مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الشرق الأوسط

١٧ أيار ٢٠٠٤

"* الوضع في المنطقة صعب جدا" بهذه العبارة يستهل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حديثه الاول لصحيفة عربية بعد عودته من زيارة ناجحة الى واشنطن. ويشير القائد الشاب بيده اليمنى غربا حيث تتقاسم السلطة الفلسطينية وإسرائيل الضفة الأخرى من شاطىء البحر الميت، وبيده اليسرى شرقا نحو العراق متحدثا بنبرة جادة تعبر بعمق عن حالة الاحتقان والتوتر التي تسود المنطقة، الا انه سرعان ما يستعيد ابتسامته معبرا عن تفاؤله بإمكانية تجاوز "الوضع الصعب" الذي تردت اليه الاوضاع في محيط الأردن الاقليمي، حيث تتوسع دائرة العنف يوما عن يوم ناشرة بذور الفوضى والاضطراب في دول الجوار.

ومن مقر اقامته في فندق ماريوت حيث يعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في الاردن للعام الثاني على التوالي يقود الملك الشاب، 42 عاما، نشاطا دبلوماسيا مكثفا في اوساط الوفود المشاركة متنقلا بين جناحه الخاص لعقد اللقاءات، والقاعات المخصصة للندوات وورش العمل التي شارك فيها اكثر من الف ومائتي شخص من مختلف دول العالم، من دون ان يوفر جهدا للوقوف بنفسه على سير اعمال المنتدى، وشرح رؤية الاردن لكيفية وقف دورة العنف، والحد من تدهور الاوضاع وجلب الاطراف المتناحرة الى طاولة المفاوضات. وبين هذه وتلك يقدم الملك الحالة الاردنية دليلا على تأثير الاحداث الجارية في المنطقة على الاستقرار والأمن والسلم العالمي بصفة عامة، والصعوبات التي تحول من دون تحقيق برامج تنمية وبناء اقتصاديات قوية توفر حلولا عملية لمشاكل شعوب المنطقة وأزماتها بصفة خاصة.

وبقدر ما تتسم به حركته بين الوفود ومشاركته في فعاليات المنتدى من حيوية وديناميكية، ومتابعته لكل صغيرة وكبيرة مع فريق من مساعديه الشباب فان أولويات الملك عبد الله محددة، ورؤيته للامور واضحة وجلية ولديه قدرة كبيرة على التحدث عنها بشفافية وصراحة متناهية.

في حواره الخاص مع "الشرق الأوسط" يكشف العاهل الاردني تفاصيل الوساطة التي قامت بها بلاده بين الولايات المتحدة الاميركية والسلطة الفلسطينية لاستئناف الحوار بينهما، ومبررات امتناع بلاده عن المشاركة في قوات حفظ السلام في العراق، وتطلعات المملكة الهاشمية المستقبلية وعلاقاتها مع دول الجوار ورؤيته للاصلاح في العالم العربي.

الشرق الأوسط: عدتم أخيرا من زيارة لواشنطن بتعهد أميركي بالمحافظة على أمن الأردن. ما هي المخاوف الحقيقية على وحدة الأردن وسلامة أراضيه؟ ومن أين تأتي شكوككم في أن الأراضي الأردنية مهددة؟

جلالة الملك: بقاء القضية الفلسطينية من دون حل لا يهدد استقرار الأردن وحسب، بل استقرار المنطقة بأسرها، وما يقلقنا هو أن تتحول الأراضي الفلسطينية إلى جزر وكانتونات ومناطق مجزأة يصبح فيها العيش صعبا جدا. نحن الأقرب إلى فلسطين والتداخل بين الشعبين الشقيقين قوي جدا، ولهذا فإن استمرار معاناة وآلام شعب فلسطين، وما تولده هذه المعاناة من شعور بالظلم والإحباط وفقدان الأمل، تجعلنا الأكثر تأثرا بكل بما يجري هناك.

