مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة سي. بي. اس. وقناة بي. بي. اس. ووكالة بلومبيرج للأنباء

٨ آب ٢٠١٢

تشارلي روز: جلالة الملك، شكرا لكم على هذا الوقت. إنها لحظة مهمة في المنطقة، وبالنسبة للأردن، ولنبدأ مع الموقف في سوريا، إلى أين تتجه الأمور برأيكم؟

جلالة الملك: لا أحد يعلم تحديدا. وكجزء من المجتمع الدولي، فإن أفضل ما نتطلع إليه هو الحل السياسي، ولو نظرنا إلى الوراء عدة أشهر، فقد كنا مع إشراك روسيا لأننا شعرنا أن ذلك كان أفضل خيار مطروح على الطاولة، وكان السؤال: ما شعور روسيا بالنسبة للنظام وسياسة تسمح بانتقال سلمي؟ ولا يزال ذلك هو الخيار الأفضل على الطاولة. لكن المشكلة الوحيدة أننا شهدنا على مدى الشهرين الماضيين نزعة نحو العنف الطائفي وبداية حرب أهلية محتملة وذلك عندما بدأت شرائح مختلفة من المجتمع السوري تهاجم بعضها البعض. وعليه، فإننا نقوم بما يتوجب علينا على المستوى السياسي، لكن الواقع على الأرض قد تجاوز بالفعل التعقيدات السياسية التي رسمناها لأنفسنا، وعليه فالوضع الراهن مربك جدا.

تشارلي روز: قرأت أن هناك عددا من المتطرفين يدخلون سوريا، من تنظيم القاعدة وغيره كجزء من الجيش السوري الحر.

جلالة الملك: لقد كنا قلقين بشأن ذلك من البداية لأنه كلما كان لديك أزمة في أي مكان في العالم، يكون المتطرفون موجودين لاستغلال الوضع. لقد كنا منذ بداية الأزمة نرصد عمليات دخول تنظيم القاعدة إلى سورية. نحن نعلم أنهم موجودون هناك، ولكن من الواضح أنه بسبب الفوضى، فإن كل ما نعرفه هو وجودهم هناك لذا علينا إبقاء العيون مفتوحة للتعامل مع هذا التحدي.

تشارلي روز: هل تعتقد أنه لا يزال هناك أمل أمام خيار الانتقال السياسي؟

جلالة الملك: علينا أن نأمل ذلك، وواجبنا هو مواصلة الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي. لكن لا يمكننا أن نكون ساذجين في الوقت نفسه. وكما قلت، لقد كنت قلقا على مدى الشهرين الماضيين من أن نزعة الصراع قد تغيرت داخليا على أرض الواقع، وهي كذلك.

تشارلي روز: هل أدركت تغيرا في النزعة؟

جلالة الملك: طبيعة تركيبة قطاعات المجتمع وعناصره المختلفة في سوريا إشكالية، فسوريا تختلف عن العراق ودول أخرى في المنطقة بسبب وجود فسيفساء في تركيبة المجتمع. هناك عناصر عديدة ومختلفة منهم العلويون كما تعلم وهناك السنة والمسيحيون والدروز والأكراد والآشوريون، وبالنظر إلى هذه الفسيفساء، فإنك لو وضعت جميع الأقليات معا، فإنهم سيشكلون الغالبية العظمى من السكان في سوريا. وعندما تعم حالة من الفوضى، نصل إلى مرحلة قد تتضارب مصالح تلك الجماعات بعضها البعض أحيانا، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة لنا مواصلة التركيز على الصورة الأكبر، وقد رأينا هذا المستوى من التدهور على أرض الواقع، مما ولد عندنا المخاوف. وعندما نصل إلى هذه النقطة، تغيب عن ناظرنا القضية المنطقية المتمثلة في محاولة إيجاد حل سياسي. ما زلت أعتقد أن هناك أمل، ولكن ما يقلقني هو أننا كلما طال بنا الزمن ونحن نسعى إلى حل سياسي، تتزايد الفوضى ويمكن أن ندفع بسوريا إلى الهاوية. لذلك فإن وجهة نظري هي: دعونا نتحرك بأكبر سرعة ممكنة. عقد المؤتمر بعد المؤتمر أمر جيد، والمنتديات الدولية التي يشارك فيها الروس والصينيون لا بأس بها، ولكن لا وقت كاف للقيام بكل ذلك. ربما يحاول السياسيون جمع الناس معا في مؤتمرات دولية، ولكن هناك واقعا على الأرض قد يتجاوزنا، إن لم يكن قد تجاوزنا بالفعل الآن.

تشارلي روز: وما هو تعريف الهاوية؟

جلالة الملك: الهاوية هي حرب أهلية شاملة مطلقة لا مخرج منها إلا بعد سنين. لذلك أنا أقول فقط إنني أشعر بالقلق إزاء الصعوبات الداخلية، ومرة أخرى أكرر، نحن نبحث عن انتقال سلمي للسلطة في سوريا، من المهم جدا أن نقنع المعارضة أن تمد يدها إلى العلويين، بحيث يشعرون بأن لهم مصلحة ومكانة في مستقبل سوريا وأنا لا أعرف إن كنا نقوم بما يجب في هذا السياق.

تشارلي روز: وهل يجب على الجيش السوري مد يده إليهم؟

جلالة الملك: هناك الجيش السوري الحر إلى جانب التنظيمات المختلفة، ولكن أعتقد أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل على الأرض فقط لضمان إشراك العلويين في النقاش حول المرحلة الانتقالية. لقد تحدثنا إلى الروس والصينيين حول هذه المسألة وهم متفهمون تماما لكنني لا أعتقد أننا في وضع يمكننا أن نطمئن فيه.

تشارلي روز: ما هي لعبة الإيرانيين وأين يلعبون؟

جلالة الملك: من الواضح أن فقدان سوريا بالنسبة للإيرانيين خارج نطاق تأثيرهم سيكون ضربة كبيرة لهم من الناحية الإستراتيجية، لذلك فمن وجهة نظرهم سوف يستمرون في دعم النظام لأطول وقت ممكن.

تشارلي روز: وتزويده بالأسلحة؟

جلالة الملك: نعم وتوريد الأسلحة، لأنه من الواضح أن بقاء النظام في مصلحتهم، ليس من أجل السوريين فقط بل أيضا لإيصال الدعم لحزب الله.

تشارلي روز: ماذا باعتقادك يجري في ذهن بشار الأسد؟

جلالة الملك: هذا سؤال جيد. لقد كان لي لقاء مع الرئيس بوتين هنا منذ شهرين، وكانت وجهة نظره أن الغرب يقول أن على الأسد الرحيل ومن بعدها نجد حلا سياسيا قابل للديمومة، أما وجهة نظر بوتين فكانت دعونا نجد حلا سياسيا يوفر له مخرجا. ولذلك كان السؤال: هل نعطي الرئيس السوري ما فيه الكفاية من الخيارات؟ ولكن في نفس الوقت أعتقد أن بشار متمسك بموقفه، ويعتقد أنه على حق، ولا يجد النظام أن أمامه خيار سوى مواصلة ما بدأه. وأعتقد أنني ذكرت هذا عدة مرات من قبل: لا أعتقد أن الأمر يتعلق فقط ببشار، فالمسألة ليست مسألة فرد، بل هو النظام وكيف يعمل. وإذا كان الأمر كذلك وكان على بشار التنحي تحت أي ظرف من الظروف، هل هناك من يحل محله وهل لديه القدرة على التواصل والانتقال بسوريا سياسيا ما دام النظام لا يسمح بذلك؟ أنا أعتقد أن البنية العلوية سوف تنهار حينها، وهذا هو السبب في وجوب التواصل مع العلويين وجعلهم يشعرون بأن لهم حصة كبيرة في مستقبل سوريا وهذا مهم جدا. لذلك لا بد من التواصل مع العلويين. وبالنسبة لبشار، إذا كنت أقرأ الطريقة التي يفكر فيها بالشكل الصحيح، فإنه مستعد للقيام بما يقوم به الآن إلى أجل غير مسمى.

تشارلي روز: كيف يمكن له أن يستمر لأجل غير مسمى. هذا هو السؤال. عليه أن ينظر إلى ما حدث لمبارك والقذافي وصالح.

جلالة الملك: الخيارات لا تبدو جيدة جدا. إذا كان هناك سياسة للخروج أين سيذهب؟ يوجد جدل في الخارج الآن، وأنت تعرف أن بعض الناس يقولون أيضا إنه قد وصل إلى مرحلة لن يسمح له فيها بالمغادرة بسبب الجرائم التي ترتكب ضد الدولة.

تشارلي روز: جرائم حرب.

جلالة الملك: جرائم حرب. هناك فكرة تقول إن أخف الشرور هو أن يوقف العنف المستمر، وبالنظر إلى عقليته، لدي شعور أنه إذا كان لا يستطيع أن يحكم سوريا الكبرى ربما يسعى إلى حكم جيب علوي. هذا شيء لا بد من أخذه بعين الاعتبار.

تشارلي روز: إذن هذا خيار بالنسبة له، كما تعتقد، أن يكون جزء من الطائفة العلوية؟

جلالة الملك: وهذا سيكون بالنسبة لنا، كما أعتقد، السيناريو الأسوأ لأن ذلك يعني تفكك سوريا، وهذا يعني أن يبدأ الجميع بوضع اليد على الأراضي، ولا منطق في ذلك بالنسبة لي لأن سوريا حينئذ سوف تنغلق على نفسها. ومن شأن ذلك أيضا أن يخلق المشاكل التي سنحتاج إلى عقود للخروج منها. وسيكون ذلك مصدر القلق الرئيسي بالنسبة لي. وقد حدث في إحدى الحروب لا أعلم بالضبط، وأعتقد أنها حرب 1973 حين عادت [القيادة السورية] واتخذت من إحدى المناطق العلوية مقرا لها في جنوب تلك القاعدة العلوية. لقد حدث هذا من قبل.

