مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية

١٢ أيلول ٢٠٠٦

الحياة: تتصاعد المخاوف من اندلاع حرب أهلية مفتوحة في العراق، هل لديكم مخاوف من هذا النوع، وهل بدأ الأردن التحسب لمثل هذا الاحتمال؟

جلالة الملك: إن ما يجري في العراق يثير قلقنا خاصة ونحن نرى استمرار العنف الذي يأخذ طابعا طائفيا في بعض الأحيان. لكنني في نفس الوقت أعول كثيرا على وعي الشعب العراقي الشقيق وإدراكه للمخاطر التي تهدد هذا البلد، كما إنني أقدر حرص رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، على وحدة العراق ووحدة أراضيه. لقد قابلت السيد المالكي مؤخرا، ولمست لديه حرصا على وحدة العراق، والرجل يمتلك برنامجا حول كيفية الخروج من دوامة العنف في هذا البلد، ونحن مدعوون جميعا لدعمه وإنجاح برنامجه من أجل مستقبل العراق ومستقبل المنطقة برمتها. كما أن العرب جميعا مدعوون لمساندة العراق والوقوف إلى جانبه، وعدم السماح لأي كان التدخل في شأنه.. فلنترك العراق للعراقيين ليقرروا مستقبل بلدهم. لقد حذرت كثيرا من مغبة تداعيات تدهور الوضع الأمني في العراق، الذي نراه يتزايد يوما عن يوم، ويقف حائلا أمام أي جهود مخلصة لإنقاذ العراق، مما هو فيه من اضطراب وعنف واقتتال أعمى، وانزلاق متسارع نحو حرب أهلية قد تمتد آثارها، لا سمح الله، لتزعزع الاستقرار في المنطقة برمتها. ونحن في الأردن كدولة مجاورة للعراق، ولما يربطنا بشعبه من علاقات أخوية تاريخية، فمن الطبيعي أن نكون أول المتأثرين بما يجري هناك ومن مصلحتنا أن ينجح العراقيون في مسعاهم نحو إيجاد عراق موحد وآمن مصانة سيادته واستقلاله وإرادته.

الحياة: ستشاركون في الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، هل تحملون معكم مشروعاً أردنياً أو عربياً لحل الصراع العربي - الإسرائيلي؟

جلالة الملك: لا نحمل مشروعا أردنيا، لكن هناك بعض الأفكار التي تم التوافق عليها بالتنسيق مع السعودية ومصر وبعض الدول العربية والرئيس الفلسطيني أبو مازن.. لإعادة تحريك العملية السلمية استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وخطة خارطة الطريق.

الحياة: العدوان على لبنان بدد أجواء الثقة بالمفاوضات والسلام، ما هي الخطوات للعودة إلى عملية السلام؟

جلالة الملك: السلام الذي يضمن حقوق الأطراف كافة، ويضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية.. هو السلام الذي يدوم وتحميه وتصونه الأجيال المقبلة، أما السلام المنقوص الذي لا يعيد الحقوق إلى أصحابها فسيبقى هشا وعرضة للانهيار. لقد جربنا منذ أوسلو العديد من المبادرات، ولكن بقيت هذه المبادرات ناقصة وسرعان ما انهارت، لتعود الأمور إلى المربع الأول. يجب أن يقوم السلام على أسس وقرارات الشرعية الدولية، وهو ما نصت عليه مبادرة السلام العربية التي أقرت في بيروت، عودة الحقوق العربية مقابل ضمانات أمنية لإسرائيل بالعيش في محيط الدول العربية بأمن وسلام.

الحياة: ولماذا تعتقدون أن الحلول الأحادية والجزئية لا تفيد في إحلال السلام؟

جلالة الملك: لأننا رأينا ما حصل في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي منها، ورأينا ما حصل في لبنان التي انسحبت منها إسرائيل عام 2000، لتعود إليها من جديد. إن السلام الذي يدوم هو السلام الذي تؤمن وتقتنع به كل الأطراف، ويأتي بعد مفاوضات واتفاقيات دولية.. أما ما يسمى بالسلام الأحادي الجانب فقد ثبت فشله، بالواقع الملموس.

الحياة: منذ أكثر من عام، قلتم أن الوقت المتاح أمامنا للتسوية السلمية هو بحدود السنتين، هل قلّت أم زادت تلك المدة؟

جلالة الملك: للأسف لقد تقلصت وتقلصت معها مساحة التفاؤل. إنني أحذر من مستقبل مظلم للمنطقة إذا لم نتحرك على أسس واضحة ومقبولة من قبل كل الأطراف خلال الأسابيع المقبلة، من أجل التوصل إلى حل تقتنع به الشعوب من بعد.

