مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة السياسة الكويتية

٢٥ حزيران ٢٠٠٢

كتب ـ أحمد الجارالله:

ماء النهر لا تنتصب عموداً.. ماء النهر تنبع وتجري.. تنبع من أيدي الأجيال، وتجري في تعاقبها، لا شيء يعارض هذا القانون، لا أحد قادر على تجميد الوقت، ويبقى أن نعرف أن الأزمة الكبرى تكون حين يعتقد السياسيون أنهم وبحراستهم القديمة، يستطيعون اقتراف هذه المخالفة، أما الأزمة الأكبر فهي حين يحاول هذا السياسي اعتراض ماء النهر، هنا لا يتوقف الماء عن الجريان، بل يأخذ في طوفانه المعترضون، وكان بإمكانهم أن يفوزوا بالحياة لو قرروا فقط الالتحاق، أو الانسحاب إلى الهدوء الساكن والسعيد بسكنى الضفاف.

في عالمنا العربي دائماً ما يكون الاعتبار للمكابرة، أو اللجوء إلى ادعاء الخبرة وتراكمها، فتكون الأزمات السياسية التي لا يستفيد الناس منها، خصوصاً أنها تكون بعيدة عن الانشغال بتنميتهم، وبوضع الخطط لتحسين حياتهم وإسعادهم، ورفع مستويات معيشتهم، ونرى دائماً بروز هذه الحالات النافرة عندما تتبدل العهود، وتنتقل رايات الحكم من الأيادي المتهالكة، أو المتغيبة بالموت إلى الأيدي الشابة.. ساعتها لا يكون هناك من شغل للحراس القدامى إلا تطويق الأيدي الشابة، وعرقلة عملها، وتعطيل طموحاتها لبلادها، بادعاء الخبرة، كما سبقت الإشارة، في حين أن هذه الخبرة كانت صالحة في زمان وظروف، بينما الزمان تغير، والظروف تبدلت، وبدأت تطالب وتطلب دولتها ورجالها.

في طريقي إلى قصر البركة لمقابلة عاهل الأردن الشاب الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، كانت هذه الأفكار تراودني، قبل مراودة الأسئلة عن أوضاع البلاد، والمنطقة وما ينتظرها من أحداث، شعرت أن العاهل الشاب هو الزمان الأردني الجديد، هو ماء النهر، بينما الزمان القديم من حوله، ما زال يصخب بالحراس القدامى، والذين ربما انعقدت ألسنتهم من سياسة غير مألوفة عندهم، تجاوزت الجمود إلى الاندهاش، واستشعروا معها أن قدرتهم على الالتحاق قد استنفدت.

راودني هذا الشعور ربما لأني لا أحب كلمة "مخضرم" واني دائماً احرص على نقطة بداية جديدة أرى أنها تجعلني في مجرى النهر إلى أي نقطة وصل إليها، أو ربما لأني أرى الحياة غير قابلة للتقطيع بالأوقات وأنها زمن واحد بمراحل متعددة، وأزمنة متعاقبة.

وبالفعل، دخلنا قصر البركة، وجاءنا العاهل الأردني الشاب بملابس عادية "كاجيوال" ليؤكد لنا بالفعل أن الأشكال التي كانت تسبق الأفكار في اعتبارها، ما عادت لازمة لتكون إطاراً، وأن من يدرك هذه الحقيقة هي فقط القيادات الشابة في هذه الأمة التي أصبحت بحاجة إلى التجديد... التجديد في كل شيء.

لذلك كان من الطبيعي أن انطلق في سؤالي الأول من مكان المراودة، وكان مكاناً شديد الالتصاق بالشبابية وبأفكارها.

سألت العاهل الأردني الملك عبد الله

السياسة: أنت شاب، وجديد، وتحكم.. هل استطعت البداية مع القديم، هل استطعت التعامل مع الجيل الذي خدم في عهد والدك الراحل؟

جلالة الملك: أستطيع أن أقول أن الجيل الجديد من الحكام، وأبناء الحكام أصدقائي، في عطلة نهاية الأسبوع أذهب إلى البحرين مثلاً.