وهذا هو السبب في قناعتي أننا بحاجة إلى التحرك بشكل أسرع لأن الآخرين ربما يحددون وتيرة تسارع الأمور في سوريا وهذا يقلقني. إذا كانت هناك خطة أخرى باء أو جيم، يجب أن نكون على بينة من ذلك، وأعتقد أن هذا هو السبب في الحاجة إلى حشد جهودنا للتأكد من أن التحول في سوريا يسير بالطريقة الصحيحة.

تشارلي روز: قال أنه لن يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، لكنه يقتل شعبه على أية حال، والناس يقتلون جماعات في حلب ونحن نتكلم. ما هو ظنك، هل سيستخدم الأسلحة الكيميائية؟

جلالة الملك: أرجو من الله ألا يفعل، لأنني أعتقد أن ذلك سيكون كارثة لكثير من الدول في المجتمع الدولي. كان خطأ القذافي أنه استخدم قواته الجوية ضد شعبه. والآن نحن نشهد استخدام الأسد لطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية ضد شعبه، وقد نجح إلى حد ما في تحقيق أهدافه من استخدامها. أما الأسلحة الكيماوية فهي شيء يخيف الجميع وما يخيف معظمنا هو احتمالية وقوع الأسلحة الكيماوية في الأيدي الخطأ، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأبرياء.

وعليه فإن هناك مستويات عديدة من الاهتمام بالوضع في سوريا. نحن نعمل على الصعيد السياسي لإيجاد حل، وإذا ما استخدم الأسلحة الكيماوية، فهل هذا هو المطلوب لكي ينتفض الناس فجأة ويجعلوا المجتمع الدولي يتخذ موقفا. أعتقد أنه يدرك ذلك، وآمل أن يفهم أن هذا سيكون سوء تقدير كبير. والأمر الأكثر تعقيدا من ذلك، ماذا سيحدث إذا وقعت بعض مستودعات التخزين في الأيدي الخطأ؟ أعتقد أنني قلت قبل عدة أسابيع أنه يجب تأمين مواقع الأسلحة من قبل المجتمع الدولي.

تشارلي روز: هل تظن أن هذا قد يكون سببا للتدخل من قبل قوى خارجية؟

جلالة الملك: آمل أنك لا تنظر إليها كسبب للتدخل. أعتقد أن لدينا أزمة يجب أن نستجيب لها، والمشكلة أنني قلق من أن الناس قد ينظرون إليها باعتبارها حجة للتدخل. بمعنى آخر، أرجو ألا يكون هناك من يخطط لدفع البعض للتأكد من أن لا تقع مواقع التخزين هذه في الأيدي الخطأ، لأنه في اللحظة التي تعبر فيها الحدود لن تسير أي خطة كما رسم لها. ونعود إلى سؤالك حول قوة النظام. أريد فقط أن أوضح أن الجميع قد يعتقد أن المعارضة تزداد قوة بالتأكيد، لكنك تعلم أن النظام كان دائما مرنا قادرا على امتصاص الصدمات، وأعتقد أن هناك مبالغة في الحديث عن قوة المعارضة. دعونا لا نقفز إلى الاستنتاجات، فهو لا يزال يملك الكثير من القوة وأنا أنظر للأمر بطريقة مختلفة، بحيث لو قيل كم بقي له في السلطة من وقت، أقول كم بقي له من وقت وهو يحكم سوريا، وأقصد حتى اللجوء للخطة البديلة، أي أنه قد يظل في السلطة في مناطق محددة في سوريا. هذه مسالة، والمسألة الأخرى، أعتقد أن على الناس أن ينظروا إلى المسألة المالية.  فباختلاف المصادر، يقدر أنه يملك ما بين 5-7 مليار دولار كاحتياطيات في البنك المركزي.

تشارلي روز: ومتى هو العد التنازلي لذلك، أي عندما يكون الضغط الاقتصادي شديدا لدرجة أن لا يبقى لديه خيار؟

جلالة الملك: هذا يعتمد على مصدر معلوماتك. ماليا، وإذا نظرت إلى أرقام البنك المركزي فالعد التنازلي يبدأ من الناحية الفنية نهاية العام، لكن ذلك يعتمد على مدى المساعدة المالية التي يتم الحصول عليها من الخارج.  وهكذا، من الناحية الفنية، إذا كان يمكنه الحصول على ما يكفي من المال من الدول الداعمة، فبإمكانه أن يصمد لفترة أطول من ذلك بكثير.

تشارلي روز: وهنا يكمن السؤال، هل هو من نوع الرجال الذين يفشلون فشلا ذريعا؟

جلالة الملك: لكن السؤال هنا هل هو الرجل الذي يشعر أنه المسؤول عن 2.5 مليون من العلويين؟

تشارلي روز: هل تعتقد أن هذا هو السبب الذي يقاتل لأجله على الرغم من أنه قام بارتكاب جرائم حرب، لأنه يعتقد أن عليه القيام بذلك باعتباره حامي العلويين الذين كان والده أيضا حاميهم؟

جلالة الملك: أعتقد أن هناك شيئا من ذلك يدور في ذهنه كما تعلم، أن يقول لنفسه إن والدي قد فعل ذلك مسبقا، فلماذا لا يمكن أن أفعلها أنا. وقد سمعت ذلك من أشخاص يعرفونه جيدا، ولكن أعتقد مرة أخرى أن المسالة تتعلق بالنظام. أعتقد أنه رهينة لهذا النظام من حوله، ومرة أخرى أقول، إن كان سيستبدل، هل سيكون من يأتي في مكانه مختلفا؟ وأعتقد أن هذا هو سوء الفهم لدى معظم الناس حول سوريا.

تشارلي روز: ما حجم مشكلة اللاجئين بالنسبة لكم؟

جلالة الملك: لغاية الآن عبر الحدود ما يقرب من 145 ألف لاجئ، وهناك طفرة كبيرة في حجم التدفق في الفترة الأخيرة حيث يتراوح معدل اللاجئين اليومي ما بين 300-1000، معظمهم يصلون في الليل. وهناك حوالي 30 ألف سوري يعالجون في مرافقنا الطبية ولدينا 25 ألف طفل تحت سن 5 سنوات أعطوا لقاحات، وهناك 8000 طالب على مقاعد الدراسة في مدارسنا لذلك يوجد ضغط علينا، ويبدو أن أعدادهم سوف تتزايد.

تشارلي روز: هل تنوون إبقاءهم في مخيمات اللاجئين أم خارجها؟

جلالة الملك: ما حدث هو أنهم عندما جاءوا في البداية، جاءوا كزوار لأنه لا يوجد لدينا قيود على منح التأشيرات للسوريين، ووجدوا أنفسهم في جميع أنحاء الأردن من الشمال إلى الجنوب. وعليك أن تتذكر أن حوالي نصف مليون سوري وسورية متزوجون من أردنيين والرقم في تركيا أقل بكثير. فالسبب الذي يدفعهم للقدوم إلى الأردن هو الثقافة واللغة حيث يشعرون بأمان أكبر كثيرا عندما يأتون هنا. لكننا وصلنا إلى المرحلة التي يمكن وصفها بأنها حالة طوارئ، ولم يعد بإمكاننا استقبال السوريين القادمين إلينا لأن ذلك يشكل حملا على الدولة هنا. ونتيجة لذلك بدأنا بإنشاء مخيمات للاجئين.

تشارلي روز: ما حجم تبادل إطلاق النار على الحدود؟

جلالة الملك: حسنا لقد كنت هناك مع الجنود منذ ليلتين وقالوا لي أن هناك إطلاق نار يحصل ليلة بعد ليلة، وبخاصة من طرف الجيش السوري الذي يطلق النار على اللاجئين الذين يعبرون الحدود.

تشارلي روز: تقومون بإطلاق النار من أجل حماية أولئك الفارين أساسا؟

جلالة الملك: عندما كان الجيش السوري يفتح النار على اللاجئين الذين يحاولون العبور نطلق النار على المواقع السورية لمنعهم من إطلاق النار على اللاجئين. ليس هناك أي اشتباكات بين الجيش السوري والجيش الأردني باستثناء ما حصل قبل أسبوع عندما فتح الجيش السوري النار على اللاجئين السوريين وقتل صبيا وأصاب آخرين فحصل تبادل لإطلاق النار لمنعهم من الاستمرار في قتل بقية اللاجئين السوريين.

تشارلي روز: هل أنت قلق من أن تخرج الأمور عن السيطرة؟

جلالة الملك: ليس من جانبنا، فهناك رقابة صارمة على إطلاق النار وكان هذا هو الوضع عندما التقيت بالجنود.

تشارلي روز: أفترض أنهم كانوا سعداء لرؤية ملكهم هناك يتفقد أحوالهم.

جلالة الملك: هؤلاء الشباب مدهشون. كانت الكتيبة التي زرتها قد سهلت مرور 13 ألف لاجئ مروا عبر موقعهم في الأسابيع الستة الماضية. وقد بلغ العدد الكلي 30 ألف لاجئ مروا من موقع تلك الكتيبة. وخلال فترة الشهر والنصف الماضية اقتسم الجنود الخبز والماء مع اللاجئين، وساعدوا، كما تعلم، في نقل النساء والرجال والأطفال المصابين.

