مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الدستور
سؤال 1: جلالة الملك، الأردن مقبل على انتخابات نيابية على أساس قانون جديد، ما هي رؤية جلالتكم لهذه الانتخابات، وكيف ستسهم في تعزيز مسيرة الأردن الإصلاحية؟
جلالة الملك: هذا القانون ينهض بالعملية الانتخابية، ويوفر الفرصة لتعزيز مسيرة الإصلاح، وتطوير الحياة البرلمانية والتشريعية، وتعزيز الديمقراطية، فقد اعتمد هذا القانون نظام القائمة النسبية المفتوحة ووسع الدائرة الانتخابية، ما يفتح المجال أمام مشاركة أطياف أوسع في العملية الانتخابية، ويتيح للأحزاب والقوى والتكتلات السياسية الترشح ضمن قوائم موحدة، والتي يتوقع منها تأسيس ائتلافات برامجية وتحالفات متعددة الاتجاهات داخل البرلمان تسهم في تعزيز مسيرة الأردن الإصلاحية.
كما أن ما يميز الانتخابات النيابية لهذا العام هو أنها تشهد أكبر عدد ممن يحق لهم الانتخاب في تاريخ المملكة، وذلك في ظل زيادة عدد الشباب من الفئة العمرية التي يحق لها الاقتراع. فعدد المؤهلين للتصويت اليوم يزيد عن 3 ملايين ناخب، يقيمون على أرض الوطن، في حين زاد العدد عام 2013 عن مليوني ناخب مسجل. ولا شك بأن هذا العدد الكبير من الناخبين يشكل فرصة غاية في الأهمية لإحداث التغيير الإيجابي، وتحقيق الإصلاح المنشود، والتقدم نحو الأمام.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من المواطن نفسه لحظة اتخاذه قرار المشاركة في الانتخابات النيابية، واختيار المرشح الكفؤ ليمثله في البرلمان. فلا يمكننا انتقاد مستوى الحياة السياسية والعزوف عن المشاركة، ومن ثم لوم المجلس النيابي على أدائه، فالمسؤولية تقع على الناخب الذي يجب أن يكون حريصا على اختيار المرشح الأكفأ والقادر على إيصال صوته، بحيث يشعر الناخب أنه ممثل بشكل يضمن مصالحه وحقوقه وكل ما يؤثر في حياته ومستقبله. فالتغيير لن يتحقق إلا عبر صناديق الاقتراع، ومن يريد الإصلاح عليه أن يعمل من أجل تحقيقه. ومن الطبيعي أن نواجه تحديات، لكننا نتقدم للأمام بعقد العزيمة على تجاوزها.
الفرصة مواتية اليوم للجميع لخوض ميدان العمل العام والسعي لنيل ثقة الشعب. كما أن مشاركة أبنائنا وبناتنا من جميع الأطياف السياسية في الانتخابات القادمة سيسهم في نجاح مسيرتنا وتعزيز ثقة الشعب بالبرلمان.
سؤال 2: وماذا يمكن أن نراه، جلالتكم، خلال الفترة القادمة ضمن خارطة الإصلاح؟
جلالة الملك: سيعقب هذه الانتخابات التشريعية انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات، التي ستجرى العام القادم وفق قانوني البلديات واللامركزية الجديدين.
إن قانون اللامركزية يمثل حلقة مهمة في مسيرة الأردن الإصلاحية، حيث يمنح الإدارات المحلية صلاحيات أكبر، ويتيح لها فرصة تحديد أولوياتها التنموية، وبما ينعكس إيجابا على المواطنين، والحكومة تعكف حاليا على إنجاز جميع الأنظمة والتعليمات الخاصة بقانوني اللامركزية والبلديات، كما ستقوم باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتجهيز البنى التحتية والجوانب الفنية المختلفة لضمان نجاح مشروع اللامركزية وتحقيق الأهداف المأمولة منه.
نحن نسير على الطريق الصحيح، ولا بد لنا من الاستمرار في البناء على أسس قوية، وأن نتقدم بثبات، دون تردد أو خوف.
سؤال 3: جلالة الملك، يمضي الأردن بجهوده الإصلاحية رغم الظروف الإقليمية الصعبة. وأكدتم أنكم ستضربون بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه محاولة الاعتداء على الوطن وحدوده. كيف نحمي بلدنا من مثل هذه المحاولات الإجرامية الجبانة؟
جلالة الملك: العالم كله اليوم مستهدف ويواجه عمليات إرهابية شتى يذهب ضحيتها الأبرياء، وقد شاهدنا أفعال الإرهاب التي تتنافى مع مبادئ إسلامنا الحنيف، وكيف تستبيح عصابات الغدر والإجرام كل الحرمات والمحرمات، حتى وصل بها الأمر إلى استهداف المسجد النبوي الشريف، وفي شهر رمضان المبارك. والإسلام من كل هذا براء. إن التهديد الأمني ليس بجديد، إذ تسعى العصابات الإرهابية منذ زمن لاستهداف الأردن، لكن قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ووعي شعبنا لها بالمرصاد. الأعمال الإرهابية لن تثنينا عن مواصلة حربنا على الإرهاب وخوارج العصر.