والمسألة لا تكمن فقط بالنواحي السياسية والأمنية، فالاقتصاد وحياة الناس أكثر ما يتأثر باستمرار الاحتلال وجمود عملية السلام، وعندما يعم السلام والاستقرار في المنطقة، تلتفت الشعوب إلى تطوير وتنمية حياتها ومستوى معيشتها، وهذا ما نسعى إليه. إلا أن تحقيق ذلك سيكون صعبا في ظل استمرار الاحتلال وتهديدات إسرائيل، ومواصلة سياسة الاغتيالات وبناء الجدار الفاصل الذي يجعل الحياة لا تطاق في الأراضي الفلسطينية، فاستمرار كل هذه الأمور، سيولد الإحباط والعنف ويشكل بيئة خصبة للإرهاب.

الشرق الأوسط: تقودون عملية إصلاح واسعة للنظام السياسي وتطوير المشاركة الشعبية في القرار. إلى أي مدى تحققت تطلعاتكم في بناء نظام ديمقراطي فاعل؟

جلالة الملك: لقد حققنا العديد من الإنجازات، لكن طموحاتنا ليس لها حدود لتلبية تطلعات شعبنا، ولا سيما الشباب الذين يشكلون 70% من السكان، وهذا الأمر يفرض علينا تحديات كبيرة حتى نرتقي بطموحاتهم وتحقيق أحلامهم وتمنياتهم بمستقبل واعد، وتمكينهم من الانفتاح على العالم، والاستفادة من الفرص الكبيرة التي يهيئها عالم اليوم. الأردن بدأ عملية الإصلاح في عهد والدي الراحل الحسين رحمه الله، وخطا خطوات كبيرة نحو إرساء وتجذير العملية الديمقراطية، والآن لدينا برلمان منتخب ومشاركة فاعلة من قبل الجميع في مسيرتنا الديمقراطية، لكن كما ذكرت، ما زالت طموحاتنا كبيرة ولا نعتقد أننا وصلنا إلى ما نريد في توجهنا نحو تحقيق التنمية السياسية الشاملة، التي ترتكز إلى الديمقراطية وقبول الآخر واحترام الرأي والرأي الآخر والتعددية السياسية، وتفعيل دور المرأة، وهذه كلها تربية وثقافة في الأساس، ولا يمكن فرضها بقانون. نحن نتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه لدينا أحزاب قوية، ذات قاعدة جماهيرية، تؤمن بالأردن أولا، وليست لها امتدادات أيديولوجية خارج حدود الوطن.

الشرق الأوسط: طرحتم شعار "الأردن أولاً" لإبعاد البلاد عن التحول إلى ساحة للصراع في قضايا الجوار. هل تعتقدون بإمكانية عزل المملكة عن قضايا الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وتحييد الأردن في قضايا المنطقة من جهة أخرى؟

جلالة الملك: أود أن أختلف معك في هذه الناحية. "الأردن أولا" لم يكن يعني مطلقا، التحول عن مواقف الأردن القومية، بل هو مفهوم لتكريس انصهار الأردنيين في نسيج اجتماعي واحد، وتحفيز حسهم بالانتماء لوطنهم. نحن قوميون بالفطرة، وإذا كنا لا نعبر عن قوميتنا بالضجيج والشعارات، فهذا لا يعني أننا لسنا قوميين. وقد أردنا طرح مفهوم "الأردن أولا"، لتعزيز قوة الأردن، لأننا نرى أن قوة بلدنا ومنعته، هي قوة لأمته العربية.

المهم في الأمر، أن مفهوم "الأردن أولا" نجح في تحقيق الكثير من غاياته، فقد أجرينا الانتخابات النيابية بنجاح ومشاركة وصلت إلى 58%، وهي من أعلى النسب العالمية، ورأينا تآزر الأردنيين وتكاتفهم خلال الظرف الدقيق الذي مر على المنطقة بعد احتلال العراق، وهناك جوانب مضيئة عديدة لا يمكن حصرها في هذا المجال حققتها حملة "الأردن أولا". والآن بعد أن طرحنا مفهوم "الأردن أول"، نحث الشباب على تبني مفهوم "الأردن دائما" ليبقى وطنهم حاضرا في أذهانهم.