الحياة: قلتم بعد العدوان على لبنان إن لا حل عسكرياً للصراع العربي - الإسرائيلي والاحتلال يولد المقاومة؟ لكن إسرائيل قتلت عملية السلام، ما هو الحل؟

جلالة الملك: الحل هو بالعودة للسلام.. بالعودة إلى طاولة المفاوضات. لقد تأكد لإسرائيل الآن مثلما تأكد للولايات المتحدة وللعالم اجمع، بعد حرب لبنان، فشل الحلول الأحادية الجانب... فلا مستقبل لإسرائيل إلا بتحقيق سلام عادل يعيد الحقوق لأصحابها، فلا يمكن لإسرائيل ولا للمنطقة برمتها أن تنعم بالأمن إذا لم ينعم الفلسطينيون بالاستقرار... آن الأوان لكي نعود إلى جذور الصراع، وإلى جوهر المشكلة، وهي القضية الفلسطينية، التي بدون حل عادل لها يعيد حقوق الشعب الفلسطيني ويضمن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على الأرض الفلسطينية، فلن تنعم شعوب المنطقة بالأمن والاستقرار. إنني أحذر من أنه إذا لم نبدأ خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، بعملية تفاوض شاملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ومترابطة جغرافيا خلال فترة زمنية محددة، فإنه سيكتب على شعوب هذه المنطقة، أن يعيشوا سنوات عصيبة قادمة عنوانها العنف.

الحياة: هناك توجه نحو قيام وحدة وطنية فلسطينية فهل يساعد ذلك الجهود لإعادة آفاق التفاوض والحلول؟

جلالة الملك: نأمل في نجاح هذه الخطوة وأن تتوافر فيها العناصر الكافية لإعادة إحياء عملية التفاوض، كان الوضع الفلسطيني صعباً في الشهور الماضية. ويساورني قلق عميق على مستقبل الوضع الفلسطيني ما لم يظهر خلال أسابيع أو شهور قليلة أمل بإعادة إطلاق الحلول العادلة. الوقت المتاح ليس طويلاً والمشكلة الفلسطينية هي الأساس ولابد من التقدم على طريق الحل لتبديد مناخات اليأس والإحباط التي تساهم في انتشار الإرهاب وزعزعة الاستقرار. هذا الموضوع كان حاضراً بقوة في كل لقاءاتي مع القادة العرب في الفترة الأخيرة والهدف توحيد الرؤية وتوظيف الثقل العربي لتشجيع القوى الدولية على الانخراط مجدداً في الجهود لقيام دولة فلسطينية. بقاء الأفق مقفلاً ينذر بمخاطر على الفلسطينيين وعلى المنطقة أيضاً. التقدم في معالجة الموضوع الفلسطيني سيسهل معالجة المشكلات الأخرى في المنطقة. التنسيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائم و مستمر.

الحياة: تعيش المنطقة على وقع الملف النووي الإيراني، هل تخشون أن يؤدي هذا الملف إلى مواجهة عسكرية؟

جلالة الملك: نأمل أن لا تحصل أي مواجهة عسكرية، فمنطقتنا لا تتحمل كارثة جديدة قد ندفع ثمنها جميعا، لقد سئمت شعوب هذه المنطقة الحرب، وما عادت تتحمل المزيد من العنف والكوارث والدمار.. والمطلوب اليوم، أن يسعى المجتمع الدولي لحل قضية الملف النووي الإيراني عبر الحوار والطرق الدبلوماسية. فهذا الخيار يجب أن يبقى مفتوحا، فهو ليس في صالح إيران فقط، بل في صالح سلام واستقرار المنطقة والعالم. إن المطلوب اليوم هو استئناف المفاوضات للتوصل إلى نتائج ترضي الجميع وتحقق الأمن والسلام الإقليمي.

الحياة: تتخوف جهات عربية مما تسميه محاولات إيران لانتزاع الدور الأول في المنطقة عبر عمليات تمدد سياسية وعسكرية وأمنية ومالية. وهناك من يتحدث عن محاولات لتشييع بعض أهل السنة في المنطقة، فما هو رأي جلالتكم؟