رحم الله شهداء الواجب، فلولا تضحيات قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية لما حظي الأردن بالاستقرار وسط منطقة تموج بالمخاطر. ولابد من التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية ووعي أبناء وطننا العزيز في مجابهة مثل هذه المخاطر. وهنا يقع على عاتق أجهزة الدولة جميعها، خاصة المنابر الإعلامية والدينية والمؤسسات التعليمية، مسؤولية كبيرة للقيام بدورها التوعوي ونبذ التطرف والكراهية والمغالاة البعيدة كل البعد عن الإسلام، دين الوسطية، فهي خط دفاع رئيسي عن ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة، ولابد لها من الاضطلاع دوما بدورها بكفاءة ومسؤولية، وبالتأكيد وجوب تكثيف الجهود الدولية والإقليمية للتعامل مع خطر الإرهاب، وفق استراتيجية شمولية ذات أبعاد عسكرية وأمنية وفكرية واقتصادية.
سؤال 4: جلالة الملك، برزت أخيرا بعض حالات التطاول على القانون وخطاب لا يمثل مبادئنا الأردنية الأصيلة، كيف يمكن التصدي لها؟
جلالة الملك: يشكل الأردن نموذجا يقوم على التسامح والتآخي والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين جميع مكونات الأسرة الأردنية الواحدة، مسلمين ومسيحيين.
لقد بُني هذا البلد على أساس التعاضد بين مكوناته كافة، وصمد في وجه أصعب الظروف ليصبح قويا بأسرته الواحدة. فلن نقبل أو نسمح للأفكار الدخيلة المتطرفة التي يحاول البعض ترويجها وتتنافى مع عقيدتنا ومبادئنا أن يكون لها مكانا في مجتمعنا. ولن نسكت عن أي شخص يحاول أن يزرع الفتنة بيننا أو يسيء إلى عقيدتنا ومختلف الأديان، فهو عدو كل أردني وعدو هذا الوطن ومبادئه التي بني عليها.
إن تحقيق العدالة على الجميع وضمان سيادة القانون هي ركيزة أساسية للدولة الأردنية، وجميع أجهزة الدولة ومؤسساتها ملتزمة بتطبيق القانون لحماية حقوق المواطنين، ولن نسمح لأي كان المساس بهذه الثوابت أو التطاول عليها. وأي محاولة للاستقواء على القانون سيتم التعامل معها بكل حزم.
سؤال 5: جلالة الملك، الأردن يتحمل أعباء كبيرة جراء استضافته للاجئين السوريين، رغم محدودية موارده وإمكاناته، في ظل تقاعس دولي. فإلى متى سيظل الأردن يتحمل هذه الأعباء المتزايدة؟
جلالة الملك: ما قدمه ويقدمه الأردن للاجئين، سواء أشقاءنا السوريين أو غيرهم، عجزت عنه دول كبرى، ولا يستطيع أحد المزاودة على الدور الإنساني النبيل الذي يقوم به بلدنا بهذا الخصوص، وأيضا ما تحمله أبناء وبنات شعبي، الذين ضربوا للعالم بأسره أروع الأمثلة، وهم يتقاسمون لقمة العيش مع أشقائهم السوريين. والكل يعرف أن الأردن يتحمل مسؤولية غاية في الأهمية على مستوى الإقليم، نيابة عن العالم أجمع. ولكننا نعيد التأكيد على أننا وبالفعل قد وصلنا إلى حدودنا القصوى في التحمل. الأردن يقوم، رغم واقعه الصعب والتحديات الجسام التي يواجهها، بما في وسعه لمساعدة اللاجئين، لكن ذلك لن يكون، بأي حال من الأحوال، على حساب لقمة عيش بنات وأبناء شعبنا الأردني وأمنهم.
سؤال 6: لكن في ظل هذا الالتزام الأردني، هل باعتقاد جلالتكم أن حجم الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي كاف؟
جلالة الملك: نحن نقدر بالفعل ما قدمته بعض الدول الشقيقة والصديقة للأردن من دعم هام، لكن التداعيات الناجمة عن اللجوء السوري تتفاقم والتحديات تتزايد. نريد من المجتمع الدولي أن يكون على الأقل شريكا كاملا في تحمل المسؤولية فهذه أزمة ومسؤولية دولية، وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه المطلوب.