الشرق الأوسط: حصلتم على رسالة تطمينات أميركية في ما يتعلق بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. هل توازي أم تبطل تلك الرسالة مفعول الضمانات التي قدمتها الإدارة الأميركية لرئيس الوزراء الإسرائيلي؟

جلالة الملك: لقد نجحنا في توضيح الموقف العربي، من عملية السلام ومن الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة بعد أن ثار الكثير من الشكوك والتساؤلات حول الموقف الأميركي بعد رسالة الرئيس (الاميركي جورج) بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي (ارييل) شارون من عملية السلام ومن الحقوق الفلسطينية ومن قرارات مجلس الأمن، فكان من أبرز نتائج زيارتنا، أننا نجحنا في انتزاع موقف أميركي، يؤكد على أن الحل للقضية الفلسطينية، يكمن في تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. لذا لم تكن المسألة عملية مقارنة بقدر ما هي الحصول على التزامات واضحة، بأن قضايا الحل النهائي هي من شأن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولا يمكن لأحد غيرهما أن يقرر شكل وطريقة الحل للنزاع بينهما. ثم إن الولايات المتحدة، ما زالت أيضا ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، ووفقا لقراري مجلس الأمن 242 و338، كما ورد في رسالة الرئيس بوش التي وجهها لنا. اعتقد أننا في زيارتنا للولايات المتحدة استطعنا أن نخترق الجمود الذي شهدته عملية السلام، وحصلنا على تأكيدات بأن خريطة الطريق ما زالت افضل وسيلة للحل، كما نجحت جهودنا في التمهيد لإجراء حوار فلسطيني ـ أميركي، والبداية كانت إرسال الرئيس الأميركي بوش رسالة لرئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع، تؤكد على التزام أميركا بدعم عملية السلام، وقبل يومين التقى وزير الخارجية الأميركي كولن باول، هنا في عمان، السيد احمد قريع، وهي بداية إيجابية، لفتح قنوات حوار فلسطينية أميركية، يشرح فيها الفلسطينيون رؤيتهم حول كل ما يثار حول عملية السلام والقضية الفلسطينية، وستكون هناك اتصالات ولقاءات خلال الأيام المقبلة بين المسؤولين الأميركيين والفلسطينيين. هذه الجهود لم تكن لتتحقق بسهولة، بل جاءت نتيجة اجتماعات ولقاءات وحوارات مكثفة، بين مسؤولين أردنيين ونظرائهم الأميركيين، مهدت الطريق أمام النتائج التي حصلنا عليها.

الشرق الأوسط: كيف ترون اهمية لقاء مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس مع احمد قريع وهل الادارة الأميركية جادة في الانخراط مجدداً بالعملية السلمية؟

جلالة الملك: أنصح السلطة الفلسطينية بتقديم خطة استراتيجية توضح رؤيتها للحل، فلقاء رايس ـ قريع مهم جداً لأن مستشارة الأمن القومي ستعود للرئيس بوش وتطلب منه الالتفات الى الشرق الاوسط اذا كان في الامر جديد، لكنها ستوصيه بالتركيز على الانتخابات الأميركية اذا لم تستمع إلا للشكاوى من الجانب الفلسطيني، ونتمنى ان لا تضيع مثل هذه الفرصة، فإذا اوضحنا آلية الحل وحللنا المشاكل الأمنية على الارض فإن بوش سيعود لتقديم دعم حقيقي لخريطة الطريق اذا اقتنع بوجود شيء جديد وليس مجرد شكاوى.

الشرق الأوسط: وهل يمكن للأوروبيين ان يلعبوا دوراً في حسم الصراع؟

جلالة الملك: الدور الاوروبي مهم جداً لكن الضغط على اسرائيل لا يأتي الا من الولايات المتحدة الأميركية. طبعاً القادة الأوروبيون سيضغطون من اجل تحقيق خريطة الطريق.