جلالة الملك: إن ما يدعو للأسف أن هناك بعض الجهات والقوى الإقليمية التي تسعى إلى تأجيج الصراع وإحداث الفتنة بين السنة والشيعة. إنني ومن منطلق انتمائي لآل البيت حريص كل الحرص على المسلمين أينما كانوا شيعة وسنة، وإن من يحاول المساس بالعلاقة بين المسلمين هو خائن لدينه ولأمته. ولقلقنا لما يحدث في العراق، فقد بادرنا إلى جمع علماء الأمة الإسلامية من السنة والشيعة على اختلاف مذاهبهم، في المؤتمر الإسلامي الدولي، الذي عقدناه في عمان عام 2005، وشكل خطوة باتجاه تأكيد الجوامع والقواسم المشتركة بين جميع المسلمين، وأقر المجتمعون بشرعية المذاهب الإسلامية الثمانية المعروفة.. وكنا قد أطلقنا سابقا رسالة عمان التي أردنا من خلالها مواجهة الإدعاءات الزائفة للمتطرفين، وإعطاء السلام المعتدل الصوت والأهمية التي يستحقهما على صعيد العالم.. كما سنقوم خلال الشهرين المقبلين بعقد مؤتمر للعلماء والقيادات الدينية العراقية في عمان، على اختلاف مذاهبهم، بهدف تعميق وحدة الصف العراقي، والوصول إلى توافق ديني يمهد إلى توافق سياسي يساعد في وضع نهاية لحالة العنف والاقتتال الطائفي.. وتوجيه طاقات أبناء العراق لبناء بلدهم الآمن والمستقر.. ودعني أؤكد لك أننا قلقون من أي تدخل خارجي في شؤون العراق.. وإبقاء الساحة العراقية مفتوحة على العنف.. العراقيون هم وحدهم أصحاب الحق في تقرير مستقبلهم بعيدا عن أي تدخل أو أطماع خارجية.

الحياة: كيف تصفون العلاقات السورية - الأردنية اليوم، ولماذا لم تقم بين القيادتين الشابتين في المنطقة العلاقات الوثيقة التي توقعها البعض قبل أعوام؟

جلالة الملك: بصراحة لا استطيع أن أقول أنها ممتازة... لقد حرصت منذ أصبح الرئيس بشار الأسد رئيسا للشقيقة سوريا، على فتح صفحة جديدة مع سورية، عنوانها الثقة والعمل لما فيه مصلحة البلدين الشقيقين، لأننا نؤمن بضرورة وأهمية بناء علاقات إيجابية بين جميع الدول العربية، ونؤمن كذلك أن نجاح أي دولة عربية هو تماما نجاح للأردن، لكن للأسف، لم نجد ترجمة على أرض الواقع للنوايا الحسنة التي كنا نسمعها. إن ما يهمنا هو أن تحافظ سوريا على دورها الهام داخل الصف العربي في ترسيخ مفاهيم الأمن والاستقرار. نحن حريصون على سورية والتعاون معها، والعلاقات بين المؤسسات في البلدين قائمة، وتسير في شكلها الطبيعي، وهناك زيارات متبادلة لوفود حكومية.

الحياة: تردد أنكم سعيتم في بعض المراحل إلى التخفيف من الخلاف الأمريكي - السوري، ماذا تريد أمريكا من سوريه حالياً تغيير النظام أم تغييراً في سياسته، خصوصاً لجهة التحالف مع إيران؟

جلالة الملك: لقد حاولت مرارا وتكرارا، وفي مراحل عدة أن نقلل من وطأة الخلاف بين الولايات المتحدة وسوريا، وكنا ننصح الأمريكيين بالاستماع إلى وجهة النظر السورية، وأن يفتحوا حوارا دبلوماسيا مع القيادة السورية، ولكن بعد التطورات التي حصلت في المنطقة، وخاصة بعد الخلاف السوري اللبناني، واغتيال المرحوم رفيق الحريري، فإن شقة الخلاف اتسعت أكثر فأكثر والمسألة ازدادت تعقيدا خلال الأشهر الماضية. نتمنى لسوريا كل الخير والتقدم. إن أي ضرر يلحق بسوريا لا قدر الله يؤثر علينا.

الحياة: لماذا رفضتم المشاركة في القوة الدولية بلبنان؟

جلالة الملك: إن المشاركة في قوات دولية من هذا النوع، يجب أن تحظى برأيي بدعم وغطاء عربي. لذلك، فإنني أرى أن جامعة الدول العربية هي المؤسسة الأقدر على حسم موضوع مشاركة قوات عربية ضمن القوات الدولية في لبنان.