إن ما وصلنا من المجتمع الدولي، طوال السنوات الماضية من استضافة المملكة للاجئين، لم يتجاوز وللأسف، 35% من كلفة استضافتهم، والعجز الناجم عن ذلك تتحمله المملكة. وهذه الكلفة تستنزف أكثر من ربع الموازنة، الأمر الذي زاد من المديونية، وانعكس سلبا على قدرتنا على المضي قدما في تنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية والتنموية وتوفير فرص العمل، وتحسين واقع الخدمات المقدمة للمواطنين.
قدمنا في مؤتمر المانحين لدعم سوريا والمنطقة، الذي عقد في لندن قبل بضعة أشهر، اقتراحا يمثل نهجا جديدا يرتكز على الاستثمار وتحفيز النمو، وليس الاتكاء فقط على المساعدات الإنسانية والإغاثة، نهج يجمعنا كشركاء، دولا وأقاليم وقطاعا خاصا ومؤسسات مالية دولية وجهات مانحة لبناء نموذج مستدام لمواجهة أعباء اللجوء السوري.
سؤال 7: ما هي أبرز مخرجات مؤتمر لندن وكيف ستساهم عمليا في مساعدة الأردن؟
جلالة الملك: من أهم النتائج التي سيستفيد منها الأردن تبسيط قواعد المنشأ لمدة عشر سنوات من قبل الاتحاد الأوروبي، والتي بدأ العمل بها اعتبارا من شهر تموز الماضي، حيث ستستفيد من فرصة تصدير المنتجات إلى الأسواق الأوروبية، بشروط ميسرة، 18 منطقة تنموية وصناعية في مختلف أنحاء المملكة.
وأؤكد أن ما يهمنا هو توفير فرص عمل لأبناء المحافظات، خصوصا المناطق المستضيفة للاجئين، حيث تم تخصيص نسبة 75 بالمائة من الوظائف في هذه المنشآت الصناعية للأردنيين.
فالمطلوب الآن العمل على تسويق هذا الاتفاق بشكل فعال لاستقطاب الاستثمارات وتوسيع القائم منها، وعلى القطاع الخاص المحلي، الذي يعاني من إغلاق بعض أسواق التصدير في ظل الظروف المحيطة، أن يبادر إلى استغلال هذه الفرصة لتسويق منتجاته في إحدى أكبر الأسواق العالمية.
سؤال 8: جلالة الملك، ماذا بشأن اعتبار المناطق الشمالية والشمالية الشرقية مناطق عسكرية مغلقة؟
جلالة الملك: جاء قرار اعتبار المناطق الشمالية والشمالية الشرقية مناطق عسكرية مغلقة بعد تحذيرات أردنية متعددة من وجود عناصر متطرفة ضمن تجمعات اللاجئين التي تقترب من هذه الحدود. ونحن لن نسمح، بأي حال من الأحوال، بتشكيل مواقع لعصابة داعش الإرهابية أو بؤر للتهريب أو الخارجين عن القانون قرب حدودنا.
وبالنسبة للعالقين على الحدود، فلقد جاءوا من مناطق تنتشر وتسيطر عليها عصابة داعش الإرهابية، ونحن على أتم الاستعداد لتسهيل عبور هؤلاء العالقين لأي دولة تبدي استعدادها لاستضافتهم. ولن نسمح لأحد بالمزاودة علينا أو ممارسة الضغوط. فأمننا الوطني في مقدمة الأولويات وفوق كل الاعتبارات. ونحن ملتزمون بالتعاون مع المجتمع الدولي لإيجاد حلول مناسبة، والتي لن تكون بأي حال من الأحوال على حسابنا.
سؤال 9: جلالة الملك، كيف ترون الوضع الاقتصادي في ظل الأوضاع الإقليمية الصعبة؟
جلالة الملك: التحدي الاقتصادي ليس بالأمر الجديد علينا في الأردن، لكنني على قناعة تامة بأن الأردنيين، كما هو شأنهم دائما، قادرون على تحويل التحديات إلى فرص. ولا يكاد يمر يوم دون أن يكون هذا الملف على رأس أولوياتي لأنني على اطلاع كامل ودقيق، من خلال تواصلي المستمر مع أبناء وبنات شعبي، على ما يواجهونه من صعوبات، ويحملونه من هموم، نتيجة الواقع الاقتصادي الصعب.
