مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة الـ سي. إن. إن.

١٨ تموز ٢٠١٢

سي. إن. إن.: صاحب الجلالة، شكرا لانضمامك إلينا. يوجد الكثير من القضايا التي نود مناقشتها. دعنا نبدأ بسوريا، فكما تعلم، فإن بعضا من كبار مسؤولي الدفاع هناك قتلوا في عملية انتحارية. ماذا كان رد فعلك الفوري عندما سمعت ما جرى في قلب دمشق؟

جلالة الملك: حسنا، من الواضح أن ما حدث كان مفاجئا، أقصد أن تلك بلا شك ضربة قوية للنظام. وبالرغم من ذلك، أعتقد أن النظام سيظهر بعض الجلد، على الأقل في المستقبل القريب.

سي. إن. إن.: جلالتكم، ألا تعتقدون بالضرورة أن هذا مؤشرا على أن  نظام الرئيس بشار الأسد يتداعى؟

جلالة الملك: هذا يظهر بالتأكيد بعض التصدعات في النظام، ولكني أعتقد أننا يجب ألا نتسرع في الاستنتاج.

سي. إن. إن.: هل أنت متفق تماما مع وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا وإدارة أوباما فيما يتعلق بسوريا؟

جلالة الملك: لقد حاولنا جميعا كمجتمع دولي التواصل مع النظام السوري لكي يتخذ خطوة الانتقال السياسي للسلطة، ولكننا لم نشهد أي تقدم بهذا الاتجاه على أرض الواقع. ولسوء الحظ هذا هو الحال الراهن، والمحصلة التي نشهدها هي تصاعد العنف على الأرض.

سي. إن. إن.: أوضحتم جلالتكم عدة مرات في الشهور الأخيرة أن الوقت قد حان كي يتنحى الرئيس السوري بشار الأسد. هل هذا صحيح؟

جلالة الملك: ما كنت أقوله هو أن القضية لا تتعلق ببشار. ماذا سنحقق إن تنحى بشار غدا وبقي النظام؟ ما كنا نحاول توضيحه هو أننا بحاجة لصيغة انتقالية تشعر النظام أن له مساهمة في المستقبل، وأن تشعر الطائفة العلوية، وهي طائفة مهمة في سوريا، أن لديها مستقبل وحياة تعيشها. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي من خلال الانتقال السياسي للسلطة.

ومن جوانب المشكلة أيضا، كوننا جزء من المجتمع الدولي هو محاولة التوصل إلى خيار سياسي دولي. لقد شهدنا في الأسابيع الماضية نوعا من التوتر على الأرض بين الطوائف المختلفة رفع من مستوى العنف لدرجة أن الحل السياسي قد لا يكون خيارا متاحا.

سي. إن. إن.: هل تتفقون جلالتكم مع القول أن ما يحدث في الواقع السوري هو حرب أهلية؟

جلالة الملك: أعتقد أننا في الوقت الذي نستمر فيه في البحث عن حل سياسي، قد تباغتنا الوقائع على الأرض. وعليه فإنني أرى أن الوقت يدركنا، فهل نحن، كما أشرت أنت، قد وصلنا إلى نقطة أصبح عندها الحل السياسي متأخرا جدا؟ أعتقد أن علينا أن نستمر في إعطاء السياسة فرصة، ولكن إن لم نكن تجاوزنا تلك الفرصة بعد، فإننا على وشك أن نتجاوزها.

سي. إن. إن.: بعض الناس يقولون، كما تعلم، أن بشار الأسد يجب أن يتعظ من تجربة غيره، مثل القذافي في ليبيا ومبارك في مصر، فهل عليه أن يغادر سوريا الآن ويبحث عن ملاذ في إيران أو روسيا أو أي مكان آخر؟ أم يجب محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب؟

جلالة الملك: الجدل القائم الآن هو حول كيفية وقف العنف، وهناك نقاط جدل أخرى في المجتمع الدولي. ما أقصده هو أننا نود أن نرى وقفا للعنف بالسرعة الممكنة، وإحلال السلام، والبدء بعملية انتقال سياسي للسلطة، وهذا أقل الشرور. وكما أعتقد، لو أن مغادرة بشار للمشهد وخروجه من سوريا يوقف العنف، ويمهد لعملية انتقال سياسي، فهذا أخف الشرور، لكن هل تجاوزنا هذه المرحلة حتى فات الأوان؟ هذا سؤال لا أملك له إجابة.