تشارلي روز: ولكن ماذا سيحدث للاجئين؟

جلالة الملك: اللاجئون سوف يسكنون في مخيمات. لقد كان المجتمع الدولي رائعا، وقد اتصل بي ملك اسبانيا منذ عدة أيام وكذلك فعل ملك المغرب، إنهم يحاولون تقديم المساعدة. وقد وصلتنا للتو رسالة مفادها أن الفرنسيين سوف يقومون بإرسال مستشفى ميداني عسكري للمساعدة في بناء مخيمات اللاجئين، وبالتالي فإن المجتمع الدولي يستجيب بشكل كبير للوضع على الحدود الشمالية. وقد التقيت للتو وزير الخارجية الاسترالي الذي زار الحدود الشمالية بهدف تقديم المساعدة.

تشارلي روز: اسمح لي أن نعود إلى هذا السؤال الذي نسيت أن أطرحه فيما يتعلق بسوريا. أنت تقترح أن من شروط الانتقال السياسي تهدئة مخاوف العلويين، وأن روسيا ربما تستطيع أن تفعل ذلك حيث صوتهم مسموع أكثر حول هذه المسألة. ومن الواضح أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد فشل في ذلك. السؤال: إن كان التدخل مطلوبا، ما هو الخط الأحمر؟ ما المطلوب من القوى الخارجية كي تستطيع الذهاب إلى سوريا لوقف العنف؟

جلالة الملك: أعتقد لسوء الحظ أنه من غير المتوقع تكرار ما حصل في ليبيا، حيث استخدم [القذافي] سلاح الجو داخل أجواءه. لكن ما نتحدث عنه اليوم هو أسلحة كيماوية وهو ما لم نفكر به من قبل، وقد صدم المجتمع الدولي حتى أصبح الجميع يقول كفى.

تشارلي روز: ونحن لم نشهد ذلك حتى الآن؟

جلالة الملك: لم يحصل، ولكن سيكون الأمر كذلك عندما نصل إلى المرحلة التي ذكرتها للتو حول تزايد العنف الطائفي ، كما أخشى أن نصل إلى لحظة تصبح الأسلحة الكيماوية متاحة للجميع بالمجان.

تشارلي روز: إذا هذه نقطة التحول؟

جلالة الملك: لا أستطيع أن أحدد ذلك، ولكن الأمر يزداد سوءا حتى لم يعد هناك سيطرة على سوريا ولا أحد يعلم أين ستؤول الأمور. وأعتقد أن الجميع يحاول أن يستفيد ما أمكن من بعض الخطط السيئة حقا.

تشارلي روز: الكثير من الناس لديهم مصلحة في رؤية الأمور تتجه في هذا الطريق أو ذاك.

جلالة الملك: المشكلة الأخرى هي أن الأتراك موجودون في الشمال والعرب في الجنوب والشرق والإسرائيليون إلى الغرب. ونحن لم نكن يوما نتحدث لبعضنا بثقة كبير، والكثيرون لديهم أجندات.

تشارلي روز: الربيع العربي، رأينا ما حدث في مصر وتونس وليبيا، ونحن نراقب الآن سوريا ثم البحرين لديها مشاكلها. أين نحن؟ وما هي القضية التي تبرز مع الإسلام السياسي؟

جلالة الملك: أسمع هذا كثيرا في أمريكا: ماذا ينبغي أن تكون سياستنا تجاه الربيع العربي؟ أعتقد أن علينا التوقف عن استخدام هذا المصطلح، ويمكننا فقط أن نستخدمه مؤقتا لأنه المصطلح الدارج حاليا، لأن الربيع العربي مختلف في كل دولة لذلك لا يمكن أن تكون لك سياسة واحدة تجاه الربيع العربي. وأفضل وسيلة بالنسبة لي هي أن أصفه باللغة المفهومة في الغرب، وهي أن الربيع العربي سوف يمر في مراحل. ومهما حدث في بداياته فإننا سوف ننظر للخلف إلى هذه المرحلة المفصلية من حياة العرب بعد خمس أو عشر أو خمس عشرة سنة ونقول إن ما حصل كان أمرا جيدا ونقطة تحول تاريخية. ولكن كل بلد سوف يمر بمراحل مختلفة من الربيع العربي وحتى الشتاء العربي، وقد شهدنا ذلك في عدد من البلدان.

تشارلي روز: وما هو الشتاء العربي؟

جلالة الملك: يمكنك أن تنظر إلى الوضع في بعض الدول العربية التي لم تكن قادرة على أن تضع لنفسها مسارا واضحا وهي تسير في مدار دائري حتى تستقر أحوالها. بعض البلاد سوف تتحرك بسرعة وكل واحد من البلدان العربية يحاول أن يحدد كيانه. وعليك أن تتذكر أن الربيع العربي بدأ ليس بسبب السياسة بل بسبب الاقتصاد حين كان العالم كله يعاني بسبب الأزمة الاقتصادية، وأعتقد أن ذلك قاد لحسن الحظ إلى رغبات سياسية.

تشارلي روز: هل تقصد إنها لم تكن دينية، ولا ضد الغرب أو إسرائيل، فقط بدوافع اقتصادية؟

جلالة الملك: بالضبط، وتحولت بعد ذلك إلى رغبات سياسية في بعض المناطق، والتي استغلت من قبل الأحزاب السياسية الأكثر تنظيما.

تشارلي روز: هل هذا ما حدث في مصر، مع جماعة الإخوان المسلمين؟

جلالة الملك: ما حدث في مصر وفي تونس والمغرب، وفي دول أخرى أن الأحزاب السياسية التي كانت أكثر تنظيما كان لها اليد العليا في الانتخابات.
 
تشارلي روز: ماذا سيكون أثر الأحزاب السياسية الإسلامية، وجماعة الإخوان المسلمين والرئيس الجديد والبرلمان على الديمقراطية؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة للمرأة؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة للتنمية الاقتصادية؟

جلالة الملك: هذا سيكون تحديا مثيرا للاهتمام لأنه في الكثير من البلدان ما عدا المغرب والأردن، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعمل تحت الأرض. لم تكن جزءا من المجتمع ولم تكن جزءا من التركيبة السياسية.

تشارلي روز: لقد كان لديهم تنظيما جاهزا استغل اللحظة عندما حانت.

جلالة الملك: بالضبط، واللحظة الحاسمة الآن تشترط أن يكونوا عمليين. هل يستطيعون أن يكونوا عمليين؟ عليهم أن يبتعدوا عن الخطابة إلى معالجة التحديات التي تواجه الشعوب، والتي كما أشرنا سابقا تتمثل فعلا في الاقتصاد. لدينا 85 مليون شاب في هذا الجزء من العالم يبحثون عن فرص عمل، وفي مصر على وجه الخصوص، بسبب عدد سكانها الضخم الذي يمثل تحديا كبيرا.

تشارلي روز: وغالبية الناس هم دون سن الثامنة عشرة.

جلالة الملك: في بلدي هناك 70 بالمئة من السكان تحت سن الثلاثين، وهذا بالنسبة لبلد صغير مثل بلدي مكسب كبير سوف نستغله لتحقيق نمو الأردن وازدهاره، وأعتقد أنها ميزة تنافسية. ولكن التحدي يكون أصعب في البلدان الأكبر. فعندما أنظر إلى مصر على وجه الخصوص أرى أن من الواضح أن هناك تحديا بين الجيش والرئاسة، وبدأت أرى نوعا من النهج العملي لأن عليهم التوصل لآلية للمضي قدما، ومن ثم يثبتون من خلال النتائج نجاحهم من فشلهم. الناس سوف تبدأ سريعا بالمطالبة بتحسين معيشتهم؛ هل يمكن للحكومة الجديدة خلق فرص عمل ومكافحة الفقر والبطالة؟

تشارلي روز: إذن، أنت تقول نحن سوف ننتظر الآن لنرى ما إذا كانت الأحزاب الإسلامية قادرة على تنفيذ ما تقوله، وبالتالي ترسيخ شرعيتها السياسية؟

جلالة الملك: بالضبط، وأعتقد أن هذا هو التحدي عندما ننظر إلى سياسات الربيع العربي وقضية الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط. أنظر إلى المشكلة في مصر. كل بلد بدأ مسيرته ولكن كانت هناك تحديات كبرى. ما حدث في مصر هو أنهم قرروا الذهاب إلى الانتخابات أولا ثم وضع الدستور. وكانت هناك انتخابات ناجحة في تونس، وهناك البرلمان المكلف لمدة سنة واحدة لكتابة دستور، وقد يكون هناك تأخير في كتابة الدستور لذلك هناك صعوبات. أما ليبيا، فقد انتهت للتو من انتخابات ولديها نفس مهمة تونس وأعطيت أيضا فترة سنة واحدة قبل إجراء انتخابات جديدة. واليمن هو البلد الآخر الذي حصل فيه انتقال للسلطة. أما الملك محمد، عاهل المغرب، فقد حقق قصة نجاح في بلده. لذلك فإن كل دولة كان لها تحدياتها وأينما كان الإخوان المسلمون، هناك مستويات مختلفة من التحديات، ويسير الإصلاح على وتيرة مختلفة في كل بلد.

تشارلي روز: هل لديك مصطلح أفضل من الربيع العربي قد يصلح لوصف ما نشهده لأنه مهم جدا في تحولات الشرق الأوسط؟

جلالة الملك: ما حصل في اعتقادي هي تحولات ظللت كافة أنحاء العالم العربي. كانت هناك القومية العربية على مدى عقود عديدة، وأعتقد أن العالم العربي قد انتقل من القومية إلى القطرية.