الشرق الأوسط: من المعروف أن الإدارة الأميركية تتخذ موقفاً من السلطة الفلسطينية، وكان لكم دور في تليين الموقف ظهر خلال تصريحات الرئيس الأميركي، ورسالة التطمينات وترتيب لقاءات أميركية ـ فلسطينية. كيف وجدتم نظرة البيت الأبيض تجاه السلطة الفلسطينية؟ وما هي طبيعة الأفكار التي قدمتموها لتشجيع الإدارة الأميركية على استئناف حوارها مع السلطة الفلسطينية؟

جلالة الملك: لقد أكدنا للأميركيين أنه لا يمكن تجاهل الفلسطينيين وممثليهم في أي حل للقضية الفلسطينية. وأكدنا أيضا أن الحل الوحيد لإعادة عملية السلام إلى مسارها هو التحاور مع أطراف الصراع، وفي مقدمتهم أصحاب القضية ـ أي الفلسطينيون ـ عبر حكومتهم وممثليهم في السلطة الفلسطينية.

لمسنا بالطبع أن هناك العديد من المطالب التي يرى الأميركيون ضرورة أن يقوم بها الفلسطينيون قبل التحاور معهم، وكان جوابنا "المهم أن يدرك الفلسطينيون أنكم جادون في المضي بعملية السلام إلى الأمام، وأنكم غير منحازين لإسرائيل"، وقلنا للأميركيين "إذا كانت لديكم مطالب من الفلسطينيين، فلماذا لا تحاورونهم وتتباحثون معهم"، والآن بعد أن نجح مسعانا في إجراء لقاءات أميركية فلسطينية، فإننا نأمل من خلال اللقاءات أن يحدث انفراج يؤدي إلى نتائج إيجابية على صعيد استئناف عملية السلام، وإنقاذ المنطقة من دوامة العنف والمعاناة التي تجلبها.

الشرق الأوسط: تشترط الإدارة الأميركية على السلطة الفلسطينية نزع أسلحة الفصائل الفلسطينية، ووقف عمليات المقاومة قبل الشروع في محادثات سلام. هل تعتقدون أن السلطة الفلسطينية لديها الرغبة والقدرة على الوفاء بهذه التعهدات في ظل الاعتداءات الإسرائيلية؟

جلالة الملك: تقوية السلطة الوطنية والحكومة الفلسطينية ودعم قدرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتوحيد الموقف الفلسطيني، يعزز من قوة المفاوض الفلسطيني، ويساهم في بناء المؤسسات الفلسطينية التي تشكل نواة الدولة الفلسطينية المقبلة، وهذا الأمر يجب أن يشكل مطلبا لجميع الفلسطينيين، حتى يتمكنوا من محاورة الطرف الآخر من منطلق قوة.

الشرق الأوسط: من الواضح أن أية مفاوضات سلمية ستستثني الرئيس عرفات من المشاركة. هل تعتقدون بإمكانية عزل الرئيس عرفات عن العملية السلمية وإبعاده عن التحكم بالشأن الفلسطيني؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه من خلال موقعه الحالي في تأمين تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه؟

جلالة الملك: حسب ما أعلم، فإن الرئيس عرفات يدعم العودة للمفاوضات السلمية، وأرى أن الحديث عن دور عرفات في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، هو أمر يخص الفلسطينيين وحدهم.

الشرق الأوسط: هل ما زلتم ترون أن خريطة الطريق تمثل وسيلة عملية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟ وما هو رأيكم في تصريح الرئيس الأميركي بصعوبة إمكانية قيام الدولة المستقلة في 2005؟

جلالة الملك: بالتأكيد خريطة الطريق ما زالت أفضل وسيلة للحل، لأنها أولا أكدت على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وضمنت حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة تعيش بأمن إلى جانب إسرائيل، وثانيا لأنها حظيت بمباركة وموافقة دولية، وثالثا لأنها من ناحية عملية لا تحتاج سوى إلى إرادة دولية لتطبيق وتنفيذ بنودها.