ومرة أخرى أود طرح التساؤل إن كان رحيل بشار يوقف العنف؟ ومن سيخلفه، وهل سيرغب هو أو من حوله في خلق الظروف الملائمة للانتقال السياسي الذي نتحدث عنه؟ لذلك، فإن الأمر لا يتعلق كليا بالشخص، بل بالنظام. وهل سيسمح النظام بالانتقال السياسي؟

سي. إن. إن.: جلالة الملك، متى كانت المرة الأخيرة التي تحدثت فيها مع الرئيس الأسد؟

جلالة الملك: قبل أكثر من سنة. وتقريبا في مثل هذا الوقت من العام الماضي حيث أرسلت رئيس الديوان الملكي مرتين لينقل له نصيحتي ومخاوفي حول الطريقة التي كان فيها النظام يتعامل مع الوضع.

سي. إن. إن.: إذا كان الرئيس السوري يشاهد هذه المقابلة الآن، وقد يشاهدها في دمشق لأنها تبث في العالم كله، ماذا يمكن أن تقول له؟ ماذا ستقول مباشرة للزعيم السوري؟

جلالة الملك: حسنا، أعتقد أننا بدأنا نصل إلى جوهر الموضوع، وأنا أنظر إلى المسألة من زاوية تنوع مكونات الشعب السوري.

ما أراه وأنا أتابع تطورات الوضع منذ آخر ثلاثة أسابيع أن العنف قد وصل إلى مرحلة تتقاتل فيها المجموعات المختلفة في المجتمع السوري وتهاجم بعضها إلى حدٍ أصبح عنده من المحتمل تطور الوضع إلى حرب أهلية شاملة.

بمعنى آخر، عمت الفوضى كثيراً لدرجة أنني اعتقد أن السيناريو الأسوأ أصبح ممكناً، وهو بالنسبة لنا في المنطقة اندلاع حرب أهلية شاملة، وعندها يصبح من المستحيل النجاة من الانزلاق نحو الهاوية. إن سوريا بلد ينطوي على تعقيدات أكثر من دول أخرى في المنطقة.

والحقيقة، فإن الأقليات المختلفة هناك مجتمعة هي التي تشكل الأغلبية، وهذا وضع يختلف عن أي دولة أخرى في منطقة المشرق العربي والجزيرة العربية. فإذا ما انهار النظام المدني ووصل نقطة اللاعودة،  فإن إصلاح سوريا سيستغرق أعواماً.

ولدي شعور بأننا بدأنا نرى مؤشرات ذلك في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. والأشخاص الوحيدون الذين يمكنهم إبعاد الجميع عن حافة الهاوية هم بلا شك الرئيس والنظام.

سي. إن. إن.: القضية المعقدة والخطيرة جداً كما تعلم — وأنت على حق فيما قلته عن المنطقة هناك — هي قضية مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا. يقول وزير الدفاع ليون بانيتا، ومسؤولون أمريكيون آخرون إنهم قلقون جداً بشأن الغاز السام، غاز السارين، وغازات الأعصاب الأخرى المخزنة في مواقع مختلفة في سوريا. ما مدى قلق الأردن حيال ذلك؟

جلالة الملك: أعتقد أن دول المنطقة والمجتمع الدولي عموماً ينظرون بقلق بالغ إلى ما نسميه أسلحة الدمار الشامل، وهي الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ليس في الفترة الأخيرة فحسب، بل منذ بداية الأزمة. وأعتقد أن النظام السوري يعلم أننا جميعاً في المنطقة نراقب ونتابع هذه المسألة، وأعلم أن هناك نقاشات ومخاوف من أن يستخدم النظام السوري تلك الأسلحة.