والتحدي الكبير الماثل اليوم أمام الجميع، بما فيهم الأردن، هو أن كل بلد يسعى لتعريف نفسه، كما تعلمون، فالمصريون يتساءلون ماذا يعني أن تكون مصريا، وفي تونس، ماذا يعني أن تكون تونسيا وفي ليبيا ما معنى أن تكون ليبيا، ويريد المواطن الأردني اليوم أن يعرف ماذا يعني أن يكون أردنيا وفي سوريا، بعد أن تنجلي الأحداث، سوف يتساءل السوري ماذا يعني أن يكون سوريا. هذا هو التحدي الأكبر. كل بلد مشغول الآن بشؤونه الداخلية وهو ما لم يحدث من قبل، وأعتقد أن هذا هو التحدي الكبير، وهذا هو السبب في أنني أعتقد أننا سوف نتحول نوعا ما من الربيع العربي إلى الشتاء العربي ربما بضع مرات. وفي الأردن، أعتقد أننا نمر بتغيير تدريجي، حيث نجلس جميعا معا ونتحاور ونتحرك بوتيرة تمكننا من إشراك الجميع في العملية.

تشارلي روز: هناك أيضا صراع داخل الإسلام، بين الشيعة والسنة. الأردن دولة سنية وكذلك المملكة العربية السعودية.

جلالة الملك: أنت تعرف أن الصراع حول الإسلام يستغل من قبل السياسيين. أريد أن أحارب أولئك الذين يزرعون التصور أن هناك تناقضا بين الطوائف. المشكلة هي أنه يوجد مراكز قوى في جميع الأديان والإمبراطوريات التي تريد استخدام الدين كذريعة، وعندما ننظر في التاريخ، نجد هناك أمثلة كثيرة على ذلك. لذا، لا أعتقد بوجود تحديات دينية داخلية في منطقة الشرق الأوسط. وأعتقد أن المشكلة التي لدينا في الصراع الذي بدأ مع إيران، والذي خلق صراع بين الشيعة والسنة، والذي لا أعتقد أنه الصراع الأساسي بل هو يستخدم لأغراض سياسية.

تشارلي روز: ولكن البعض يعتقد بذلك.

جلالة الملك: لسوء الحظ.

تشارلي روز: والبعض ينظر إلى حقيقة أن تركيا سنية والمملكة العربية السعودية سنية، وأنهما تشجعان التغيير في سوريا المحكومة من قبل العلويين، على الرغم من أن أغلبية الشعب من السنة، ويقولون هذا مثال آخر على ذلك الصراع الدائر تحت السطح بين السنة والبلدان التي فيها أغلبية شيعية. وقد شهدنا ذلك في البحرين.

جلالة الملك: ولكن مرة أخرى، إذا نظرت إلى الوراء، كان هناك نوع من المصالح الاستراتيجية.

تشارلي روز: العراق بلد شيعي من حيث الأغلبية.

جلالة الملك: كما تعلم إيران هي دولة ثورية. ونتيجة لذلك، أعتقد أن الطريقة الوحيدة التي تستطيع البقاء فيها على قيد الحياة هو استمرارية الثورة، والسبيل الوحيد لثورة مستمرة هو الاستمرار في التوسع، وذلك لأنه في اللحظة التي تقف وتنظر إلى الداخل تنقلب الثورة على ذاتها. وأعتقد أنه نتيجة لذلك، أوجد البعض هذه الصراعات الاستراتيجية التي لا ينبغي أن تكون هناك أصلا. لذلك، أعتقد أن الانقسام بين الشيعة والسنة قد استغل من قبل السياسيين ولا ينبغي أن يكون موجودا في الأصل. أعتقد أننا عندما ننظر إلى العراقيين، ومعظمهم من الشيعة كما ذكرت، ما زلت أعتقد أنهم في نهاية المطاف يؤمنون بالعراق. وأنا أعتقد أنكم سترون حتى أن معظم السياسيين الشيعة في العراق يؤمنون بالعراق كعراق وليس دولة مدينة بالفضل لإيران.

تشارلي روز: بكلمات أخرى، إذا نظرنا إلى العراق، نجد بشكل واضح أن هذا بلد يمر بمرحلة انتقالية كذلك، والأهم من ذلك أن ننظر إلى المشاعر الوطنية هناك.

جلالة الملك: بالتأكيد.

تشارلي روز: هذا أهم من أن ننظر إلى كون الأغلبية من الشيعة، وأنهم جيران إيران ذات الأغلبية الشيعية. الشيء المهم هو المشاعر الوطنية الموجودة هناك.

جلالة الملك: نعم، ليس هناك شك في أن الإيرانيين يريدون التأثير على العراق، وهو أمر واضح مع خسارتهم المحتملة لسوريا. أعتقد أن هناك محاولة للتأثير في العراق، وهناك أيضا محاولة لتحقيق المزيد من التأثير على أفغانستان على الجانب الآخر، بالإضافة إلى مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية، فضلا عن أفريقيا.

تشارلي روز: أيا كان الربيع العربي، وأيا كانت هذه التحولات الجارية، فإن هؤلاء الناس الذين ينظرون ويرون التغيير يتساءلون هل سيأتي إلى الأردن؟

جلالة الملك: عندما نتحدث عن الربيع العربي في الأردن، وإذا نظرنا إلى ما كان علينا القيام به، نجد أن هناك من يقولون أن وتيرة الإصلاح في الأردن بطيئة. جوابي لهم هو: بطيئة من وجهة نظر من؟ لقد ذكرت للتو التحديات في مصر وتونس وليبيا، والذين اختلفوا قليلا في نهج الإصلاحات ولكن لا يوجد شيء حاسم لغاية الآن. أما في الأردن فقد قمنا بتغيير ثلث الدستور في غضون 18 شهرا. وأدخلنا إلى الدستور المحكمة الدستورية الجديدة، وللمرة الأولى، هيئة مستقلة للانتخاب والتي ستكون ذات أهمية حيوية في المرحلة القادمة من الحياة السياسية. وهناك قانون جديد للأحزاب السياسية، وقانون انتخابات جديد، وأنشئت نقابة للمعلمين، وهذا هو كل ما كان يطالب به، بل وتعداه. ولقد ضغطت لإدخال تعديلات أكثر.

ومع كل التشريعات التي أقرت في 18 شهرا، أتحداكم أن تسموا أي بلد في العالم أنجز ما أنجزناه خلال 18 شهرا. إن الفرق بين الأردن والبلدان الأخرى يكمن فيما قمنا به من عمل شاق حيث سيكون عندنا انتخابات في نهاية السنة. وأعتقد أن الاختبار الحقيقي سيكون في نهاية العام، والمتمثل في الانتخابات. أما رؤيتي للأردن، فقد قلت هذا من البداية، هو أني أود أن أرى ثلاثة إلى خمسة أحزاب سياسية وهو العدد المثالي — لدينا أكثر من 30 حزبا سياسيا الآن — أريد ثلاثة إلى خمسة أحزاب سياسية تمثل اليسار واليمين والوسط، في أسرع وقت ممكن. وأرى، مقتبسا كلماتك، أن الربيع العربي الأردني هو ما نحن عليه اليوم بانتظار أن يكون لدينا هذا البرلمان الجديد، ويأتي بعد ذلك الصيف العربي، حيث العمل الجاد مع البرلمان الجديد. والسؤال هو: كيف يمكننا تحقيق اليسار واليمين والوسط؟ في جميع المناقشات التي خضتها في أنحاء البلاد، وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، عندما كان لدي أي اجتماعات في مقار المجالس البلدية أو دعوة الناس للحضور إلى الديوان الملكي الهاشمي من جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، كنت في منتصف الاجتماع أسأل: ما هو موقفكم من الرعاية الصحية، والخدمات، والضرائب، والتعليم؟ أنت كأمريكي تعرف بالتأكيد موقفك حول قضايا الضرائب والصحة. عندما كنت أنظر في أرجاء الغرفة عند طرح هذا السؤال، كان 99 بالمئة من الناس يعجزون عن الإجابة. أنت تدرك كأمريكي كم أمامنا من مسافة نقطعها نحو ذلك الهدف،  وأعتقد أن الأردنيين، عندما يتعلق الأمر بفهمهم للديمقراطية، فإنهم متقدمون بفارق كبير عن الكثير من أقرانهم في المنطقة. لذلك، فإن تطوير الأحزاب السياسية بالمعنى المفهوم في الغرب سوف يستغرق بعض الوقت.

إن الأحزاب السياسية الجديدة التي تحاول إثبات وجودها في الأردن قد طلبت المساعدة، ونحن نعمل مع المؤسسات الديموقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة، ومؤسسة وستمنستر في المملكة المتحدة، ودول شرق أوروبا التي مرت بمثل هذا التحول في فترة أقرب من العديد من الدول التي تساعدنا. وكل هؤلاء يقولون لنا إنه لتطوير أحزاب سياسية جديدة، نحتاج للأسف ما لا يقل عن أربع أو خمس سنوات. لذلك، يتمثل التحدي في كيفية تطوير اليسار واليمين والوسط. سيكون لدينا بعد الانتخابات في نهاية هذا العام برلمانا جديدا. ولكن لن يكون لدينا أحزاب اليسار واليمين والوسط. ما أريد هو أن تكون هناك حكومات برلمانية منتخبة. وأفضل طريقة للقيام بذلك هو تشجيع البرلمانيين من غير المصطفين مع الأحزاب السياسية للعمل معا لتشكيل كتل سياسية، وبعد ذلك يتخذون قرارا بشأن تشكيل حكومة. وهذا سيسمح للأردن على مدى السنوات الأربع المقبلة من الحكومة البرلمانية للبدء في إقامة حياة سياسية جديدة من اليسار واليمين والوسط، وثلاثة إلى أربعة أو خمسة أحزاب سياسية. إن هذا هو التحدي الرئيسي ومهمتنا الشاقة.