لقد فرضت علينا الأوضاع الإقليمية والدولية واقعا اقتصاديا صعبا وتحديات كبيرة، لكن هذا الواقع لم يكن يوما مصدرا للإحباط والتقاعس. لدينا قناعة راسخة بأننا إذا أردنا الأفضل فعلينا الاعتماد على أنفسنا، ولن نصل إلى أهدافنا، إلا إذا تعاونا جميعا وأخلصنا وتفانينا في عملنا تجاه وطننا ومواطنينا.
سؤال 10: ما هي الإجراءات العملية المطلوبة برأيكم لتجاوز هذا الوضع؟
جلالة الملك: إن إدارة الاقتصاد الأردني تتطلب جهدا استثنائيا وسرعة ومرونة في العمل على عدة أصعدة، حتى نتمكن من استعادة معدلات النمو والنهوض بالاقتصاد، ما يتطلب تنفيذ محاور رؤية الأردن 2025، وتوفير البيئة المطلوبة لتحقيق أفضل مستويات الشراكة والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى ما طُلب من الحكومة في كتاب التكليف. هذا أمر ليس بالسهل مع كل المتغيرات والتحديات الإقليمية التي نشهدها، والتي لها انعكاسات ملموسة على اقتصادنا. ولذلك، لا بد من تضافر جهود كافة المؤسسات والقطاع الخاص للوصول إلى أهدافنا.
كما لابد من الإشارة هنا إلى أن الهدف من تأسيس مجلس السياسات الاقتصادية يتمثل في إسناد الحكومة وتقديم الدعم لها لتبني السياسات الاقتصادية المناسبة بالتشارك مع القطاع الخاص، حتى نتمكن من تخفيض معدلات البطالة، ورفع معدلات النمو، وتعزيز بيئة الاستثمار. لدينا مشاريع كبيرة وطموحة في مجالات متعددة مثل مشاريع الطاقة والبنى التحتية والمياه وغيرها، ونحن ندرك أن الحكومة لن تستطيع تنفيذها بمفردها، لذلك، كان من الضروري إقرار قانون صندوق الاستثمار الأردني، حتى يتمكن القطاع الخاص من المشاركة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات العربية المشتركة، خاصة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة.
سؤال 11: جلالة الملك، كيف ستنعكس هذه الإجراءات على المواطنين، وتحديدا الشباب؟
جلالة الملك: السياسة الاقتصادية في الفترة المقبلة ستركز على جذب الاستثمارات، التي ستوفر فرص العمل خاصة للشباب، وهم شريحة هامة من مجتمعنا، لتمكينهم من شق طريقهم وصناعة مستقبلهم. وهنا أود أن أشير إلى أن ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الشباب وتدني معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة هي من أكبر التحديات.
تتعزز قناعاتي وإيماني بأن مستقبل الأردن بخير كلما التقيت بشبابنا المبدع والطموح والمثابر. ولقد وجهت الحكومة لتشكيل "اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية"، من أجل إعداد استراتيجية وطنية للنهوض بالقطاع التعليمي والتدريب المهني والتقني، وهو ما نعول عليه كثيرا في تطوير جودة ومخرجات التعليم، بما يؤهل شبابنا للالتحاق بسوق العمل ومواجهة التحديات، وعلى الحكومة العمل بشكل وثيق مع اللجنة لتنفيذ ما يتفق عليه من توصيات، والتي ستقدمها اللجنة خلال الأسابيع القادمة، إلى جانب تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتشغيل.
سؤال 12: أكدتم جلالتكم، خلال السنوات الماضية، أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة في سوريا. هل ما زال الحل السياسي ممكنا؟
جلالة الملك: إن ما نشاهده في سوريا من عنف وتدمير يدفع ثمنه الإنسان السوري. ويهدد استمرار هذه الأزمة استقرار المنطقة ووحدة سوريا.
الحل الوحيد هو حل سياسي شامل، تتمثل فيه جميع مكونات الشعب السوري وتتوافق عليه جميع الأطراف، ينهي المعاناة، ويحافظ على وحدة الأراضي السورية، ويطلق إصلاحات واسعة تضمن التعددية والديمقراطية والمصالحة وعودة اللاجئين إلى بلدهم.
نأمل أن يساعد التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في وقف الأعمال العدائية في سوريا، واستئناف المحادثات في جنيف، للوصول إلى الحل السياسي الشامل، وفي غياب هذا الحل، سيتأجج الصراع الطائفي على مستوى الإقليم، وستبقى العصابات المتطرفة والإجرامية تهدد الأمن والاستقرار العالميين.