الحياة: تسعون إلى بناء إستراتيجية عربية موحدة لمواجهة التحديات في فلسطين والعراق ولبنان، ما هي أسس هذه الإستراتيجية؟

جلالة الملك: إستراتجيتنا تعتمد على توحيد الموقف العربي، وعلى الخروج برؤية عربية موحدة، إزاء التحديات التي تواجهها المنطقة، ولأننا نؤمن إيمانا قاطعا أنه بدون موقف عربي موحد، يجعل صوتنا مسموعا، فإن هذه المنطقة ستكون نهبا للطامعين. لقد قلت بوضوح مؤخرا أنني أخشى على الدور العربي من التهميش، فالدول العظمى إذا لم تجد أمامها موقفا عربيا واضحا وموحدا، فإنها ستبحث عن بديل تتفاوض معه نيابة عن العرب، وعندها سنندم جميعا. ولهذا فقد بذلت خلال الأشهر الماضية، جهودا مخلصة والتقيت مع الإخوة القادة العرب، لصياغة موقف عربي يعزز إستراتيجيتنا لحماية مستقبل العرب جميعا.

الحياة: هل يعني ذلك أن التنسيق الثلاثي الأردني - السعودي - المصري، يسير باتجاه تشكيل محور جديد في المنطقة؟

جلالة الملك: الأردن أبعد ما يكون عن سياسة المحاور، فتنسيق الأردن لا يقتصر على السعودية ومصر بل يشمل دولا عربية أخرى. لقد عملنا مع الأشقاء في السعودية ومصر، وبعض الدول العربية، على بلورة موقف عربي موحد للتعامل مع أزمات المنطقة برؤية واحدة، بعيدة كل البعد عن سياسة المحاور، لكن للأسف هناك بعض القوى الإقليمية وبعض الأشقاء، لم يرق لها أن هذه الدول تتشاور وتبحث في بلورة موقف عربي موحد، وشككت بأهداف ومساعي هذا التنسيق. وهنا أتساءل إذا كان التنسيق مع مصر والسعودية والإمارات والكويت واليمن والسودان غير مقبول، فهل المقبول أن ننسق ونتحالف مع قوى إقليمية قد لا تضمر الخير لهذه المنطقة.. أهذا هو المقبول؟؟.

الحياة: بتقديركم ما هي الدروس المستقاة من العدوان على لبنان؟

جلالة الملك: إن أكبر درس هو فشل سياسة إسرائيل في فرض الحلول الأحادية الجانب، وفشل الاعتماد على القوة كحل للصراع في المنطقة، وفشل لسياسات الدول الكبرى التي لم تسعى جادة لمساعدة دول الشرق الأوسط في إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، وفشل لسياسات التدخل في شؤون لبنان، وإذا كانت إسرائيل دمرت قرى ومدنا، وضربت البنية التحتية لحزب الله، فإنني لا اعتقد أنها تضمن عدم ظهور حزب الله آخر، ربما يكون في بلد آخر هذه المرة. إن أكبر درس يجب أن نتعلمه من العدوان على لبنان، هو أن لا أمن ولا استقرار في المنطقة إلا بالعودة إلى جذور الصراع وهو القضية الفلسطينية، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية.

الحياة: هل يثير الوضع في لبنان قلقكم؟

جلالة الملك: جداً، تعرفون ما للبنان من حب وتقدير لدينا ولدى كل الأردنيين، كنت متفائلاً جداً بالنسبة إلى لبنان في السنوات الست الماضية من حيث التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، اعتبرت أن لبنان يمكن أن يشكل نموذجاً لكل العرب بانفتاحه ورغبته في التطور والبناء وكنا نحن في الأردن نأمل أن نرسخ هذا التوجه لدينا. اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رحمه الله صدمنا و أثر علينا كثيراً في الأردن، ثم جاءت الحرب الأخيرة التي أعادت لبنان ثلاثين سنة إلى الوراء. وعلى رغم ما قدمناه إلى الأشقاء في لبنان نشعر دائماً بالتقصير فلبنان يعني الكثير للأردنيين وكل العرب. نحن على اتصال يومي بأشقائنا في لبنان لنستطلع كيف يمكننا المساعدة. أرسلنا مستشفى ميدانياً وساهم سلاح الجو في إعادة فتح المطار، نفكر في كيفية مساعدة القطاع الخاص اللبناني من جديد، وتشجيع الاستثمارات العربية على التوجه إلى لبنان، نحن على اتصال دائم برئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيوره ونعتبر مساعدة لبنان على تجاوز هذه المرحلة واجباً عربياً.