أعتقد أنهم يعلمون أنه سيكون هناك فعل فوري من المجتمع الدولي إن ارتكب النظام السوري خطأ استخدام هذه الأسلحة الكيماوية. ونحن ببساطة لا نقبل استخدامها ضد الشعب السوري، وهناك خوف من أن تقع في الأيدي الخطأ.

سي. إن. إن.: عندما تقول رد فعل فوري، أعلم يا جلالة الملك أنك كنت سابقاً معارضاً للتدخل العسكري الخارجي في سوريا. لكن لو كانت هناك دلائل على قرب استخدام النظام السوري لمخزونه من الأسلحة الكيماوية، هل ستغير رأيك؟ هل ستدعم تدخلاً أجنبياً مباشراً؟

جلالة الملك: حسناً. أظن أنك تقصد النقاشات الجارية في الأمم المتحدة حول احتمالية استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وأن ذلك سوف يستدرج رد فعل دولي ضد سوريا. أعتقد أنه سيكون من الصعب على الروس وأطراف أخرى أن تعارض مثل هذا القرار الدولي لو صدر.

سي. إن. إن.: هناك بعض الإيحاءات أن للقاعدة وجودا من نوع ما في سوريا الآن.

جلالة الملك: المعلومات تقول هناك تواجد للقاعدة في بعض المناطق داخل سوريا، وهم هناك منذ فترة. وأكرر أن أحد أسوأ السيناريوهات أن تقع بعض الأسلحة الكيماوية في أياد معادية، بينما نحاول البحث عن حلول سياسية.

سي. إن. إن.: هذا سيغير مسار الأمور كما تقول. ومع ذلك نجد الروس يحمون الأسد في مجلس الأمن. وهم مدعومون إلى درجة ما من قبل الصين. هل من مؤشرات على أن روسيا على وشك أن تغير موقفها؟ لأنها كما تعلم تملك حق الفيتو في مجلس الأمن؟

جلالة الملك: عليك أن تفهم موقف الروس من أساسه. لروسيا أهداف استراتيجية في سوريا، وهي تشعر أن القوى الغربية تجاهلتها تماما في ليبيا، بعد أن كان الروس يملكون مصالح هناك منذ زمن بعيد جداً. وعندما حدث التغيير، استطاعت القوى الغربية بكل يسر أن تستبعد روسيا والصين مما ترك طعم المرارة لدى هاتين الدولتين. وبالتالي فان بعضاً من التصلب الروسي سببه ما حدث في ليبيا.

ولذا فان سوريا لها أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لروسيا. وقد شاهدنا الروس يحضرون كل اجتماع، ويسعون للوصول إلى حلول سياسية. ومن الواضح أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد لفتت أنظارنا مؤخراً. وعلينا انتظار ما سيحدث في الأمم المتحدة.

سي. إن. إن.: ما هو موقف الأردن من فكرة تسليح المعارضة؟

جلالة الملك: عندما نتحدث عن هذه القضية نقول: لمن سترسل هذه الأسلحة بالتحديد؟

سي. إن. إن.: كانت مراسلتنا لدى البنتاغون برباره ستار في الأردن منذ فترة قريبة لتغطية المناورات التدريبية التي أجريتموها هناك، والتي أعتقد أنه شارك فيها 19 دولة و12.000 جندي. ما هو الرابط، إن وجد، بين هذه التدريبات وما يجري في سوريا.

جلالة الملك: كما تذكر كان هناك مناورات مشتركة تجري كل عام تقريباً في مصر، ولأنه لم يكن مجال هذا العام لتنفيذها هناك، جرت في الأردن.

ومما لا شك فيه أن هذه التدريبات المشتركة وفرت فرصة للتنسيق بين عدد كبير من الدول، وبالتالي وكما هو معروف يسعى الإعلام الدولي إلى الربط ما بين هذه المناورات وقضية سوريا، لكن الواقع مختلف.