تشارلي روز: أريد أن أتكلم عن الإخوان المسلمين الذين أعلنوا منذ الآن أنهم سيقاطعون الانتخابات. لكنهم يقولون إنه إذا جرى تغيير في قانون الانتخابات، فإنهم سوف يغيرون موقفهم. هل سيكون هناك تغيير في قانون الانتخابات؟

جلالة الملك: أول من التقيت بهم عند بدء الربيع العربي قبل ثمانية عشر شهرا كانوا الأخوان المسلمين. وقلت حينها: إذا كنا نريد أن نتعامل بالمجاملات، يمكننا أن نفعل ذلك، ولكن أعتقد أنها مضيعة للوقت. ومع ذلك، وقبل أن ينزعج أي شخص، أعتقد أن هناك أرضية مشتركة بيننا. الآن، ما الذي تريدونه كي نكون قادرين على التحرك إلى الأمام؟ قالوا: نحن نريد العودة إلى دستور عام 1952. فقلت حسنا، ولكن لماذا التوقف عند دستور عام 1952؟ دعونا نذهب أبعد من ذلك، والواقع أننا، كما قلت، قمنا بتغيير ثلث الدستور. قالوا: نريد نقابة المعلمين، قلت: مطلب عادل. قالوا: نريد قانونا جديدا للأحزاب السياسية قلت: لنقم بذلك. قالوا: نريد قانون انتخابات جديد. قلت: بالنسبة لقانون الانتخابات، أريده أن يكون عادلا للجميع وليس مصمما على مقاسكم، فقالوا هذا عدل. ماذا أيضا؟ قالوا نريد حوارا وطنيا. قلت تماما، هذا الذي أنوي فعله وأريد أن أجمع الكل في مكان واحد وأريد منكم المشاركة. وأحتاج الأمر إلى نحو أسبوعين لتشكيل لجنة وطنية. وقبل يومين من إعلان لجنة الحوار الوطني كان زعماؤهم في القاهرة، فاتصلنا بهم وطلبنا منهم ترشيح أسماء لعضوية لجنة الحوار الوطني. كان لديهم ثلاثة أعضاء في اللجنة تحت مسميات أخرى. وابتداء من ذلك اليوم قرروا البقاء في الشارع وقاطعوا الحوار.

وفي كل مرة نمد أيدينا لنتواصل معهم نجد أن لديهم مطالب أكثر وأكثر. وعلى مدار السنة، تواصلت معهم مجموعات مختلفة من مجتمعنا، منهم في الفترة الأخيرة بعض السياسيين وحثوهم على المشاركة والانخراط في العملية الانتخابية، ومرة أخرى طالبوا بالمزيد من التعديلات الدستورية وقانون انتخاب مفصل على مقاسهم وتغيير في قانون المحكمة الدستورية الخ الخ... لدرجة بدا عندها أنهم لا ينوون المضي قدما. أنا أطرح جوهر المشكلة الآن لأنني أريدهم أن يتنافسوا في الانتخابات.

تشارلي روز: إذن أنت ليس لديك ما تخشاه من الإخوان لو قرروا المشاركة الكاملة في الانتخابات التي ستجري في الأردن؟

جلالة الملك: بالتأكيد، أنا أرغب في مشاركتهم. لقد كان السبب في عدم مشاركتهم في المرة الماضية هو أن الجماعة كانت جزء من النظام السياسي، وكانت في الحكم على مدى السنوات الستين الماضية. السبب أنهم لم يشاركوا آخر مرة، والسبب أنهم لا يريدون المشاركة هذه المرة هو ببساطة أنهم يعلمون أنهم لن يحققوا نتائج طيبة في الانتخابات، والكل يعلم في الأردن أنهم خائفون من النتائج. لقد أجرى الإخوان عملية حسابية قبل ستة أشهر وقرروا عدم المشاركة بسبب النتائج المتوقعة ومهما فعلنا، فسيرفضون. وبالنسبة للرسائل، فإننا على تواصل معهم وأنت تعلم أن الخطأ وسوء التقدير لا يأتي من قبلنا إن هم رفضوا المشاركة، بل الخطأ منهم إن لم ينافسوا في الانتخابات، وبالتالي لن يكونوا جزء من العملية التي ستجري تحت قبة البرلمان العام القادم. وسوف يخسرون لأنه سيكون برلمان يسمح بتغيير قانون الانتخابات وتشكيل المزاج السياسي في الأردن وتحديد مسار البلاد. وأعيدها للمرة الأخيرة، إنهم لا يخدمون أنفسهم من خلال انسلاخهم عن العملية. ما لا نستطيع فعله لهم هو تفصيل قانون انتخاب على مقاسهم، فمن الأفضل أن يكون الجميع راضياً بقانون بدلا من حزب سياسي واحد راض عنه.

تشارلي روز: أسمعك تقول أنك تريد جماعة الإخوان المسلمين في هذه الانتخابات.

جلالة الملك: بالتأكيد. لقد كان الإخوان جزء من الفسيفساء الأردنية لمدة 60 عاما، وأنت تعلم أنهم جزء من الأسرة الأردنية. وأعتقد أنني أشعر بتعاطف تجاه الإخوان المسلمين.

إنهم يلقون ببالونات الاختبار لإبقاء الوضع كما هو، وإن كان لديهم مشاكلهم الخاصة. وأضيف هنا أن الرسائل التي يتلقونها من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مفادها: لا تضيعوا هذه الفرصة وترشحوا للانتخابات.

تشارلي روز: ولكن ليس هذا ما يريدون.

جلالة الملك: المشكلة ليست في نظام الصوت الواحد، بل هي في التمثيل العادل. كان من نتائج النظام القديم سوء تمثيل الشعب خصوصا في المدن. في نهاية المطاف، ما الذي سيحدث هو أننا قد نعود إلى نظام الصوت الواحد، وأعتقد أن ذلك سيكون في دورة السنوات الأربعة القادمة أو بعد ثماني سنوات عندما نحقق المزيد من العدالة التمثيلية للمدن.

ما أريده هو الزيادة في قائمة الأحزاب السياسية. هذا ما حاولنا القيام به. ولكن لسوء الحظ، اعتبر المجلس العالي لتفسير الدستور أن هذه القائمة غير دستورية. والسبب في أنني أفضل قائمة الأحزاب السياسية أن من شأنها أن تعطي الأحزاب السياسية الجديدة فرصة لإثبات وجودها، وبالتالي يتشكل اليسار واليمين والوسط.

تشارلي روز: ولكن هذا قيد على مشاركتهم، وهي نسبة يمكن أن تكون من نصيبهم؟

جلالة الملك: لا، لم يكن ذلك قد نوقش في تلك المرحلة، بل كان محصورا فيما إذا كانت قائمة الأحزاب السياسية دستورية. لم نستطع أن نحقق مبتغانا للأسف. ولذلك، كان البديل قائمة وطنية، حصتها الآن 27 مقعدا وبالتالي هناك زيادة قدرها 20 بالمئة في مقاعد البرلمان القادم لتصل إلى 150 مقعدا. ومن الأرجح أن تذهب أغلبية هذه المقاعد السبعة وعشرين إن لم يكن جميعها إلى المدن الكبرى. القانون ليس مثاليا ولكنه يحقق إعادة التوازن. الآن، يمكن لقانون الانتخابات النهائي أن يتغير من داخل البرلمان القادم. وعليه إن كان الإخوان المسلمون يريدون تغيير الدستور وقوانين الأحزاب السياسية، ويريدون أن يفعلوا أشياء أخرى لصالح المجتمع الأردني فالأفضل ألا يتم ذلك في الشارع بل من خلال مجلس النواب، باعتبارهم مشرعين، ولذلك أقول إنهم يفقدون فرصة لأننا نمضي إلى الأمام بالأردن.

تشارلي روز: ما هي اللحظة المصيرية بالنسبة للأردن علاوة على أن الملك بما لديه من سلطات مستعد للتغيير تدريجيا؟

جلالة الملك: أعتقد أن هناك سوء فهم في الغرب بأن الأردن ليس فيه نظام ملكي دستوري. لكنه كان دائما نظاما ملكيا دستوريا من حيث أن البرلمان يجب أن يوافق على رئيس الوزراء.

تشارلي روز: لقد عينت أربعة رؤساء وزارات في العام الماضي. أرجوا أن تصحح لي معلوماتي إن كانت خاطئة، لكن خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية اضطررت لتعيين، أو اختيار أربعة رؤساء وزراء.

جلالة الملك: هذا صحيح، تم تعيين أحدهم قبل الربيع العربي لذلك كان علينا إحداث نقلة داخلية والسبب وراء ذلك أن وتيرة الإصلاح منذ بداية الربيع العربي لم تكن سريعة على النحو المطلوب. لذا كانت تلك محاولة لمواكبة الإصلاح حيث أنني كنت مطلعاً على ذلك وأؤمن تماما أننا بحاجة لإجراء الانتخابات نهاية هذا العام، والعنصر الرئيسي لتحقيق ذلك هو الهيئة المستقلة للانتخاب. وإذا أردت أن تعرف ما الذي سيحصل بخصوص هذه المرحلة، فاعتقد أن اللحظة الحاسمة هي الانتخابات التي ستكون الامتحان الفاصل هنا والهيئة المستقلة للانتخاب ستكون الأداة التي ستثبت للأردنيين أن الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة وأفضل من أية انتخابات ممكن أن يتم إجراؤها في الشرق الأوسط. وندائي إلى المجتمع الدولي هو العمل مع الهيئة المستقلة لمساعدتها قدر المستطاع على بناء القدرات خلال هذه الفترة القصيرة، حيث أن الستة أشهر ليست فترة طويلة بالنسبة للجنة المستقلة ولمواصلة العمل معهم خلال العملية الانتخابية وما بعد ذلك. نحن بحاجة لكثير من التنسيق الدولي وبعدها للكثير من الضمانات أن الانتخابات ستُجرى بسلاسة. وبعد الانتخابات نحن بحاجة لأن يعمل المجتمع الدولي مع البرلمانيين الجُدد ومع الأحزاب السياسية الجديدة لنكون قادرين على دفعهم للأمام بالسرعة الممكنة. لقد مررتم بتلك التجربة قبل مائتي سنة، ورؤيتي للأمر أن بناء اليمين واليسار والوسط يستغرق بعض الوقت، وتلك هي رؤيتي، وعلينا أن نقوم بها بالسرعة الممكنة، وهم بحاجة لكثير من المساعدة.