الفرق بين الجيلين هو أن الجيل الجديد أصدقاء، فأنا أتوسط عند الشيخ زايد، رئيس دولة الإمارات، من أجل دعم حكام الجيل الجديد.. انهم يحتاجون إلى دعم أمام شعبهم، ونحن كحكام جدد بدأنا جميعاً نتحدث لغة واحدة.

الرئيس السوري بشار الأسد من جيل هؤلاء الحكام الجدد، وأنت ترتاح له لأنه يعرف ما المطلوب لبلده، وأعانه الله على تحقيق أفكاره المتقدمة.

على كل حال، لو راجعت ما تم تحقيقه عندنا في الثلاث سنوات الماضية، فالحمد لله تستطيع أن تقول أن تحسناً كبيراً قد طرأ، لولا شغل الوالد لما كنا نستطيع التقدم إلى الأمام، كل ما في الأمر أن الحياة تختلف، خلفية المفاهيم لدى الجيل القديم ما زالت الحرب الباردة، أي الاتحاد السوفياتي وأميركا، أنا عقليتي وخلفيتي مختلفة.. أنا أتطلع إلى الناس. خذ عندك مثلاً فأنا حين أردت تحسين حياة هؤلاء الناس طلبت تزويد المدارس بأجهزة الكومبيوتر، فاعترض الجيل القديم وقال ليت عبد الله يجلب الطعام والأكل بدل الكمبيوتر، هذه فقط اشارة إلى العقلية واختلاف نمط التفكير، الفقير اذا اعطيته امكانات ليحسن أوضاعه فسيتقدم، هو سيستفيد وأنا سأستفيد، انك هنا تعطيه السنارة ليصيد دائماً بدلاً من أن تعطيه السمكة مرة واحدة. في الحكومة هناك اناس يفهمون اننا نريد أن نمشي إلى الأمام، أما الآخرون فلا. من هنا ترى أنك تريد وقتاً حتى يعم هذا المفهوم.

السياسة: جلالة الملك.. كلامك يشير إلى أن بعض الوزراء لم يطوروا فكرهم لخدمة الفكرة التي تريد، دعنا نوضح هذا الجانب.

جلالة الملك: في داخل عمّان تجد "هوشة" بين الأب والإبن. الإبن يعرف ما المطلوب والأب يقول له "شو بدك بها الشغلة" نحن جيل جديد، ومع ذلك هناك شباب ما زالوا يفكرون في الوساطات والمحسوبية، أنت بحاجة إلى سنة أو سنتين لإقصاء هذا التفكير. من جهتي أقول لهم، أنا ضد الفساد والوساطة هل أنتم جاهزون لتفكروا معي؟ تلك هي القضية.

السياسة: جلالة الملك.. أكثر ما الاحظه هنا هو طغيان اللعبة السياسية والبعد عن فكر التنمية، ولذلك تجد في الأردن مجموعة من الصالونات السياسية. في هذا الجو كيف تستطيع أن تعمل؟

جلالة الملك: صالونات عمان هذه هي أكبر حاجز لمنع تطوير الأردن، وترى كل واحد فيها يطعن في الثاني، هي صالونات ضد بعضها البعض وليست ضد النظام، ترى كل صاحب صالون يريد أن يصبح رئيساً للوزراء، وكل صاحب صالون آخر يطعن به، ولا يريده أن يصل إلى مبتغاه، هذا لا ينفع البلد، فأنت مثلاً، تأتي لتستثمر في الأردن، فبدلاً من أن يرحب بك جماعة الصالونات تراهم يسألون ولماذا أنت قادم للاستثمار.. هؤلاء "مافيات"، وإذا قمت بالرد عليهم فلن تعمل شيئاً.