سي. إن. إن.: بمناسبة الحديث عن مصر، ماذا عن بروز الإخوان المسلمين هناك، حيث الرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، ينتمي للإخوان. ما شعوركم نحو ذلك؟

جلالة الملك: لقد قدمنا التهنئة للرئيس وللشعب المصري. ومما لا شك فيه فإن هذه الانتخابات مهمة جداً للشعب في مصر. أما بالنسبة لنا في الأردن، فإن مصر دولة مهمة جداً في المنطقة، وإحدى أركان شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية. مصر بالنسبة لنا لبنة أساسية في الشرق الأوسط. ونحن بحاجة إليها كأحد الأطراف الرئيسة في العملية السلمية، ولمواجهة التحديات العديدة في المنطقة.

وما نتمناه الآن هو أن تستطيع مصر، بدلاً من الانشغال فقط بشؤونها الداخلية كما هو حال دول الربيع العربي، الانخراط في القضايا الدولية. ونحن نتطلع إلى العمل مع الحكومة المصرية وتنسيق مواقفنا تجاه قضايا مختلفة مثل عملية السلام والوضع في سوريا.

سي. إن. إن.: لم يتبق لدينا وقت جلالة الملك، ولكن أحد الأسئلة الأخيرة يتعلق نوعاً ما بالسياسة الأمريكية. كما تعلم فإن مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني سيتوجه إلى إسرائيل للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو، وأعتقد أنه سيلتقي رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض كذلك. بصفتكم بلداً منخرطاً عن قرب في عملية السلام في الشرق الأوسط، وعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر السنين، وتربطكم بإسرائيل معاهدة سلام متكاملة وعلاقات دبلوماسية لسنوات عديدة، ماذا تأملون أن يكون الانطباع الذي يخرج به ميت رومني من المنطقة؟

جلالة الملك: لقد جاء لزيارتي قبل حوالي عام كما أظن، وتناقشنا حول التحديات التي تواجه عملية السلام. وهو يتفهم الربيع العربي وكل التحديات التي تواجهنا، ويدرك أن القضية الجوهرية في الشرق الأوسط هي عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحل الدولتين.

وافترض أن زيارته لإسرائيل ولقاءاته مع رئيسي الوزراء الإسرائيلي والفلسطيني ستوفر له فرصة للدفع باتجاه تسريع المفاوضات بين الطرفين. وأضيف هنا أن النقاشات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا تزال جارية. فمباحثات السلام، إن جاز التعبير، لم تمت، ومهمتنا الإبقاء على العملية حية حتى نهاية هذا العام، حين تختتم الانتخابات الأمريكية. وبناء على من سيفوز من المرشحين، سنكون في وضع أفضل لإدراك سبل تحريك عملية السلام بداية العام القادم.

سي. إن. إن.: هل ترى أي فرق رئيسي بين ميت رومني وباراك اوباما فيما يتعلق بعملية السلام؟

جلالة الملك: مما لا شك فيه أن هناك فرقا بين الفترة الرئاسية الأولى والثانية لأي رئيس أمريكي يتعامل مع هذه القضية الجوهرية. فالرئيس في فترته الثانية يكون في وضع مريح أكثر للتعامل مع عملية السلام في الشرق الأوسط. وبلا شك فإن الرئيس في فترته الأولى يميل لأن يكون أقل رغبة في التعامل مع هذه القضية الصعبة، على الأقل في أول سنتين من رئاسته، وهذا شيء اعتدنا عليه خلال عقود عديدة.

ولكن أقول مرة أخرى إن المرشح الرئاسي [رومني] مدرك تماماً للقضايا وقد تبادلنا الآراء حولها قبل عام. وبغض النظر عمن سيكون الرئيس، أنا واثق أن كلاهما يتفهمان ما يحدث في الشرق الأوسط، حيث لا تزال القضية الأساسية تتمثل في حل الدولتين والتحديات التي تواجه الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.