تشارلي روز: لكن هل تقول أن رؤساء الوزراء الذين قمت بتعيينهم لم يحركوا عملية الإصلاح كما يريدها الملك؟

جلالة الملك: الحكومة السابقة لم تقم بذلك، لقد أمضت ستة أشهر بتأخير تحريك الإجراءات من خلال مجلس النواب ومجلس الأعيان وكذلك تعيين الهيئة المستقلة للانتخاب، حيث إن موعد الانتخابات يتم تحديده من قبل الهيئة المستقلة وبدون تعيين أعضاء الهيئة المستقلة، لا يمكننا ضمان إجراء الانتخابات في الوقت المناسب. وهكذا، فإن ما حدث في الفترة الأخيرة كان يتعلق بتعيينهم، وكان هناك سوء تفاهم استغرق بعضاً من الوقت ولم أستطع تحمّل ما يجري أكثر من ذلك. لذلك تم تعيين الحكومة الجديدة وقد تم تجاوز كل شيء والآن عادت الأمور لمسارها الصحيح.

تشارلي روز: أعتقد بأن جميع الناس يعرفون بأن لديك ملكية دستورية، وأعتقد بأن معظم الناس يعرفون بأنك محبوب شعبيا، فالناس يحبونك والشعب الأردني يحبك لكن هناك في نفس الوقت شعور بأنهم يريدون التغيير.

 جلالة الملك: تماما.

تشارلي روز: أريد أن أعلم ما هو التغيير برأيك؟

جلالة الملك: إن التغيير مزيج من جميع ما ذكر، لكني أعتقد بأنني قلت أثناء المقابلة الأولى التي أجريتها عندما تُوفي والدي رحمه الله بأن مهمتي هي وضع الطعام على الطاولة. وما أقصده هنا هو التأسيس، فقد تعلمت أثناء دراستي في الغرب أن المجتمعات المستقرة مبنية حول طبقة وسطى قادرة ونابضة بالحياة. ولم تكن تلك الحال في الأردن منذ السنوات الإثني عشرة الماضية. لقد استطعنا خلال الإثني عشرة سنة الماضية بناء طبقة متوسطة نابضة بالحياة باقتصادنا. ومع الهزات الاقتصادية التي شهدناها خلال السنتين الماضيتين، لا أريد أن أقول أن الطبقة الوسطى تترنح، بل تئن تحت الضغوط المتواصلة.

ما يحدث الآن، بأنه كلما كان هناك تعزيز للطبقة المتوسطة كمؤسسة، كانت حركة المجتمع أسهل نحو التحول، ولكن أيضا تكون هناك مطالب أكثر بالحرية. لذلك أعلم بأن المضي نحو ذلك هو سيف ذو حدين، لكنني أثق أن شعبي يعرف ما يريد. وبالنسبة للملكية، فإن الملكية نظام مستمر في التطور طوال الوقت، وأدرك أن مهمتي هي تحقيق رغبات الشعب والتطور معهم ومساعدتهم في السير إلى الأمام. فنحن لدينا، كما سبق وأن قلت، 70 بالمئة من الشعب تحت عمر الثلاثين. وأعتقد أن التعليم، كما تعلم، هو العنصر الحاسم للأردن. فنحن نشكل قوة فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات، وصناعة الأدوية والطب. لدينا في الأردن أكثر الناس المتعلمين في المنطقة وهؤلاء يمكنهم دفع الأردن للأمام.

تشارلي روز: قال أحد الكتاب الأمريكيين أن التعليم هو نفطكم.

جلالة الملك: التعليم هو نفطنا فعلا. نحن نعتلي المراكز العشرة الأولى بالنسبة للتعليم، ونحن من بين الدول العشرة الأولى في العالم بالنسبة لإطلاق شركات التكنولوجيا الجديدة في العالم. نحن نشكل 2 بالمئة من سكان المنطقة، لكن في الوقت نفسه نقوم بتزويد ما نسبته 75 بالمئة من المحتوى العربي لشبكة الانترنت. أعني أن الأردن مركز قوة فيما يتعلق بهذا الموضوع بالنسبة لمثل هذا البلد الصغير.

تشارلي روز: هل يعني ذلك بأنه عندما تنظر إلى تجربة الأردن وتجد بالمقابل شخصا يظن أن الثقافة السائدة في البلدان العربية لا تعمل على تشجيع هذا النوع من المشاريع وفرص التعليم كما هو الحال في إسرائيل فهو على خطأ ببساطة؟

جلالة الملك: أعتقد بأنه يمكننا دائماً أن نأخذ في اعتبارنا الوضع المادي الجيد في إسرائيل. أعني أنه إذا نظرت إلى نتائج عملية التعليم وفق المعايير الدولية فيما يتعلق بالعلوم والرياضيات فنحن نقف ندا لإسرائيل ونتفوق عليهم في الكثير من الحالات.

تشارلي روز: في معرض حديثنا عن الانتخابات الأمريكية، هل تعتقد بأن الأردن سيكون أفضل حالاً إذا ما تسلم مهام الرئيس أحد الجمهوريين أم الأفضل لكم استمرار الرئيس الديمقراطي في السلطة لفترة رئاسية ثانية؟

جلالة الملك: الإجابة ببساطة هي أننا لا نُقحم أنفسنا في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى، لذلك فإن الأمر يعود للأمريكيين لتقرير الأمر.

تشارلي روز: لكنك قلت أنه من الأفضل بالنسبة للقضية الفلسطينية الإسرائيلية. فمن الأفضل في بعض الأحيان أن يتسلم شخص ما الولاية الثانية غير الشخص الذي تسلم الولاية الأولى بسبب الأبعاد السياسية الكامنة وراء ذلك.

جلالة الملك: لقد شاهدنا تاريخيا رؤساء تسلموا مهامهم الرئاسية للفترة الثانية كانوا أكثر استعدادا في التعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية، حيث أنه عادة ما يقضي أي رئيس جديد أول سنتين من فترة حكمه في التعامل مع مهامه.

تشارلي روز: هل سيترتب على ذلك التخلي عن بعض صلاحيات ملكيتك الدستورية والتخلي عن بعض سلطاتك؟ هل هذه النوعية من الإصلاح قابلة للتفاوض؟

جلالة الملك: ذلك ما تحدثنا عنه فيما يتعلق بالإصلاح الدستوري، وعندما أنشأنا اللجنة الملكية لتعديل الدستور. لقد أردنا لها ، برأيي، أن تحدث تغييرا أبعد من دستور عام 1952، وهو ما طالب به الجميع بمن فيهم الإخوان المسلمون في البداية، وقلت بأننا ينبغي أن لا ننظر إلى دستور عام 1952, بل يجب أن ننظر إلى أبعد من ذلك، عندها خرجت الوثيقة النهائية المحتوية على تعديلات ثلث الدستور. وعندما تسلمت الوثيقة من اللجنة الملكية، خاطبتهم بأن هذا لا يعني نهاية التغيير، بل أننا ما زلنا في البداية، وأعتقد كمجتمع بأنه ما زال لدينا متسع من الوقت لمواصلة ذلك، وأن هذه ليست النهاية. وذلك حتى يستطيع الأردن والملكيات الأخرى الاستمرار في التطور.

تشارلي روز: عندما تنظر للتغييرات التي حدثت في البلدان التي شهدت الربيع العربي، يقول البعض أن هذا جزء من المظاهرات الساخطة وأن هناك ما يؤججها. هل تعتقد ذلك؟

جلالة الملك: لقد تم تنظيم أكثر من 5000 مسيرة وما شابهها في الأردن منذ بداية الربيع العربي ولم تسجل لدينا أية حالة وفاة جراء ذلك.

تشارلي روز: ولا حتى وفاة واحدة؟

جلالة الملك: لم يمت أحد. كان هناك أحد المتفرجين وكان قد تعرض لنوبة قلبية وتوفي رحمه الله. أعتقد أن هذا رقم قياسي حتى لو عدت بذاكرتك للمظاهرات في أوروبا وحتى في بلدك. أعتقد أن هذه حالة نادرة وهذا يُعزى للطريقة التي أعتقد أن مجتمعنا تعامل بها في بداية الربيع العربي من خلال إشراك الجميع في الحوار والجلوس معاً ومحاولة الوصول للطريقة التي يمكننا من خلالها السير بعملية الإصلاح قدما، ولكن أود أن اثني على أداء رجال الأمن الذين تعاملوا مع المظاهرات بهدوء. وفي كثير من الحالات، انتهى الأمر بالعديد من رجال الأمن جرحى في المستشفيات حيث كانت الأوامر الموجهة لهم بتلقي الضربات وأن يكونوا حماة للمظاهرات بدلا من الانقضاض على المتظاهرين. إن أشد ما كان مزعجاً من اليوم الأول للمظاهرات عندما كنت أعلم يقينا بأن عدد المتظاهرين في نهاية الأسبوع هم 850 متظاهراً وعندما أطلع على وسائل الإعلام أجد أن عدد المتظاهرين 10.000، وعليه فإن وسائل الإعلام كانت السبب في إيجاد مثل هذا التوتر. ولسوء الحظ كان هذا الوضع في الأردن، وكما سبق أن قلت فقد تم تضخيمه من قبل بعض المواقع الالكترونية، ولسوء الحظ من قبل بعض الصحفيين والذين لم يتحلوا بأية روح من المسؤولية.