السياسة: لكن هل تعيق هذه الصالونات عملك، وهل أنت قادر على تجاوزها؟

جلالة الملك: لا .. لا .. هذه الصالونات لا تعيق عملي، وكل ما في الأمر هو أن أصحابها لا يعجبهم أن لا يكون لهم دور. أنا مثلاً انتقيت شخصية من القطاع الخاص ليكون سفيراً لنا في واشنطن.. شاب مؤهل، يتحدث الإنكليزية بطلاقة، فجن جنون أصحاب الصالونات وقالوا: "ليش يجيب واحد من بره؟"يعني لماذا لم يقع اختياري على واحد منهم أو من جماعتهم؟ أنا اخترت واحداً من عالم الأعمال، وأريده هناك لمهمات سياسية وإقتصادية، تعلم في أميركا، وقادر على العمل لتحقيق مصالح للأردن، فهناك فرص متاحة لنا هناك، ولو أمسكنا واحد بالألف من السوق الأميركي لكان ذلك إنجازاً. لقد جن جنون أصحاب الصالونات لأن من وقع اختياري عليه ليس منهم ، كما قلت أو من جماعتهم ، وتساءلوا لماذا ؟ نحن بحاجة إلى دم جديد، عندنا شعب مثقف يجب أن نعطيه فرصة، لذلك لا أرد على الصالونات، وأمضي في قراري.

السياسة: جلالة الملك.. هل هذه هي مقدمة لتشكيل حكومة جديدة؟

جلالة الملك: المشكلة في "السيستم" القديم أننا كنا نغير حكومات كل ستة أشهر، وإذا اتبعنا الآن هذا النهج وأخذنا نغير حكومات كل ستة أشهر كيف سنعمل، وهل بإمكاننا أن نعمل؟

أنت كأجنبي ستمتنع عن الاستثمار عندنا حين تجد أمامك حكومة جديدة كل ستة أشهر، سنتان، أو أكثر، أو حتى أربع سنوات، مدة ضرورية لإيجاد آليه عمل من واجبي أن أضعها في الطريق الصحيح، وساعتها إذا أردت أن أغير حكومة أغيرها للأفضل، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن من الأفضل أن أبقي على من أعرفه أي على رئيس الوزراء لأن حسناته اكثر من سيئاته، أما القول هذا الوزير مش نافع، قول لا يكفي، وأرد عليه، أعطوني البديل.

السياسة: إذن أنت تهدف إلى استقرار المنصب الوزاري، عبر أشخاص أنت تتفاهم معهم ذهنياً لإجتياز مرحلة التنمية وتحمل أعبائها؟!

جلالة الملك: لا.. المسألة ليست فقط هكذا، وخصوصاً فيما يتعلق بتحقيق التنمية، عندما ذهبنا إلى الصين وجدت هناك أن المحافظ لا يعمل بالشكل الذي نعهده عندنا، ان له دوره الإقتصادي المتصل بمحافظته.. لذلك أنا أريد أن أعطي المحافظ هنا صلاحيات اقتصادية على صعيد محافظته .. الحكومة لوحدها لا تكفي للقيام بمهام التنمية.

السياسة: يقولون هنا أن الملك رأيه في تأخير إجراء الإنتخابات العامة في الأردن... ما الحقيقة فيما يخص هذا الإستحقاق الديمقراطي، خصوصاً وأن الصالونات السياسية بدأت تتحدث عن هدف معين، كأن تسفر الإنتخابات عن مجيء لون معين من الناس؟

جلالة الملك: المشكلة أن من يسمون بجماعة الصالونات وهم لا يعرفون الإتجاهات من ذلك، وإن عرفوا فسيعارضون ويحتجون وهنا تكون المشكلة أكبر.. دعنا منهم ولنعد إلى موضوع الإنتخابات، فأنا قلت أنه يجب زيادة عدد النواب حتى تزداد الشفافية، في المرحلة الأولى قررنا زيادتهم إلى 104أعضاء، ولا ننسى أن الديمقراطية درجات إلى أن تكتمل. قلت أريد إجراء انتخابات وأن تتم بشفافية لذلك طالبت باستحداث البطاقة الإنتخابية الإلكترونية لكل ناخب حتى لا تتدخل الحكومة في مجرى العملية وتؤثر على النتائج، والدولة الأردنية لا تخشى المعارضة، لذلك طلبت مهلة ستة أشهر حتى يصبح لكل ناخب بطاقته الإلكترونية. الحمد لله أنجزنا ما نسبته 85 إلى 95 في المئة من هذه المهمة، لأن أفراد القوات المسلحة عندنا لا ينتخبون، وبالتالي غير محسوبين على مجهودات العمل.

