مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة السفير اللبنانية

١٨ حزيران ٢٠٠٨

السفير: جلالة الملك، تعقد منذ سنتين اجتماعات لقيادات الدول "المعتدلة" ووزراء خارجيتها ورؤساء أجهزتها الأمنية. ألا ترون أن هذه السياسة وصلت إلى طريق مسدود. وما هي خياراتكم الآن؟

جلالة الملك: لا أشك أن أوضاع المنطقة صعبة للغاية. لقد بذلنا على مدى السنتين الماضيتين جهودا كبيرة من أجل التركيز على القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتنا الأولى وأساس الصراع في المنطقة، وكنا نؤكد للأميركيين والأوروبيين وغيرهم أن حل هذا النزاع هو مفتاح الحل للنزاعات الأخرى في المنطقة.

سنواصل جهودنا واتصالاتنا مع أشقائنا العرب، ومع الولايات المتحدة وإسرائيل للتأكيد على ضرورة إحراز تقدم في عملية السلام. وقد تحدثت مؤخراً مع عدد من قادة الدول من بينهم رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومع عدد آخر من قادة الدول الأوروبية لتقف إلى جانبنا من أجل دعم العملية التفاوضية لتحقيق نتائج قبل نهاية هذا العام.

وخلال لقاءاتي مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين لمست أنهم متفائلون بالرغم من أن المؤشرات والمعطيات على الأرض لا تدل على ذلك. ولكن علينا أن لا نستسلم ويجب أن نواصل الضغط في اتجاه تحقيق السلام. هذا هو خيارنا الاستراتيجي الذي لن نتراجع عنه مهما تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وتناقصت الثقة العربية فيه. ومهما أوجدت السياسة الإسرائيلية من عقبات سواء في المستوطنات الجديدة أو في غيرها من قضايا النزاع. وهذا هو العنوان الرئيسي للمشروع العربي الذي نعمل عليه منذ أكثر من ثلاث سنوات، آخذين في الاعتبار أننا بحاجة إلى العمل أكثر من أي مرحلة أخرى وضمن روح الفريق الواحد كي نضمن نتائج ايجابية.

أما في لبنان، فبالرغم من قلقنا إزاء ما جرى من أحداث مؤسفة، إلا أننا نعتبر ما حصل في الدوحة بداية جيدة، نأمل أن تقود إلى انفراج كامل وتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. لكن في المقابل ما زال هناك تساؤلات كثيرة فيما إذا كانت المشكلة قد انتهت، أو لم تنته؟ وما هو الدور المطلوب من الدول العربية لمساندة لبنان ووحدته، وسيادته؟ وكذلك الوضع في غزة. هل ما نراه هو هدنة بانتظار تطورات نجهلها أم خطوة على طريق الحل. هذه هي الأجوبة التي نسعى للحصول عليها بالتشاور مع القيادات العربية حتى لا نفاجأ بما لا نريده لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في العراق.

إنني على قناعة تامة بأهمية وجود تنسيق أكبر بين دول الاعتدال. وقد قمت أول من أمس بزيارة للمملكة العربية السعودية وبحثت مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز العديد من الموضوعات المتعلقة بالوضع العربي بشكل عام. وتناولنا بشكل خاص مستقبل العلاقات بين الدول العربية والعراق وعلاقات دول الاعتدال أيضاً مع سوريا. وقد وجدت لدى خادم الحرمين الشريفين ما عهدته دائما فيه من مسؤولية وجدية وإخلاص تجاه معالجة التطورات في المنطقة.

دعني أؤكد لك أن هناك مواضيع نناقشها بكل شفافية ووضوح وايجابية مع أشقائنا السعوديين والمصريين وعدد من دول الخليج بخصوص الأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق وكيفية التعامل معها من منظور عربي يخدم مصالح أمتنا العربية.

السفير: جلالة الملك، ماذا بشأن إعادة السفير الأردني إلى بغداد؟

جلالة الملك: سوف نرسل سفيرنا إلى بغداد قريباً، لأننا نؤمن بأن علاقاتنا مع العراق يجب أن تسير بشكل إيجابي وتخدم مصالح البلدين. وقد أجرينا الأسبوع الماضي في عمان مباحثات مفيدة وقيمة مع رئيس وزراء العراقي نوري المالكي، وأعتقد أن كلانا خرج مرتاحاً للإجراءات المتفق عليها لتحسين وتقوية العلاقات بين البلدين.