الشرق الأوسط: تبنت قمة بيروت مبادرة الأمير عبد الله لحل النزاع العربي الإسرائيلي وإقامة سلام دائم في المنطقة. هل هناك مشروع عربي لإعطاء زخم جديد لهذه المبادرة؟

جلالة الملك: نعمل الآن مع الدول العربية، لإعادة طرح مبادرة السلام العربية مجددا أمام العالم، فهذه المبادرة من أهم المبادرات والمواقف العربية التي تجسد رغبة العرب بالسلام والتعايش مع إسرائيل. لا بد أن يدرك العالم أن العرب جميعا راغبون بتحقيق السلام منذ أن طرحوا هذه المبادرة التي ترتكز على أسس وقرارات الشرعية الدولية، والتي أعطت إسرائيل الضمانات بالعيش بأمن وسلام في محيطها العربي.

الشرق الأوسط: هناك ارتباط وثيق بين أمن واستقرار العراق وازدهار الأحوال في الأردن. هل تعتقدون بضرورة بقاء القوات الأميركية لمنع حدوث حرب أهلية في العراق؟ وما هو المدى الزمني الذي تعتقدونه لازماً لضمان أمن العراق واستقراره وسيادته؟

جلالة الملك: إننا نعتبر أمن واستقرار العراق جزءاً من أمن الأردن، وتدهور الوضع الأمني في هذا البلد يؤثر على جميع دول الجوار وليس على الأردن وحده، ولذلك فإننا نؤكد أن إعادة بناء العراق هي مسؤولية الجميع، ويجب علينا نحن العرب أن نساهم في الإسراع بنقل السلطة والسيادة للعراقيين في أقرب فرصة ممكنة، ليعود العراق لوضعه الطبيعي. وبالطبع فإن الدور الأساسي لعملية بناء مستقبل العراق، يجب أن تقوده الأمم المتحدة التي يشكل وجودها، ضمانة لجميع العراقيين. لكننا نعتقد أن بقاء قوات التحالف في العراق، في هذه المرحلة، أمر يخص العراقيين، الذين هم الأقدر على قول كلمة الفصل في بقاء هذه القوات أو خروجها.

الشرق الأوسط: رفضت الدول العربية إرسال قوات إلى العراق. ما هي المبررات الأردنية للامتناع عن المشاركة في قوة مشتركة لحفظ الأمن، وتأمين انتقال السلطة للعراقيين؟

جلالة الملك: بداية، نحن أكثر دولة في منطقة الشرق الأوسط، ساهمت قواتها في حفظ السلام في أقطار مختلفة من العالم، تعرضت للتوتر وعدم الاستقرار، فقد كان لقواتنا المسلحة مشاركات في كرواتيا والبوسنة وافغانستان وغيرها من أقطار العالم، لكن فيما يتعلق بالمشاركة في حفظ الأمن والسلام في العراق، فإنني أعتقد أن هذه المسألة لها حساسية خاصة. نحن ندعم العراق والشعب العراقي ونساندهم في العديد من الميادين ونضع جميع إمكانياتنا، ليعود العراق حرا مستقلا. أما قضية المشاركة في حفظ السلام، فقد لا تكون منطقية في هذه المرحلة من قبل دول الجوار.

الشرق الأوسط: تحفظ الأردن على توزيع الأدوار بين العراقيين، وطالب بمنح السنة دوراً أكبر. هل توضحون لنا أسباب التحفظ ومبررات المطالبة بمنح دور أكبر للسنة؟

جلالة الملك: مطالبتنا كانت إعطاء العراقيين مشاركة أوسع في عملية صنع القرار. لقد نصحنا الأميركيين بعدم تهميش أي فئة من الشعب العراقي، وإشراكهم جميعا في مسؤولية صنع مستقبلهم. لم نتدخل بالشأن العراقي ولم نحاب جهة على جهة، بل طالبنا بالمزيد من العدالة حتى يشعر العراقيون أنهم جميعا شركاء في المسؤولية، وسعينا كذلك إلى أن تلتفت قوات التحالف إلى ضباط وأفراد الجيش العراقي الذي تم حله، وأبلغنا الأميركيين أن ترك أكثر من نصف مليون عراقي عاطلين عن العمل لن يساهم أبدا في إرساء الاستقرار والأمن في العراق.