السياسة: جلالة الملك.. الأردن كان لعبة التغييرات الحكومية والصالونات والأجهزة والواجهات السياسية.. في عهدك هل تتوقف هذه الرواية وتتوقف معها لعبة الصالونات؟

جلالة الملك: يجب أن تتوقف. الصالونات التي تعمل بشكل إيجابي لا مانع عندي في وجودها أما التي تحارب بعضها البعض فلا. أنتم في الكويت عملتم شيئاً إيجابياً، صالونات فيها الجميع، من كان مع الحكومة، ومن كان ضدها، والناس تنتقل هناك من ديوانية إلى أخرى، عندكم شبه برلمان وليتنا نتعلم منكم.

السياسة: جلالة الملك.. الرئيس الأميركي بوش استقبلك حتى الآن خمس مرات، ألا ترى في ذلك بادرة ملفتة للنظر؟

جلالة الملك: كل رئيس اميركي يخاف من الدخول إلى قضية الشرق الأوسط.. قلت للرئيس بوش ستدخل المنطقة ومشاكلها.. الرجل متحمس ومقتنع بالدولة الفلسطينية لكنه يقول لك لا أريد أن أكون مثل الرئيس كلينتون، فعندما أرمي كرت رئاسي فيجب أن أنجح، المشكلة في "السيستم" الأميركي. الرئيس بوش عليه ضغوطات.. انه قوي جداً ولا يخاف، لكن الحرب بالنسبة لنا كسياسيين ليست هنا بين إسرائيل وفلسطين، مرات تكون في واشنطن.. الرئيس بوش يرى الوضع الداخلي والخارجي وتأثير إسرائيل في أميركا، لكنه في قلبه يعرف ما هو مطلوب.

السياسة: دعنا من الرئيس بوش لنسأل عن تفكير الإدارة الأميركية تجاه الأردن وملك الأردن.

جلالة الملك: الحمد لله.. استطيع أن أقول أن علاقتنا مع أميركا ومع العالم جيدة، أسأل الحكومة والأجهزة عن ذلك، والحمد لله الجميع يقول ذلك.

علاقتنا بالكونغرس إيجابية مئة بالمئة ونحن هنا لا نتحدث عن الأردن إلا بمقدار يسير، أغلب الحديث يتركز على فلسطين والعراق وقضايا العرب الأخرى، التقي مع الرئيس بوش 40 دقيقة 37 منها عن فلسطين وأشقائنا العرب وعند الباب ساعة الخروج نقول لهم يا جماعة عندنا الوضع الإقتصادي ليتكم تساعدونا فيه.

السياسة: جلالة الملك.. هل استفاد الأردن من علاقتكم الحميمة مع أميركا؟

جلالة الملك: نعم، المساعدات ارتفعت من 30 مليون دولار عام 1999 إلى 400 مليون دولار حسب ما نتوقع هذا العام.

السياسة: إعطاء اميركا الأردن امتيازات الدولة الأولى بالرعاية هل استفاد منه القطاع الخاص الأردني؟

جلالة الملك: طبعاً، هناك استثمار في البلد وفي الشمال، المرأة بدأت تعمل وأصبحت تتقاضى راتباً يساوي راتب زوجها.. هناك تحسن بالطبع.

السياسة: جلالة الملك.. اتفاق السلام في المنطقة هل تراه قريباً أم ما زال بعيداً؟

جلالة الملك: أراه قريباً، فنحن كدول عربية وإسرائيل والعالم لا نريد 15 سنة أخرى من الصراع، فبعد مبادرة الأمير عبد الله بدأ الشعب الإسرائيلي يعرف أن هناك مجالاً لتسوية المشكلات.

من جهتنا نحن نتكلم مع الجميع ونقول لهم إذا كنتم تريدون إقامة دولة فلسطينية على أربعين في المئة من اراضي الضفة وغزة لا تكونوا قد حللتم المشكلة، إذن بعد سنتين سنرجع إلى المشكلات نفسها. هناك وعي في كل الدول على ما هو مطلوب، وبالنسبة للرئيس الأميركي فهو عارف أنه يجب أن يتدخل، وما هو المطلوب منه.. لكن أحب أن أطمئنك أننا حين نذهب لرؤية بلير، أو شيراك، أو شرودر، أو بوتين، أو زيانغ زيمين في الصين أو كوفي عنان، فإننا أصبحنا نتكلم جميعاً لغة واحدة، ولا نريد لأميركا أن تكون بعيده عن أمر من صميم عملها. وكلما تحدث بوش مع رئيس في العالم قال له هذا الرئيس: على طريق فلسطين عليك أن تعمل كذا وكذا.. أولاً، ثانياً، ثالثاً وقبل ستة أشهر تحدث معي الأوروبيون وقالوا لي: عندما تتكلم أنت يا عبد الله مع بوش فأنت تحكي باسم الأوروبيين، للمرة الأولى الموقف الأوروبي والعربي واحد.. وكنت أقول للرئيس الأميركي العالم العربي والغرب هكذا يتكلم.