السفير: جلالة الملك، لقد تشرفت بمقابلتكم قبل سنة في بيت الأردن، وكنتم جلالتكم وقتها تتحدثون عن التنسيق الرباعي وبعد ذلك تطور إلى سداسي. والظاهر الآن انه ثنائي. ويبدو أن التنسيق المصري السعودي أقوى بكثير من التنسيق الأردني في إطار نفس المجموعة. والحديث الآن عن العودة إلى التنسيق الثلاثي ... فما قول جلالتكم في هذا الشأن؟

جلالة الملك: إنني أرى، وعلى العكس من ذلك، أن التنسيق الأردني المصري السعودي هو اليوم أقوى من أي وقت مضى. فالاتصالات واللقاءات بيني وبين خادم الحرمين جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز وفخامة الرئيس محمد حسني مبارك وقادة دول عربية أخرى متواصلة ولم تنقطع، وتجري في إطار من الصراحة والشفافية. ما يهمنا كدول معتدلة هو التعامل مع قضايانا العربية من منظور عربي وبعيداً عن أي تدخل إقليمي أو أجنبي.

السفير: هل يعني هذا الأمر أن هناك تضامنا قويا؟

جلالة الملك: بالتأكيد، هناك تضامن، أما القوة والفعالية فمتروكة للنتائج. ونحن قلوبنا مفتوحة دائماً للاستمرار في التنسيق والتشاور مع الأشقاء العرب، وليس مع الدول التي ذكرتها وحسب بل مع جميع الدول العربية وبما يصب في خدمة قضايانا ومصالحنا المشتركة بالاعتماد طبعا على رؤية وتصور واضح في هذا الشأن لنتمكن من تعزيز العمل العربي المشترك، وتحقيق التضامن الفعلي وحل مشاكلنا بأنفسنا.

وإنني اليوم على قناعة بضرورة العمل كفريق واحد، وأن نعمل سوياً ومع إخواننا في سورية أيضاً، لنخرج بإستراتيجية واضحة وتصور موحد، لحل كل المشاكل التي تواجهنا.

السفير: ولكن هناك مدرستان الأولى تقول بإمكانية العمل العربي بدون سورية، والثانية لا ترى العمل العربي ممكناً بدونها؟

جلالة الملك: سورية جزء أساسي من العالم العربي وركن حيوي في العمل العربي المشترك. لقد خرجت من لقائي مع الرئيس بشار، خلال زيارتي الأخيرة لدمشق، بانطباع أنه يسعى إلى تحسين علاقاته مع الدول العربية، ويعمل من أجل تحقيق التضامن بين الدول العربية.

إنني أؤكد لك أن الدول العربية إذا استطاعت أن تفكر بنظرة استراتيجية ووضعت خططا واضحة ومحددة، سنتمكن من توسيع قاعدة العمل والتنسيق والتشاور ليشمل اكبر عدد من الدول العربية.

إن التحديات والمشاكل التي تواجهنا سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان أو السودان لن تحل بلغة المجاملات بل بالعمل المخلص الجاد، والتضامن الحقيقي وتشخيص المشكلة بشكل دقيق، وعلى العموم فإننا اليوم ندرك المشاكل التي تواجهنا ونعلم أسبابها ودواعي استمرارها، ولكننا في نفس الوقت أيضاً ندرك الحلول لها ونعرف ما هو المطلوب عمله من الجميع.

السفير: عندما أتذكر حديثكم جلالة الملك في الكونغرس وأقرأ خطاباتكم وآخرها في كلية ودرو ولسون وأكسفورد، واضح من تحذيراتكم أنه لا يوجد شخص يستطيع أن يعطي درجة أعلى من التحذيرات... طيب إذا لم يتجاوب المجتمع الدولي وخاصةً الإدارة الأميركية ... والوضع الإسرائيلي والعربي مثل ما تفضلتم، عند ذلك تكون سياسة حماس هي الأصح في مواجهة هذه الوقائع الجديدة؟

جلالة الملك: لقد سمعنا مؤخراً كلاماً وتحليلات صحفية وسياسية كثيرة حول تراجع دول الاعتدال وخط الاعتدال في العالم العربي. ولكن قبل الإجابة دعنا نحدد ما هو الاعتدال؟ أليس هو توفير الأمن والاستقرار لشعوبنا، وبناء المستقبل الأفضل، وإعادة حقوقنا المشروعة بعيداً عن لغة العنف والحروب التي ما جلبت غير الكوارث والهزائم؟