تشارلي روز: هل يبرر ذلك اعتقالهم؟

جلالة الملك: لا على الإطلاق، ليس في الأردن، وأعني أنه لو نظرت إلى الأردن، أعتقد أننا أكثر مستخدمين لموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك في الشرق الأوسط، حيث ازدادت نسبة المشتركين بالموقع 100 بالمئة خلال السنة الماضية. ولدينا جمعيات خاصة بالمناقشات والمناظرات يقودها الشباب، وأنا شخصياً أشجع هؤلاء وأعتقد أن هذا كان له دور في أن نكون قصة مختلفة في الأردن عن بقية دول الشرق الأوسط.

تشارلي روز: أريد الانتقال إلى الحديث عن القضية الفلسطينية. مع كل الحديث عن الربيع العربي والأحداث التي تمت وجميع التغييرات التي حدثت، هناك تقدم قليل إن لم يكن تراجعا في الوضع الإسرائيلي الفلسطيني، وأمنيتك وأمنية العديد من الناس أن يحدث تقدم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ما هي المشكلة وما هو الشيء الذي يمكن أن يصنع نوعا من الاختلاف في هذه البيئة؟

جلالة الملك: ما زلت أعتقد وأنت تعلم ونحن جميعنا نعلم بأن القضية الأساسية في الشرق الأوسط هي عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. إن الربيع العربي، وما يحدث في سوريا وإيران في النهاية مجرد قضايا جانبية مقارنة مع القضية الجوهرية التي تشعل فتيل المنطقة كلها، وهي المحنة التي يمر بها الإسرائيليون والفلسطينيون. مهمتنا في عام 2012 هو الإبقاء على عملية السلام حتى نستطيع تجاوز عملية الانتخابات الأمريكية. سواء شئنا ذلك أم أبينا، فإننا لا نستطيع المضي قدماً في القضية الإسرائيلية - الفلسطينية بدون وجود دور للولايات المتحدة الأمريكية. وعندما نصل لسنة الانتخابات، لأسباب تفهمها أنت وأفهمها أنا، فعلينا جميعا أن نحاول إبقاء الأمور في نصابها. وهذا ما بدأنا نفعله بالأردن لأننا وجدنا هناك فرصة في بداية هذه السنة لاستضافة هذه المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد كانت لنا بداية جيدة في كانون الأول وشباط ولكن وتيرتها هدأت مرة ثانية، وكان لدينا بداية أخرى خلال الأشهر العديدة الماضية، ولكننا وصلنا لطريق مسدود الآن بسبب اجتماع الأمم المتحدة في شهر أيلول. إن الأمل يدفع الفلسطينيين بفكرة الذهاب إلى الأمم المتحدة.

تشارلي روز: إلى الجمعية العمومية.

جلالة الملك: إلى الجمعية العمومية التي مروا بها خلال السنة الماضية.

تشارلي روز: وهل تساند تلك الفكرة؟

جلالة الملك: من الأكيد أننا ندعم ما يريده الفلسطينيون.

تشارلي روز: يريدون أن يذهبوا ليطلبوا تصويت الجمعية العمومية، الأمر الذي يخلو من أية قوة، ولكنه رمزي إلى حد ما.

جلالة الملك: بالضبط، فهذا موضوع عاطفي، ولكن جوهر الموضوع في المحصلة أن ما سيحصل في اجتماع الهيئة العمومية سيعتمد على ما سيحصل في الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي سيكون نقطة مفصلية في الطريقة التي سيستخدمها الفلسطينيون والإسرائيليون للسير قدما، وهو منوط بمن سيصبح رئيسا.

تشارلي روز: ولكن، هل أنت راض عما قام به الرئيس الأمريكي أوباما للتقدم بجهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية خلال سنواته الأربعة؟

جلالة الملك: لقد قدم كل ما في وسعه، ولكن هناك أمور تحدث على الأرض. ما أعنيه هو أنه من الواضح أن المشاكل تقع، بشكل جزئي، على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية. حتى المجتمع الدولي قد تشتت بسبب تحديات اقتصادية كبيرة وكان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تهتم بشأنها الداخلي وبسبب الربيع العربي. أنا أفهم ذلك بالكامل، ولكن – كما تعلم – هذا لا يعني أن الرئيس قد قام بمساندة جميع المبادرات التي قمنا بها. لقد عملت السيدة كلينتون من دون كلل معنا ومع آخرين في المنطقة لتقريب الفلسطينيين والإسرائيليين من بعضهم البعض. لقد قمنا بالعديد من الأعمال هذه السنة، وأعتقد أن مهمتنا لعام 2012 كانت، نتيجة لفهمنا للأمور المتعلقة بالولايات المتحدة الأمريكية، أن نحافظ على عملية السلام.

تشارلي روز: هل سيصبح الأمر أصعب على الإسرائيليين نتيجة للربيع العربي؟ توجد الآن حكومات إسلامية، وقد رأينا - كما تعلم - تغيير فيما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني؟

جلالة الملك: يوجد ضغط أكبر على إسرائيل الآن. لقد ساءت العلاقات مع مصر بشكل كبير، بينما توجد مشاكل بين تركيا وإسرائيل – لقد أصبحت إسرائيل محاصرة بشكل أشد، ولذلك يجب عليها حل مشاكلها عاجلا وليس آجلا.

تشارلي روز: ولكنك تعرف رئيس الوزراء، وهناك علاقة تجمعكما.

جلالة الملك: لقد كان مستوى الحوار والتفاهم المتبادل بيننا أفضل فيما سبق. في المناقشات التي خضناها، أعتقد أنه فهم، على الأقل من خلال تلك الحوارات، أنه يجب أن يحل مشاكله.

تشارلي روز: يعرف أنه يجب أن ينتهي من القضية الإسرائيلية – الفلسطينية.

جلالة الملك: أجل.

تشارلي روز: وهل تعتقد أنه يفهم التغيير الذي طرأ على الواقع الجو السياسي الذي تعتقد أنت شخصيا أنه يزيد من الضغط عليه؟

جلالة الملك: أعتقد أن أغلب الإسرائيليين يؤمنون بذلك.

تشارلي روز: بما في ذلك رئيس الوزراء؟

جلالة الملك: رئيس الوزراء أيضا. أعتقد أنك إذا نظرت إلى الأمور التي حصلت في مصر خلال العام المنصرم، فإن العديد من الإسرائيليين قلقون إزاء أمن إسرائيل، وأنهم كلما أسرعوا في حل القضية الفلسطينية، أصبحت إسرائيل أكثر أمنا. وبالتالي، فإن الطريقة التي تدفع بالقضية الفلسطينية أسفل السلم لن تخدم مصلحة إسرائيل، ومن الواضح أن العامل الثاني الذي لازلت أشير إليه مجددا هو موضوع التعداد السكاني؛ لقد قمت بالاجتماع مع العديد من كبار الشخصيات في الدول الغربية، وقد قالوا لنا أن المشكلة في إسرائيل أنها خلال 8 إلى 9 سنوات ستضطر للإجابة على السؤال التالي: ماذا لو لم يكن هناك حل الدولتين، وهل سيضطرون للعودة إلى حل الدولة الواحدة، الأمر الذي سيكون ذو تداعيات كارثية على إسرائيل، وهل ستكون دولة فصل عنصري أم دولة ديمقراطية؟ ولكنهم لا يزالوا يتجاهلون هذا الأمر، ومع مرور السنين، تضمحل خيارات إسرائيل ويزداد الضغط عليها نتيجة لذلك، ولا يزالوا يتجاهلون هذا الواقع.

تشارلي روز: لماذا؟

جلالة الملك: تنحصر معظم المشكلة في أن الإسرائيليين يفكرون في اليوم وحسب، وقد سألت هذا السؤال لكل سياسي إسرائيلي جلست معه، وقلت، أين ستكون إسرائيل خلال عشر سنوات قادمة؟ نحن نعمل بالعكس، ولذلك أفهم كيف أن الجميع قد يتشابكون مع بعضهم البعض، ويبدوا أنه من المستحيل على إي من الإسرائيليين أن يجيبني على هذا السؤال. والسبب، جزئيا، هو التهديد الأمني في عقولهم، الذي يمنعهم من التفكير في أي شيء غير الوضع الحالي، ولا يفكرون في المستقبل. أعتقد أن أغلبهم يفهمونني، ولكن أحس بأن السياسة الداخلية الإسرائيلية لا تسمح لهم بأن يسألوا هذا السؤال الهام. ولكن، عاجلا أم آجلا، سيضطرون إلى مواجهته، ولن يتمكنوا من تجاهله حينها.

تشارلي روز: أحد المشاكل التي تواجههم هي إمكانية تطوير إيران قدرتها لصنع قنبلة نووية.