الشرق الأوسط: سعى الأردن إلى الاضطلاع بدور في بلورة موقف من المشروع الأميركي للإصلاح في منطقة الشرق الأوسط، وقيل ان الأردن سعى لدى واشنطن لسحب مشروعها مقابل تقديم مشروع منه. كما قيل أيضاً إن الأردن هو الذي قدم المشروع الأميركي للجامعة العربية. ما هي حقيقة الموقف الأردني من مشاريع الإصلاح العربية والأميركية والأوروبية، وهل لديكم مشروع محدد ستطرحونه في القمة العربية المقبلة؟

جلالة الملك: لقد بدأنا الإصلاح قبل أن ينادي به الأميركيون بسنوات، وحين طرحت الولايات المتحدة مبادرتها للإصلاح في الشرق الأوسط، قلنا إن الإصلاح ضروري لبلوغ المستقبل، الذي يرنو إليه الشباب العربي، لكن الإصلاح الذي نريده هو الإصلاح الذي ينبع من الداخل، وأعلنا حينها أن وصفات الإصلاح المفروضة من الخارج قد لا تجد طريقها إلى النجاح.

المضحك في الموضوع أن الذي ينادي بالإصلاح في هذه المرحلة يتهم بأنه يروج للأميركيين، وهذا للأسف ما سمعناه، ولكن حين تسأل وتخاطب العرب جميعا بموضوعية، تجد أنهم يريدون ويتمنون الإصلاح الذي يحقق العدل والمساواة والعيش الكريم والحرية والديمقراطية والانفتاح السياسي والاقتصادي واحترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة، إذا لماذا لا نبادر نحن بترتيب بيتنا العربي ونجري الإصلاحات التي تحقق آمال وتطلعات شعوبنا، لا أن نبقى أسرى لعقلية المؤامرة، وللحلول المفروضة من الخارج، وهذا ما يعمل من أجله الأردن. فخلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب التي جرت في تونس الشهر قبل الماضي، سعى وزير الخارجية مروان المعشر بالتعاون مع مصر والأشقاء العرب، إلى إعداد مبادرة للإصلاح أمام القمة العربية المقبلة، حتى نقول للعالم اننا نحن العرب دعاة إصلاح وهذه خطتنا لتحقيق ذلك ولا نريد مشاريع تفرض علينا من الخارج.

الشرق الأوسط: ما مدى تفاؤلكم بتجاوز عثرة القمة العربية الأخيرة. وهل تعتقدون أن القمة العربية المقبلة ستعالج قضايا الإصلاح السياسي في الدول العربية أو النظام العربي المشترك؟

جلالة الملك: أنا دائما متفائل بالأمة العربية. إذا أخفقت هذه الأمة مرة فلا بد أن تصيب مرات. الجميع يدرك أن المرحلة التي تمر بها أمتنا صعبة ودقيقة جدا، وإذا ما امتلكنا زمام الأمور، وابتعدنا عن لغة الشعارات والخطابات التي لم تجلب للأمة سوى المصائب والهزائم، سنكون قد وضعنا أنفسنا على الطريق الصحيح. نحن بحاجة إلى خطاب واقعي، خطاب يحدد المشاكل ويضع الحلول لها، كما يضع خططاً عملية قابلة للتنفيذ ومحددة بأطر زمنية واضحة. نحن بحاجة إلى خطاب يعزز المكتسبات ويبني عليها. فنحن أمة تمتلك مقومات الوحدة والتقدم، والالتقاء مع الحضارات، فلماذا نتقوقع حول أنفسنا، في الوقت الذي يحرز فيه العالم تقدما في شتى الميادين والمجالات. مسؤولية الإصلاح تقع على كاهل الجميع، فنحن نتطلع إلى مشاركة فعاليات المجتمع المدني ومؤسساته والحكومات والقطاع الخاص والشباب، إلى جانب القيادات العربية، لضمان النجاح.