وإذا كان يؤخذ على دول الاعتدال أن لديها قنوات اتصال وتفاوض مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ففي المقابل بدأ الطرف الآخر بإتباع ذات النهج! أليس هذا نجاحاً إذا لمنطق الاعتدال. فسورية اليوم تفاوض الإسرائيليين على إعادة أراضيها المحتلة وهذا تطور إيجابي وتوجه ندعمه، وجهات أخرى تسعى للتهدئة والهدنة مع إسرائيل، وآخرون يسعون للتهدئة عبر مبادلة الأسرى. إذن المنطق - خارج سياق الخطابات - يكاد يكون واحداً. فأين التراجع برأيك!

السفير: على كل حال، السياسة الأميركية في المنطقة لا تساعد عمليا؟

جلالة الملك: كنا نأمل بعد زيارة الرئيس بوش الأخيرة للمنطقة وخطابه في شرم الشيخ أن يحصل اختراق كبير فيما يتعلق بالعملية السلمية، ولكن ساد الشعور في الشارع العربي بخيبة الأمل وتكون انطباع بعدم الجدية في تحقيق السلام.

ولكنني اعتقد أن الفرصة لا تزال متاحة أمام السياسة الأمريكية للدفع باتجاه تحقيق تقدم في عملية السلام ومساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين على تجاوز العقبات والصعوبات التي تعترض العملية التفاوضية حول جميع قضايا الوضع النهائي بهدف إحداث تقدم على الأرض يلمسه الفلسطينيون ويحيي آمالهم في إقامة دولتهم المستقلة واستعادة حقوقهم المشروعة.

السفير: لنتحدث عن تجربتكم من خلال الحوار مع القيادة السورية، والتي أثمرت علاقات ثنائية جدية. ولكن لا زالت سوريا، بالمعنى العام للأمور، في المشروع الآخر. والسؤال هنا هو إذا كانت سوريا تفاوض سياسيا، وحماس تفاوض على الأمن، وحزب الله يفاوض على الأشلاء والأسرى. إذن لا يوجد اعتدال وغير اعتدال، بل هناك مشروعان سياسيان مختلفان، وكل واحد له وجهة نظر مختلفة، ويبحث عن نتيجة. هل ترى أن هناك تطورا في المنطق السوري في هذا الاتجاه؟

جلالة الملك: كما ذكرت سابقاً فإن التقارب بين المشروعين وارد. وأود التأكيد أن العلاقة بيني وبين الأخ الرئيس بشار الأسد والحمد لله قوية جداً والعلاقات بين البلدين على المستويات المختلفة متميزة.

هناك تحديات في سورية وأيضا في الأردن، وهناك تفهم مشترك إزاءهما، ونعمل معاً في البلدين لمواجهتها. إنني أؤكد هنا أنه لا غنى للأردن عن سورية، ولا لسورية عن الأردن، فالروابط بين البلدين والشعبين تاريخية.

وعودة إلى سؤالك حول المنطق السوري، وإن كان قد تغير؟ فهذا موضوع مرتبط بمصالح كل بلد، لكن لا غنى لسورية عن أمتها العربية وعمقها العربي، وبغض النظر عن علاقات سورية مع إيران أو غيرها يبقى العمق العربي هو الأساس. وأعتقد أن المستقبل سيكون أفضل بالنسبة لعلاقات الدول العربية مع بعضها البعض.

السفير: كيف تنظرون جلالة الملك إلى المفاوضات السورية الإسرائيلية؟

جلالة الملك: ما لمسناه لغاية الآن أنه لا يوجد جدية لدى الإسرائيليين، وحتى في الموضوع الفلسطيني، وبدأنا نلمس عراقيل وعقبات عديدة يضعها الإسرائيليون مثل موضوع الاستيطان وغيرها لمماطلة قيام الدولة الفلسطينية، ورغم ذلك لن نستسلم ونأمل أن نلمس تقدما حقيقيا على الأرض وجدية في التعامل مع المفاوضات سواء مع الفلسطينيين أو مع السوريين.

السفير: أشارت صحيفة كويتية انه خلال احد لقاءاتكم مع العاهل السعودي لبحث العلاقة السورية السعودية، كان هناك رفض سعودي للبحث في الموضوع السوري، وان الخلاف بين البلدين اخذ طابعا شخصيا؟

جلالة الملك: أعتقد أنه يوجد مجال لتحسين العلاقات مع سورية، وتفعيل العلاقات العربية العربية، وسنبقى نعمل في هذا الإطار.