 

الحمد لله.. هناك تركيز على القضية.

السياسة: الدول العربية كلها، بما فيها الكويت ضد شن الهجوم على العراق، لنفرض أن أميركا هجمت، ماذا سيكون الموقف؟

جلالة الملك: يجب أن تحسب حساباً أن كل العالم أخذ الموقف نفسه بالنسبة لفلسطين، والموقف نفسه بالنسبة للعراق. ليس من السهولة على أميركا، لوحدها أن تضرب العراق.. لا توجد قناعة في أوروبا وروسيا والصين بهذه الضربة.

السياسة: جلالة الملك... وماذا عن مستقبل عرفات وسلطته الفلسطينية؟

جلالة الملك: مستقبل الرئيس عرفات أمر يقرره الشعب الفلسطيني فقط، ولا يمكن لأحد أن يقرر أمراً نيابة عن الشعب الفلسطيني الذي انتخب قائده وقبل به.. إذا تم القبول بمثل هذا الطرح؛ أن يفكر الآخرون عن الشعوب فهذا أمر خطير ومرفوض. حين يقرر الشعب الفلسطيني ماذا يريد وبماذا يفكر، يجب أن نحترم رأيه ونسانده. هذا موقفنا في الأردن ندعم ونؤيد قيادة الشعب الفلسطيني المنتخبة، ونضع كل امكاناتنا إلى جانب الفلسطينيين حتى يقرروا مستقبلهم بأنفسهم، ويأخذوا حقوقهم على أرضهم وبناء دولتهم المستقلة التي سندعمها ونساندها دولة عربية شقيقة كاملة السيادة.

السياسة: عودة الأوضاع في الضفة الغربية وغزة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع حرب 1967، هل تعتبر من الاحتمالات الواردة؟

جلالة الملك: كل جهودي مكرسة في سبيل حشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية، وكانت كل اللقاءات مع قادة دول العالم منصبة على ضرورة مساعدتنا في جلب السلام إلى منطقة الشرق الأوسط، وإنهاء المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ومنح الأمل والمستقبل الآمن للفلسطينيين والإسرائيليين معاً.

وفي ضوء المتغيرات الدولية من حولنا كان لا بد من البحث عن مخرج للوضع المتأزم الذي بات يهدد المنطقة كلها، واستنفد كل طاقاتها ومواردها، وأخذ بعد عام ونصف من اندلاع الإنتفاضة والتصعيد العسكري الإسرائيلي منحى عدواني طال المدنيين والمؤسسات والبنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، لذلك كان لا بد من التحرك على مختلف الصعد لإنقاذ الوضع، وبدأت اتصالاتنا مع الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وجميع القوى الدولية الفاعلة لتحفيزها من أجل قضية السلام، ومنع تفاقم الوضع وامتداده، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.

يجب أن نعترف أنه من دون مساعدة هذه القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة لا يمكن أن نتمكن من التحرك. ورغم كل ما يجري إلا اننا لم نفقد الأمل في تحقيق السلام، وأعتقد أن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي سئما حياة القتل والدمار المستمرة، وهما مستعدان أن يصغيا إلى صوت السلام وإلى نبذ العنف الذي لم يجلب إلا الألم واليأس والإحباط.

وعليه؛ فإن طروحاتنا تتمثل بإعطاء الفلسطينيين الأمل بإقامة دولتهم المستقلة القابلة للبقاء والاستمرار إلى جانب دولة إسرائيل، التي لا بد أن نعترف كعرب بضرورة أن تعيش بأمان وضمن حدود آمنة أيضاً.

وهذه الخطوط عبر عنها العرب في مبادرة السلام العربية التي طرحها سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز وتبناها العرب في قمة بيروت، وهي مبادرة جريئة وشجاعة وضعت الكرة في المرمى الإسرائيلي وعبرت عن رغبة حقيقية لدى العرب في صنع السلام.

