كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في هامبورغ

٢٥ شباط ٢٠٠٥

السيد فون بوست رئيس البلدية،

الدكتور بلوبل،

حضرات الضيوف الأكارم،

السيد فيلين دانك،

أشكركم جميعاً. إنه لشرف لي أن أكون معكم، ويسعدني أن أشارك في هذا التقليد الرائع. نحتفل هذه الليلة بالحريات العريقة الباقية على مر الزمن لمدينتكم. لكن عندما تفتحون أبوابكم لضيوف مثلي فإنكم تحتفلون بما هو أكثر من ذلك؛ إذ تحتفلون أيضاً بدور هامبورغ التاريخي كمدينة لها شأنها في العالم.

عندما احتفل بهذا العيد للمرة الأولى، في القرون الوسطى، لم يكن معظم الناس على وجه هذه البسيطة قد ارتحلوا مسافة أبعد مما يستطيعون قطعه في مسيرة يوم واحد. لكن هامبورغ وقتها كانت ترسل التجار والرحالة إلى كل أنحاء المعمورة. وما تزال هامبورغ مركزاً للرؤية والأعمال الدولية، تحظى بالإعجاب في كل أرجاء العالم.

اسمحوا لي بالقول أن الروح العالمية لمدينتكم تبدو مألوفة جداً لي. فمنذ أقدم العصور، كان العالم العربي يرسل أيضاً التجار والرحالة والعلماء يجوبون العالم. وقد روي عن رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه وصف التجار "بالرسل إلى الآفاق"، كلما عملنا معاً بدرجة أكبر، ازداد تواصلنا والاتصال فيما بيننا، وبذلك نوسع الآفاق أمام الإنسانية بأسرها.

لقد وسعت هامبورغ الآفاق. وتمكنتم من التواصل مع العالم كشركاء حقيقيين، بل كجيران بالواقع، كما فعلتم أخيراً من خلال كل ما قدمتموه من مساعدة لضحايا تسونامي.

ومن هنا فإنني أشكركم مرة أخرى لإتاحة الفرصة لي لأشارككم في هذه الأمسية، وأنا سعيد - كما هو حالي دائماً - أن أعود إلى ألمانيا ثانية. فقبل خمس عشرة سنة أسهمت بلادكم في تحقيق تحول سلمي في هذه القارة. واليوم، أنتم تتمتعون بتأثير هائل في تحول عالمي آخر: إيجاد نظام دولي جديد للتعاون والسلام.

لكننا أيها الأصدقاء، لا نستطيع أن نحتفل الليلة دون أن ندرك أن هنالك فئات لها رؤية مختلفة جداً، إنهم المتطرفون الذين تزدهر أحوالهم بالصراع، والذين لا يحتملون التنوع، والذين يسعون إلى السلطة عن طريق إثارة الفرقة والدمار. فالنظام العالمي الذي يأملون في إيجاده هو نظام يعتمد على إقامة جدران جديدة وعزلة جديدة، وآفاق ضيقة بصورة متطرفة. وهو في المحصلة أجندة معادية للديمقراطية ومعادية للنمو الاقتصادي ومعادية للتقدم.

ليس هنالك إلا وسيلة واحدة للدفاع وهي أن نقف معاً،ً وأن نبقي الأبواب العالمية مفتوحة، ونوسع مجال الحوار والتعاون، ونتيح مجال الاستفادة من فرص القرن الحادي والعشرين أمام الذين يعانون من الغربة، المعرضين لخطر قيام المتطرفين بتجنيدهم. وأن نبذل قصارى جهدنا لتحقيق السلام في مناطق الصراع الخطرة.

ولا تتجلى أهمية هذا كله في أي مكان أكثر مما تتجلّى في منطقتنا، الشرق الأوسط. ففي العراق يجب أن يشجع نجاح الانتخابات الأخيرة استمرار مشاركة الناخبين. ويحتاج شعب هذا البلد مساعدتنا وهم يعملون على ترسيخ الأمن والديمقراطية، وعلى إعادة بناء بلدهم التاريخي.

ويظل الصراع العربي الإسرائيلي همّا مركزياً لنا، فلست في حاجة لأخبركم عن أثره العالمي المدمر، وبالنسبة للأطراف المعنية وللمنطقة، فقد شكّل الاحتلال والعنف والمعاناة كارثة كبيرة.

أصدقائي، لا بد أن تكون هنالك شراكة جديدة للتغيير. ونحن نعرف الطريق الذي يسير بنا قدماً، إنه وارد في عملية خارطة الطريق: فبالنسبة للفلسطينيين دولة مستقلة قابلة للحياة - توفر الكرامة ومستقبلاً إيجابياً. وبالنسبة لإسرائيل: ضمانات أمنية ونهاية للصراع. وفي عملية تؤدي إلى تسوية شاملة - تسوية تتناول المسارين السوري واللبناني - تجمع المنطقة بأسرها في عملية تعافي تظللها المصالحة.