الشرق الأوسط: هل انتم متفائلون بخصوص قمة تونس المرتقبة؟

جلالة الملك: نعم انا متفائل جداً اذا لم تقع مفاجآت ومتفائل في الوصول الى اتفاق عربي بشأن الاصلاح في المنطقة وكذلك بالنسبة للاوضاع في العراق وتطبيق خريطة الطريق.

الشرق الأوسط: هل طلبت واشنطن منكم نقل رسالة أميركية للقمة العربية؟

جلالة الملك: لا. لم يحصل هذا أبدا. خطوط أميركا مفتوحة مع الجميع، وهي ليست بحاجة إلى وسطاء.

الشرق الأوسط: فرضت واشنطن أخيرا عقوبات على سورية. هل يمكن أن يمثل هذا منفذاً جديداً للاقتصاد الأردني لسد العجز الذي سيترتب على هذه العقوبات، أم يمثل ضغطاً إضافياً على الأردن الذي يعاني جراء أزمات جيرانه؟

جلالة الملك: كنا دائما نقول إن التقدم يجلب العدوى، وإذا حصل تقدم في الاقتصاد السوري، فإن الاقتصاد الأردني سيستفيد والعكس طبعا صحيح. عندما فرضت العقوبات الاقتصادية على العراق، تكبد الاقتصاد الأردني خسائر فادحة عانينا منها على مدى عقد من الزمان، ونعتقد أن فرض عقوبات اقتصادية على سورية لن يساهم في تقدم اقتصادنا الوطني ولا اقتصاد المنطقة.

الشرق الأوسط: قمتم بوساطة ونقل رسائل بين واشنطن ودمشق في السابق. هل لمستم من خلال الوساطة تبايناً كبيراً بين موقفي البلدين، وهل ما زلتم متمسكين بالنصيحة التي عرضتموها سابقاً على سورية؟

جلالة الملك: في السابق كنا نطرح وجهات نظر، ولم ننقل رسائل، وكانت دعوتنا للطرفين أن كل القضايا المعلقة بينهما، يمكن أن تجد طريقها إلى الحل عبر الحوار والنقاش، وما زلنا متمسكين بأن الطريق السليم لإيجاد حل للمشاكل بين الطرفين هو سلوك طريق التفاوض والتحاور بالطرق السلمية.

الشرق الأوسط: فجعنا قبل مدة قصيرة بالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية كبيرة في الاردن. هل كشفت تحقيقاتكم عن ضلوع جهات أجنبية أو منظمات مشبوهة في الاعتداءات التي تستهدف أمن الأردن وسلامته؟

جلالة الملك: اعترف الأشخاص المتورطون والمخططون للعملية الإجرامية، بأنهم مرتبطون بتنظيم القاعدة. هذا ما تم الكشف عنه بعد إلقاء القبض عليهم. كانت عملية خطيرة وكبيرة جدا، ولكن الله لطف وحمى الأردن من كارثة.

الشرق الأوسط: التشابه بين ما تواجهه السعودية من أعمال إرهابية، وما تم التخطيط للقيام به في الاردن يستدعي التساؤل عن إمكانية وجود رابط بينهما. هل هناك تنسيق مع الرياض وتبادل معلومات في تحقيقات البلدين وجهودهما لمكافحة الإرهاب؟

جلالة الملك: الإرهاب له وجه واحد. المشكلة أن هؤلاء الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم في الأردن، وأولئك الذين تم إلقاء القبض عليهم في السعودية، يرتكبون جرائمهم باسم الإسلام، وهو بريء منهم ومن أعمالهم الإجرامية. هؤلاء المجرمون اختطفوا الإسلام ويحاولون التستر وراء الدين الإسلامي، لإخفاء جرائمهم التي يدينها الإسلام والشرائع السماوية.

