكل جوهر وأساس النزاع في منطقة الشرق الأوسط. وعندما نتحدث عن ما سميته بمحور الاعتدال العربي اعتقد جازما أن مثل هذا المحور ستتسع دائرته لتشمل كل المؤمنين بالعدالة والسلام. وأنا أدرك أن أغلب الدول العربية مع هذا التوجه، لأننا نؤمن جميعا، بأن لا مستقبل للمنطقة ولشعوبها وللأجيال القادمة من دون التعايش المشترك وسعي الجميع لان تكون منطقتنا خالية من النزاعات وبعيدة عن أجواء الاستقطاب لصالح قوى تغلب مصالحها على المصالح الحقيقية للمنطقة وشعوبها.

العرب اليوم : ما تزال علاقة الاردن مع سورية على المستوى السياسي اقل بكثير منها على المستوى الاقتصادي، ما هي الظروف التي تحول دون استعادة علاقات سياسية طبيعية معها؟

جلالة الملك: العلاقات مع سورية علاقات طيبة وجيدة، وهناك لقاءات مستمرة بين الجانبين على كافة الصعد الرسمية، مثلما أن هناك تعاونا وثيقا وتبادلا للخبرات في العديد من المجالات.. ونحن نأمل أن ترقى العلاقات إلى أكثر من ذلك، وإلى المستوى الذي يحقق مصالح الشعبين الشقيقين، ونستطيع من خلاله مواجهة التحديات التي تحيط بأمتنا العربية.

العرب اليوم : الوضع في العراق يزداد سوءا، الخطة الأمنية لم تحقق أهدافها، والاقتتال على اسس طائفية يتواصل، هل حان الوقت لدور عربي مباشر في العراق، يتزامن مع طلب من واشنطن بجدولة الانسحاب، والتهيئة لعملية سياسية تنقذ العراق من التقسيم والعنف؟

جلالة الملك: الوضع في العراق وصل إلى مرحلة في غاية الخطورة والتعقيد.. نأسف ونتألم لما يجري في العراق من اقتتال وتناحر وقتل عشوائي يروح ضحيته يوميا العشرات من الأبرياء من أبناء الشعب العراقي الشقيق.. والمخرج الوحيد للازمة هو في توجه عراقي جاد لتحقيق المصالحة الوطنية بما يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي وفئاته وأطيافه في عملية سياسية مبنية على أسس واضحة تحقق العدالة في التمثيل ويتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات.. ونحن ندعو منذ اندلاع الأزمة إلى موقف عربي موحد لمساعدة العراقيين على تجاوز الأزمة الراهنة وإنهاء حالة العنف والفوضى وبما يحافظ على وحدة وسلامة شعب وارض العراق.. إن مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار وصون دماء العراقيين تقع على قوات التحالف والحكومة العراقية.. وواجبنا أن نعمل على دعم كل الجهود الهادفة إلى تعزيز أمن واستقرار العراق، ورفض كل محاولات تأجيج الفتن الطائفية أو النيل من وحدة العراق.

العرب اليوم : تطالب قوى عراقية سياسية من شتى الاطياف بدور أردني يساعد العراق على تجاوز محنته، فهل الأردن مستعد لاستضافة لقاءات بين الأطياف العراقية (السنة والشيعة) يساعد في الحفاظ على وحدة العراق وانقاذه من دوامة العنف؟