هذا هو الوعد الذي قطعته الدول العربية في قمة بيروت في عام 2002، وتبنته اللجنة الرباعية ومجموعة الدول الثماني الصناعية. وفي العقبة، في الأردن، وافق عليه الفلسطينيون والإسرائيليون في عام 2003. وقبل بضعة أسابيع شاركت في استضافة قمة شرم الشيخ حيث أعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون التزامهما بالشراكة من أجل السلام.

والخطوة التالية ليست أقوالاً بل أفعالاً- العمل الجادّ والشجاعة لصنع التاريخ. كما يحتاج أصدقاء السلام دعمنا وستكون هنالك فرصة هامة في مؤتمر لندن في الأسبوع القادم. إذ سيركز على دعم الجهود الفلسطينية لتعزيز المؤسسات الديمقراطية وتوفير الأمن. وستجري أيضاً مناقشات اقتصادية لحشد موارد التنمية وصياغة المستقبل الجديد الحافل بالأمل للفلسطينيين.

وبالفعل، فإن الأمل هو المفتاح لمستقبل منطقتنا بأسرها. فالصراع الإقليمي أعاق التنمية والإصلاح لفترة طويلة جداً. ونحن لا نريد المزيد من ذلك، فهنالك اليوم اتفاقاً واسع النطاق في العالم العربي على الحاجة إلى إعطاء الناس الفرص التي يستحقونها.

لقد أخذ الأردن على عاتقه الالتزام، بالحاكمية الصالحة الرشيدة وبحقوق الإنسان وبالمساواة بين الجنسين، وبالإبداع والإبتكار والشراكة مع القطاع الخاص، وبمجتمع مدني عصري منفتح متجذّر في القيم العربية الإسلامية الحقيقية: السلام، والتسامح، وسيادة القانون، والسعي إلى التميز. وقد قام بلدنا فعلاً بإصلاحات هيكلية لبناء الحياة الديمقراطية على جميع مستويات المجتمع. وفي كانون الثاني أرسينا إصلاحات إدارية لزيادة الحكم الذاتي في الأقاليم- وهو شكل من الفدرالية التي أفادت ألمانيا.

كما أننا ملتزمون أيضاً بإيجاد أفضل النظم التربوية والرعاية الصحية، ونتيجة لهذه الجهود وغيرها، يحتل الأردن باستمرار مرتبة عالية وفقاً للمعايير الدولية للتنمية البشرية بمستوى عالمي.

وفي هذا العالم المترابط، لا يمكننا أن ننجح منفردين. فالأردن مصمم على أن يكون مشاركاً بصورة تامة في السوق العالمي، ونحن نعتز بأننا أول بلد مشرقي يوقع على اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وقد عملنا على إيجاد مناخ تجاري واستثماري جاذب. واسمحوا لي أن أقول إننا ممتنّون جداً لأصدقائنا وشركائنا التجاريين الألمان على مشاركتهم ودعمهم.

إن نهج الأردن - روحه وفعاليته وجذوره المحلية المنبت - يوفر نموذجاً ملائماً للمنطقة بأسرها. وفي الحقيقة فإن الشغف بتحقيق النتائج يشاركنا فيه الكثيرون. وكما يعلم البعض منكم، تشرف الأردن بإستضافة المنتدى الإقتصادي العالمي في البحر الميت. وفي الإجتماع الذي سيعقد في شهر أيار القادم، سيطلق قادة عرب من رجال المال والأعمال والمجتمع المدني خطة عمل عملية جديدة، ترمي إلى تحقيق الإصلاح والتنمية الإقليمية المستدامة.

إننا لا نسعى إلى قيادة من أصدقائنا في الدول الصناعية، بل نسعى إلى الشراكة. وليس هنالك من بلد أظهر إلتزاماً بتلك الشراكة أكثر من ألمانيا. فخبراتكم في التغلب على نزاعات امتدت قروناً، وفي جسر الهوة وإيجاد حوار جديد بين الدول، تبدو اليوم ملائمة أكثر من أي وقت مضى.

واليوم، لدينا السلطة معاً لإيجاد عهد من السلام والتقدم يفيدنا جميعاً - الشرق والغرب، والشمال والجنوب. وفي نهاية المطاف، فإننا نعرف ما هو مطلوب لتحقيق النجاح فنحن لدينا الاستراتيجيات، ولدينا المعرفة ولدينا الأدوات الإقتصادية. والآن نحتاج إلى الالتزام، والرغبة الشديدة بتوسيع آفاقنا.

وعلينا أن لا نؤخر ما سننهض إلى عمله، ولتسمحوا لي أن أقتبس مما قاله الشاعر الألماني العظيم جوتّه: " ما الذي يجعلنا ننجح؟ انه بسرعة إتخاذ القرار!"

ولكم جزيل الشكر،،