نحن والسعودية في خندق واحد في محاربة الإرهاب والإرهابيين ومكافحة هذه الظاهرة التي ألحقت الضرر بأمتنا الإسلامية، وهناك تنسيق متواصل بين الأجهزة الأمنية في البلدين للتعاون وكشف مخططات الإرهابيين. نقف بكل قوة إلى جانب الأشقاء في السعودية وندعم جميع خطواتهم لمحاربة الإرهابيين وإيقاف جرائمهم التي تستهدف أرواح الأبرياء ومقدرات ومنجزات الاخوة السعوديين.

الشرق الأوسط: جددت السعودية المنحة النفطية للاردن. ما هو تأثير ذلك على المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، وما هي مشروعاتكم طويلة الأمد لمعالجة المشاكل التي ترهق اقتصاد الأردن؟

جلالة الملك: بداية أود أن اجدد الشكر الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ولسمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد، على دعمهما المتواصل للأردن، فقد كانا دائما سندا وعونا لنا في كل الأوقات.

المبادرة الكريمة من المملكة العربية السعودية بتزويدنا بخمسين ألف برميل يوميا من النفط لمدة عام، كان لها تأثير كبير على الاقتصاد الأردني، فقد كنا نمر بأزمة مالية كبيرة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وجاءت هذه الخطوة السعودية، لتعزز من خططنا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولتحقيق انفراج في الوضع الاقتصادي، ولولا هذه المبادرة الكريمة لتحقق عجز إضافي كبير على الموازنة.

لدينا بالطبع برامجنا وخططنا الاجتماعية والاقتصادية للمستقبل، لكن الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة، أثرت بشكل كبير على خططنا لتحقيق النمو الاقتصادي الذي نطمح إليه، بالرغم من ارتفاع معدل الصادرات، وارتفاع معدل النمو، وانخفاض الدين العام، وجميعها مؤشرات إيجابية على أننا بدأنا نسير بالاتجاه الصحيح، لكننا نحتاج إلى سنتين أو ثلاث، لإزالة الاختلالات الاقتصادية التي تعيق تقدم اقتصادنا الوطني، ولكي يشعر المواطنون بتحسن حقيقي في مستوى معيشتهم.

الشرق الأوسط: تستضيف عمان للمرة الثانية المنتدى الاقتصادي العالمي. ما مدى الاستفادة أردنياً من هذا المنتدى، وهل تخططون ليلعب الأردن دور العراب في التنمية الاقتصادية العربية والمنظر لها؟

جلالة الملك: انعقاد الملتقى الاقتصادي العالمي وبهذا الحجم من المشاركة الدولية يشكل فرصة أمام المجتمع المدني الأردني، للاستفادة من التجربة الاقتصادية العالمية، ولإطلاع العالم على خطط الأردن وتجربته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الأردن يستغل هذه الفرصة الكبيرة، ليقدم نفسه نموذجا للبلد العربي الإسلامي المتقدم والمتطور في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والشراكة بين القطاعين العام والخاص والتعددية والاستثمار في الشباب. وهذه فرصة كبيرة أمام المشاركين الأردنيين والعرب للإطلاع على ما يجري في العالم من تقدم ومن أساليب الإدارة المدنية الحديثة.

إضافة لكل ذلك، فإن الملتقى الاقتصادي يشكل فرصة للبحث والتحاور مع العالم في قضايانا الأساسية، قضية فلسطين ومستقبل العراق والإصلاح في الشرق الأوسط.

الأردن يلعب دورا فاعلا في المنطقة، في عملية نقل المعرفة والتقنية وتقريب الأفكار والتوجهات والاستفادة من التقدم الحاصل في العالم، لا دور العراب، ونحن لدينا تجربة رائدة نود من خلال هذا الملتقى أن ننقلها إلى العالم، وأن نتحاور حولها، لنسهم في تنميتها وإبرازها وتطويرها، وهناك العديد من دول المنطقة تتطلع إلى عقد مثل هذا الملتقى على أراضيها، لما له من فائدة كبيرة.