جلالة الملك: علاقاتنا مع الأشقاء في العراق، هي علاقات تاريخية راسخة وممتدة.. ونحن ومنذ سنوات طوال، نعمل بكل طاقاتنا، من أجل مساعدة العراقيين على تخطي الظروف الصعبة التي تواجههم، وتوحيد صفوفهم لإعادة بناء العراق الآمن والمستقر، الذي يحقق تطلعات شعبه في الحياة الآمنة والمستقرة.. فليس من العدل أن يبقى الشعب العراقي يعيش في ظل هذه الظروف القاسية، التي تهدد كيانه ومستقبله.. وبصراحة فإن العراقيين هم أنفسهم القادرون على إنهاء المأساة التي يمرون بها، من خلال تجاوز الخلافات التي عملت بعض الجهات على تغذيتها بأساليب مختلفة.. والابتعاد عن لغة التشكيك والتخوين.. واستثمار جهودهم لبناء بلدهم.. فهم الأدرى بمصالح بلدهم.. والمسؤولية تقع على كواهلهم للعودة إلى لغة العقل والحوار، لحل مشاكلهم كافة.. ونحن في الأردن، استقبلنا العديد من القيادات العراقية المؤثرة على الساحة العراقية.. وأكدنا لهم ضرورة نبذ الخلافات والتحاور والالتقاء على قواسم مشتركة، من أجل مصلحة بلدهم.. وسخرنا كل إمكانياتنا من أجل إنجاح أي مسعى يصب في هذا الاتجاه.. وكما تعلمون أطلقنا الكثير من الدعوات للعراقيين على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية، للالتقاء في عمان، في محاولة منا، لتعميق وحدة الشعب العراقي، وتوجيه الطاقات لبناء العراق الجديد.. وكان مؤتمر الوفاق والاتفاق العراقي الإسلامي الذي دعونا لعقده في عمان، قبل نحو عامين، وتم تأجيله حينها بطلب من الرئيس العراقي جلال طالباني، يمكن أن يشكل خطوة جادة باتجاه تحقيق وحدة الشعب العراقي وتماسكه، بما يفوت أية محاولات لإثارة الفتنة والانقسام بين أبناء الشعب الواحد، والتي ما زال العراقيون يدفعون ثمنها.. وأبواب الأردن ستبقى مفتوحة أمام العراقيين، للالتقاء والتحاور والخروج بأفكار وتفاهمات، تسهم في إعادة لحمة الصف العراقي، والمحافظة على وحدة العراق.

العرب اليوم : تتزايد احتمالات المواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران، كيف يمكن تفادي حرب جديدة في المنطقة؟ وما هو المطلوب من الطرفين لتجاوز الحل العسكري؟

جلالة الملك: إذا وقعت الحرب لا سمح الله، فإن المنطقة بأسرها معرضة للأخطار. وكما أكدنا مرارا فإن حل المشكلة، لا يتم إلا من خلال الحوار والطرق الدبلوماسية.. ونحن نشجع الولايات المتحدة وإيران على فتح قنوات حوار، تفضي إلى إيجاد حل لمشكلة المفاعل النووي الإيراني.. نحن نؤمن بأن منطقة الشرق الأوسط، يجب أن تكون منطقة خالية من الأسلحة النووية التي تهدد مستقبل الشعوب وأمنها واستقرارها.. والجميع يجب أن يلتزم بالقوانين الدولية، التي تحرم وجود مثل هذه الأسلحة.. وأن يعمل على استثمار الطاقة النووية في مجالات التنمية المختلفة، التي تحقق العيش الأفضل للشعوب.

العرب اليوم : التقيتم جلالة الملك يوم امس ديك تشيني وهناك اكثر من موضوع تم بحثه لكن في الموضوع العراقي هل هناك فكرة عند الجانب الامريكي للخروج من المأزق؟

جلالة الملك: هم يحاولون ان يجدوا حلا مع الحكومة العراقية ومع عدد كبير من الدول العربية وقلت للسيد تشيني لا يوجد لدينا مانع كدول عربية ان نتحدث مع العراقيين لكن يجب ان يكون هناك توازن في السياسة الامريكية.

العرب اليوم : هل تشعرون جلالة الملك ان امريكا جادة في ضرب ايران؟ هل تمت مناقشة هذا الامر معكم؟

جلالة الملك: اي امريكي لا يمكن ان يعطي مثل هذا الجواب اذا كان هناك ضربة لايران لكن موقفنا منذ ان بدأت الازمة انه اذا حدثت ضربة امريكية لايران سندفع كلنا في المنطقة الثمن انا اعتقد انه لا توجد دولة في المنطقة تريد ضرب ايران.

العرب اليوم : هناك ترحيب ايراني وارتياح للموقف الاردني في هذا الاتجاه؟

جلالة الملك: عند لقائي وزير الخارجية السابق قبل عام قلت له انه بغض النظر عما يتحدث به البعض لكننا ضد اي ضربة لايران ولن نسمح باستخدام اراضينا.

العرب اليوم : هل هناك استعداد في الاردن لاستقبال الرئيس الايراني احمدي نجاد؟

جلالة الملك: ابوابنا مفتوحة للجميع والكل مرحب به.