سؤال 13: تراجعت القضية الفلسطينية على سلم الأولويات الدولية نتيجة الظروف العاصفة في المنطقة، فهل تعتقد جلالتكم أن تحقيق حل الدولتين، الذي طالما ناديتم به، مازال متاحا؟
جلالة الملك: الأردن هو السند الحقيقي للشعب الفلسطيني الشقيق، فالقضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، وهي مصلحة وطنية عليا.
إن عدم التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، والسماح للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالابتعاد أكثر فأكثر عن حل الدولتين يغذي العنف والتطرف في الإقليم.
سؤال 14: جلالة الملك، الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة على القدس ومقدساتها، والأردن بقيادتكم يواصل جهوده في الدفاع عن المدينة المقدسة. ما هي الخيارات الممكنة للتعامل مع هذه الانتهاكات؟
جلالة الملك: نتعامل وبشكل متواصل مع هذه الانتهاكات والاعتداءات المتكررة التي تقوم بها إسرائيل والجماعات المتطرفة، والمحاولات السافرة لتغيير الوضع القائم في مدينة القدس ولمعالمها وتراثها وهويتها التاريخية، ومن انتهاكات لحقوق السكان العرب والتضييق عليهم وتهجيرهم، ومن مساس بهوية المقدسات الإسلامية والمسيحية.
سنستمر بالقيام بمسؤولياتنا الدينية والتاريخية تجاه كامل المسجد الأقصى/الحرم الشريف، الذي يتعرض لمحاولات اقتحام متكررة من قبل المتطرفين، وسنواصل ومن موقعنا كصاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس حماية هذه المقدسات، والتصدي لأي محاولة انتهاك لقدسيتها أو المساس بها، والوقوف بوجه أية اعتداءات أو محاولات للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى/ الحرم الشريف.
إن مسؤوليتنا تجاه المقدسات الإسلامية في القدس الشريف على رأس أولوياتنا على الساحة الدولية، ونستخدم كل إمكانياتنا في الدفاع عن المسجد الأقصى/ كامل الحرم القدسي الشريف لا يقبل الشراكة ولا التقسيم، وقد دافعنا بنجاح لاعتماد هذا التعريف مرارا أمام الأمم المتحدة وفي اليونسكو، ونحتفظ بكافة الخيارات السياسية والقانونية للتصدي للانتهاكات وحماية المقدسات.
سؤال 15: جلالة الملك، العراق الشقيق مستمر في جهوده لتطهير أراضيه من عصابة داعش، وهناك بعض النتائج الإيجابية على أرض الواقع. كيف تقيمون المشهد؟
جلالة الملك: ندعم الجهود التي تقوم بها الحكومة العراقية والشعب العراقي لمكافحة الإرهاب والقضاء على عصاباته الإجرامية. ولضمان استمرار نجاح هذه الجهود، فلا بد من تعزيز مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي الشقيق في العملية السياسية، وسائر المؤسسات الوطنية وعدم تهميش أو إقصاء أي منها.
إن التطورات الأخيرة أظهرت مدى ضعف البيئة الحاضنة لعصابة داعش، التي تحتمي بالمواطنين الأبرياء العزّل وتحتجزهم لتحتمي بهم، ونأمل أن يكون الجهد السياسي مواكبا للجهد العسكري.
سؤال 16: هل تعتقدون أن الوضع ميدانيا بالنسبة للحرب على الإرهاب يقترب فعلا من مرحلة ما بعد داعش؟
جلالة الملك: منذ اليوم الأول لظهور عصابة داعش وأشكالها من العصابات الإرهابية، شددنا على أن جهود مواجهتها ستكون حربا أمنية وفكرية. هذه الحرب طويلة الأمد وميادينها تتطلب استمرار التعاون والتنسيق، في إطار استراتيجية شمولية، للقضاء على هذه العصابات والوقاية من عودة ظهورها مستقبلا.
إن الحرب على الخوارج هي حربنا كعرب ومسلمين بالدرجة الأولى، فهم يسعون لتشويه ديننا الحنيف، وزرع الكراهية والفتن في مجتمعاتنا.
هناك تقدم ميداني ملموس في تطويق داعش وهذه الجهود العسكرية مستمرة، ويجب أن يوازيها مسار سياسي تنموي في المناطق التي عانت من فظائع داعش، ولابد في جميع الأحوال من منظومة فكرية سياسية اجتماعية متكاملة تحمي وتحصّن مجتمعاتنا كافة من الغلو والتطرف، ولعلّ ذلك هو التحدي الأكبر في زمننا.
الدستور: شكرا جلالة الملك.
جلالة الملك: شكرا لك.