الحياة: هل هناك مخاطر من انتكاس عملية تطبيق القرار 1701 وإصابة المظلة الدولية بثقوب؟

جلالة الملك: هناك اليوم شعور جدي بضرورة حماية الاستقرار اللبناني، شعور لدى الأوربيين والأمريكيين وعدد كبير من الدول العربية، لم يكن الشعور بخطورة الوضع اللبناني على هذه الدرجة في الأسبوع الأول من الحرب، الوضع اليوم أفضل بكثير، ما يقلقني بصورة خاصة هو أن ينقسم اللبنانيون وأن تتخطى الخلافات السياسية حدود الحملات السياسية والإعلامية خصوصاً أن هناك من يريد إبقاء لبنان غير مستقراً أو تخريب خطوات الاستقرار التي تحققت، طبعاً على هذه الجهات أن تدرك أننا لا نقبل بأن نلعب مثل هذا الدور الخطير على لبنان والمنطقة.

الحياة: هل تقصدون التدخلات في الشأن اللبناني؟

جلالة الملك: أعتقد أن الوقت حان لترك لبنان للبنانيين، ترك اللبنانيين يقررون شؤونهم ومستقبلهم من دون تدخلات أو ضغوط، وإذا حصل ذلك فإن الشعب اللبناني شعب يمتاز بحيوية تضمن عودة لبنان إلى مسيرة البناء والنهوض، المقصود بوقف التدخلات كل الجهات التي يمكن أن تؤثر على الوضع اللبناني، في هذا السياق يجب أيضاً أن نضغط على إسرائيل في موضوع مزارع شبعا. حل هذه المسألة أمر مهم بالنسبة إلى مستقبل العلاقات بين لبنان وسورية. نحن نتحرك في هذا السياق وهناك تحرك أوروبي أيضاً، موضوع الأسرى أيضاً يحتاج إلى متابعة، لا بد من بعض الوقت لكن هذه المسائل مهمة. إذا عولجت هذه المسائل وتوقفت التدخلات سينهض لبنان بالتأكيد وسيتحرك اللبنانيون إلى الأمام، أنا متفائل وواثق من قدرة الشعب اللبناني على تجاوز آثار الحرب.

الحياة: هل يمكن أن تشكل نتائج عمل لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري عنصراً جديداً للتفجير؟

جلالة الملك: أعتقد أن من حق اللبنانيين أن يعرفوا حقيقة ما حصل. ومن حق العرب أيضاً أن يعرفوا، محاولات تفادي ظهور الحقيقة ليست مفيدة على الإطلاق، جريمة بهذا الحجم يجب أن تنكشف خيوطها وملابساتها خدمة للبنان وللاستقرار في المنطقة، ولجنة التحقيق تعمل بدعم من الشرعية الدولية‘ على اللجنة أن تسلط الضوء على هذه الجريمة الإرهابية ليحاسب كل متورط أو ضالع. يجب ترك التحقيق يأخذ مجراه.

الحياة: هل تعتقدون أن اغتيال الحريري كان جزءاً من برنامج كبير؟

جلالة الملك: منذ جريمة الاغتيال، هناك سؤال لماذا استهدف رفيق الحريري؟ إنه لبناني معتدل وعربي معتدل ومسلم معتدل، وهو رجل حوار وتعاون وبناء، وضع علاقاته الدولية الواسعة في خدمة بلده والعرب وجهود الإعمار والاستقرار. هل استهدف لأنه يجمع كل تلك الصفات ولأن دوره كان يساهم في ترسيخ نهج الاعتدال والانفتاح والاستقرار؟ وهذا هو السؤال.

الحياة: هل تعتقدون أن بعض أخطاء السياسة الأمريكية في المنطقة تعزز مواقع المجموعات الإرهابية والجهات التي تتعاطف معها؟

جلالة الملك: للأسف هذا ما حصل، منذ الحادي عشر من سبتمبر ساهمت ردود الفعل الأمريكية على الهجمات التي تعرض لها الأمريكيون، بتعزيز مواقع الجماعات الإرهابية. ولقد حذرنا بعد الحادي عشر من سبتمبر من وجود من يحاول إحداث انقسام بين الشرق والغرب، واستغلال الأخطاء الأمريكية في المنطقة، لصالح تعزيز الكراهية والانقسام، بحيث أصبحت المساحة المتاحة أمام المعتدلين ضيقة، وهو الأمر الذي يثير قلقنا جميعا، فقد تم تحييد الأصوات المعتدلة، واختطفت المنطقة لصالح أجندات لا يقدر أصحابها مستقبل شعوب هذه المنطقة، ولا يريدون وحدة أمتنا العربية. ومن أجل ذلك، نحن نطالب اليوم أن يحقق الاعتدال إنجازا ملموسا، حتى يلتف الناس حوله، لأنه بعكس ذلك، فإن الناس ستتبنى وسائل أخرى للدفاع عن حقوقها، وهي وسائل نعرفها جميعا، لا بل جربنا خطورتها والكوارث التي رافقتها.