السياسة: عودة الضفة الغربية، وقطاع غزة إلى الولايتين الأردنية والمصرية.. ما مدى تأثير ذلك على استئناف المفاوضات السلمية مع إسرائيل؟

جلالة الملك: كما سبق وأن ذكرت، الفلسطينيون هم أصحاب القرار بمن يحكمهم، نحن لا نريد أي دور للأردن في الضفة الغربية، ودورنا يتركز في تقديم الدعم والإسناد للأشقاء الفلسطينيين حتى يتجاوزوا المحنة التي يتعرضون لها وينتهي الإحتلال الإسرائيلي. وكما قدمنا لهم الدعم في مختلف الظروف التي مروا بها سنبقى ندعمهم ونساندهم بكل امكاناتنا. أما الحديث عن دور الأردن باستبدال الجندي الإسرائيلي بجندي أردني، فهذا أمر لن أسمح به على الإطلاق وشعبي الأردني متضامن معي في هذه المسألة.

السياسة: جلالة الملك.. دعني أسألك بصراحة هل طغيان الاكثرية الفلسطينية عددياً ينفي وجود مجتمع أردني ويؤكد على وجود تجمع بشري؟

جلالة الملك: طغيان الأكثرية الفلسطينية ليس صحيحاً ولكن دعني أوضح لك أن تميز الأردن وقوته تكمن في تنوع مجتمعه، فالأردنيون من مختلف اصولهم ومنابتهم سواء أكانوا من أصول فلسطينية أو عربية أخرى، ما دام قبلوا بهذا الوطن وطناً لهم وقدموا واجباتهم وحصلوا على حقوقهم فهم قوة الأردن ومنعته وتقدمه، وأن غايتي وهدفي في الحياة هو توفير العيش الكريم لهم والمستقبل لأبنائهم وبناتهم.

السياسة: ما علاقة استرجاع أراضي الضفة الغربية والولاية على القدس بضمان وجود الأردن وبقائه كدولة، وضمان انتهاء الإحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي الواقعة غرب النهر؟

جلالة الملك: كما ذكرت أن استرجاع اراضي الضفة الغربية هو هدف نعمل لاجله مع اشقائنا العرب، اما عن العلاقات بين الأردن والدولة الفلسطينية، التي ستقوم على الأراضي الفلسطينية فهي ستكون علاقات أخوة وجوار وسنكون السند والظهير للدولة الفلسطينية المقبلة ندعمها ونؤازرها لتكون أمل الفلسطينيين ومستقبلهم، بعد أن كافح هذا الشعب وناضل فإنه يستحق أن يكون له كيان على الخريطة العالمية. أما الحديث عن خطر يهدد الأردن في حال قيام الدولة الفلسطينية، فهذا هراء وأمر يراد به التشويش على عدالة القضية الفلسطينية.

السياسة: الهاشمية كعقيدة وإنتماء والتزامها بقيادة الأقطار العربية نحو الوحدة القومية والسياسية.. أين أصبح هذا الإندفاع اليوم؟

جلالة الملك: نحن دعاة وحدة وتضامن ورؤيتنا أن وحدة العرب وتضامنها كفيلة بحل جميع مشكلاتهم، والوحدة التي ننظر إليها لا تكمن فقط بأن تكون الدول العربية مجتمعة بدولة واحدة، فلكل قطر عربي خصوصية يجب احترامها من قبل الجميع.

والأوروبيون بكل تناقضاتهم حققوا وحدة اقتصادية فريدة، فلماذا لا نقتدي نحن العرب بالدول الأوروبية؟ ويكون الإقتصاد عنوان وحدتنا وتكاملنا وتضامننا؟ لان عالم اليوم أصبح يعترف بالتكتلات الإقتصادية.

وفي ظل سياسة العولمة، التي طغت على الأقتصاد العالمي، لا بد أن يكون لدى العرب تكتلهم الإقتصادي الذي يعزز التجارة البينية ويزيل العوائق أمام انسياب حركة التجارة بين الأقطار العربية، وبالتالي نحقق لشعوبنا الحياة الكريمة ونعيد للشباب العربي الأمل بالمستقبل الزاهر الذي يحقق طموحاتهم.

وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن تقديم الفكر المستنير والنماذج الناجحة والإهتمام بتنمية الإنسان يساهم في قيادة الدول العربية نحو التقدم والإزدهار الذي هو مفتاح الوحدة السياسية والقومية مهما كانت.

السياسة: الأردن ـ الولايات المتحدة على ماذا يلتقيان ويختلفان بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة؟

جلالة الملك: نلتقي على أمور كثيرة، وقد نختلف على بعض القضايا، ولكن علاقاتنا بأميركا تظل قوية ومتينة. على الصعيد السياسي يجب أن نعترف بأهمية دور الولايات المتحدة وثقلها السياسي العالمي. وإذا أغفلنا هذا الدور، فلن نتمكن من تحقيق السلام في منطقتنا لأن جزءاً كبيراً من أوراق الحل هو بيد الولايات المتحدة. ومنذ كامب ديفيد اتخذت الإدارات الأميركية المتعاقبة نهجاً قوياً يؤكد أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتأتى إلا عن طريق الحل السياسي وهذا هو موقف العرب أيضاً، ولذلك فإن دور الولايات المتحدة في عملية السلام دور حيوي ومركزي لا يمكن لأحد أن يتجاهله أو يرفض التعامل معه.

أما على صعيد علاقاتنا بالولايات المتحدة في المجال الإقتصادي فهي قوية ووطيدة، فأميركا تقدم مساعدات كبيرة للأردن في المجالات الإقتصادية والثقافية والعسكرية، ووفرت اتفاقية التجارة الحرة التي وقعناها مع الولايات المتحدة للأردن مجالاً حيوياً أمام زيادة التعاون بين البلدين، والأردن يعد رابع دولة توقع هذه الإتفاقية بعد كندا والمكسيك وإسرائيل، وفتحت هذه الإتفاقية أكبر سوق عالمي أمام الصادرات المنتجة في السوق الأردني. ونأمل خلال السنوات المقبلة أن يشهد الأردن المزيد من الإستثمارات العربية والأجنبية التي تسعى إلى الدخول للسوق الأميركي من خلال الأردن.

على صعيد الحرب على الإرهاب التي تخوضها الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نحن أعلنا موقفنا بأننا ضد الإرهاب بجميع أشكاله، لأننا عانينا من الإرهاب وكنا كوطن وشعب أحد ضحاياه، وأكدنا على أكثر من صعيد أن الحرب على الإرهاب يجب أن لا تختلط فيها الأمور وتصبح حرباً على الإسلام، لأن الإسلام بريء من الذي يحاولون التستر خلفه لتحقيق مآربهم، وما جرى في 11 سبتمبر لا يقره الإسلام ولا أي دين آخر، فكيف لنا نحن العرب ضحايا الإرهاب أن نؤيد هذه الجرائم.

لدينا مصالح مع الولايات المتحدة نعمل على المحافظة عليها، والولايات المتحدة إضافة إلى ما ذكرت تقدم للأردن مساعدات من المتوقع أن تبلغ (400) مليون دولار.

السياسة: الدعوة الأميركية لإقامة دولة فلسطينية ومستقبل وجود هذه الدولة.. ما مدى جدية الطرح، وهل سترى الفكرة النور؟

جلالة الملك: الولايات المتحدة وحسب ما أعلن الرئيس بوش ووزير الخارجية الأميركي كولن باول، ملتزمة برؤيتها لإقامة دولة فلسطينية تعيش إلى جانب دولة إسرائيل، وخلال لقاءاتي بالرئيس بوش وأعضاء الإدارة الأميركية كان تركيزي دائماً على أنه ما لم يتم معالجة المشكلة السياسية للقضية الفلسطينية على أساس سياسي وليس أمني، وما لم يتم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية، وخلال فترة زمنية معقولة تتفق عليها الأطراف المعنية، فإن دوامة العنف ستستمر، وأن إقامة الدولة الفلسطينية هو الكفيل بإنهاء العنف في الأراضي الفلسطينية.