جلالة الملك: هذا سؤال قد طرح مرات عديدة. بدلا من قصف إيران وتداعيات ذلك، لا أزال أنوه إلى حل أقل كلفة وهو حل القضية الفلسطينية – الإسرائيلية، لأن السبب الوحيد الذي تريد إيران كما تدعي لأجله تطوير برنامج نووي هو لقصف إسرائيل دفاعا عن العالم الإسلامي ودفاعا عن الفلسطينيين بسبب المحنة التي يمرون بها ومستقبل القدس. ولكن إذا وجدنا حلا للقضية الفلسطينية، ما الذي سيدفع إيران إلى تطوير أسلحة نووية؟

تشارلي روز: هل تعتقدون أن نوعاً من الهجوم سيتقرر قريباً؟

جلالة الملك: إن ما أفعله لدى مواجهة أي أزمة، وخاصة قضية ضرب إسرائيل لإيران، أنني أحاول دائما أن أعطي لذهني فسحة لعدم اتخاذ القرار قبل وقوع الحدث. وفي حالة إسرائيل، أعطي لنفسي دائماً نافذة من أربعة أشهر، وهذا يمكنني من القول إنني مرتاح لأننا لن نضطر إلى مواجهة تلك المشكلة لأربعة أشهر قادمة.

تشارلي روز: لأربعة أشهر؟

جلالة الملك: عندما أصل إلى نهاية تلك الأشهر الأربعة، فإنني أعدل ذلك مرة أخرى، لقد كنت أفعل ذلك خلال السنتين الأخيرتين.

تشارلي روز: إذن، أنتم تعتقدون بأنه ليس من المرجح أن يحدث شيء في غضون الشهور الأربعة القادمة.

جلالة الملك: فيما عدا أي مفاجآت، نعم.

تشارلي روز: لماذا أنتم واثقون إلى هذا الحد؟

جلالة الملك: فقط لأن هناك الكثير من الأشياء التي تحدث في الشرق الأوسط، ومجموعة كاملة من الحسابات المختلفة.

تشارلي روز: إذن، اسمحوا لي بأن أعود بينما نختتم هذا الحوار بهذا السؤال. إنك تعتقد بأن الربيع العربي سوف يستغرق 15 عاماً من العمل حتى تتضح معالمه، بمعنى رؤية ما إذا كان الطرف الذي يتولى السلطة يمكن أن يثبت شرعية أنه لم يكن يسعى إلى السلطة من أجل السلطة في حد ذاتها، وإنما كانت لديه أهداف وغايات لها علاقة بخدمة الناس.

جلالة الملك: آمل أن يكون الأمر أسرع من ذلك، لكن كل بلد يختلف عن غيره، كما قلت، وأعتقد أن سوء فهم المجتمع الدولي يجعلنا نعتقد بأننا متشابهون جميعاً في العالم العربي. إن لكل بلد إحساسه الخاص المختلف بالتحديات. وكما قلت، أعتقد بأن اللحظة الفارقة بالنسبة لبلداننا الآن هي كيف يعرّف كل بلد نفسه على حدا. كيف يمكن للمصري أن يكون مصرياً والأردني أردنياً. وسوف يستغرق هذا بعض الوقت. أنت تعرف أفضل من غيرك أنه عندما يتعلق الأمر بتحديات الأردن، فإن الأمر يتعلق بخلق نظام جديد للأحزاب السياسية، يكون قائماً على تقسيمة اليسار واليمين والوسط. ولعل من أحد التحديات الرئيسية للأردنيين باعتباره مثالاً رائداً، هو السعي لجعل المجتمع يقرر من خلال تحديد ما يعنيه أن يكون المرء أردنياً، وما الذي يعنيه الوسط. أن أكون يسارياً قليلاً عندما يتعلق الأمر بالصحة والتعليم. وأكون يمينياً عندما يتعلق الأمر بالدفاع. وكيف يمكن سحب ذلك على الإنسان الأردني؟ وهكذا، ينبغي أن يطور كل فرد ذاته بوصفه أردنياً، وعلى الأحزاب السياسية أن تبتعد عن الخطابة، وأقصد تلك الأحزاب التي تنشأ في الوقت الحالي. على الأحزاب السياسية الجديدة أن تضع برنامجاً اقتصادياً، وبرنامجاً اجتماعياً حتى يتسنى لنا تغيير من يصوت لك لأنك أخي أو عمي أو شيخ قريتي أو زعيم قبيلتي، إلى أناس يصوتون لك بناء على البرنامج السياسي الذي تقدمه. وذلك يستغرق بعض الوقت، كما تعلم. هذا هو ما يعنيه لنا الصيف العربي، إذا جاز التعبير، وهذا هو التحدي الذي نواجهه.

إذن، بالعودة إلى ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين أو الشعب راضين عن قانون الانتخاب أو لا، فإن الأمر لا يتعلق كثيراً في نهاية المطاف بقانون الانتخابات في ربيعنا العربي. إنه سيصبح صيفنا العربي بمجرد أن نشكل برلماناً، لأنه سيكون لدينا رئيس للوزراء وحكومة من المؤمل أن تستمر لمدة أربع سنوات، وبالتالي ولادة نظام جديد للأحزاب السياسية يسمح بالانتقال إلى شيء يكون مألوفاً أكثر لديكم في الغرب.

تشارلي روز: كنا نتحدث عن قانون الانتخابات، ونتحدث عن التغيير والإصلاح، هل أسمعكم تقولون إنكم تعتقدون بأن الملك يريد إصلاحاً أكثر مما يمكنه تنفيذه في هذا الوقت؟

جلالة الملك: أعتقد أن الجواب العادل هو أنني قد شعرت بالإحباط لدى التعامل مع الكثير من نوعية العقليات التي كان عليّ التعامل معها. إن التحدي القائم هو على قانون الانتخابات. لقد كان هناك الكثير من رجال الدولة من ذوي الوزن الثقيل في مجتمعنا، ممن أعطوني وجهة نظرهم حول قانون الانتخابات، ولدي وجهات نظر مختلفة، والمشكلة هي أنه ليس هناك توافق في الآراء. الكل لديه وجهة نظره الخاصة، والكل ينزعج إذا لم نأخذ بوجهة نظره بعينها.

معظم الناس لا يعون القوانين التي يطلعون عليها، وهم يفوتون النقطة. إنهم يفكرون في أجنداتهم الخاصة، إنهم لا ينظرون إلى الفرصة فيما يمكن عمله داخل البرلمان الجديد.

عندما أنظر إلى هذه الأحزاب السياسية الجديدة. عندما أنظر إلى أولئك الذين كانوا يتحدثون دائماً عن إنشاء أحزاب سياسية جديدة. الكثيرون منهم أصدقاء لي، وكانوا يتحدثون عن إنشاء أحزاب جديدة منذ 18 شهراً. لكن معظمهم لم يفعلوا أي شيء فعلياً. ولذلك، فإن مصدر الإحباط الذي لدي في الواقع، هو: وعي الجميع أن العمل الشاق سيأتي في نهاية العام. متى ننشئ البرلمان الجديد؟ وحكومة تأتي من مجموعة من الكتل السياسية؟ وتكون لدينا حركة من 4 سنوات لخلق يسار ويمين، ووسط؟ على الجميع عدم تضييع الوقت.

أنا أنظر إلى 4 سنوات و8 سنوات إلى الأمام، وأعتقد بأن غالبية الأردنيين ينظرون فقط إلى الأربعة أو الستة أشهر القادمة. هذا هو الذي يجعلني أشعر بالإحباط وأعود إلى الحديث عن اليسار واليمين، والوسط، وإنشاء خمسة أحزاب سياسية في أسرع وقت ممكن كما آمل، ويستمر الناس في تناسي ذلك. هذا هو مصدر الضيق بالنسبة لي.

تشارلي روز: هناك أيضاً أناس يقولون ما يلي: أن الناس قد سمعوا حديثاً عن الإصلاح، لكنهم لم يروا إصلاحا منذ مدة.

جلالة الملك: إذن، ستكون الخطوة الكبيرة التالية، كما قلت، هي إجراء انتخابات نزيهة وشفافة في نهاية هذا العام. وإفراز برلمان جديد. وهكذا، فإن الصيف العربي بالنسبة لنا سيأتي بعد الانتخابات. الانتخابات الشفافة أولاً ثم برلمان جديد يمكن أن يراجع قانون الانتخاب، وخلق يسار ويمين ووسط. هذا ما ينبغي علينا القيام به.

تشارلي روز: هل تعتقد أن النظام الملكي في خطر؟

جلالة الملك: لا، لأنك تعرف أننا كنا دائماً منفتحين، وكنا دائماً نصغي. وأعتقد، كما تعلمون، أن الدليل كان في نوعية وكمية العمل الذي قمنا به خلال 18 شهراً، إذا قارنته بالتحديات التي عالجتها الدول العربية. إذا نظرتم إلى الطريقة التي تطورت بها الأنظمة الملكية، إذا نظرتم إلى الطريقة التي عمل بها الملك محمد في المغرب وما الذي استطاعت الملكية عمله هناك. إن مهمتنا هي تحقيق إجماع الناس حتى نظل في حالة تطور لكي ندعم فعلاً رغبات الشعب. أعرف أن ذلك يبدو مثاليا بعض الشيء، لدينا علاقة محبة مع الشعب، ومهمتي هي تحقيق آمالهم وطموحاتهم. وهكذا، فإن الأمور تتطور وينبغي على الملَكيات أن تستمر في التطور.

تشارلي روز: والتغيير.

جلالة الملك: والتغيير بالتأكيد. من التطور يأتي التغيير.

تشارلي روز: جلالة الملك، لقد كان من دواعي سروري دائماً أن آتي إلى الأردن، وان أجري حواراً معك وأن ننظر إلى ما يحدث، وهذه لحظة رائعة بكل تأكيد.

جلالة الملك: شكراً لك، إن ذلك من دواعي سروري أيضاً.

تشارلي روز: جلالة الملك عبد الله ملك الأردن، من القصر الملكي هنا في عمان. شكراً لانضمامك إلينا.