الحياة: كيف ترون مسار "الحرب على الإرهاب" في العالم؟ وما هي أبرز التحديات الإرهابية التي يواجهها الأردن؟ وهل هناك دول تسعى إلى زعزعة استقرار الأردن؟

جلالة الملك: الأردن ودول المنطقة كلها أصبحت اليوم، في حرب مستمرة على الإرهاب، خاصة وأن أغلب ضحايا الإرهاب هم من العرب والمسلمين، إذ لا بد من تجفيف منابع المشاكل التي يستغلها الإرهابيون كذريعة لأعمالهم الإجرامية، وتعزز مواقف الجهات والأشخاص الذين يقفون وراءها ويدعمونها، هناك تحديات عديدة تواجهنا، فإذا بقيت القضية الفلسطينية بدون حل، وواصلت إسرائيل ممارسة سياسة الحصار على الشعب الفلسطيني، والقتل الذي يولد اليأس والإحباط، وتواصل القتل اليومي في العراق، فإن الشعور باليأس والإحباط سيتعزز ويجلب معه التطرف والإرهاب. وكما ترى اليوم، فالأردن بين حرب في فلسطين، وعنف يتزايد في العراق، وقوى إقليمية تعمل جاهدة لزعزعة أمن المنطقة برمتها، وهذا تحد كبير.

الحياة: ثمة ضجة في أوساط المعارضة الأردنية تنتقد مشروع قانون منع الإرهاب بحجة أنه قانون بوليسي يكمم الأفواه ويتجاوز على حقوق الناس، فما هو رأيكم؟

جلالة الملك: لقد ابتدأ التفكير بقانون منع الإرهاب بعد أن تعرض الأردن لحادثين إرهابيين مريرين ذهب ضحيتهما مواطنون أبرياء، حادث تفجير الفنادق في عمان، الذي ذهب ضحيته 60 شخصا، وحادث العقبة قبل ذلك، وجاء الطلب بإقرار هذا القانون من قبل فئات عديدة من المواطنين، وقد تم أيضا التوافق عليه في ملتقى وطني مثّل جميع التيارات الحزبية والسياسية والفعاليات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني، وقد جاء أيضا لإدراك شريحة واسعة من الأردنيين، بأن الأردن يواجه تحديات كبيرة من الإرهاب الذي يأتي نتيجة عوامل خارجية محيطة بالأردن، ونتيجة أيضا لأن المشرعين الأردنيين وجدوا القوانين المعمول بها لا تفي بالغرض من حيث الوضوح والحزم في التعامل مع الإرهاب، وإنني لا اعتقد بأن أي مواطن غيور على مصلحة وأمن الأردن وأمن المواطنين يقف ضد هذه الخطوة التي تهدف إلى المحافظة على أمن شعبنا وأمن ضيوفنا. الحكومة لم تفرض قانون الإرهاب، كقانون مؤقت، بل أن هذا القانون حظي بموافقة كبيرة من قبل ممثلي الشعب في مجلس الأمة، وإنني أقول للذين يخشون على الحريات، أن الدستور الأردني والقوانين الأردنية تحفظ حقوقهم، لكننا لا نريد أن نؤمّن الحرية للإرهابيين أو الذين يريدون المساس بأمن الأردن وأمن شعبنا.

الحياة: حادث إطلاق النار على السياح وسط عمان هل يمكن أن يؤدي إلى التشدد في القانون أو يكون حجة للتضييق على الحريات العامة؟.

جلالة الملك: إطلاقا لن يكون كذلك، إن هذا الحادث أكد مجددا إيمان المواطنين والناس العاديين بنبذ الإرهاب، فهذه الحادثة جسدت توحد الشعب مرة أخرى في مواجهة الإرهاب، فقد كان للناس البسطاء المتواجدين بالقرب من المدرج الروماني حيث وقع الحادث، دور رئيسي في إلقاء القبض على المجرم، الذي بينت التحقيقات الأولية بأنه قام بارتكاب هذه الجريمة من تلقاء نفسه، ولا توجد أي مؤشرات لغاية الآن، على أن هناك جهة تقف خلفه.