أما الحديث عن دولة فلسطينية، فيجب ان يرافقه حديث عن إطار زمني لها وتعريف لهذه الدولة، وخلال الأيام الماضية أصبح الحديث عن دولة مؤقتة ـ وهو مصطلح جديد في القاموس السياسي ـ إن ما نريده هو دولة ناجزة بكل معنى الكلمة، دولة تقوم وفقاً لقرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397 على أية حال، لقد جاء بيان الرئيس بوش منسجماً مع الموقف الأردني حول تعريف الإطار العام للحل وتحديد الجدول الزمني لإعادة اطلاق المفاوضات.

واعتقد ان دعوة الرئيس بوش لإقامة دولة فلسطينية تعد أمراً إيجابياً ونحن نرحب بهذا الموقف ونؤيد قيام دولة فلسطينية تقوم على أساس حدود عام 1967 هذه المبادرة الأميركية تشكل بداية لنهاية الصراع بين العرب والإسرائيليين، وكما ذكرنا، نحن في الأردن على استعداد للعمل مع كل الأطراف للتوصل إلى السلام في المنطقة وإلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

ونأمل أنه بهذه المبادرة الجديدة يتحقق الهدوء في الأراضي الفلسطينية ويتوقف العنف، وإن شاء الله ان تستجيب إسرائيل لما جاء في بيان الرئيس بوش، لكن أريد أن أقول أنه من اللازم اشراك جميع الأطراف وخاصة سوريا ولبنان في عملية السلام حتى يكون هذا السلام شامل.

السياسة: المؤتمر الدولي المقترح واستبعاد سورية ولبنان من المشاركة فيه، هل سيكون له نصيب من النجاح؟

جلالة الملك: حتى الآن لم يتبلور شيء عن المؤتمر الدولي، سواء في جدول أعماله أو طبيعة المشاركين فيه. موقفنا في هذه المسألة واضح، وهو أنه يجب توجيه الدعوة لجميع الأطراف المعنية للمشاركة فيه، وأن يكون جدول أعماله واضح ومحدد.

لا بد من الإعتراف أن هناك احباطاً ويأساً في المنطقة، وما لم يعالج المؤتمر المقترح جوهر الصراع ويجد الحلول الناجعة للمشكلات الحالية فسنعود للمربع الأول ونبقى ندور في حلقة مفرغة. على المؤتمر أن يتعامل ـ إضافة للمسائل السياسية ـ مع المسألة الإقتصادية والمعاناة المريرة للشعب الفلسطيني، وأن يتعامل مع الحاجات الإقتصادية والسياسية للفلسطينيين.

السياسة: مبادرة السلام العربية... أين أصبحت؟

جلالة الملك: اعتقد أن مبادرة السلام العربية لم تمت، فكل الخطط والمبادرات والأفكار المطروحة حالياً تلتقي مع المبادرة العربية، وغايتنا في النهاية أن نحقق مسعى واحدا، وهو إنهاء الإحتلال الإسرائيلي ووقف مسلسل القتل اليومي، وإعطاء الفلسطينيين ـ الذين بلغت معدلات البطالة في أوساطهم 75 في المئة ويعيش 65 في المئة منهم تحت خط الفقرـ الأمل والأمن والإستقرار. فالسبب الذي يدفع للتضحية بأرواحهم هو فقدانهم الأمل بمستقبلهم.

إذا تمكنا من تحديد ماذا نريد من مؤتمر السلام، واتفقنا على آلية واضحة لتنفيذ بنود المؤتمر ضمن جدول زمني محدد، نكون قد وضعنا الأساس لحل هذا النزاع الذي استنزف طاقات شعوب المنطقة كافة.

السياسة: ماذا عن مستقبل العلاقة الأردنية العراقية في ضوء المتغيرات الدولية المستجدة، وإمكانية توجيه ضربة أميركية للعراق؟

جلالة الملك: علاقتنا بالعراق جيدة جداً، ونأمل أن تتطور إلى الأمام بما يخدم مصالح الشعبين ومصالح أمتنا العربية، بشكل عام؛ نحن ما زلنا نطالب بأن حل الخلافات بين العراق والولايات المتحدة والأمم المتحدة، يستدعي بدء حوار عملي وجاد وتفاهم يجنب المنطقة المزيد من الكوارث والمآسي التي ما زلنا نعاني منها جميعا. ضرب العراق كارثة ليس للعراق وحسب بل للمنطقة كلها.