السفير: هل تعتقد جلالة الملك أن إيران ستسمح باقتراب النظام العراقي من الدول العربية؟

جلالة الملك: اعتقد أنه يجب أن نستغل الفرصة ونمد أيدينا إلى العراقيين وندعم علاقاتنا كعرب مع العراق، ولا مجال للتردد أو تأجيل المبادرة باتجاه العراق حتى لا نخسر هذا البلد والشعب الشقيق.

إنني أرى أن هناك تحسنا طرأ مؤخراً لا سيما في الشق الأمني والمشاركة السياسية. وعلينا كدول عربية أن نستغل الفرصة اليوم لدعم العراق وإعادته إلى محيطه العربي، خاصة مع تشديد الحكومة العراقية وملاحقتها المليشيات والجماعات الخارجة على القانون والمرتبطة بالخارج. والتي استهدفت تقويض أمن واستقرار العراق.

إن مسؤولية بناء علاقات قوية بين الدول العربية والعراق هي مسؤولية مشتركة تتحملها الدول العربية والعراق، فغياب الدور العربي وعدم الحضور الفاعل للعرب في العراق يستفيد منه جهات أخرى.

وقد أصبح العراقيون، من أكراد وسنة وشيعة، أكثر إدراكا لأوضاعهم ومستقبلهم المشترك من قبل. كما أنهم يدركون كذلك ضرورة مد يد التعاون مع بعضهم البعض، وهذا يصب في الدرجة الأولى في مصلحتهم جميعا. إنني أرى أن هناك تفاؤلا في الموضوع العراقي، كما أن نجاح العرب في التعامل بايجابية مع العراق سيعزز من هذا التفاؤل.

السفير: لماذا كان رد الفعل الأردني أقل بكثير من الرد المصري والسعودي على ما حدث في لبنان؟

جلالة الملك: في الأردن نحن نعمل دائما، ولا ندعي الفضل لأنفسنا. لقد تحدث رئيس الوزراء فؤاد السنيورة معي خلال أحداث لبنان الأخيرة وطلب مني التدخل والمساعدة في تشكيل اللجنة العربية لحل الأزمة، وبذل الأردن جهودا لكي تكون هذه اللجنة مشكلة من دول عربية مؤثرة، وتمكنا بالفعل من إقناع دول عربية أخرى للانضمام لهذه اللجنة التي كان لها دور مهم ورئيسي في التوصل إلى صيغة الحل التي تم التوافق عليها. وكانت المشاركة الأردنية في هذه اللجنة بمستوى وزير خارجية حرصاً على دور وحضور أردني فاعل.

في الموضوع اللبناني، الأردن معني بشكل دائم بالحفاظ على استقرار وسيادة لبنان، وعلى سبيل المثال كنا أول من أصر على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من مزارع شبعا، وفي مختلف لقاءاتنا مع الأطراف الأمريكية والإسرائيلية والدولية بشكل عام كنا نضع هذا الموضوع على رأس أولوياتنا، وعملنا بشكل متواصل مع إخواننا في لبنان والعالم العربي من اجل تحقيق هذا الهدف بالسرعة الممكنة.

السفير: جلالة الملك لمست من خلال متابعاتي أن الأردنيين قلقون إزاء المستقبل خاصة إذا لم يكن نتيجة العملية السلمية قيام دولة فلسطينية؟

جلالة الملك: لقد تعودنا على مثل هذه التسريبات الإعلامية والتحليلات السياسية ولا نخشى على مستقبل الأردن، ونحن متفائلون بأن الأردن الذي جابه تحديات عديدة سيمضي لتحقيق مستقبل أفضل، فهذا البلد وجد ليبقى، والأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين.

لقد تعايشنا مع الصراع العربي الإسرائيلي على مدى نصف قرن، ودافعنا عن حقوق الأردنيين والفلسطينيين وسنبقى راسخين في مكاننا، مؤمنين بعدالة قضيتنا، وبحق الشعب الفلسطيني في دولة وهوية فلسطينية مستقلة على أرض فلسطين. والفلسطينيون لن يقبلوا بديلاً لوطنهم فلسطين.

وعلى إسرائيل أن تعي هذه الحقيقة وتسلم بالوجود الفلسطيني وبحتمية التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

السفير: شكرا جلالة الملك على هذا الحديث.

جلالة الملك: شكرا لك.