الحياة: علاقة الحكومة مع الحركة الإسلامية، توترت في الفترة الأخيرة، خاصة بعد زيارة 4 من نوابها لبيت عزاء الزرقاوي، هل تعتقدون أن جماعة الإخوان المسلمين كسرت الخطوط الحمراء في العلاقة التقليدية مع الحكومة؟

جلالة الملك: لقد وردت إشارات عدة من قبل الحركة الإسلامية، ترفض ما قام به نواب عزاء الزرقاوي، وتؤكد على التزامها بثوابت الأردن في الحفاظ على الأمن ورفض الإرهاب. إنني أعلم تماما أن أغلبية المنتمين للحركة الإسلامية، هم من الذين يحبون بلدهم ويرفضون الإخلال بالأمن الوطني، والإخوان المسلمون لهم ممثلون في مجلس النواب وفي هيئات وطنية، ولهم منابر عدة يعملون من خلالها بكل حرية. إن معركتنا هي ضد التكفيريين الذين يكفّرون المجتمع، ويكفّرون حتى قيادات الحركة الإسلامية المعتدلة. وسيظل الدستور الأردني، مرجعية الحكومة والحركة الإسلامية ومرجعيتنا جميعا.. لكن الاستقواء بجهات غير أردنية على حساب الوطن، ومساندة الفكر التكفيري، هما أمران لا نقبل بهما إطلاقا.

الحياة: هل يعني ذلك أنكم تدعون لصياغة جديدة للعلاقة مع الحركة الإسلامية؟

جلالة الملك: الحركة الإسلامية حركة سياسية شأنها شأن حركات سياسية أخرى في المملكة، والعلاقة كانت وستبقى دائما مع الجميع، قائمة على مراعاة مصالح الوطن وثوابته ويحكمها الدستور الذي هو الفيصل بيننا جميعا.

الحياة: ماذا يعني تجديد جواز السفر الأردني الذي يحمله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بعد 7 سنوات من العلاقة المتوترة مع الحركة؟

جلالة الملك: لقد أرسل خالد مشعل جواز سفره إلى سفارتنا في الدوحة لتجديده، كما يفعل أي مواطن أردني ولقد تم له ذلك. وهذا يؤكد أنه ليس لدينا مشكلة شخصية مع هذا الرجل، بقدر ما هي مشكلة أمنية سياسية. وأود أن أضيف هنا أنه عندما اندلعت الحرب في لبنان، أرسل خالد مشعل أسرته إلى عمان، لضمان أمنها، وقدمت الحكومة التسهيلات لدخولها للأردن. مرة أخرى أقول إن الخلاف مع خالد مشعل كان في موضوع استهداف أمن الأردن، وهو اختلاف على السياسات التي يتبعها الرجل ليس إلا.

الحياة: تطالب المعارضة الأردنية بقانون جديد للانتخابات، لكن لوحظ تراجع الحديث عن هذا القانون وإرجائه إلى أجل غير مسمى، ما هي محاذير تعديل قانون الانتخاب الآن؟

جلالة الملك: نحن نريد إبتداء تقوية عود الحياة الحزبية، وننتظر ذلك اليوم الذي تجري فيه الانتخابات النيابية على أساس القوائم الحزبية. لكن الحقيقة الواضحة أنه لدينا مشكلة في الحياة الحزبية وهي عزوف الناس عن التوجه إلى الأحزاب، وهذا ربما عائد إلى سببين، الأول خوف الناس من الانضمام للأحزاب، الذي قد يكون ناتجا عن تجربة الخمسينات والستينات، والثاني عدم قناعتهم بجدوى الانضمام لهذه الأحزاب، خاصة في ضوء تشرذمها وتعددها وتشابه برامجها السياسية. فاليوم لدينا ما يربو عن ثلاثين حزبا، لكن عدد المنتسبين إليها يقل عن 1% من عدد المواطنين. على أية حال، هناك قانون للأحزاب معروض على البرلمان حاليا... نأمل أن يقر حتى نتمكن من تنظيم العمل الحزبي، ولنضمن أيضا نجاح إجراء الانتخابات على أسس حزبية، في المدى القريب إن شاء الله.

الحياة: رفعتم شعار الإصلاح الداخلي وأطلقتم العديد من المبادرات، فهل أنتم راضون عن ما تم إنجازه؟

جلالة الملك: نحن نسير بالاتجاه الصحيح... فالانجازات التي تحققت خلال السبع سنوات الماضية، إنجازات كبيرة أحدثت نقلة نوعية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إنني فخور بشعبي الأردني وبقدرته على الانجاز ومواجهة التحديات... الأردن كما تعلم بلا موارد طبيعية، لكن موردنا الطبيعي هو الإنسان، وهو الذي نعول عليه في بناء الأردن النموذج. لكنني وبرغم كل هذه الانجازات الكبيرة، لا أستطيع أن أقول أنني راضٍ تماما عن ما تم إنجازه... فطموحاتنا للأردن ولشعبنا ليس لها حدود. ولن تثنينا التحديات التي نواجهها عن سعينا لبناء الأردن الحديث، وتحقيق المستقبل الأفضل لشعبنا.

الحياة: جهات دولية عدة، موضوع وجود سجون أردنية يجري فيها تعذيب واستجواب معتقلين لصالح الولايات المتحدة، بماذا تعلقون؟

جلالة الملك: هذا كلام غير صحيح، ولا يوجد معتقلين لصالح الولايات المتحدة في الأردن أبدا. والسجون الأردنية كانت دائما مفتوحة أمام المؤسسات الدولية، ولم يتم الإشارة إلى تجاوز من هذا النوع في مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية.

الحياة: الفاتورة النفطية، أصبحت تثقل كاهل الموازنة الأردنية وخاصة بعد ارتفاع أسعار النفط عالمياً، ماذا أنتم فاعلون لحل المشكلة؟

جلالة الملك: تأمين ظروف معيشية أفضل لأبناء شعبنا وبخاصة ذوي الدخل المحدود والشرائح الفقيرة هو في سلم أولوياتنا... وهناك الكثير من المشاريع والبرامج التنموية الطموحة التي نأمل أن تسهم في التخفيف من حدة آثار الفاتورة النفطية علينا، وتحقق تطلعاتنا في تحسين أوضاع الشرائح الفقيرة التي كانت من أكثر الفئات تضررا جراء ارتفاع الأسعار. ولقد كان للدعم والمساعدات التي قدمتها لنا المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولتي الإمارات والكويت الشقيقتين في ظل الارتفاع الكبير في أسعار النفط دور مهم في التخفيف من أعباء هذا الارتفاع على الموازنة العامة للدولة، وتجاوز الآثار الناجمة عن ذلك.. وكلنا أمل أن تستمر هذه المساعدات.. حتى نتمكن من المضي قدما في برامجنا التنموية.

الحياة: هل يعيش الأردن دائماً وسط العواصف الإقليمية؟

جلالة الملك: للأسف نحن في منطقة صعبة.. قصة التعايش مع العواصف جزء من حياتنا في الأردن. هناك القضية الفلسطينية وانعكاساتها، حدثت حروب عربية إسرائيلية ودفعنا الثمن. وحدثت أزمات إقليمية و دفعنا الثمن. العواصف جزء من حياتنا. للأسف صرنا أصحاب خبرة ( يبتسم) المهم هو أن لا يضيع المرء البوصلة والاتجاه. لقد ظلت دائما الضمانة في مواجهة العواصف هي تماسك الشعب الأردني.

الحياة: هل رهانكم الحقيقي هو على الجيش الذي جئتم من صفوفه، وكيف تقيمون مستوى الجيش الأردني اليوم؟

جلالة الملك: الرهان أو الضمانة الأولى هو الشعب فالجيش جزء منه، صقلت تجارب العقود الماضية التضامن داخل الأسرة الأردنية الكبيرة في مواجهة الأخطار. الأردنيون أقوياء في مواجهة الأزمات ولا يسمحون لأحد بالنيل من وطنهم، هذا هو شعور المواطن الأردني وشعور العسكري الأردني، أما تقييمي للجيش الأردني فإنني أعتبره من الأفضل في المنطقة بسبب انضباطه واحترافه وجدية تدريباته والخبرة التي تراكمت لديه وإضافة إلى كل ذلك رصيده لدى كل أبناء الشعب.

الحياة: تعرض الأردن في الأسابيع الماضية لحملات كان آخرها اتهامات أيمن الظواهري " الرجل الثاني " في القاعدة؟

جلالة الملك: دعني أكون صريحاً هنا. لو صمتنا وامتنعنا عن التعبير عن قناعاتنا وآرائنا بكل شفافية لما انتقدنا أحد. نحن نعتبر أن من واجبنا سواء في الاجتماعات المغلقة أو اللقاءات العلنية أن نعبر عن قراءتنا للأوضاع في المنطقة والأخطار التي نراها تحدق بالعرب ومصالحهم. حجم هذه الأخطار يدفعنا أحياناً إلى وضع الأصبع على الجرح أو تسمية الأشياء بأسمائها لنلفت إلى ضرورة المعالجة العاجلة أو الملحة. بعض القوى التي تشن حملات علينا تفعل ذلك لشعورها أن الأردن وبحكم الخبرة والتجربة يدرك تماماً ما تسعى إليه، وفي أي اتجاه تتحرك، ومن تخدم تحركاتها. إن نهج الاعتدال الذي يعتمده الأردن لا يمنعه من المصارحة أو المبادرة وهذا أيضا يثير ضدنا بعض القوى التي تحمل أجندات لا تخدم السلام والاستقرار والتنمية.